بعد مخاض عسير - بيروت - الأناضول: بعد مخاض عسير، تقترب خريطة التحالفات في الانتخابات النيابية اللبنانية يوما بعد يوم من الظهور بشكلها النهائي، في ظل استعدادات ماراثونية تجريها القوى السياسية لخوض المعركة المرتقبة في مايو المقبل. وتجرى الانتخابات في 6 مايو المقبل وفق النظام النسبي، على المقاعد الـ128 في مجلس النواب الذي يتقاسمه المسلمون والمسيحيون مناصفة، فيما يغلق باب الترشح في السادس من الشهر القادم. أبرز ملامح هذه الخارطة حتى اللحظة هو استبعاد تحالف تيار «المستقبل» الذي يقود تكتل «14 آذار» والذي يترأسه رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري مع «حزب الله» الذي يقود تكتل «8 آذار». خيارات «المستقبل» وتكشف مصادر قيادية في «المستقبل» لوكالة «الأناضول» أن «البحث ما زال مستمراً مع التيار الوطني الحر» برئاسة وزير الخارجية جبران باسيل من أجل التحالف في بعض الدوائر، كذلك مع حزب «القوات اللبنانية»، لكن الأكيد أن لا تحالف مع «حزب الله». ويستعد تيار «المستقبل» لخوض معركة قاسية في الدوائر الانتخابية، وسيخوض الانتخابات في دائرتي طرابلس وعكار شمالي لبنان من دون التحالف مع الشخصيات التقليدية. وتسود بعض الأوساط المستقبلية مخاوف من فوز وزير العدل السابق أشرف ريفي الذي انشق عن «المستقبل» بعدد لا يستهان به من المقاعد في المناطق السنية. ويبلغ عدد المقاعد السنية 27 مقعداً من أصل 128 مقعدا يشكلون المجلس النيابي اللبناني. تحالف «حزب الله، أمل» وينفي «حزب الله» (ممثل برلماني بكتلة «الوفاء للمقاومة») نيته حصد الغالبية النيابية والسيطرة على البرلمان تمهيداً للسيطرة على الغالبية الحكومية. وأكد مصدر في قوى «8 آذار» (القوى التي يتزعمها حزب الله) لوكالة «الأناضول» أن «الكلام عن محاولتنا السيطرة على الغالبية البرلمانية لا أساس له من الصحة، وقد أكد هذا الأمر الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، وهذه المقولة هي لتجييش ناخبي الفريق الآخر وتخويفهم». وأعلن «حزب الله» أسماء مرشحيه الاثنين الماضي، وكذلك فعلت حركة «أمل» (ممثلة بكتلة «التنمية والتحرير» بزعامة رئيس مجلس النواب نبيه بري). وأعلن الثنائي (حزب الله، أمل) تحالفهما في الانتخابات المقبلة، ويعملون لحصد جميع المقاعد الشيعية البالغ عددها 27 مقعدا. ويقسم لبنان إلى 5 محافظات أساسية هي: بيروت، الشمال، جبل لبنان، البقاع، والجنوب، مقسمة بدورها بحسب قانون النسبية الجديد إلى 15 دائرة انتخابية، على أن يتم توزيع مقاعد كل دائرة على القوائم المختلفة، بحسب نسبة الأصوات التي حصلت عليها كل قائمة في الانتخابات. وفي السابق كانت الانتخابات في لبنان تجري على أساس النظام الأكثري الذي أقر عام 1960 (قانون الستين) الذي يعتمد على التصويت وفقا لتقسيمات إدارية ومحاصصة تراعي الخصوصية الطائفية للقوى السياسية، حيث يعتبر القانون القضاء دائرة انتخابية، والفوز بها بحسب نيل المرشح أكثرية الأصوات. ويخوض تحالف «حزب الله» وحركة «أمل» المعركة في دوائر البقاع والجنوب الستة، ودائرتي بعبدا وجبيل- كسروان في جبل لبنان، ودائرة بيروت الثانية. الساحة المسيحية بدورها، تشهد الساحة المسيحية منافسة شرسة، ويملك المسيحيون نصف المجلس النيابي، أي 64 نائبا يتوزعون في كل الدوائر. ويعتبر جبل لبنان والشمال وبيروت الشرقية مركز ثقلهم الأساسي، ويتنافس على الزعامة المسيحية أحزاب وقوى عدة أبرزها «القوات اللبنانية»، الكتائب (معارض برئاسة سامي الجميل)، و«التيار الوطني الحر» الذي كان يترأسه رئيس الجمهورية ميشال عون، وتيار «المردة» (برئاسة سليمان فرنجية)، وبعض الشخصيات المستقلة. وتجري محاولات لتشكيل تحالف انتخابي بين «القوات» و«التيار الوطني الحر»، لم تصل إلى نهايتها السعيدة بعد. وستكون هناك إطلالة مهمة لحزب «القوات» في 14 مارس المقبل وهو التاريخ الذي شهد انطلاق انتفاضة الاستقلال في عام 2005 من أجل المطالبة بخروج الجيش السوري من لبنان والكشف عن مرتكبي جريمة اغتيال الرئيس السابق للحكومة رفيق الحريري (عام 2005). ويؤكد للأناضول القيادي في «القوات اللبنانية» شارل جبور الذي يترأس جهاز التواصل والإعلام في الحزب أن «القوات» بعدما أنهى القسم الأكبر من ترشيحاته باستثناء دائرتين تفرغ للتواصل السياسي مع أكثر من فريق في محاولة لنسج تحالفات انتخابية تنسجم مع توجهاته السياسية». ويضيف «ما يحصل مع «القوات» ينسحب على كل القوى السياسية حيث من الواضح أن عقد التحالفات ليس بسيطا كما يراه البعض». واعتبر جبور أنه «لا يوجد أي فريق أغلق تحالفاته، وإنما الاتصالات جارية مع أكثر من فريق، مع الحزب «التقدمي الاشتراكي» (حزب درزي برئاسة وليد جنبلاط) في دائرة الشوف وعاليه، ومع «التيار الوطني الحر» وتيار «المستقبل» وشخصيات مستقلة في دوائر عدة؛ لذلك لا نقول إن «القوات» حسم تحالفاته». ولفت إلى أن حزبه يطمح في إنهاء تحالفاته قبل إطلاقه مهرجان 14 آذار، وإطلاق برنامجه الانتخابي الذي يركز على العناوين السيادية والإصلاحية. وتجري محاولات لإبرام أكثر من تفاهم بين القوى المسيحية وقوى من طوائف أخرى. وشدد مصدر سياسي في «التيار الوطني الحر» مفضلا عدم الكشف عن اسمه في حديث للأناضول أن «أبواب التفاهم مفتوحة مع الجميع والمسألة تحتاج بعض الوقت». واعتبر أكثر من مسؤول في «القوات» و«التيار الوطني الحر» أن «التفاهم بات قريبا بين الطرفين في دوائر جزين- صيدا في الجنوب، وزحلة في البقاع، وبيروت الأولى (غالبيتها مسيحية) فيما تبقى دوائر أخرى أبرزها المتن، وكسروان- جبيل (جبل لبنان) ودائرة الشمال المسيحية بحاجة إلى مزيد من الدراسة. ويتجه حزب الكتائب إلى إعلان المزيد من الترشيحات من دون التحالف مع «القوات» بسبب تعثر الحوار بينهما. وحدد تيار «المردة» الذي يتواجد بشكل أساسي في الشمال اتجاه تحالفاته مع شخصيات وأحزاب «8 آذار»، بقيادة «حزب الله». موقع الدروز ويعمل رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط على الإسراع في تحالفاته. ويعتبر الدروز الذين يتزعمهم جنبلاط أقلية، ولكن دورهم السياسي يتخطى حجمهم الديموغرافي. ولا توجد إحصائية رسمية لعدد الدروز في لبنان، ولكن تقديرات غير رسمية تقدر عددهم بما يزيد عن 200 ألف نسمة، من إجمالي عدد سكان لبنان المقدر بنحو 5.4 مليون نسمة. وحاز الدروز على 8 مقاعد نيابية فقط من أصل 128، في آخر انتخابات شهدها لبنان (عام 2009)، ولكن جنبلاط يعمل للحفاظ على دورهم ووجودهم السياسي. ويتركز الوجود الدرزي بشكل أساسي في جبل لبنان الجنوبي، ولهم بعض الوجود في بيروت وحاصبيا والبقاع الغربي وراشيا. ويتجه جنبلاط للتحالف مع «القوات اللبنانية» وتيار «المستقبل» في جبل لبنان الجنوبي، ويجري حواراً مع «التيار الوطني الحر» لتشكيل ائتلاف يضمه هو الآخر. وكان جنبلاط قد أعلن دعمه لمرشح حركة «أمل» في حاصبيا (الجنوب) عن المقعد الدرزي النائب أنور الخليل، في تأكيد على عمق العلاقات بين جنبلاط وبري.