جبل بونشاك -أندونيسيا:-
أحمد بن علي الذهلي -
أماكن عديدة من العالم، حباها الله بالكثير من النعم، وأصبحت أنظار السياح تترقب شوقا لقدوم أيام الإجازات، وبلا شك أن نعمة المطر واحدة من النعم التي تفتقر إليها الكثير من الدول، وتعاني من ندرتها، فعلى الدوام أصبحت النفوس البشرية تهفو للعيش في الأجواء اللطيفة ،هروبا من حرارة الطقس وقسوته في بعض أوقات العام، من هنا كان لزاما على الدول أن تعمل على الترويج لنفسها وفق إمكانياتها التي منحها الله بها، وذلك بهدف أن تكون ضمن قائمة الوجهات والمقاصد السياحية سواء الداخلية أو الخارجية.
وحديثنا اليوم سيكون عن اندونيسيا التي تعتبر ضمن الدول التي تستقبل سنويا الكثير من السياح على مدار العام من شتى بقاع الأرض، سواء الذين يقصدون صخب الحياة فوجهتهم سوف تكون الى مدينة “بالي “واغلبهم من يأتون من القارة العجوز، أوالعائلات الخليجية التي تفضل الاتجاه نحو الأماكن الهادئة وذلك للاستمتاع بالأجواء الباردة، أو الماطرة التي يجدونها في جبل بونشاك، وهناك من تغريهم حرارة المياه الكبريتية فتكون وجهتهم الى مدينة باندونق أو غيرها من الأماكن السياحية في اندونيسيا.
قبل عدة شهور،قررت السفر الى جبل بونشاك في اندونيسيا مع عائلتي الصغيرة، وكخبرة سابقة اكتسبتها من سفري مع احد الأصدقاء الى بونشاك، وجدت أنها المكان المثالي لقضاء اجازة سعيدة، بسبب توفر المناخ المناسب وخاصة المطر، والمناظر الجميلة التي تشكلها الغيوم، وهي تكشف شيئا من جماليات المكان المتدلي من أعالي الجبال، ومن ارتفاعات كبيرة عن سطح البحر.
رحلتنا من مسقط كانت عبر الطيران العماني الناقل الوطني لسلطنة عمان، والذي استمتعنا كثيرا بالخدمات التي يقدمها لمسافريه، قطعنا المسافة في حوالي 8 ساعات تقريبا، غادرنا مسقط قبل بزوغ الفجر، ووصلنا مطار جاكرتا عند الواحدة والنصف ظهرا، وسريعا وقفنا مع القادمين الى اندونيسيا -التي لا تشترط علينا كعمانيين الحصول على تأشيرة دخول في فترة أقل من شهر - انتهينا سريعا من إجراءات الدخول، وتوجهنا نحو سير الحقائب تأكدنا من أمتعتنا كاملة، ثم انطلقنا للخارج حيث كان السائق الذي اتفقت معه مسبقا ليأخذنا الى وجهتنا في انتظارنا، الرحلة الى جبل بونشاك تمتد أحيانا اكثر من3 ساعات حسب حركة المرور، وما تسجله من ازدحام شديد أيام الإجازات وهي يوما” السبت والأحد” من كل أسبوع، بسبب ذهاب وعودة أهالي الجبل خلال اليومين المذكورين، لكن وصولنا كان يوم الخميس وهو يوم عمل، ولذا لم تكن الزحمة بتلك الشدة،عندما بدأنا الصعود الى الجبل شاهدنا الطريق يتخذ وجهين فقط وهما الصعود والهبوط بعكس الطريق السريع الذي سلكناه منذ خروجنا من المطار فكل مسار له اتجاه، منذ الوهلة الأولى للصعود شاهدنا أصحاب الدراجات النارية كيف يسابقون بعضهم البعض هروبا من زخات المطر، بعضهم يرتدي معطفا، والآخر يسابق الزمن للوصول، عبرنا الكثير من المحال التجارية المنتشرة على جانبي الطريق، السياقة في الجبل تعتبر فنا تحتاج الى احترافية شديدة خاصة مع اشتداد هطول الأمطار، وهنا شاهدنا تعاونا وثيقا ما بين السائقين، وذلك من خلال إفساح المجال للتجاوز والعبور بسلامة.
«مجمع الزهور»!
وصلنا ليلا الى منتجع “كوتا بونقا “ومعنى الاسم “مجمع الزهور”، وهو المجمع الأكثر شهرة في الجبل، ويضم الكثير، والكثير من الفيلل المختلفة، سواء في أسعارها وأحجامها وتشكيلاتها الجميلة، وللعلم يوجد بالجبل العديد من الفنادق ذات المستوى الراقي من فئة 5 نجوم وما دون، وهناك بعض العائلات تفضل السكن في فندق لمدة لا تتجاوز اليوم أو اليومين، حتى تجد الفيلا المناسبة لها، ثم ينتقل إليها بعد ذلك، بهدف ضمان الحصول على شيء يناسبها، لكن عليهم أن يدركوا أن الكثير من الفنادق لا تقدم الأكل المناسب للعائلات الخليجية، وهذه نقطة يجب أن توضع في الحسبان خلال فترة الإقامة، اضف الى ذلك أن العائلة الكبيرة بحاجة الى عدد من الغرف وهذا أمر مكلف ماديا.
على كل حال، لم يكن الفندق خيارنا كعائلة في هذه المرة، لذا توجهنا مباشرة الى الفيلا التي أخبرت السائق أن يحجزها لي قبل الوصول، والتي ارسل لي صورها عبر (الواتساب) اخترتها ضمن عشرات الفيلل التي أرسلت لي - وحقيقة أحيانا الواقع لا يطابق الصورة نهائيا ولذا ينصح بعدم الوثوق في الصور، وإنما الأفضل رؤيتها على ارض الواقع.
منذ البداية شددت على السائق أن ينتقي الفيلا في المكان المخصص العائلات، بعيدا عن سكن الشباب وإزعاجهم، وارتضيت بالاختيار رغم أن سعرها مرتفع أي يقترب من 60 ريالا في اليوم، وهو بالطبع غالٍ لكثرة المعروض من الفيلل خلال هذه الفترة من العام أي لا يوجد موسم سياحي، وبالتالي الأسعار متدنية.
استلمت الفيلا المكونة من دورين، لكن سرعان اكتشفت بأنها غير مناسبة، كون لدينا طفل صغير لم يتجاوز عمره العام والنصف، ووجدنا اغلب نظام البيت لا يتناسب معنا، فبعض الغرف أبوابها لا تغلق، وبعض دورات المياه - أعزكم الله - لا تعمل، أيضا تقسيم الفيلا على شكل درجات، صعود أوهبوط، وهو وضع غير مريح، ومن السهل أن يقع الطفل في أي لحظة.
في الصباح الباكر، قررت أن أغير الفيلا بعد الاتفاق مع المؤجرة التي عرضت مجموعة من الفيلل، وجميعها لم تكن مناسبة لي، فبعض الفيلل بها سكان سيخرجون منها بعد يومين أو أكثر، وأنا ليس لدي وقت للانتظار، وبعد بحث طويل في مجموعة من الفيلل، بدأ النَصَب يأخذ حقه مني، بعض الفيلل التي شاهدتها مناسبة لكنها للأسف تقع ضمن الفيلل المخصصة للشباب، وبالتالي لا تصلح للعائلات، رغم قلة الإيجار اليومي الذي لا يتعدى 20 ريالا، أيضا الملاحظة الأخرى التي لمستها من خلال تجوالي، أن الكثير من السماسرة غير صادقين مع الزبائن حيث يصور لك المكان بأنه مخصص للعائلات، وعما قليل تشاهد الذي يسكن بجوارك مجموعة من الشباب يدخنون الشيشة وأصوات قهقهاتهم تملأ المكان، أيضا بعض السماسرة يرفعون الأسعار خاصة إذا عرفوا بأنك تبحث عن الشيء الجيد، الكثير من الفيلل وضعها سيئ للغاية، ناهيك أنها غير آمنة للعائلات إما في مكان منعزل أو شكلها يوحي بأنها خرابة تم تجديدها وتزينها، أخيرا، استقر بي الحال الى فيلا تطل على مزرعة كبيرة، قيل لي إن هذا المكان مثالي ومخصص للعائلات، ولكن بعد يومين اكتشفت بأن عددا من الشباب يسكن في هذا المربع، لكن لحسن الطالع هم بعيدون عنا، وهذا سبب جعلني لا أفكر في تغيير مكاني.
منذ فترة لست بالطويلة، تداولت بعض وسائل الإعلام الخليجية بعض الأحداث المؤسفة التي وقعت لعدد من السياح العرب القاطنين في هذا المنتجع واقصد “كوتا بونقا “، وهذا ما دعا إدارة المنتجع لتغيير عمال الحراسة واستبدالهم بآخرين، لكن الحال للأسف لم يتغير فالكثير من الغرباء يدخلون الى المنتجع بقصد بيع الملابس والأدوية والمستلزمات النسائية وغيرها، اضف الى ذلك أن الكثير من المتسولين يدخلون أيضا الى المنتجع، ويزعجون العائلات “الآمنة“ تحت مسمى الحصول على (هدية) وهي عبارة عن مبالغ مالية، ويلحون في الطلب خاصة وانهم يحملون أطفالا قد يكونون مؤجرين من ذويهم، والكثير منهم لا يقبل أن تعطيه مواد غذائية، أو بعض المستلزمات الحياتية، ولا يرضى إلا بالنقود فقط. الحياة في المنتجع أو كما يسميه البعض المجمع، تصبح موحشة للغاية في الفترة من قبل صلاة المغرب بقليل والى الصباح، فأنت لا تسمع إلا صوت المطر طول الليل والريح التي تحرك الأشجار بقوة، أو تسمع مرور بعض الحافلات الصغيرة المحملة باللحم الرخيص، أوالدراجات النارية التي يعرف أصحابها أماكن تواجد السياح، وقد يتطور الأمر الى أن يقرع عليك باب الفيلا التي ليس لها سياج يحميها أو أي درجة من درجات الآمان، فالباعة المتجولون يسرحون ويمرحون دون حسيب أو رقيب.
الأماكن السياحية
وبعيدا عن الملاحظات الماضية والتي أرى أنها ليست حالة عامة، وإنما سردتها للتبصير وأن يعيها الراغبون في زيارة الجبل، اعتقد جازما بأن جبل بونشاك يعتبر مكانا نموذجيا لمحبي الطبيعة والخضرة، وعشاق المطر والجو البارد، ففي الجبل توجد فيه العديد من المزارات السياحية والحدائق الجميلة الغنّاء اذكر منها على سبيل المثال وليس الحصر، حديقة سفاري بونشاك أو كما تعرف باسم “تامان سفاري اندونيسيا” فهي تضم عددا كبيرا من الحيوانات منها النمور والدببة والقردة والزرافات والفيلة، وتحتوي الحديقة على بعض الحيوانات النادرة والتي بعضها مهدد بالانقراض مثل “وحيد القرن” والنمر الأبيض وغيرها الكثير.
المدهش انك تشاهد جميع الحيوانات طليقة تجوب أرجاء الحديقة دون تقييدها أو حبسها في أقفاص ليس ذلك فحسب بل من المرجح عند زيارتك لأماكن تواجد الحيوانات البرية أن تحتمي داخل السيارة فهي تأتي إليك أو تعبر من أمام السيارة، فأنت لا تشكل بالنسبة لها إلا زائرا أو عابر طريق ولست بصياد أو مقاتل.
قبل وصولنا الى بوابة الحديقة توقفنا عند بعض الأكشاك التي تتوزع على جوانب الطريق، فهي تبيع الطعام المخصص للحيوانات كالجزر والموز وغيره، وأصحاب السيارات يتعاملون مع الباعة بحيث يوقفك عند بائع معين يعرفه، فتشتري منه لكي يتسنى لك ولأولادك متعة إطعام الحيوانات عبر نوافذ السيارة، وخلال الزيارة للحديقة يسمح للزوار التمتع بعرض الدلافين وحضور العرض المسرحي الكاوبوي و الدخول له مجاناً أي من ضمن رسوم الدخول لسفاري التي ارتفعت أسعار الدخول إليها.
أيضا من الأماكن الأخرى التي يحرص الزوار على زيارتها في جبل بونشاك:”حديقة الزهور” وتحتوي على عدد كبير من التشكيلات والتدرجات الرائعة، بالإضافة الى بحيرات صغيرة تتوزع على طول الحديقة، ويوجد برج ومطعم في أعلى الحديقة ومن خلاله يتم مشاهدة كامل الحديقة.
كما يمكنك القيام بجولة رائعة ضمن الحديقة ومشاهدة أنواع الزهور المختلفة الممزوجة بفنِ رائع، والاستمتاع بالمساحات الخضراء تحت أشعة الشمس الدافئة، وممارسة رياضة المشي أو الركض حيث تتوفر في الحديقة ممرات مخصصة لهذه الأنواع من الرياضات.
ومن الأماكن الأخرى التي يحرص الكثير من الزوار الذهاب إليها “البحيرة الملونة”، فهي مخبأة بين مجموعة من التلال، وتعتبر البحيرة الساحرة التي تجذب السياح من مختلف أنحاء العالم بألوانها، خاصة منهم محبي الطبيعة، ويمكن للزائر التمتع بنزهة بالقارب، ورؤية البحيرة بألوانها، ومحيطها البديع بالأشجار الطبيعية الخلابة وأصوات الطيور وانعكاس ألوان البحيرة.
ومن الأماكن السياحية التي تنتشر في الجبل مزرعة الفراولة التي يسمح لك بقطف ثمار الفراولة في سلة يتم وزنها عند خروجك وحساب سعرها، ولكن في الغالب رحلتك للبحث عن الثمار سوف تبوء بالفشل لان السياح يقطفونها أولا بأول، لكن سوف تتمتع بكوب من عصير الفراولة المثلج عند خروجك، أيضا من الأماكن الأخرى “منطقة الشلالات” وأيضا لمحبين المغامرات والأماكن المرتفعة يمكنهم “ القفز بالباراشوت” وهذه الرياضة تخضع الى اجراءات السلامة حيث لا يسمع بالقفز أثناء نزول المطر أو الرياح الشديدة، كما لا يسمح للسائح القفز بمفرده إنما يصطحبه احد المدربين، وبالقرب من مكان القفز يوجد مصنع الشاي الذي اغلق منذ سنوات، لكن هناك مكان يباع فيها الشاي بأنواعه الأسود والأحمر والأخضر والشاي الأبيض وهو غال نسبيا نظرا لجودة وطريقة استخراجه من نباتات الشاي، وأيضا القرفة وبعض الحلويات بنكهات مختلفة مثل الزنجبيل وغيرها إضافة الى أنواع القهوة وللعلم فإن الشاي الإندونيسي يختلف تماما عن الشاي الذي نشربه في السلطنة وكذلك مذاقه.
وفي طريق العودة من الحدائق والمتنزهات، تشاهد بالقرب من مجمع كوتا بونقا بعض البقالات العربية التي تبيع كافة مستلزمات السائح العربي مثل الألبان والأجبان والعسل والكثير من المعلبات إضافة الى أنها تقدم خدمات الصرافة للعملات المختلفة، وأيضا بالقرب من المجمع يوجد سوق ممتد للخضار والفاكهة حيث يفرش الأهالي بضائع مختلفة بعضها إنتاج محلي والبعض الآخر مستورد، وهناك أيضا بعض حظائر الماشية التي تبيع اللحوم حيث يبلغ سعر التيس الواحد قرابة 18 ريالا عمانيا ويزيد حسب حجم الماشية وأيضا تباع الخراف، وأيضا توفر بعض المحال الدواجن الحية بأنواعها، أيضا تنتشر بعض المطاعم العربية التي تقدم الوجبات العربية، والمشروبات الباردة والساخنة وبعض المعجنات، لكن بالطبع الأسعار مرتفعة بشكل عام في الجبل، ولذا ينصح السائح القادم الى هذا المكان بجلب بعض المستلزمات الضرورية مثل: مستلزمات الطبخ كالرز والبهارات والمعلبات مثل البقوليات والأجبان والعسل وغيرها، أيضا محال الصرافة اسفل الجبل تمنح السائح أسعارا افضل من الأعلى سواء في تغيير سعر الدولار أو الريال العماني أو بعض العملات الأخرى ولذا ينصح بها. عشاق المطر، والمناظر الخضراء سيجدون مكانهم المفضل، لكن يبقى أن نشير الى أن الحياة في بونشاك لم تعد بذلك الرخص الذي يتوقعه البعض أو سمعه من الآخرين قبل سنوات ماضية، فسائق الحافلة الصغيرة يأخذ حوالي 15 ريالا في اليوم مقابل بعض الساعات قليلة يقضيها معك، اضف الى ذلك الكثير من السائقين يحبذ التعامل مع الشباب دون العائلات،ولا غرابة أن تجد السائق قد تركك فجأة، واستبدل بآخر تحت أعذار غير صحيحة، وتدخل العقل، أيضا دخول الحدائق اصبح أمر يكلفك الكثير خاصة إذا لديك عائلة كبيرة، مثلا: الدخول الى حديقة السفاري - كما أسلفت سابقا- لذا ينصح أن تحضر جميع الفعاليات في الحديقة حسب الجدول الذي يعطى إليك عند البوابة.
العلامة الفارقة أو المميزة في الجبل، انك تجد الكثير من عاملات المنازل متوفرات،ولديهن من الإتقان في الطبخ الشيء الكثير خاصة المائدة العربية، فاغلبهن قد عملن لسنوات طويلة في منطقة الخليج، ولديهن دراية كافية بكافة أمور الطبخ والتنظيف والتنظيم ويتقاضين مبالغ معقولة في اليوم، وتأتي عاملة المنزل في الصباح الباكر، وتذهب عند غروب الشمس أو حسب الوقت الذي تتفقان عليه.
الليل في بونشاك
تحدثت في مطلع هذا التقرير السياحي عن الليل في بونشاك، ولكن بشكل عرضي،وهنا اشرح اكثر، ربما رب الأسرة هو من يعي هذه النقطة اكثر من أفراد أسرته، فالمخاوف دائما تأتي وتذهب حسب المكان الذي قدر لك أن تسكن فيه، خاصة إذا كان أطفالك لا يزالون صغارا، لنتفق على أن حياة التنزه تنتهي في جبل بونشاك قبل الغروب،لأن المطر يهطل بشكل مستمر، والشمس لا تكاد تشاهدها خاصة في بعض الشهور، وفي مطلع العام الحالي حدث انهيار صخري للطريق المؤدي الى الجبل، وهذا أدى سلبا الى منع الناس من النزول، أو الصعود الى الجبل لفترة امتدت لأسبوع تقريبا، وعملت السلطات على إصلاح الأضرار التي جاءت نتيجة الأمطار الغزيرة التي تساقطت في الأشهر الأولى من العام الجاري.
نعود للحديث عن الليل في بونشاك، فالمحلات التجارية تغلق أبوابها مبكرا إلا ما ندر، أيضا اغلب السائقين يذهبون الى منازلهم قبل الغروب بمعنى أن كافة مستلزماتك يجب أن توفرها في وقت محدود من اليوم، فالأجواء الماطرة لا تترك لك مجالا للخروج، واغلب الفلل فارغة وليس بها احد، إذن هي موحشة لا حياة فيها، بعض الفيلل مغلقة منذ مدة طويلة، وغير معروضة للإيجار،لان أصحابها يأتون إليها على فترات طويلة، أما الفيلل الأخرى فتنتظر الزبائن الذي يصدون عنها بسبب المبالغة في أسعارها رغم قلة موسم السياحة في بعض الشهور، في المجمع السكني قد لا تسمع إلا أصوات الألعاب النارية التي تنطلق بين فترة وأخرى، قد تشاهدها بوضوح إذا كنت قريبا من سكن الشباب، لكنها لا تتوقف إلا في ساعات متأخرة من الليل، أيضا أصوات المسجلات تعلو بالأغاني، وبدورهم لا يتوانى الباعة عن المجيء الى المجمع ليلا يعرضون بضائعهم بأسعار مرتفعة ولا بد أن تجادلهم حتى تحصل على السعر المناسب.
نقطة مهمة، عندما تُقدم على استئجار إحدى الفيلل، يحلف لك المؤجر بأغلظ الأيمان بأنها مؤمنة من اللصوص والحرامية وبها حارس يقظ يمر على مدار الليل في المكان، والحقيقة أن هذا الحارس مغلوب على أمره، فهو يحرس نحو 20 فيلا وفي أماكن متباعدة، بمعنى انه لا حياة لمن تنادي لو حدث لك مكروه، ومع كل التطمينات التي يؤكدها لك المشتغلون في العقار، تبقى كرب أسرة تعيش في دائرة من القلق، النور الذي يصدر من المكان الذي تسكنه يصبح كالحشرة التي يستقطبها الضوء، فسريعا تقف أمام مسكنك بعض الدراجات النارية يعرض أصحابها ما يحملونه من خير وشر.