إعمار المساجد بحلق الذكر وتدارس العلم إثراء للعمل المسجدي -
حـوار : سالم بن حمدان الحسيني -
شهر رمضان شهر البركات والخيرات، شهر الذكر والقرآن، شهر التدبر والتغير، وهو فرصة ثمينة لكسب الأجور وتزكية النفس والمسارعة في الصالحات.. أمامنا الخيار وبيدنا القرار، قرار الاستفادة من هذا الشهر وحسن التعامل معه في الارتقاء بأنفسنا فيه.. فينبغي للمسلم أن لا يحيد عن التصور القرآني والنهج النبوي، فيتجه بنفسه ومشاعره وكل جوارحه لتحقيق القرب من الله سبحانه وعبادته، وقد حفلت المساجد بالعديد من الأنشطة الدينية طوال الشهر الفضيل، كإقامة المناشط الجاذبة التي تعين الشباب وتبصّرهم بحسن استغلال وتوطين نفوسهم على ارتياد المساجد، يرتلون القرآن الكريم ترتيلاً يقفون عند عجائبه ويبكون من عظاته ويفرحون ببشاراته ويأتمرون بأمره وينتهون بنهيه. وهناك ممن أعد عدته ووضع خططه لاستثمار أيامه ولياليه، شغل نفسه بالطاعات، والمسارعة إلى الخيرات.. ذلك ما أوضحه هذا اللقاء التالي حول استغلال أيام وليالي هذا الشهر الفضيل.
زهرة أوشن: شهر الصيام فرصة ثمينة لكسب الأجور وتزكية النفوس والمسارعة في الصالحات -
بداية تحدث إلينا يحيى بن سالم الهاشلي إمام وخطيب جامع السلطان قابوس بروي فيقول: إن رمضان هو شهر الحياة فلا يأتي ذكر شهر رمضان المبارك إلا وتتوارد إلى الذهن صور من الحياة لا يعيشها الإنسان إلا في رمضان، وتختلف تلك الصور باختلاف ما درج عليه الناس والمجتمعات في عيش هذه الأيام المباركة، فبين صور لمساجد معمورة بالصلوات، وقد أشرق ليلها بركعات المتهجدين والدعوات، ومصاحف منشورة فيها وتراتيل التلاوات، وموائد إفطار أهل الصيام موضوعة سعيا للبر ونيل الحسنات، وصور لزيارات صلة الأرحام والتهادي بين الجيران، وبذل للخير وإخراج للصدقات، وإلى جانب هذه الصور الحميدة لا يخلو المشهد من صور سلبية ليس لها تعلق بالمشهد الرمضاني المبارك وتكاد تعكر صفو بهائه، نجملها في لهو عابث وعبث بالوقت وتضييع له سدى في الملهيات عن تحقيق الأهداف العظمى لشهر الخيرات والبركات.
وأضاف: إن شهر رمضان كما يخبرنا عنه القرآن شهر عبادة وشكر ونيل تقى وهدى فتخبرنا الآيات عنه بأنه (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ)، فهذا الشهر اختص بنزول القرآن فيه ليكون نبراس الهدى للناس، ويعطف هذا البيان في تمام الآية بذكر أحكام عبادة الصيام الذي فيه تحقيق التقوى في فرضه كما في السابق من الآيات، وتأتي الآيات اللاحقة لبيان أحكام متعلقة ببعض الممارسات في رمضان ومنها الاعتكاف في المساجد، فسياق هذه الآيات يعطي صورة عن نمط الحياة الذي ينبغي للمسلم أن يعيشه في رمضان، فالصوم والقرآن والدعاء والمكث في المساجد هي الحياة الرمضانية التي يرشدنا إليها القرآن ويؤسس أن رمضان شهر للعبادة، كما نجد ذلك جليا في الهدي النبوي، فما ورد من أخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم من بيان أحواله في شهر رمضان لا يخرج عن التصور القرآني، فنجده صلى الله عليه وسلم يوجه الخطاب محفزا أصحابه للعمل فيه فيقول: (إن هذا الشهر قد حضركم، وفيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرِمَها فقد حرم الخير كله، ولا يحرم خيرها إلا محروم) ، ففي هذا البيان النبوي ما يشحذ الهمم للعمل وعدم التواني، كما كان تطبيقه صلوات الله وسلامه عليه خير شاهد على المسارعة في صالح الأعمال، فيخبر ابن عباس رضي الله عنهما عن السعادة التي تغمر النبي صلى الله عليه وسلم حين يدارس جبريل عليه السلام القرآن في هذا الشهر فتفيض كفه بذلا بالخير كريح ساقت مزنا محملة بالغيث فيقول ابن عباس : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة)، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم رمضان بالصلاة ويعتكف في مسجده وتخبر السيدة عائشة عن حال الجد والمثابرة في تعبده في العشر الأواخر من رمضان فتقول: ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَرَ)، فهكذا كانت حياته صلى الله عليه وسلم في رمضان محققة لمعاني التعبد والتقرب إلى الله.
وأشار الى أنه في هذا الزمان ينبغي للمسلم ألا يحيد عن التصور القرآني والنهج النبوي في عيش أيام رمضان، فيتجه بنفسه ومشاعره وكل جوارحه لتحقيق القرب من الله سبحانه وعبادته، ويضاف إلى ما سبق من صور العبادة، إعمار المساجد بحلق الذكر وتدارس العلم فيستغل توافد الناس وتفرغهم للعبادة في إثراء العمل المسجدي، ومما يستحق الإشادة والثناء ما ينظم في كثير من المساجد من أنشطة تعبدية وتعليمية بشكل مخطط له ومنظم طوال الشهر الفضيل، من إقامة للحلق التعليمية والمحاضرات الدينية والتثقيفة العامة، وإقامة الشعائر التعبدية كصلاة قيام الليل بحسن تنظيم وتهيئة للمساجد تجعل الوافدين إليها يستشعرون روحانية الليالي المباركة ويؤدون العبادة في راحة وسكينة، كما يعنى البعض في هذا الشهر المبارك بإقامة مسابقات ثقافية تجذب الشباب والناشئة للمشاركة فيها، وإن مثل هذا الاهتمام بفئة الشباب بإقامة مناشط جاذبة تعينهم وتبصرهم بحسن استغلال أوقاتهم ما لا يخفى من الخير لهم وفيه إتاحة لبديل نافع عن العبث واللهو الفارغ، وفيه توطين لنفوسهم على ارتياد المساجد، كما أن إحياء العادات العمانية الرمضانية التي لا تزال باقية في بعض المناطق ويسعى البعض لإحيائها لما فيها من غرس قيم نبيلة وربط للناشئة بشهر رمضان، كعادة «التهلولة» التي تكون في استقبال شهر رمضان بذكر الله والتسبيح. وكذلك «ليلة العقبة» التي يحتفى فيها بالأطفال الصائمين لبلوغهم نصف الشهر فيكرمون من أهليهم تشجيعا لهم على الصيام وتحبيبهم به، ففي هذه العادات بديل خير عن ما استحدث من ممارسات دخيلة تنافي الأخلاق والقيم الدينية سلوكا وقولا.
وأوضح الهاشلي أن مما يدخل في بث الروح في الحياة الرمضانية ما يكون من تعزيز الأواصر وتقويتها في المجتمع المسلم، فزيارة الأرحام والتهادي بين الجيران وكل تقارب بين أبناء المجتمع نجد أنه من صميم الحياة الطيبة في هذا الشهر المبارك، فرمضان شهر الاجتماع يجتمع فيه المسلمون في أداء صومهم فيمسكون عن المفطرات في آن واحد ويفطرون في آن واحد، كما أن عون الضعفاء وأهل الحاجة في المجتمع من حكم التشريع في رمضان فنجد زكاة الفطر تعطى للفقراء لتغنيهم وتطهر صوم الصائم من النقص، ومن الحكمة أن جعل بدل الصيام لغير القادر عليه إطعام مسكين، فإن لم تستطع أن تحس بحاجته فلتعنه على تخفيف أثرها كل ذلك تحقيقا لمعنى الأخوة الإيمانية والتكافل الاجتماعي. فمن خلال هذه الأمور وغيرها من صالحات الأعمال يحقق المسلم الحياة الطيبة في رمضان، ويكون شهر رمضان هو الدهر كله الذي يتمنى أن يعيشه المسلم كما أخبر النبي صلى الله عليه بذلك: (لو علمتم ما في فضل رمضان لتمنيتم أن يكون سنة).
من جهته أوضح عبدالكريم شحات حسانين اللقاني أن على الإنسان أن يستغل هذا الشهر الفضيل أفضل استغلال وأن يقضي وقته مع القرآن الكريم فقد اختص هذا الشهر الكريم بنزول هذا القرآن الكريم فقد روي أنه في ليلة السابعَ عشر من رمضان، والنَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في الأربعين من عمره، أذن الله عز وجل للنور أن يتنزَّل، فإذا جبريل عليه السلام آخذ بالنبي صلى الله عليه وسلم يقول له: اقرأ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم، «ما أنا بقارئ قال فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ قلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال: (اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم)، فرجع بها رسول الله صلى اللهم عليه وسلم يرجف فؤاده).. البخاري، وهكذا نزلت أول آية من هذا الكتاب العظيم على النبي الكريم في هذا الشهر العظيم، ومن قبل ذلك شهد هذا الشهر الكريم نزولا آخر، إنه نزول القرآن جملة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، وكان ذلك في ليلة القدر، قال تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر)، وقال تعالى: (إنا أنزلنا في ليلة مباركة)، قال ابن عباس: أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا ليلة القدر ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة.. «النسائي والحاكم».. وقال ابن جرير: نزل القرآن من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا في ليلة القدر من شهر رمضان ثم أنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم على ما أراد الله إنزاله إليه. وإن تأملت سورة القدر تجد النور يتلألأ من ثناياها، فهذا نور الوحي بالتنزيل قد شع في تلك الليلة.. (إنا أنزلناه في ليلة القدر) ونور الملائكة والروح وهم في غدوهم ورواحهم طوال الليلة بين الأرض والملأ الأعلى، (تنزل الملائكة والروح فيها)، ونور الفجر الذي تعرضه النصوص متناسقا مع نور الوحي ونور الملائكة: (سلام هي حتى مطلع الفجر).. «الظلال – بتصرف»، وهكذا شهد شهر رمضان هذا النزول الفريد لكتاب الله، ومنذ ذلك اليوم ارتبط القرآن بشهر رمضان.. (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان)، وأصبح شهر رمضان هو شهر القرآن، وهذا هو حال نبينا الكريم مع القرآن في شهر القرآن، فعن ابن عباس قال: (كان رسول الله صلى اللهم عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى اللهم عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة) البخاري ومسلم.
وأشار الى أن من صور اختصاص شهر رمضان بالقرآن الكريم صلاة التراويح، فهذه الصلاة أكثر ما فيها قراءة القرآن وكأنها شُرعت ليسمع الناس كتاب الله مجوداً مرتلاً، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يطيل القراءة في قيام رمضان بالليل أكثر من غيره.. «لطائف المعارف». وقد كان للسَّلف رحمهم الله اجتهاد عجيب في قراءة القرآن في رمضان بل لم يكونوا يشتغلون فيه بغيره. فهذا هو حال سلفنا الصالح مع القرآن الكريم، كانوا يعرفون حقيقة هذا القرآن وقد كان لها في رمضان خاصة دويّ كدويّ النحل كانوا يرتلون القرآن الكريم ترتيلاً يقفون عند عجائبه ويبكون من عظاته ويفرحون ببشاراته ويأتمرون بأمره وينتهون بنهيه.. أما حالُنا نحن اليوم مع كتاب الله تعالى فهو حالٌ تأسف له النفوس، وتتحرَّق له الأفئدة، وتدمع له العيون فحالنا اليوم حال من ضيَّعَ شيئاً ثميناً ويطلبهُ ويبحثُ عنه وهو أمامه، والكثير منا ترك كتاب الله، دستور هذه الأمة، وانكب على اللهو واللعب، ومشاهدة الأفلام والمسلسلات التي في ظاهرها السلامة وفي باطنها تبث أنواعاً من السموم والندامة، فالليل لعب ولهو وسهر إلى طلوع الفجر، والنهار نوم إلى قبيل الغروب، والقرآن لا مكان له في القلوب، فلا حول ولا قوة إلّا بالله.
وأضاف: هناك صنف من النّاس من لا يعرف القرآن إلّا في رمضان فتجده يقرأ القرآن في رمضان لعدة أيام ثم ما يلبث أن يترك القراءة وينكب على اللعب واللهو، ومن النّاس من يختم القرآن الكريم في رمضان ولكنه لاه القلب أعمى البصيرة لا يتدبر ولا يتأمل كلام الله عز وجل، وكأنّه في سجن؛ فإذا انسلخ شهر رمضان وضع المصحف وأحكم عليه الوثاق ولسان حاله يقول: وداعاً إلى رمضان القادم، وكأنّه أيقن أنّه سيدرك رمضان القادم. وقال صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين»، هذا هو كتابنا إن لم نقرأه نحن فمن الذي سيقرأه إذن. فيا أيها الأخ الكريم: خصص لكتاب الله جزءاً من وقتك حتى تقرأه فيه وتراجع فيه وتحفظ منه ما تيسر لك. حاول أن تختم كتاب الله لتجد اللذة، والطمأنينة، ولتشعر بالراحة والسكينة، وتحفك الملائكة، وتغشاك الرحمة، رحمة رب العباد.. اجتهد واعقد العزم وستجد أنّ ذلك سهل ميسر بإذن الله تعالى.
من جانبها تقول زهرة سليمان أوشن من ليبيا إن رمضان شهر البركات والخيرات، شهر الذكر والقرآن، شهر التدبر والتغير، وهو فرصة ثمينة جدا لكسب الأجور وتزكية النفس والمسارعة في الصالحات. ولا شك أنه أمامنا الخيار وبيدنا القرار، قرار الاستفادة من هذا الشهر وحسن التعامل معه أو إضاعته وتبذير أوقاته وتفويت الفرصة في الارتقاء بأنفسنا فيه. وجولة في أحوال مجتمعاتنا مع رمضان نجد الناس في تعاملهم معه على قسمين: قسم أعد عدته ووضع خططه للاستثمار في هذا الشهر الكريم، يصوم نهاره صيام المحسنين، يمسك لسانه إلا عن قول الحق، يغض بصره، يجاهد نفسه ويسعى للقرب من ربه، يتذكر ويذكر، نجده بين تلاوة للقرآن وصلاة وقيام وبين صدقة وبر وصلة أرحام، قد شغل نفسه بالطاعات، يحضر دروس العلم ويسارع إلى المساجد وحلقات الذكر، يكثر من النوافل ويسارع إلى الخيرات، فهو مع المتطوعين للمساهمة في التخفيف عن الناس وقضاء حوائجهم وتلبية متطلباتهم. يسير طيلة الشهر وقد علاه البشر، يرفع سقف إتقانه، يحسن خلقه، يرقي تعامله، يعين أهله ويحفظ ود أقاربه وزملائه يدرك أن هذا شهر الفضيل ما هو إلا أيام وساعات وأنه لا مجال فيه لهدر الأوقات، لذا نجده حريصا على أيامه وليليه، وعلى ساعاته وثوانيه، لا يضيع وقته في الخصام والجدال، ولا في اللغو والمهاترات، يرفع في وجه كل المضيعات شعار: إني صائم، وهو يدرك أبعاد هذه الجملة وعمق دلالتها، فالصيام الحق تقوى وعمل، سلوك وخلق، صبر وشكر، إتقان وإحسان، فطوبى له ولأمثاله الذين وقروا شهر القرآن وكانوا فيه من أهل التقوى الإحسان .
وأوضحت أوشن قائلة: إن هناك قسما آخر .. للأسف الشديد، جعلوا رمضان طقوس وتقاليد ابتدعوها وزينوها ثم ألبسوها لبوس الدين، والدين منها براء، حولوا شهر رمضان إلى شهر للكسل والنوم، والأكل والسهر، والسمر واللهو.. تنافسوا في كثرة الموائد وتنويع أصناف الطعام، وليتهم أطعموا بها جائعا أو سدوا بها رمقا، بل نجدهم يمدونها تلذذا واشتهاء، ومفاخرة ومباهاة، ثم يرمون أغلبها في القمامة.. يقضون نهارهم في سبات عميق وغفلة متتالية، حتى إذا جاء الليل حلا لهم السهر في الأندية والصالونات، وعلى الفضائيات وبين الشاشات. فإذا بهم من سهرة إلى أخرى وبين قناة وأختها، وقد جدولوا برامجها ومسابقاتها، مسلسلاتها وأفلامها، في قوائم أجنداتهم حتى لا يفوتهم منها شيء .فرمضان عندهم، ملذات وسهرات، تسلية ولقاءات نجدهم يتهربون من أعمالهم ويهدرون أوقاتهم، بل ربما كانوا من القاطعين للأرحام المضيعين لحقوق العباد، ثم إن أحدهم يقيم الدنيا لأتفه الأسباب والحجة أنه صائم، مدعيا أن الصيام سبب غضبه وضيق خلقه.. ويخرج الشهر والمسكين لم يغير سلوكا ولم يقيم خلقا، وتنفلت منه أيام الشهر القصيرة وتنقضي وهو على حاله، بل ربما ازداد سوءا، وقد غمر ساعات الشهر بالذنوب والمعاصي، وقضاها في اللهو واللغو.. فأي صيام هذا وأي رمضان ذلك الذي يدعي هؤلاء الاحتفاء به والفرح باستقباله. فيا أحبابنا الكرام شتان بين الفريقين شتان.. وكل منا مسؤول عن تعامله مع هذا الشهر الكريم، وله الخيار وبيده القرار في أن يسلك سبيل الفريق الأول وينال الجائزة والرضوان، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه) .أو تهزمه نفسه الأمارة ويغلبه عجزه وهواه فيسير على منهج الفريق الثاني، ويمضي رمضان ولا ينال الصفح والغفران ويتحقق فيه نذير رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رغم أنف امرئ أدرك رمضان ولم يغفر له)، ونعوذ بالله من الخذلان.