استضافت مدير مركز عمان للموسيقى التقليدية -
العامرات - عيسى بن عبدالله القصابي -
أقيمت مساء أمس الأول بمتنزه العامرات العام الجلسة الحوارية الثانية من جلسات «المقهى الأدبي» التي يحتضنها ركن الكتاب والمقهى الأدبي وتنفذها وتديرها مؤسسة بيت الغشام للصحافة والنشر والتوزيع، بالتعاون مع اللجنة الثقافية لمهرجان مسقط 2018.
الجلسة استضافت الموسيقي والباحث في الفنون الموسيقية مسلم بن أحمد الكثيري مدير مركز عُمان للموسيقى التقليدية، الذي تحدث عن مكانة غناء الصوت في التراث الموسيقي العماني، برفقه الفنان جمعة بن فائل العريمي، عضو مركز عمان للموسيقى، الذي قدم وصولا غنائية منوعة بمصاحبة عدد من العازفين تفاعل معهم الحضور بشكل لافت.
في بداية الجلسة التي أدارها الشاعر حسن المطروشي قدم مسلم الكثيري تمهيدًا لمفهوم غناء الصوت في التراث الموسيقي العماني حيث قال في التراث الموسيقي العُماني، هناك فرق بين الصوت كمصطلح فني بمعنى الأغنية أي أغنية، والصوت كفن موسيقي له قالب فني (قالب السهرة) وصيغة لحنية وإيقاعية وأسلوب أداء متفرد. من هنا، فإن الأصوات بالمعنى الأول كثيرة ومتنوعة، غير أن الفن الموسيقي المشهور بالصوت الخليجي له قصة جديرة بالعناية والدراسة لما لها من أهمية ليس في تاريخ الموسيقى بعُمان وجنوب الجزيرة العربية والخليج فحسب بل وكذلك في منطقة المحيط الهندي وشرق آسيا.
وأشار الكثيري إلى أنه في مطلع القرن العشرين ظهرت تقنية تسجيل الأغاني وإنتاج الأسطوانات وتجارتها الأمر الذي ساهم في حفظ جزء مهم من التراث الغنائي للمنطقة. وفي ظل تزايد العناية بالموسيقى المحلية وتراثها، وإدراك أهميتها في صياغة الهويات الثقافية الجديدة وتأصيلها في الدول التي نشأت حديثا في منطقة الخليج خلال القرن العشرين، قدم بعض الدراسين من المتأخرين تأويلات واستنتاجات غير دقيقة عن أصول الأصوات الخليجية أثارت جدلا بين اليمنيين والخليجيين.
لعب أهل الكويت والبحرين بصفة خاصة دورا تاريخيا في الحفاظ على الصوت ونشره بالأسلوب الذي نعرفه اليوم باعتباره رمزًا للهوية الخليجية عامة والكويت والبحرين خاصة، ودليل على الدور الثقافي والفني للخليج الذي برز بشكل مؤثر كمركز استقطاب للفنانين الموسيقيين من أرجاء الجزيرة العربية بلغ أوجه في الستينات والسبعينات من القرن العشرين. ومن الملاحظ أن الهوية الموسيقية الخليجية قد توسعت إلى خارج حدودها الطبيعية لتشمل في وقتنا هذا كل أرجاء الجزيرة العربية من جده غربا إلى المكلا جنوبا ومسقط شرقا. وأضاف: إن مناقشة مسألة غناء الصوت في التراث الموسيقي العُماني أمر حديث جدا، ورغم أن الكاتب قد تطرق إلى جذور هذا الفن الموسيقي في بحث سابق منشور بعنوان «جذور غناء العوادين العُمانيين وتطوره» إلا أنه ربما تكون هذه المقالة الأولى التي تحمل هذا العنوان المباشر، ذلك أن الدراسات الموسيقية في عُمان نشأت متأخرة بعد تأسيس مركز عُمان للموسيقى التقليدية 1984م، وهي بشكل عام لا تزال في بداياتها، وتواجه تحديات متنوعة منها قلة الباحثين المختصين. في المقابل لا تولي البحوث والدراسات عن الموسيقى في الخليج واليمن أهمية لدور العُمانيين الفني. وإذا كانت الأصوات التقليدية - بمعنى الأغاني - في ظفار تؤدى في الغالب بمصاحبة آلات إيقاعية باستثناء شرح بيت توفيق، فإن الصوت كفن موسيقي يؤدى بمصاحبة آلة العود، وأبرز مشاهيره في عُمان هم من مدينة صور.
وأكد الكثيري على أن شهادات الممارسين العُمانيين رغم قلتها هي على درجة كبيرة من الأهمية، ولكن قبل أن استعرض بعض ما تمكنت الحصول عليه منها، لا بد أولا من النظر في معنى «الصوت» كمصطلح في التراث الموسيقي العُماني ودلالاته الفنية، وتقديم بعض الملاحظات التي أسست لإشكالية أصل الصوت في الخليج وجذوره الثقافية والفنية.
جاء في معجم موسيقى عُمان التقليدية بشأن تعريف الصوت بأنه «مصطلح عام يشير إلى مقطوعات غنائية، يسبق هذا المصطلح اسم الفن الذي يغنى فيه مثل صوت برعة، غناء تؤديه فرقة بيت توفيق في صلالة وصوت شرح، غناء تؤديه فرقة بيت توفيق في صلالة مصاحبا للعبة الشرح وصوت الهوج، من أغاني الأعراس التي تؤديها فرقة حديد بن شمسة في مرباط وصوت سيلام، من الأصوات التي تؤديها فرقة حديد بن شمسة في مرباط وفي دراسة سابقة أشار الباحث إلى تطابق معنى الصوت في التراث الموسيقى العُماني مع ما جاء بشأنه في كتاب الأغاني الشهير.
وتطرق الباحث مسلم الكثيري في حديثه عن الصوت الخليجي حيث قال: إنه في ظل الثورة المعلوماتية الحديثة، تكشفت الكثير من الحقائق عن وجود هذا النوع من الغناء وممارسته بأساليب فنية متنوعة في منطقة جغرافية واسعة تمتد من اليمن جنوبا إلى عُمان والخليج وكذلك إلى شرق إفريقيا والهند وشرق آسيا. وهذا يعني أن نتائج الدراسات السابقة التي كانت تقتصر على حدود دول مثل الكويت أو البحرين وتنفي وجود الصوت في أي مكان آخر هي على المحك الآن، والمعلومات الجديدة تؤيد وجهة النظر اليمنية والحضرمية على وجهة الخصوص، فأينما كان الصوفيون الحضارم كان الشرح والصوت. وأصوات الزربادي والموزعي الحضرمية التي نعتقد أنها الأصل، يماثلها شرح بيت توفيق في مدينة صلالة، وشرح بيت شمسه في مرباط، وشرح مدينة قريات التي تقع ضمن إدارة محافظة مسقط العاصمة.
تشير معظم المصادر ذات الصلة بالتأريخ للصوت كفن موسيقي في الخليج إلى أن رواده الأوائل كعبدالله الفرج في الكويت (1836 - 1901/1903) ومحمد بن فارس في البحرين (1895 - 1947) كانا قد أخذا هذه الصنعة الفنية عن الفنانين العرب الجنوبيين اليمنيين عامة والحضارم خاصة. وفي تقديمه لكتاب الموسيقى والغناء في الكويت كتب المؤرخ الكويتي أحمد البشر الرومي: «ولد الفرج وتربى في مدينة بومبي بالهند عام 1836م (..)، وكانت بومبي في تلك الأيام تزخر باليمانيين من جميع أطراف اليمن وهم أهل طرب (..) ومن المحتمل جدًا أن تكون صلات عبدالله الفرج بالغنائيين من هؤلاء اليمنيين قوية جدًا بدليل معرفته بالأصوات والاستماعات اليمنية معرفة ممتازة مما أتاح له أن يدخل عليها التعديلات التي أكسبتها هذه الحيوية الحية والجمال مما لم نجده في الأصوات والاستماعات اليمنية الحالية».
بعد ذلك ذهب مسلم الكثيري بالحضور للحديث عن الصوت العُماني حيث أشار إلى أن أقدم الروايات تعود عن ممارسة الصوت كفن موسيقي خاص بالعوديين العُمانيين إلى أواخر القرن التاسع عشر مع واحد من مشاهير الصوت العُمانيين والمنطقة في ذلك الوقت هو شهاب أحمد (أو أحمد شهاب)، ولكن توجد صعوبة كبيرة في العثور على بيانات لهذا الفنان المحترف.
وأضاف: إن وجود هذا الشخص ليس خياليا بل واقعي، وقد أكد لي ذلك أكثر من موسيقي عُماني وفي مقدمتهم الفنان عوض بن حمد حليس، وكذلك الفنان محمد المسقطي، وكلاهما أكدا لي بأنهما شاهدوه، وهو حسب وصفهم فنان ومصوت له سمعة وشأن كبير في ذلك الوقت. وقال لي المسقطي: إنه كان يستقبل المطربين الذين يتوافدون مع السفن التجارية إلى مسقط وهذه الرواية تتطابق مع ما ذكره العماري في كتابه الشهير عن محمد بن فارس ويعتقد المسقطي أن شهاب أحمد من أصول حضرمية وجاء ليعمل في مطرح في إطار التعاون بين حكومتي مسقط والمكلا، واستقر في مطرح وتزوج وله أبناء وأحفاد. فيما كان الفنان عوض وهو من المتمرسين في أداء الأصوات قد حضر في صغره مع والده جلسة لشهاب أحمد بالقرب من مسقط، وكانت مثل هذه الجلسات الغنائية سرية وتتم في أماكن خاصة خارج المدينة.