عوض بن سعيد باقوير - صحفي ومحلل سياسي - المجتمع المدني اصبح يمثل ظاهرة حيوية في المجتمعات ، من خلال ما تسهم به النقابات والجمعيات والاتحادات من عمل مهني ووطني ، يساهم في الارتقاء والنهوض بالقضايا الوطنية مما يجعل الشراكة المجتمعية تسير وفق المنهجية التي من خلالها تنجح تلك الشراكة ، سواء مع الحكومات او القطاع الخاص مما يساعد على بناء منظومة مدنية يكون لها إسهامها الذي يساعد على ايجاد مبادرات واسهامات تفعل من العمل التطوعي الوطني لأي مجتمع. تطور المجتمع المدني المجتمع المدني في السلطنة حديث العهد، وكانت جمعيات المرأة العمانية هي اللبنة الاولى لتشكيل المجتمع المدني في السلطنة ، بحكم إنشائها في وقت مبكر ، بالاضافة الى الاندية الرياضية ، ومن هنا فإن الجمعيات المهنية المدنية لم يمض عليها الا سنوات معدودة ، مما يعني ان هذه الجمعيات المدنية تحتاج الى إعادة نظر خاصة على الصعيد القانوني والتشريعي . فجمعيات الصحفيين والكتاب والادباء والمحامين والمهندسين وغيرها من الجمعيات ، على سبيل المثال ، لم يمض على اشهارها اكثر من عقد من السنين ، ومن هنا فإن قانون الجمعيات الاهلية اصبح لا يلبي التطور النوعي للمجتمع المدني ، من خلال القانون القديم . وعلى ضوء التطور السياسي والاجتماعي للسلطنة والانفتاح المعرفي على العالم ووجود كوادر وطنية ، ووجود مناخ يساهم في انطلاق جمعيات المجتمع المدني ، فلعل الوقت اصبح ملائما لظهور القانون الجديد حتى يمكن ان يكون للمجتمع المدني آليات حديثة ينطلق من خلالها الى خدمة المجتمع بشكل افضل ، خاصة بعد ما حدث ويحدث من تطور في العديد من المجالات . ولاشك ان قانون الجمعيات الاهلية ، والذي كان يعنى بجمعيات المرأة مع وجود بعض التعديلات قد أدى غرضه في مرحلة سابقة ، لكن التطور الطبيعي للمجتمعات والمتغيرات الاقليمية والدولية وانضمام تلك الجمعيات الى اتحادات قارية ودولية، بات يفرض وجود تشريع مرن ، يمكن تلك الجمعيات المهنية من التعاطي مع تلك المتغيرات بشكل يسهل عملها وفقا لقانون مرن ينسجم والمعطيات الوطنية الجديدة . ان جمعيات ومؤسسات المجتمع في السلطنة تواجه العديد من القضايا ، ولعل في مقدمتها عدم وجود قانون حديث يتسم بالفاعلية، ويوفر مزيدا من الاستقلالية لتلك الأدوات الوطنية ، حتى تخدم المشهد المدني الوطني بشكل اكثر احترافية ومهنية ، فهناك على سبيل المثال ، معوقات وتحديات حقيقية أمام مؤسسات المجتمع المدني التي تقيد قدرتها على الحركة، مما يعطي انطباعا سلبيا على قدرة تلك الجمعيات في ايجاد النشاط وديمومة الحركة في المجتمع باعتبارها تخدم قطاعات واسعة من الفئات في المجتمع ، وايضا تعطي انطباعا لدى الكثيرين بأن العمل في هذه الجمعيات مقيد بأنظمة وقوانين لا تخدم المجتمع المدني الحديث بالشكل المأمول . وعلى ضوء الخبرة التراكمية فإن تلك الجمعيات تحتاج الى القانون الجديد الذي لايزال حبيس الإدراج ، رغم مرور عدد من السنوات من مناقشته ومراجعته ، ومن هنا فإن تأخير هذا القانون لا يخدم مؤسسات المجتمع المدني، بل قد يؤدي الى إحباط بين المشتغلين بالعمل المدني التطوعي، وهذا لا يساعد على انجاح الشراكة المجتمعية ، التي لها دور مهم في العمل الوطني ، ونأمل ان يرى هذا القانون الجديد للجمعيات الاهلية النور قريبا ، ليعطي دفعة لتطور المجتمع المدني ، من خلال تلك المنصات المهمة للعمل المدني ، وخدمة اكبر عدد من فئات المجتمع في السلطنة . الدعم الحكومي ضرورة لايمكن ان يعمل المجتمع المدني ومن خلال ادواته الناعمة ، وهي الجمعيات ، الا من خلال الدعم الحكومي ، وايضا دعم القطاع الخاص له ، ومن هنا فإن هذه الأدوات الناعمة تلعب دورا وطنيا مهما ، في اكثر من مجال ، ولعل إلقاء نظرة فاحصة على منظمات المجتمع المدني في الغرب ، وفي الولايات المتحدة ، نجد ان هناك دعما كبيرا من الحكومات ومن البرلمانات ولها كيانات في غاية الاهمية ، واصبحت تلك المنظمات المدنية تلعب أدوارا حتى خارج حدود بلدانها في إطار خدمة اهداف دولها وبما ينسجم مع التوجهات الوطنية لها. هناك عدد من الجمعيات في السلطنة تحتاج الى دعم ، والى مقرات تمارس من خلالها دورها المجتمعي ، خاصة تلك الجمعيات ذات الطابع الإنساني الخدمي ، ومن هنا فإن التطلع يتجه نحو الحكومة ، أملا في ان تناقش هذا الأمر للوصول الى حلول مناسبة ،وان يكون هناك تقييم للانشطة والحركة التي تساهم في تفعيل عمل تلك الجمعيات ، في مجالاتها العديدة . ان نشاط جمعيات المجتمع المدني اصبح ملحوظا في السنوات الأخيرة خاصة في المحافظات ، ومن هنا فإن مسألة الدعم المادي المقنن سواء من الدولة او القطاع الخاص اصبح ضرورة لأن تنشيط عمل المجتمع المدني يعني تراكم الخبرة للكوادر الوطنية ، وأيضا يكون المجتمع المدني داعما اصيلا للعمل الوطني ، ومشاركا فاعلا في كل الانشطة في المجتمع ، من حركة معرفية ، وثقافية ، وإنسانية ، تنشر ثقافة العمل التطوعي ، والتي اصبحت من اهم الادوات الحضارية لأي دولة في العالم ، مما يتوجب على مجلس عمان ( مجلس الدولة ومجلس الشوري ) ان يتابع نتائج دراساته في هذا المجال من قبل لجنتي الإعلام في المجلسين . كما انه من المأمول بالنسبة لوزارة التنمية الاجتماعية ، وهي المشرفة على عمل الجمعيات الاهلية ، ان تستعجل صدور القانون الجديد ، والذي سوف يحدث النقلة النوعية في العمل المجتمعي المدني في السلطنة ، مما يضفي على العمل التطوعي المزيد من التنظيم والشفافية والتحفيز لأفراد المجتمع للانخراط في تلك المؤسسات المدنية، بدلا عن العزوف الكبير عنها .مما أدى الى ان معظم الجمعيات الاهلية تعتمد على عدد قليل من الافراد الذين يسيرون اعمال الجمعيات ، وفي مقدمتهم اعضاء مجالس الادارات ، وهذا لا يساعد على تفعيل العمل بشكل منظم ، كما ان تلك الجمعيات لا بد ان تحدث لوائحها الداخلية ، وان يكون هناك تغيير جوهري في نمط عملها في ظل تلك المتغيرات المهنية ، التي تحدث في المجتمع ، ووجود جيل جديد يحتاج الى نمطية جديدة من التفكير ، بعيدا عن أية معوقات بيروقراطية . ومن هنا فإن بقاء مؤسسات المجتمع المدني فاعلة وقوية وقدرتها على تقديم خدمة نوعية للمجتمع ، يعتمد على عوامل اهمها الدعم الرسمي والاهلي لها ، وايجاد تشريعات مرنة تساعد علي انطلاق عمل تلك الجمعيات ، بدلا من الحد من قدرتها بإجراءات أصبحت غير صالحة لمرحلة مختلفة ومناخ مختلف وادوات ومتغيرات يشهدها المجتمع العماني . التكامل بين ادوات العمل الوطني على ضوء التطور الطبيعي للمجتمع وظهور الكوادر الوطنية المتعلمة ، والاحتكاك بثقافات جديدة وسياسة عمان الخارجية ، والتي اصبحت نموذجا يحتذي في العالم لا بد ان يستثمر تلك السمعة الجيدة والاحترام الواسع للسلطنة ، وذلك من خلال تفعيل الادوات الناعمة ، التي تخدم الوطن داخليا وخارجيا ، من خلال تناغم العمل المهني مع خطوات السلطنة المتطورة في كل المجالات ، مما يعني ان المجتمع المدني لا بد هو الآخر ان يشهد التطور المنشود حتى ينسجم مع سياسة خارجية مشهود لها عالميا وخطاب اعلامي، تجنب الصورة السلبية التي نراها الآن من توجهات الاعلام العربي بوجه عام ، حيث التدني المهني وحتى الاخلاقي أحيانا ، في الخطاب الاعلامي فجمعيات المجتمع المدني يمكن ان يكون لها دور مضاعف على صعيد خدمة الوطن من خلال ما تمت الاشارة اليه ، ومن هنا فإنه من المأمول ان يحظى هذا الموضوع بالاهتمام الذي يستحقه ، فهناك دول ومن خلال اهتمامها بالمجتمع المدني اصبح لها ادوات مهمة تخدم قضاياها الوطنية ، ورغم ذلك فان بعض الجمعيات المدنية في السلطنة لعبت ادوارا وطنية مهمة خلال العقد الاخير، وهذا يعني ان هذه الادوار يمكن ان تكون اكثر فعالية وايجابية اذا تطورت القوانين والتشريعات مما يحفز تلك الجمعيات الى مزيد من العطاء ويحفز الأفراد على العمل والمشاركة بأفكار جديدة وهو أمر نراه في غاية الاهمية ، فالتكامل بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني ، هو امر ضروري ، مما يستوجب ان نعي ضرورة إشراك المجتمع المدني، وان يكون شريكا اصيلا في العملية التنموية والفكرية والمجتمعية في البلاد ، ولا شك ان الوعي بأهمية تلك الادوات الناعمة سوف يضيف الى المشهد الوطني اسهامات مميزة داخليا وخارجيا ، ويجعل من المجتمع وافراده خلية نشاط ينعكس نتائجها على المجتمع ، مما يرقى بالدولة الوطنية الحديثة ذات المؤسسات المدنية الفاعلة ويجعل المجتمع يتسم بالفاعلية، وردود الفعل الإيجابية ، ولعل المشهد المجتمعي البارز عند تعرض السلطنة الى الأنواء المناخية في عام 2007 هو شاهد على ما نقول حيث كان المشهد المجتمعي مشرفا وفي إطار اللحمة الوطنية الواحدة .