قراءة ـ جهاد أيوب - تخوض الدراما العربية في رمضان هذا العام 2018 معركة التباسات الحضور وواقعها المستورد، وتشتت أوراقها بين الضغط الإنتاجي المالي البخيل، والواقع السياسي الذي فرض حالة اقتصادية مخيفة على هذا الإنتاج في كل العالم العربي، ولا تزال موسمية، ومسجونة في تحديد الطلب والمطالب، أو سوء سوق العرض مما جعلها مكشوفة، وآخذة بتقليص إنتاجها، ولم يعد يهمها الكيف! والأخطر أن الفضائيات العربية تتعامل معها بفوقية، وبدرجات بعيداً عن جودة المطروح، وتضعها ضمن الشروط السياسية حسب سياسة الدولة المنتمية إليها الفضائية! كما أن هنالك فضائيات مكتفية بما لديها من أعمال ولا تفكر بشراء وعرض أعمال الآخرين إما عقدة من نجاحات أعمال غيرهم، وإما خوفاً من انفضاح مستوى ما لديهم متجاهلين أن الفضاء أصبح مفتوحاً للجميع! وتعليلات بعض الفضائيات في تقوقع عروضها بما عندها بأنها تعرض الأعمال المشتركة، وهذه الأعمال المشتركة التي انطلقت بقوة بعد الحرب الكونية على سوريا بين لبنان وسوريا ثم مصر، وقد تنبه المنتج اللبناني لذلك من أجل تسويق الفنان اللبناني وتشغيل الفنان السوري الذي شتت مكانه وجهوده بعد انقطاع رزقه في بلده، وبالفعل تم إنتاج مجموعة أعمال درامية شكلت نقطة تواصل عربية ناجحة، ودخلت غالبية الفضاء العربي بقوة! هذه اللعبة الإنتاجية أمنت وظيفة للفنيين السوريين، وانتشاراً أوسع للفنان السوري، وكذلك ساهمت في تقديم الفنان اللبناني بأجمل صورة، وفرضت موهبته وتميزه على الجميع رغم أن المنتج العربي يدرك مسبقاً أن النجم الخليجي هو الأول في السوق الخليجية، والسوق الخليجية هي من يحدد السعر والنجم القابل للعرض! بعده يأتي النجم المصري، ورغم تواضع النتاج المصري، وجدلية العرض والشهرة إلا أن السوق الخليجي لا يزال يعتبره الأول في العرض والطلب، وظهر النجم السوري منافسا لكنه بسرعة البرق حدثت الحرب فتلاشت جهوده إلى أن أنقذته الدراما المشتركة، ومع ذلك هو منافس للنجم المصري ولكن الأخير لا يزال في سياسة السوق العربي الثاني، والسوري الثالث! النجم اللبناني هو الرابع في سوق الطلب، ورغم إمكانياته الفنية الأدائية العالية نجده يتميز أكثر في الأعمال المشتركة، وحينما ينزلق في عمل محلي بحت تصبح الإمكانيات متواضعة بسبب قلة المخرجين والفنيين، وطرح الأفكار التي لا تشبه البلد، وهذا تطلب من بعض الفضائيات اللبنانية 6 سنوات وحتى الآن أن تستعين بالمخرجين والفنيين السوريين بكثرة وبكثافة في كل المواسم الرمضانية! كذبة العادة وأيضاً تخوض الدراما العربية التباسات الاستمرارية الرمضانية بسبب العادة، وكذبة التنافس، والتواجد حتى لو كان هذا الحضور متواضعاً، وبأتفه الأعمال، أو بمجرد الحضور بحجة “نحن هنا، وما زلنا نعطي، ونجوميتنا باقية”، لذلك لا عجب من مشاهدة أسماء كبيرة تجلس في منازلها كل السنة لتتحفنا بعمل رمضاني أكثر من ضعيف فكراً ومضموناً، وكتب لشخصه، وهو فقير إنتاجياً وفنياً! هذا الحال قلص حلم الممثل العربي الذي تقوقع في حب الشهرة على حساب جودة حضوره، وأربك أحلام المنتج الذي نزل السوق بأكثر من عمل كي يبيع بطريقة مضحكة، أي بمجرد شراء العمل تحصل على عمل آخر بأقل الأسعار من أجل الاستمرارية، والتواجد...وأمور شخصية ومصالح شهوانية! إنتاج 2018 ورغم التردي الذي أشرنا إليه تمكنت الدراما العربية لهذا العام 2018 من إنتاج 75 عملاً عرضت بمجملها، والمفاجأة كانت بزيادة عدد الأعمال الخليجية بعد أن توقعنا تقليصها بسبب الوضع المالي الذي تعانيه فضائيات الخليج، لا بل هنالك أموال لم تدفع للمنتجين من عام 2016، إلا أننا تفاجأنا بإنتاج 18 عملاً، والمصري الهارب من واقعه قصصياً فقط يستغل الصورة الديكور المحلي البيئي وصل نتاجه إلى 31، واللبناني أنتج 10 أعمال يضاف إليها المشترك! أما السوري فأنتج 15 عملاً لهذا العام، وهذه صفعة كبيرة، ويضاف 5 أعمال من إنتاج العام الماضي وهي “ الغريب” و”وردة شامية” و”فوضى” و”شبابيك” و”مذكرات عشيقة سابقة”، وسحب من العرض بقرار من الرقابة السورية مسلسل “ترجمات الأشواق” إنتاج 2018 علما كان الرهان عليه، وبذلك انتقل الرهان إلى أعمال إنتاج 2017 وليس على إنتاج هذا العام لتواضعه شكلاً ومضموناً. كما لا بد أن نذكر أن الفضائيات السورية استعانت بالأعمال القديمة منها “نزار قباني” و”أسعد الوراق” و”أرواح عارية” و”شوق” و”غزلان في غابة الذئاب”، “ويوميات مدير عام”، و ...والاستعانة بالماضي من أجل سد فراغات الحاضر، هذا يعني بداية السقوط الفعلي في ظل تحرك الرقيب السوري بقساوة مخيفة، وسجن حرية الإبداع الدرامي مهما برر الرقيب السوري فعلته! الكتابة والإخراج المشتركة برز بشكل كبير وواضح لهذا العام الكتابة المشتركة، وورش الكتابة، والإخراج المشترك، ولا ندري إذا كانت هذه الحالة الظاهرة لصالح الدراما خاصة في مصر حيث نجد “عوالم خفية”، و”لدينا أقوال أخرى”، و”طايع”، و”ربع رومي”، و”السهام المارقة”، و”الشريط الأحمر”، و”واكلينها والعة”، و”الوصية”، و”عزمي وأشجان”، و”أبو عمر المصري”... وفي الخليج نجد “الجسر” .. وفي سوريا “فوضى”، و”شبابيك” - طبيعة العمل تتطلب ذلك، وقد نجحت فكرة أكثر من كاتب هنا- ، و”أحلام شفيق خليل”، و”جروح الورد”! أما أن يخرج العمل أكثر من مخرج، وكل لديه رؤيته أو نظرته فهذه مصيبة لا نعرف ماذا ستولد خاصة في الدراما المصرية فنذكر “ أرض النفاق” إخراج محمد العدل، وسامح عبد العزيز، ومسلسل “واكلينها والعة” إخراج تغريد العصفور، و ماري بادير! الأخطر في الدراما العربية لهذا العام أن ما زرعته في الأعوام السابقة من تصرفات وقصص، وأداء شكلي وفكري نجحت في أن تجعله أمراً عادياً في شهر الله، شهر لا تليق به مثل هذه التصرفات، أقصد أن المشاهد الجنسية، التعري النسائي والرجالي، شرب الخمور، أماكن الدعارة، البارات واللهو، الخيانات بأنواعها كلها غزت الشهر الفضيل منذ أكثر من عشر سنوات، وتضخمت مع اشتعال الحرب الكونية على سوريا، وللأسف أصبح مجتمعنا يتعامل معها كما لو كانت أمراً واقعياً، ولا ضرر منها مع إنها كل الضرر...وهذا العام وما سبقه أخذت ظاهرة الجريمة والقتل الجماعي والانتقام بالقتل مباشرة، والاغتيالات، وتصفية مجاميع رمياً بالرصاص ببساطة وسذاجة، وبتصوير الدماء كما لو كان المشهد في حديقة...هذا الإجرام، وتبرير الجريمة، وكيفية ارتكاب الجريمة كما لو أن مجتمعاتنا ينقصها جرائم هي الموضة المقبلة في دراما العرب وبشكل مقصود!! ■ كاتب لبناني