حيدر بن عبد الرضا اللواتي - haiderdawood@hotmail.com - أصبح التأمين الصحي من الخدمات الضرورية لكافة البشر في ضوء احتياجات الفرد للوقاية من الأمراض والحالات الطارئة التي يمكن أن يصاب به أثناء تواجده في مكان ما، أو في مقر عمله أو دراسته. ونظرا إلى أن السلطنة تعتبر من الدول الجاذبة للعمالة الوافدة سنويا، فهناك اليوم حوالي المليوني شخص من الوافدين في البلاد يحتاجون إلى الخدمات الصحية وللوقاية من الأمراض والحوادث الطارئة. ومن هذا المنطلق جاء قرار مجلس الوزراء الموقر مؤخرا والخاص بتطبيق مشروع التأمين الصحي الإلزامي على العاملين في القطاع الخاص والوافدين المقيمين في السلطنة والزائرين لها. وهذا ما دفع الهيئة العامة لسوق المال - والتي تشرف على قطاع التأمين في البلاد - بمتابعة الأمر، وبذل الجهود بالتنسيق مع المؤسسات المعنية لتنفيذ القرار لتلبية احتياجات العاملين في القطاع الخاص من التغطية الصحية الأساسية. وقد أعلنت الهيئة مؤخرا بأنها تنظر إلى قضية التأمين الصحي للعاملين الوافدين من جميع جوانبه، خاصة فيما يتعلق بأسعار التأمين، والحد بقدر الإمكان من احتمالات التكلفة العالية التي سيتحملها أصحاب العمل في القطاع الخاص لاسيما في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية، إضافة إلى ضمان جودة الخدمات المقدمة من قبل شركات التأمين ووحدات الرعاية الصحية وسهولة الحصول عليها من قبل المؤمن عليهم. ويأتي العمل بتطبيق التأمين الصحي للعاملين بالقطاع الخاص سواء من الوافدين ثم المواطنين بعدما تم طرحه منذ عدة سنوات مضت مع توصية مؤتمر التأمين الصحي في الشرق الأوسط الذي استضافته السلطنة العام الماضي، حيث تبيّن من خلاله أن هناك ما نسبته 9 % من العمانيين العاملين في القطاع الخاص لديهم تأمين صحي في الوقت الحالي، وأن معظم العمالة الوافدة في القطاع الخاص تحتاج إلى التغطية التأمينية في الأمور الصحية ليبدأ العمل مع العاملين الوافدين أولا، ثم بشكل تدريجي مع العمانيين العاملين في القطاع الخاص - باعتبار أن المواطن من حقه الحصول على الخدمات الصحية مجانا في جميع المستشفيات والمراكز الصحية المقامة في البلاد. كما أن تحقيق هذا المبدأ يأتي كنتاج لدراسات متخصصة قامت بها الحكومة بالتعاون مع شركات عالمية والتي أثبتت مدى الحاجة للتأمين الصحي. ويعتبر التأمين الصحي كما ورد في الأدبيات بأنه أحد أنواع التأمين ضد مخاطر الظروف الصحية لدى الفرد، ويشمل تكاليف فحصه وتشخيصه وعلاجه، ودعمه النفسي والجسدي. كما قد يتضمن تغطية بدل انقطاعه عن العمل لفترة معينة أو عجزه الدائم. وهو أحد الطرق لإيصال الرعاية الصحية للأفراد والمجموعات، الأمر الذي يؤدي إلى تخفيف الأعباء والتكاليف المترتبة عند معالجة الحالات المرضية التي يتعرض لها المؤمن عليهم، ويضمن وصول الرعاية الصحية لجميع محتاجيها مقابل مبلغ يسير من المال وثابت يدفعه جميع الأفراد المشتركين بالتأمين. ويعتبره البعض نظاما اجتماعيا يقوم على التعاون والتكافل بين الأفراد لتحمّل ما يعجز عن تحمّله أحدهم بمفرده. وبالرجوع إلى تاريخ التأمين الصحي فقد صدرت أول وثيقة على مستوى العالم في هذا الشأن في ألمانيا عام 1883م، بينما صدرت أول وثيقة في العالم العربي وكتبت باللغة العربية لتأمين العلاج الطبي وقد ظهرت عام 1957م في مصر. وهناك العديد من الأهداف التي يشملها التأمين الصحي تتلخص في توفير الرعاية الصحية للأفراد والمجموعات، وتأمين وتوزيع تكاليف الرعاية الصحية على الأفراد، بحيث يدفع الجميع حصة متساوية، وبذلك فإن الأشخاص الأصحاء الذين لا يعانون من المرض يغطون تكاليف علاج الأشخاص المرضى، بالإضافة إلى حماية الفرد من نقص الرعاية الصحية التي تنتج عن فقر الشخص أو عدم قدرته على دفع تكاليف العلاج، مما يؤدي إلى عدم حصوله على الرعاية الصحية وتدهور صحته. كما يحتاج ذلك إلى وجود جهة لإدارة موارد التأمين الصحية المالية بشكل يضمن استمراره للأجيال القادمة، وقد يشمل ذلك استثمارها في مشاريع جيدة، بجانب تحسين مستوى الخدمات الطبية المقدمة من خلال توفير مصادر مالية ثابتة ومستمرة والحث على مزيد من التنويع والمنافسة في تقديم الخدمات الطبية. أما عناصر التأمين الصحي فتشمل مؤسسة التأمين كطرف أول، والتي قد تكون جهة حكومية مثل وزارة الصحة، أو خاصة مثل شركات التأمين الصحي الربحية، أو وكالة دولية، فيما يكون الطرف الثاني وهو الفرد المنتفع أو عائلته، أو مؤسسة أو شركة يعمل بها مجموعة من الموظفين أو العاملين. ويرتبط هذان الطرفان بعقد يشمل مقدار الاقتطاع المالي للتأمين وأسسه ونوعية الأمراض المشمولة بالعلاج والإجراءات المغطاة الأخرى. أما مقدم الرعاية الصحية، فقد تكون المؤسسات الحكومية كمراكز ومستشفيات وزارة الصحة، أو قد تكون مؤسسات ومستشفيات صحية خاصة. ويتحمل علاج التأمين الصحي الفرد نفسه بجانب الحكومة والمؤسسات الخاصة بالإضافة إلى المنظمات الدولية في حالة وجود حاجة لعلاج اللاجئين مثلا، بجانب الاستفادة من الهبات والمنح التي قد تكون من الأفراد أو المؤسسات، وقد تكون مادية أو عينية كالمستلزمات الطبية والمباني. إن التأمين الصحي هو وسيلة ضرورية لشمول كافة شرائح المجتمع من المخاطر بحيث لا تتعرض الفئة المحرومة من التأمين الصحي لمخاطر العوز والمرض، أو تتحمل تكاليف علاجها، أو تتعرض لمخاطر تطور المرض لديها بسبب عدم قدرتها على دفع تكاليف العلاج مما قد يحرمها من العلاج، وقد يؤدي إلى تفاقم المرض لديها، الأمر الذي يتطلب أيضا إنشاء الصناديق التي تعمل في مجال التأمين الصحي سواء من قبل الحكومات أو المؤسسات الخاصة. إن العمل بقرار التأمين الصحي الإلزامي في السلطنة للعمالة الوافدة سوف يبدأ خلال العام الحالي، وقد أوضح المسؤولون في الهيئة العامة لسوق المال بأن كلفة الرعاية الصحية بالسلطنة آخذة في الزيادة، بحيث بلغت نسبة الإنفاق على الصحة من موازنة الإنفاق الحكومي لتصل إلى 6% في عام 2016، فيما تنامي الإنفاق الحكومي خلال الفترة من 2007 إلى 2016 على قطاع الصحة بمتوسط معدل نمو سنوي بلغ حوالي 14%، والاستثماري بمتوسط معدل نمو سنوي بلغ حوالي 25%. وقد وضعت الهيئة خطة عمل تنفيذية لتنفيذ مشروع نظام التأمين الصحي من خلال إعداد مسودة الوثيقة الموحدة للتأمين الصحي على العاملين بالقطاع الخاص وأسرهم، وتمت مراجعتها مع قبل عدة جهات معنية بالعمالة الوافدة منها وزارة الصحة، ووزارة القوى العاملة، وغرفة تجارة وصناعة عمان، والهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية، وبعض الخبراء الاكتواريين، وشركات التأمين، ومزودي الخدمة الصحية الخاصة في السلطنة والجمعية العمانية الطبية، بالإضافة إلى المراجعة القانونية من قبل الجهات المعنية بالهيئة. وقد ارتأت الهيئة أن يتم التدرج في تطبيق هذا النظام وعلى عدة مراحل، ولن يتم الانتقال إلى مرحلة قادمة إلا بعد التأكد من نجاح تطبيق المرحلة السابقة من جميع الجوانب، بحيث يشمل التأمين الصحي لاحقا جميع الزائرين القادمين للسلطنة عبر مختلف المنافذ الحدودية أيضا، ويتم التواصل والتنسيق في هذا الشأن مع شرطة عمان السلطانية لوضع الآلية المناسبة للتأمين الصحي على الزائرين وتسهيل الحصول على هذا التأمين عبر المنافذ الحدودية للسلطنة. ومن جانبها فقد قامت وزارة الصحة وبالتعاون مع الشركة الوطنية الكورية للتأمين الصحي بإجراء دراسة في هذا الشأن أثبتت مدى الحاجة للتأمين الصحي في السلطنة وتطبيقه بطريقة ممنهجة وتدريجية، الأمر الذي من شأنه أن يرفع الجودة والكفاءة في القطاع الصحي الخاص، وبحيث لا بد له أن يكون منافسًا للقطاع الصحي الحكومي، خاصة وأن التكلفة على القطاع الصحي عالمياً في ازدياد نتيجة لازدياد التكلفة الناجمة من استخدام التقنيات الحديثة التي تدخل سنويا على القطاع الصحي سواء في الأجهزة أو المعدات أو الأدوية أو التقنيات الجديدة.