تونس المحروقية - [email protected] - hlaa202020 @ - أوجدت وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف منصاتها بيئة خصبة لانتشار حسابات كثيرة لأشخاص ربما كانوا مهمشين في مجتمعاتهم قبلها أو لم يكن يكترث لأمرهم أحد بل ربما اعتبروهم يهذون عندما يبدأون في الحديث وربما ذهبوا لأبعد من ذلك بوصفهم بالسفه قبل أن ينصرفوا عنهم. بدخولك هذا العالم الافتراضي ستجد الكثيرين من البشر في البلد الذي تنتمي إليه ممن لديهم أعداد متابعين يتجاوزون عشرات ومئات الألوف، ستنتبه أنهم ليسوا فنانين ولا مطربين ولا مذيعين ولا حتى “فاشينستا” حتى يحصدوا هذا الكم من المتابعين، فهم بلا توصيف حقيقي مرتبط بأسباب الشهرة يجعل عدد من يتابعهم بهذا المقدار من الأرقام . ستدخل حسابات أولئك الأشخاص فتجد أغلب المنشورات فيها عبارة عن إعادة نشر لعبارات كتبها آخرون أو نشر الأخبارالمستمدة من الحسابات الإخبارية دون الإشارة لها، أو كتابة بعض المنشورات في الوسوم الأكثر تداولا في البلد بمشاركات قد تكون استفزازية، سيلفتك لجوء أصحاب تلك الحسابات لالتقاط الصور والمقاطع المرئية مع المسؤولين الحكوميين أو رجال الأعمال أو المشاهير من نجوم المجتمع والأدب والفن والإعلام في البلد كي يثبتوا وجود صلات مع تلك الكيانات المتحققة، ستسأل نفسك من هم هؤلاء ؟ لكن لا جواب، ستجدهم أيضا يحضرون بين فترة وأخرى فعاليات مجتمعية مهمة دون أن تفهم أسباب دعوتهم وما يرتكزون عليه من نجاحات تجعلهم يدعون لمثل تلك الفعاليات؟ لن يغيب عن انتباهك أنهم كثيرا ما يتباهون بما لديهم من منازل فارهة أو مزارع أو سيارات ربما ليست من ممتلكاتهم، كما لا ينسون أن يتباهوا برحلة قصيرة لا تتجاوز حدود الدولة ، ولن يغيب عن ذهنهم أن يصوروا مع بعض معجبيهم الذين التقوا بهم صدفة في تلك الرحلة وأصروا على تسجيل مقاطع مرئية لهم ليعبروا عن مدى حبهم لتلك الشخصية التي تجهلها أنت. ستنتبه في رحلة محاولتك التعرف على كينونتهم بأنهم موجودون في تلك المنصات الإلكترونية بدوام كامل، وكأن لا حياة لهم خارج تلك القنوات، إذ تبدأ صباحاتهم هناك وتنتهي مساءاتهم أيضا هناك، ويفرحون ويتلقون التهنئات هناك، ويبكون ويتلقون التعزيات أيضا هناك، ستقول لنفسك: ربما سبب شهرتهم أنهم مخلصون لتلك المنصات الإلكترونية ويداومون فيها بدوام كامل. ستعرف بعد ذلك من المستخدمين لوسائل التواصل الاجتماعي في بلدك أن هؤلاء المجهولين بالنسبة لك والذين لا تعرف لهم أسباب نجاح واضحة هم المؤثرون وهم من يقودون الرأي العام، ستصدم ثم تسأل نفسك: ما هي خلفيتهم المعرفية والمجتمعية حتى يقال عنهم ذلك؟ وهل امتلاكهم لذلك العدد من المتابعين يمثل فعلاً محبة مجتمعية ؟ ستبحث أكثر وتتوغل أعمق في الموضوع حتى تكتشف أن عشرات الألوف من المتابعين وربما مئات الألوف في حالات متقدمة هم متابعون وهميون قام أولئك المجهولون بشرائهم من شركات معنية بهذا الأمر، ومتخصصة في إنشاء حسابات وهمية تديرها ثم تبيعها للراغبين في الشهرة والظهور بمظهر المهمين ! إذا لم تكن شعبية بل خدعة ! ستستغرب أكثر وتقول: ما حاجتهم لشراء من يتابعهم ؟ ما الذي قد يدفع شخصا للدفع لشركة كي توفر له أعدادا كبيرة من المتابعين؟ ستعود لمبادئك وتسألها: ألا يعد ذلك غشا ؟ ستبدأ بعدها في ملاحظة أن أصحاب تلك الحسابات كل ما عليهم هو أن يكتبوا منشورا حتى يقوم متابعوهم الوهميون بأعدادهم الهائلة بإعادة نشره في حساباتهم وتداوله بغزارة ليشتهروا ويظهروا بمظهر المؤثر، كما أنهم يستطيعون أن ينشئوا وسوما “هاشتاجات” معينة بموضوع قد يكون سطحيا ولا يعني أحدا غيرهم، لكن متابعيهم الوهميين سيشاركون في ذلك الوسم حتى يصبح الأكثر تداولاً في تلك الدولة فيظهر تأثيرهم فيها، وهنا ستفهم قيمة شراء المتابعين من قبلهم والمتمثل في أنه يصنع لهم قيمة بعد أن كانوا أقرب للنكرة في محيطهم ! ستقول لا بأس إن ظل الأمر في تلك المنصات فحسب فهي افتراضية، لكنك سترى بأم عينك أن بعض المؤسسات الحكومية والأهلية تلعب دورا مهما في تحويل هذا المغمور غير المستند على نجاحات حقيقية إلى نجم واقعي بعد أن كان افتراضيا فهي تتعامل مع العدد الكبير من المتابعين ذوي الأغلبية المشتراة على أنها شعبية لذلك المغمور وبالتالي تقر أنه مؤثر فتدعوه لكثير من الفعاليات للتسويق لها حتى يتحول إلى نجم مجتمعي وهو لا يقدم محتوى حقيقيا غير محاولات الالتصاق بكل أسباب الشهرة التي ليس من ضمنها الاجتهاد في تطوير المحتوى الذي يقدمه. الأسوأ من ذلك أن ذوي المتابعات العالية المشتراة ينشئون وسوما غير مجدية للمجتمع لأن اهتماماتهم غالبا سطحية، وتنتشر تلك الوسوم وتصبح الأكثر تداولاً وتنافس أو تزيح الوسوم ذات الهموم الحقيقية للرأي العام المجتمعي، كما أن هؤلاء إن شاركوا في وسوم مجتمعية ليست من إنشائهم فهم مرة مع السلطة ومرة مع الشعب بآراء متذبذبة لا تعرف موقف من كتبها ومع أي كفة يميل وكأنه لا يرغب في أن يخسر طرفا على حساب الآخر. في خضم كل صفقات الشهرة التي تعقد في وسائل التواصل الاجتماعي هناك من يقدم محتوى جيدًا ومؤثرًا بشكل حقيقي لكن خطواته في الوصول إلى الواجهة غالبا لا تكون بسرعة من اختاروا أن يكون تأثيرهم مشترى من جيب المحفظة !