نقائص عالجها الإسلام - القاهرة - محمد إسماعيل - منذ أن خلق المولى - عز وجل - الأرض ومن عليها ظهرت معه مجموعة من النقائص الإنسانية التي مثلت بمرور الوقت مجموعة من الآفات القلبية والسلوكية التي تهدد المجتمعات المختلفة، ورغم أن كل الأديان السماوية وحتى الحضارات الإنسانية حاولت التعامل مع هذه النقائص وتهذيبها إلا أن معظمها ظل به تصور واضح هو في عدم طرحها للبدائل أو سبل العلاج إلا الإسلام، فقد جاء فياضا بالخير صداعا بالحق طافحا بالخلق الكريم، وقد أتى مناسبا لكل الأمم، مجتازا حدود الزمان والمكان، ليكون حلا لكل الأمراض القلبية والسلوكية. فهو قبل أن يحرم أو ينهى عن شيء وضع البديل له وبيّن للمسلمين كيفية علاجه؟! وإن الناظر في هذا الدين العظيم ليعرف حق المعرفة أنه وجد للبشرية جمعاء، ولا حياة كريمة لها بدونه... وعلى مدى أيام شهر رمضان المبارك نرصد النقائص الإنسانية وطريقة عالجها في ضوء القرآن والسنة. يذكر محمد بن إبراهيم التويجري في كتاب «موسوعة فقه القلوب»، أن من أعظم النقائص التي تتسلل إلى النفس الإنسانية الكفر، ومن فضائل النفس السوية الإيمان، فقال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عليهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)، وأيضا قال الحق سبحانه وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا). وكما أن للإيمان أركانا، فكذلك للكفر أركان، وأركان الكفر أربعة وهي: الكبر والحسد والغضب والشهوة، فالكبر يمنع الإنسان من الانقياد للحق، والحسد يمنعه من قبول النصيحة وبذلها، والغضب يمنعه من العدل، والشهوة تمنعه من التفرغ للعبادة. فإذا انهدم ركن الكبر سهل عليه الانقياد، وإذا انهدم ركن الحسد سهل عليه قبول النصح وبذله، وإذا انهدم ركن الغضب سهل عليه العدل والتواضع، وإذا انهدم ركن الشهوة سهل عليه الصبر والعفاف والعبادة والإيمان واليقين بالله سبحانه وتعالى، ومنشأ هذه الأربعة من أمرين جهل العبد بربه وجهله بنفسه، فإذا عرف العبد ربه ونفسه تخلص من نقيصة الكفر ودخل في فضيلة الإيمان بالله سبحانه وتعالى. ويقول الإمام الفقيه المحدث عبد الله محمد ابن مفلح المقدسي في كتاب «الآداب الشرعية»: إن الكفر بالله سبحانه وتعالى من النقائص الإنسانية العظام وتبعد صاحبها عن صفات الكمال والإيمان، والكفر شيء قبيح بشع ينتقص من قيمة الإنسان، ومجرد من أي حجة أو برهان، والوقوع في نقيصة الكفر سببه سوء الكسب والعمل، ولذا يجب هجر من اتصف بنقيصة الكفر أو فسق ببدعة أو دعا إلى بدعة مضلة أو مفسقة على من عجز عن الرد عليه أو خاف الاغترار به والتأذي دون غيره، وقيل يجب هجره مطلقا، وقطع ابن عقيل به في «معتقده» قال: ليكون ذلك كسرا له واستصلاحا. ونقيصة الكفر من موانع الإيمان التي هي كثيرة، فقد يعرف الإنسان الحق، ويتلذذ به ويحبه، لكن يمنعه مانع من قبوله، إما لضعف المعرفة أو لعدم الأهلية أو قيام مانع من حسد أو كبر وجميعها نقائص في النفس الإنسانية، نزهه ونقاه الله سبحانه وتعالى منها عندما أكرمه وخلقه بيده، وأسجد له ملائكته، ونفخ فيه من روحه وسخر له ما في السموات وما في الأرض، وأسبغ عليه نعمه الظاهرة والباطنة. وجعله أشرف المخلوقات على وجه الأرض، ليتذوق حلاوة الإيمان، ويبتعد عن نقيصة الكفر، ويستمتع بلذة مناجاة الله، وسماع كلامه والابتهاج بذكره. والمتصف بنقيصة الكفر قد يذل نفسه لعضو من أعضائه، فيكون عبدا له، كمن يصرف كل قواه الفكرية في نيل شهوة بطنه ليأكل ما حل وحرم، أو فرجه لينكح ما حل وما حرم، أو أذنه ليسمع ما حل وحرم، أو عينه فيرى ما حرم الله، أو لسانه فيتكلم بما يغضب الله. فيكون الإنسان بذلك من أذل العبيد وأحقرهم، لأن تلك الأعضاء خلقها الله لتخدمه وتنفعه، لا لتسخره وتستعبده. وسبب هذا كله نقيصة الكفر، فإن كمال الإنسان في إيمانه وقهر ملذاته الحسية بإرادته، والإقبال على كمالاته الروحية وإخضاعها لأوامر الله عز وجل. وقد أمرنا الله عز وجل أن نؤمن بالله ونعبده، ونتخلص من نقيصة الكفر، ونكفر بالطاغوت ونجتنبه أيا كان شكله ومنزلته: سواء كان إنسا أو حجرا أو شجرا أو وهما أو خيالا، أو هوى أو شهوة، أو مالا أو جاها، أو وظيفة أو غيرها من الأشياء التي تؤدي إلى اتصاف الإنسان بالنقص، وفي ذلك قال الحق سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ). فكل النقائص الإنسانية التي تصرف القلوب عن طاعة الله إلى طاعة غيره فهو طاغوت. وكل ما تنعم به الكافرون من النعم، وكل ما تركوه من واجبات الدين كالصلاة والزكاة والصيام ونحوها، وكل ما اقترفوه من الآثام والمحرمات، فهذا كله يحاسب عليه الكفار يوم القيامة. لكنهم إذا أسلموا لا يجب عليهم قضاء الواجبات، لأنهم كفار، سواء كانت الرسالة بلغتهم أم لم تبلغهم، وسواء كان كفرهم جحودا أو عنادا أو استكبارا أو جهلا، وإذا وقر الإيمان قلب الكفار، فإن الله يغفر لهم ما سلف من الذنوب كما قال سبحانه وتعالى: (قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ). ومن أقبل على الله هداه ونقاه من نقيصة الكفر، وشرح صدره للإسلام، وملأ قلبه بالإيمان، واستعمل جوارحه في طاعته وعبادته.