استعرضت نموذج الإمام السالمي في الحماية الفكرية - كتب: ماجد الهطالي - استعرضت ندوة الأمن الفكري «رؤية شرعية وحصانة مجتمعية»، مظاهر الانحرافات الفكرية، ونموذج الأمن الفكري للإمام نور الدين السالمي، ودور المؤسسة الدينية في حفظ الأمن الفكري للمجتمع، ورصدت الندوة ظاهرة تزعزع القيم الدينية والأخلاقية، وظهور مجموعة من الأخلاق أو القيم الجديدة في المجتمع العماني. وأوصت أوراق عمل اليوم الثاني من الندوة، والتي تنظمها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، على ضرورة تكامل جهود المؤسسات التربوية والإعلامية والدعوية والثقافية في تنمية الفكر العام بأنواعه ومستوياته، وصياغة منظومة الفكر العقدي والفكر التشريعي بأسلوب ميسّر معاصر، وتخصيص يوم في كل سنة لتعزيز القيم والأخلاق، وإضافة مادة في المنهج تعنى بالقيم العمانية وتاريخها وتطورها وأساليب ممارستها وتأثيرها على المجتمع في الحفاظ على مقوماته وثقافته، وإجراء دراسات وبحوث حول القيم العمانية تاريخها ومفاهيمها، ورصد الأخلاق الدخيلة ليسارع إلى معالجتها والتحذير منها. وقال الدكتور سيف بن سالم الهادي: إن الإنسان يستطيع من خلال حواسه وعقله بناء معرفة يقينية، وأن الإنسان الذي زود بكل هذه الحواس تُرك لاختيار ما يريد، وهذه الحرية تتبعها مسؤولية، وأن الحرية يجب أن تكون متوازية مع المسؤولية، موضحا أن من مظاهر الانحراف العقدي التنكر للأوطان، والتنكر للمجتمع، حيث يتم ضخ أموال ضخمة لتحويل استراتيجيات المجتمعات المسلمة إلى مجتمعات غير مسلمة. وأوضح أن الانحراف العقدي من أهم أسبابه تحويل المشكلات النفسية إلى منتج فكري مع غياب الارتباط الضروري بين الاثنين، وحالة الانبهار بالمظاهر المحسوسة وربطها بالجانب الأيديولوجي،اجترار الدراسات الفلسفية الغربية وإعادة إنتاجها في البيئة المسلمة، ووجود مجموعات داخلية وخارجية تعمل على تعزيز الشك وإثارة الشبهات واحتضان المنحرفين. القيم الدينية والأخلاقية وأشار إبراهيم بن ناصر الصوافي أمين فتوى بمكتب الإفتاء بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية إلى أهمية الدين والأخلاق في حياة الأمم، حيث تعد القيم الدينية والأخلاقية سياجا متينا يحمي المجتمع من التزعزع والضعف والانهيار بعد ذلك، كما يقول الشاعر «إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا»، موضحا أن القرآن الكريم كله كتاب أخلاق، فمن يتدبر كتاب الله أو يتأمله يجد أن الآيات القرآنية كلها تصب في مصب الأخلاق. وأوضح أنه عندما ذكر الله تعالى العبادات كالصلاة والصوم والزكاة والحج، جعل الغاية منها تعزيز الجانب القيمي والأخلاقي في النفس البشرية، يقول الله سبحانه: «وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر»، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو بهن الله الخطايا». ويقول الله تعالى: «خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها»، فجعل الزكاة والصدقات مطهرة للنفس من الشح والبخل والأنانية وقسوة القلب، وأيضا تذكر الإنسان بنعمة المال. وبين أن الصوم يزرع في النفس القيم كالرحمة والشفقة ومراقبة الله، يقول الله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون»، فجعل الغاية من الصوم التقوى، والتقوى كلمة جامعة تشمل مراقبة الله والعمل بأوامره، وتشمل التحلي بالأخلاق القيمة والتخلي عن الأخلاق الذميمة، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ولا صوم إلا بالكف عن محارم الله». وقال إبراهيم الصوافي: إن الحج يعزز جانب الأخلاق والقيم الحسنة، فمن يتأمل آيات الحج في سورة البقرة وسورة الحج يجد أن كثيرا منها ختم بذكر التقوى، ويقول الله تعالى: «فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج»، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه». وكذلك في الجانب الأسري فإن الغاية من أحكامه تنظيم الحياة والأسرة، والأسرة هي عماد الأخلاق، وأيضا حتى لا يقع ظلم على أحد الزوجين، وهكذا في بقية الأحكام التي شرعها الله في كتابه أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم. وأكد الصوافي على أن المجتمع العماني عُرف قبل الإسلام وبعده، وقديما وحديثا بتمسكه الشديد بالأخلاق، وبأنه مجتمع متدين يكثر فيه الصلحاء وأهل الاستقامة؛ ولهذا فالرسول صلى الله عليه وسلم عندما أثنى على أهل عمان أثنى عليهم بالأخلاق، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لو أهل عمان أتيت ما سبوك ولا شتموك»، موضحا أن من أسباب هذه الأخلاق الدخول المبكر في الإسلام، وانتشاره في ربوع عمان في مدة قصيرة، ولم يحتج رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وقت طويل، ولا لبذل جهد كبير لإقناعهم بالدخول في الإسلام، فقد بادر العمانيون عن قناعة ومن غير تردد إلى الدخول في دين الله تعالى، والعقيدة الإسلامية التي يدين بها معظم العمانيين، لاسيما في عمان الداخل، القائمة على أنَّ الله تعالى لا يُخلف وعيده كما لا يُخلف وعده، والقائمة أيضًا على أنّ كبائر الذنوب الموبقة المتفق عليها كافية لتخليد صاحبها في نار جهنم والعياذ بالله إن مات مصرا عليها، وفي هذا ما يدعو إلى الحذر والخوف على النفس ويحذر من الوقوع في الغرور أو الأماني الكاذبة، يقول الله تعالى: «ليس بأمانيكم ولا أمانيّ أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليًا ولا نصيرا ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا»، ومن ضمن أسباب أخلاق العمانيين طبيعتهم، فالسمة السائدة للعمانيين الهدوء وصفاء النفس ودماثة الخلق، وهي صفات موروثة يتلقاها الجيل الناشئ من الجيل السابق، وهذا أمر ملاحظ في المجتمع، والعروبة، فعمان من صميم العرب وأقحاحهم، والعربي يتصف عادة بالنخوة والشهامة وتحمل الضيم وإكرام الضيف ومحاسن الأخلاق والترفع عن كثير من الأخلاق الذميمة وجاء الإسلام والعمانيون على ذلك فزادتهم إيمانا وتمسكًا بأخلاقهم وبقيت هذه الأخلاق فيهم، والعزلة والابتعاد عن الأمم الأخرى، فعمان تقع في أقصى الجزيرة العربية وبينها وبين غيرها من الدول والأمم مسافات وصحارٍ وجبال ليس من السهل قطعها لاسيما في تلك الأزمنة التي يقتصر فيها التنقل على ظهور الدواب والسفن التقليدية في البحر، هذه العزلة وإن كانت سلبية من ناحية إلا أنها إيجابية من نواحٍ أخرى، لأنها حفظت للعمانيين أخلاقهم وعاداتهم وقيمهم التي انتقلت بعد ذلك بين الأجيال، جيلًا بعد جيل. وقال إن من أسباب تمسك المجتمع العماني بالأخلاق دور العلماء والدعاة في المجتمع، حيث كان ـ ولا يزال ـ لهم أثر كبير وفاعل، تمثل في الدعوات المتكررة الموجهة إلى العمانيين بضرورة تمسكهم بدينهم وأخلاقهم وقيمهم، وتحذيرهم من الغزو الفكري والثقافي، وكانت الأخلاق والقيم هي محط القيم والأخلاق عبر المنابر الإعلامية المختلفة، كخطبة الجمعة، والدروس والمحاضرات والندوات واللقاءات والبرامج التلفزيونية والإذاعية وعبر الصحافة المقروءة المتمثلة في الجرائد والمجلات. مظاهر الأخلاق والقيم الدخيلة وأضاف: هناك مجموعة من الأخلاق أو القيم الجديدة التي ظهرت في المجتمع العماني، كاللوثات الأخلاقية، والأفكار المنافية لقيم وأخلاق المجتمع العُماني، كالإلحاد، أو تقليد الآخرين فيما يتعلق بدينهم، والتشكيك في مبادئ دين الإسلام، أو في قدرته على إدارة حياة الناس المعاصرة، والإعجاب بمناهج الآخرين وطريقتهم في إدارة الحياة، وأيضا من مظاهر الأخلاق والقيم الدخيلة تضييع الصلاة، أو التهاون في أدائها في أوقاتها، والتخلي عن الحرف والأعمال التي كان يقوم بها الأسلاف، من عمل دؤوب في الزارعة أو في البحر أو في الصناعات الحرفية، وميل بعض الشباب إلى الخمول والكسل والأعمال المريحة. وبين أن عدم قدرة كثير من البنات على إدارة بيوتهن، وقيامهن بما تقوم به المرأة عادة في بيتها من طبخ وغسل وتنظيف، من ضمن الأخلاق الدخيلة على المجتمع، مؤكدا على أن قيام المرأة بهذه الأعمال لا يعيبها، بل تنال به الأجر من الله، وتنشأ معتمدة على نفسها، وقادرة على القيام بشؤون بيتها، وعدم الاعتماد الكلي على عاملات المنازل. وكذلك الدخول مع الآخرين في التلاسن والتنابز بالألقاب والسب والشتم والتعصب غير المنضبط، وخاصة في وسائل التواصل الحديثة، وهذا إن لم يعالج يخشى منه أن يستفحل وينتشر في المجتمع مما يؤدي إلى تغيير طبيعته وعاداته وأخلاقه، ودخول بعض الألبسة الغريبة التي يستعملها الرجال أو النساء، كما أن المرأة كانت تلبس الخمار الواسع الذي يعرف باللحاف والذي تسدله من الأمام والخلف والجوانب، ولكن بعض الشباب المتأثرين بما عند الآخرين بدأت تظهر عندهم ملابس جديدة كلبس البنطال والقميص خاصة ما كان منها على هيئة معينة تعكس عادات أو معتقدات عند الآخرين، وعدم الاكتفاء بلبسها في داخل البيت بل الخروج بها من غير استحياء ولا شعور بالخطأ، وهذه الظاهرة وهي وإن لم تكن كثيرة إلا أن السكوت عنها وعدم الإسراع في معالجتها يؤدي إلى انتشارها واستفحالها، وأيضا تقليد الآخرين في الملبس وقصات الشعر والتعلق المفرط بالشخصيات الرياضية والتمثيلية، والسعي إلى تقليدهم بعد ذلك، وتسلل الكثير من عادات الآخرين في أفراحهم ومناسباتهم، كالترف والبذخ والاهتمام المبالغ فيه المظاهر، وتقليدهم في طريقة إقامة الأعراس، وما يتم فيها، والتجمّعات الشبابية قرب الأحياء السكنية والمرافق العامة، والسهر الطويل خارج المنزل فيما لا فائدة فيه، وإساءة استعمال وسائل التواصل الاجتماعي، باستعمالها في السخرية والاستهزاء، وتداول مقاطع وفيديوهات تحمل كلمات وألفاظا بذيئة ومسيئة لحضارتنا. وكذا النكت والطرائف التي تصور العماني ساذجا أو خشنا أو نحو ذلك. وعزا أمين فتوى بمكتب الإفتاء بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية أسباب ظهور بعض الأخلاق السيئة والقيم غير الصحيحة في المجتمع العماني إلى التداخل الكبير في العصر الحديث بين الأمم والشعوب، وتناقضات الحياة التي يراها الناس ـ لا سيما الشباب ـ ماثلة بين أعينهم، حيث يوجد الشيء ونقيضه، فالدخان حرام ويسبب الأمراض، والجهات الدينية والصحية في البلاد تحذر منه غاية التحذير، ولكنه في نفس الوقت يورد إلى البلاد، ويسمح ببيعه علنا وفي محلات معدة لذلك، وهذه الظاهرة لم تكن معروفة في المجتمع العماني، وإنما بدأت تستفحل في السنوات الأخيرة، وغياب القدوة والمثل الأعلى عند أبناء المجتمع، في وقت ظهرت قدوة ومثل يعتز بها الشباب ويعجبون بها ويسارعون إلى تقليدها من غير بصيرة، وضعف دور الأسرة، وتركيزها على الجانب المادي والحياة الدنيوية، على حساب الجانب الروحي والمعنوي والحياة الأخروية، وأيضا وسائل الإعلام لا تنضبط بضابط الأخلاق والدين، وعدم وجود البديل المناسب، فالألعاب الإلكترونية المنتشرة لا تتفق مع أخلاقنا وقيمنا وديننا ولكنها صنعت بطريقة تجذب الإنسان إليها، ولا يجد الشباب البديل المناسب عنها، وهكذا المسلسلات والبرامج الدرامية التي تؤسس لقيم تختلف مع قيم المجتمع، ويقل وجود بديل مناسب مكانها. وأوصى إبراهيم الصوافي في ورقته إلى ضرورة إعادة كتابة التاريخ العماني بأسلوب عصري، متضمنا قصص العلماء والآباء والأمهات فيما يتعلق بالأخلاق والقيم، والسعي إلى تطوير منظومة القوانين والتشريعات بما يخدم الأخلاق والقيم، وتجريم الأخلاق السيئة، لا سيما ما كان محرمًا شرعا، أو ممن يشتد قبحه واستهجان المجتمع له، وتفعيل دور السبلة والمجالس العامة، والتربية العملية للأبناء والبنات على قيم المجتمع الصحيحة؛ فلا يكتفي الآباء والأمهات بتلقين أولادهم المبادئ والقيم، بل لا بد أن يتحلى به الآباء والأمهات أولًا، ثم تدريب الأولاد على تطبيقها، واصطحابهم معهم إلى المجلس واللقاءات التي تصقل أخلاقهم، وتعطيهم صورة عملية لكيفية التعامل مع الآخرين، وما يلزم أن يكون عليه الإنسان من لبس يتناسب مع طبيعة تلك اللقاءات، وكيفية التعامل مع الكبار، والمبادرة إلى الخدمة، وغير ذلك من قيم وأخلاق، وتفعيل دور المساجد والتجديد في وسائل وطرق مخاطبة الناشئة بما يتناسب مع الواقع، حتى يكون في ذلك دافع كبير لهم للحضور والمشاركة، وتشجيع الأولاد من الذكور والإناث على العمل، وتربيتهم وتدريبهم على القيام بما كان يقوم به آباؤهم وأمهاتهم، كالعمل في الزارعة والحرث وما يستتبع ذلك من اكتساب مهارات خاصة تجعل الناشئة قادرين على القيام بالعمل بأنفسهم، وعدم الاتكال على الأيدي العاملة الوافدة، و تصحيح معنى المواطنة التي تقتصر عن البعض على مجرد حب الوطن والتعصب له، مع أن المواطنة تعني صدق الانتماء والاعتزاز بأخلاق وقيم المجتمع، والغيرة على الوطن ومكتسباته، والعمل الدؤوب من أجل رفع اسمه، والرقي به ماديًا ومعنويًا، وتحصين الشباب لا سيما المبتعثون منهم إلى بلاد غير مسلمة بإقامة الدورات والأنشطة التي تنبههم على ضرورة التمسك بدينهم وأخلاقهم، وحثهم على القراءة الهادفة التي تمكنهم من الانتباه إلى الأفكار السيئة، والاعتزاز بقيمهم وأخلاقهم، نموذج الأمن الفكري للإمام السالمي وتحدث الدكتور عبدالله بن حمدان الدهماني عن العقيدة الإسلامية والبناء الفكري «نموذج الأمن الفكري للإمام السالمي»، وقال إن حقيقة التوحيد حقيقة كلية تنظم الفكر الإسلامي في مستوياته المتصاعدة ومجالاته المتعددة، موضحا أن مفهوم «الأمن الفكري» في المجتمع المسلم يشير إلى حالتين متزامنتين وهما جودة عقلية في فهم الحق، وسكون القلب إليه، والعمل به، والحالة الثانية قدرة ذهنية ، وصلابة نفسية في رد الباطل والشبهات والأوهام والخرافات، وتعود هاتان الحالتان المتزامنتان إلى التصديق والاعتزاز بمنظومة فكرية كلية مستمدة من العقيدة الإسلامية. وأشار إلى أن نموذج «الأمن الفكري» للإمام السالمي يتكوّن من خمسة مستويات فكرية: المستوى الفطري: الفكر الصوري والفكر السنني، ويبرزان في «حجة العقل»، والمستوى التكليفي: الفكر اللغوي والفكر الاستشرافي وفكر الكليات، وتتكامل في «حجة السماع»، والمستوى العملي: الفكر العملي «اعتقاد السؤال»، ومستوى الاجتهاد الفكري العام: الاجتهاد الفكري العقدي والاجتهاد الفكري التشريعي، ومستوى الاجتهاد الفكري التخصصي: الفكر المعرفي، والفكر الاجتماعي، وفكر النظم. وأوضح الدكتور عبدالله الدهماني أن الفكر في نموذج «الأمن الفكري» يصنف إلى نوعين رئيسيين: الفكر العام: الفكر الصوري والفكر السنني والفكر اللغوي والفكر الاستشرافي وفكر الكليات والفكر العملي، أما النوع الآخر هو الاجتهاد الفكري: الاجتهاد الفكري العام بنوعيه العقدي والتشريعي، وأيضا الاجتهاد الفكري التخصصي: المعرفي والاجتماعي وفكر النظم. المؤسسة الدينية وقال محمد الذهلي إن بذور المؤسسة الدينية نشأت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وتدرجت لتصبح منظومة من الأفراد العاملين في المجال الديني سواء كانوا منتسبين رسميا للمؤسسة الرسمية أم كان عملهم متوافقا مع توجه المؤسسة، والغاية من العمل هو حفظ الدين والدعوة إليه ودفع الشبه عنه وإعماله في الواقع المعيش، وكل ذلك في سبيل الحفاظ على الشخصية المسلمة آمنة فكريا ونفسيا فتقوم بأمر الاستخلاف الذي خلقه الله تعالى له في هذه البسيطة. وأوضح الذهلي أن المؤسسة الدينية كانت لها حدود مرسومة تراوح فيها بين المبادرة بالفعل في جانب الدعوة والمجابهة برد الفعل في جانب الدفاع وتفنيد الشبه، وكذلك لم يكن للمؤسسة أن تتجاوز الشأن العام الرابط للحمة المجتمع لتدخل في خصوصيات العبد مع ربه، وإلا كان تعسفا في امتثال المسؤولية وشماعة لحمل الناس على ما لا يطيقون، مبينا أن بوضع حدود العمل المرسوم للمؤسسة الدينية فقد تجلت مظاهر عملها في عدد من الأمور: منها الحفاظ على الهوية الدينية للمجتمع نقية من الملوثات الفكرية، وبيان السياج الأخلاقي الحافظ للهوية الدينية، ومدافعة السلوك الدخيل، وتصدُّر المظاهر الجماعية في إقامة الشعائر الدينية، وتوظيف الجانب الاجتماعي في الشعائر العبادية لتحقيق حالة الطمأنينة. وأوصى الذهلي في ورقته على ضرورة توسيع مفهوم الأمن الفكري لتشمل مظلته الجانب النفسي أسوة بالجانب العقلي لأنه من محددات الفكر، وتوسيع مفهوم المؤسسة الدينية لتشمل العاملين في الحقل الديني الذي تتوافق توجهاتهم مع المؤسسة الرسمية، والتأكد على انحصار دور المؤسسة الدينية في الشأن العام دون تعسف في استخدام الدور للتدخل في خصوصيات العبد مع ربه، أهداف الندوة وتهدف الندوة إلى إبراز أهمية الأمن الفكري كونه ضرورة من ضرورات الحياة الآمنة والمستقرة، وبوابة الأمن لجميع جوانب الحياة، ويتحقق مع الأمن القوي الداخلي والخارجي والاقتصادي والسياسي، والحفاظ على مكتسبات الدولة وإرثها الحضاري، وتحت ظل الأمن الفكري المنضبط ينعم بالحماية عقل الإنسان وفكره ومبتكراته ومعارفه ومنتجاته وحرية رأيه، وأثر ذلك على ازدهار المجتمع ثقافيا واقتصاديا، فهو ركيزة من ركائز النمو والبناء والتقدم، وتحديد الأبعاد والإشكالات والتحديات التي يواجهها الأمن الفكري لدى أبناء المجتمع، يهدف وضع الحلول والعلاجات المناسبة للحد من ظاهرة الانحراف الفكري. كما تهدف إلى تعزيز الأمن الفكري للمجتمع من خلال توضيح ثماره المتمثلة في العيش الكريم المطمئن للمواطنين على مكونات شخصيتهم وتميز ثقافتهم ومنظومتهم الفكرية مما يكفل اللحمة الوطنية والأمن الوطني، وأيضا إيجاد شراكة مجتمعية متكاملة بين المؤسسات المجتمعية.