إعــــداد: مروة حسن -
لا شك أن أي أب وأي أم يرجو كل منهما أن يحضر لأولاده كل ما يطلبون، ويتمنى أن يجلب لهم كل ما يتمنون، ويحقق لهم كل ما يأملون، ويحرص أن يسعدهم بقدر ما يستطيع، فمنذ أن يرزقون بالأبناء وهم يتفانون في سبيل سعادتهم وإسعادهم حتى يفنون، وهي فطرة لا ينكرها عاقل، ولا يجهلها إلا غافل، فمتى طلب أي من الأبناء طلباً سارع كلا الأبوين في تحقيقه له، وهنا يقول إمام جامع محمد الأمين الشيخ محمود الشريف أنه في هذه الحالة يكون الآباء نوعا من ثلاثة: إما شحيح: بخيل لا يأبه بما يطلبه أولاده، بحجة أن ذلك يقوم اعوجاجهم، ويربيهم على الاعتماد على النفس، ويظن بذلك أن الحرمان خير علاج لتقوية نفوسهم واعتمادهم على أنفسهم، وهذه نظرة خاطئة ونظرية غير صحيحة، لأن الطفل إذا اعتاد على الحرمان أصبح عدوانياً في الشيء الذي يتاح له، فبدل من أن يستغله في الأصلح أو أن يستعمله فيما هو صالح، بل إنه يدمره سرعان ما يتملكه، لأنه عندما أحس بالحرمان منه شعر أن هذا الشيء انتصر عليه، فحينما يتملكه يتناسى أنه شيء يطلبه، ولا يتذكر إلا الطريق الذي انسد أمامه، فبتملكه فيه يثأر لنفسه من ذلك الحرمان بتدميره أي شيء يتملكه.
وأما النوع الثاني: فهو على النقيض من الأب الأول، فهو بالنسبة لولده مكينة أموال تخرج له أي مال وقتما أراد، ما أن يطلب من الأب الذي يلبي له احتياجاته طبعاً أي شيء فسرعان ما يتحقق بين يديه، بكل إسراف وتبذير متناسياً قوله تعالى « يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ» ﱠ الأعراف: ٣١، وهذا في حد ذاته تأثيره لا يقل خطراً عن الأول، فهو يحيي في نفس الطفل حب التملك والبذخ والإسراف والتبذير المنهي عنه، وينشأ على عدم العطاء وحب الأثرة، وعدم الصبر على ما يريد، بل ولا التحمل في سبيل ما يتمنى، وفي هذه الحالة تجد مثل هذا الطفل غير متفوق في التعليم وربما حينما تسأله: ماذا تحب أن تكون عندما تكبر؟؟، تجده صامتا يفكر وهو لا يعرف ماذا يريد، ولا يتطلع إلى مستقبل يتمناه، لأنه لم يحرم من شيء، تربى على أن ما يطلب يتحقق وما يريد سيأتيه ولن يخفق، فأي طموح أمامه ؟! وأي هدف يسمو إليه ؟! لا شك أن الإجابة تأتي لا شيء، لذا وجب على مثل هذا الأب أن يراعي مشاعره المفرطة تجاه ولده، لأنها تضره أكثر مما تنفعه، لأنه يقتل داخل الطفل الإرادة بذاته والسعي إلى تحقيق الهدف بنفسه، ويحيي فيه في المقابل حب النفس وحب السيطرة حتى على ما لا يحق له أن يتملكه، لأنه اعتاد على أن يأخذ فقط، ولم يعتد أن يعطي مقابل ما يأخذ، وأكد الشيخ محمود أن هذا النوع أيضاً من التعامل غير صحيح، حيث قال انظروا كيف كان يعالج رسول الله صلى الله عليه وسلم عَنْ رَافِعِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ، قَالَ: كُنْتُ أَرْمِي نَخْلًا لِلْأَنْصَارِ، وَأَنَا غُلَامٌ، فَرَآنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا غُلَامُ، لِمَ تَرْمِي النَّخْلَ؟» فَقُلْتُ: آكُلُ.
قَالَ: «فَلَا تَرْمِ النَّخْلَ، وَكُلْ مِمَّا يَسْقُطُ فِي أَسْفَلِهَا»، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسِي، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ أَشْبِعْ بَطْنَهُ». وأما النوع الثالث: فهو نوع من الآباء الذين يتعاملون مع أبنائهم بحرص شديد بطريقة بين اللين والشدة، بين العطاء والمنع، بين الأخذ والرد، حيث يعود أبناءه على الوسطية في كل شيء، وأن كل شيء بمقابل، فالهدايا مقابل التفوق، والعطاء السخي مكافأة لمزيد من التقدم والإنجاز، وهذا النوع من الأبناء لا شك أنه يتربى على القيم السليمة والمبادئ القويمة، فهو يدرك أن هناك سقفا لمطالبه، وحدودا لرغباته، وهنا إذا جاءته هدية أيا كانت عمل على أن تزيد هذه الهدية لديه بأمرين: ـ الأول: أن يحرص على سلامة تلك الهدية وحفظها وعدم العبث بها، وأنه ينبغي عليه أن يحافظ عليها ليستمتع بها أكبر وقت ممكن، الأمر الثاني: أنه يعمل على أن ينال هدايا أكبر وأكثر بتنفيذ ما يطلب منه على أكمل وجه وأحسن صورة، وهذه الطريقة ـ في رأيي ـ هي الطريقة السليمة في التربية، لأنها وسط بين المنع المجحف، وبين العطاء المترف، ولو فسرنا هذه الحالة لوجدناها من السلوكيات التي أمرنا بها الشرع الحنيف..
ونختم بهذا الحديث الشريف عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَهِيَ مَسْؤُولَةٌ، أَلَا وَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».
س: من هي المرأة التي سميت سورة باسمها في القرآن؟
ج: السيدة مريم عليها السلام.