الإحصان في اللغة الدخول في الحصن والتحصن والاحتراز -
يثير بعض الإخوة التشكيك في حكم رجم الزانية المحصنة مستدلا بآية سورة النور وهذه الآية: «وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ، بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ، فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ، ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ، وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ»، إذ إنه لا يمكن قسمة الرجم إلى النصف؛ فعليه يكون حكم الرجم هنا هو الأرجح فما قولكم في ذلك؟
الإحصان في اللغة الدخول في الحصن والتحصن والاحتراز، وتُطلق هذه المفردة في اللغة والشرع ويراد بها معاني كلها متصلة بالإحصان اللغوي، ومن تلك المعاني العفة والإيمان والحرية والزواج.. إلخ، كل واحدة منهن ترتبط بالإحصان وترجع إليه كما هو ظاهر، فالعفيف المؤمن يمنعه إيمانه، وكذا الحر تمنعه حريته من أن يقدم على المهين وسفساف الأمر بله العظائم؛ ولهذا «لما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم آية المبايعة على النساء، وبلغ قول الله تعالى: (ولا يزنين) قالت هند امرأة أبي سفيان: أوتزني الحرة يا رسول الله؟»، وكذا المتزوج الذي أتى أهله وقضى وطره وأشبع غريزته وكبح بذاك جماح أمّارته.
إن الإحصان الوارد في الحديث المشهور عنه عليه الصلاة والسلام: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى معان ثلاث: كفر بعد إيمان، وزنا بعد إحصان، وقتل نفس بغير حق».
فهو يعني هنا ضرورة الزواج الصحيح، فمن كان متزوجا زواجا صحيحا، وهو عاقل بالغ حر مسلم ثم وقع في فاحشة الزنى ببينة أو إقرار رُجم.
وأما الإحصان في الآية الشريفة: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ، بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ، فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ، ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ، وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
جاء الإحصان في هذه الآية في ثلاثة مواضع، فأما الموضع الأول (أن ينكح المحصنات المؤمنات) فهو بمعنى الحرية، فالمحصنات هن المؤمنات الحرائر، وأما الموضع الثاني (فإذا أحصن) فهو التزويج على الأصح غير أنه زواج ملك اليمين، وقد تقدم أن المحصن الذي يرجم إنما هو الحر، وأما زنى ملك اليمين المحصنة فأخرجت بهذه الآية سواء الثيب والبكر، وألحق بها العبد، وأما الموضع الثالث نقطة التشكيك (ما على المحصنات من العذاب) فهي بمعنى الحرية المتقدم ليكون المعنى العام أنه من لم يستطع نكاح الحرائر فلينكح ملك اليمين المؤمنة فإذا نكحها فأتت بفاحشة فعليها نصف ما على البكر من الحرائر، وعقوبتها التي عليها هي الجلد مائة -والتغريب عاما عند من قال به-، ونصف هذا العذاب (الحد) خمسون جلدة وتغريب ستة أشهر.
إن تفسير المحصنات بمعنى واحد وهو الزواج ينبئ عن سطحية الفهم وعدم الاهتمام باللغة العربية وأوجه ورود مفرداتها التي تأتي بخمس حقائق، اللغوية، الاشتقاقية، العرفية، الشرعية، والقرآنية، وإنه يوقع في إشكالات أولها فهم الموضع الأول من مواضع الإحصان في هذه الآية (أن ينكح المحصنات) هل نقول هنا إنها المتزوجة؟!! هل تُنكح المتزوجة؟!!
هذا إيجاز لما طرحت من استدلال، وفي مسألة إثبات الرجم أدلة أخرى يُرجع إلى مظانها، وحسبنا هنا تبيان ما طلبت.