قــــارئ يســـرد تجــــربته - حــــــاوره: ماجد الندابي - هذا حوار عن القراءة وتحولاتها وطقوسها ومدى علاقتها بالقارئ، عن قارئ ليلي لا تكاد سماء قرية البداية في ولاية السويق يخيم عليها الظلام حتى يبدأ هذا القارئ الاستثنائي في ممارسة هوايته الأثيرة في التفتيش بين ثنايا صفحات الكتب الإلكترونية ونبش حروفها باستخدام سبابته، هذا القارئ مقعد على كرسي مدولب، وتصل نسبة إعاقته إلى 90 % حيث لا يتحرك من جسمه سوى عينيه وأطراف أصابعه، كما انه لم يلتحق بأي مدرسة حكومية أو خاصة، ولكن هذه الظروف لم تثن فهد بن سالم بن محمد الجهوري عن سعيه الدؤوب في اكتساب المعرفة من بطون أمهات الكتب، اليوم فهد يسرد لنا عشقه لعلم الاجتماع ويرى أن علي الوردي أفضل من كتب في علم الاجتماع بعد ابن خلدون، وكيف أنه يحب القراءة في الليل بعيدا عن الضوضاء، ويسرد لنا تفاصيل تجربته القرائية. لا يتحــرك منه ســوى عــينيه وأطـراف أصـابعـه ويقضي ليـله فـــي القــراءة - ■ هل تذكر أول كتاب قرأته كاملا من الجلدة إلى الجلدة؟ وماذا كان شعورك بعدها وما أثره عليك؟ أول كتاب قرأته أو لنقل أنه كتيب هو من ضمن الكتيبات التي انتشرت في التسعينات لقصص الجيب البوليسية لمجموعة من الكتاب المصريين والتي كانت تلقى رواجاً في تلك الفترة. وبالتأكيد كانت فرحتي وتأثري كبيرين كيف لا وأنا لم أدخل أي مدرسة حكومية أو خاصة ولم أتلق أي تعليم منزلي، مما زاد شغفي للقراءة، لأنتقل بعدها إلى روايات أجاثا كريستي التي جعلتني لأول مرة أتخيل مشاهد الجريمة وأغوص فيها منفصلا عن العالم الخارجي الذي أعيش فيه .. أما تأثير البدايات في القراءة لا شك أنها ساهمت بشكل كبير لتعزيز ثقتي بنفسي من حيث محاولة فهم الكثير من المصطلحات والمعلومات والتفكر بها رغم انعدام أدوات البحث في تلك الفترة من انترنت وخلافه وهو ما شكل تحديا آخر للقراءة في مجالات أكبر في السنوات التالية. ■ لماذا كنت تقرأ؟ وماذا دفعك إلى ذلك؟ كنت اقرأ من أجل القراءة فقط وتعلم نطق الكلمات.. لم أقرأ في البدايات لكي أفهم وافكر وأحلل بل من أجل تخطي نطق الكلمات بشكل خاطئ، وتعلم نطق الجديد من الكلمات والمصطلحات الأدبية والسياسية وغيرها، هذا كان هدفي من القراءة في البدايات، أما الدوافع هي التحدي بين اقراني والمحيطين بي أن أجيد القراءة بلا أي تعليم رغم أن التشجيع لم يكن موجوداً من الأقارب في تلك الفترة لأسباب لا يتسع المجال لذكرها الآن. ■ ما هي طريقتك في القراءة؟ أنا من الذين يقرأون بسرعة وصمت بدون تحريك الشفاه، ولا يقرأون في الضوضاء مهما كانت كانت بسيطة، لأني أعتقد أن القارئ الجيد حينما يقرأ أي كتاب عليه أن يعيش بروحه ووجدانه في الكتاب الذي يقرأه وينفصل عن العالم المحيط به فأنت حينما تستقي المعلومات الواردة من أي كتاب لابد أن تكون وأعياً بما قرأت لاستخلاص الفكرة النهائية ونقدها نقدأ بنّاءً اذا كانت تلك الافكار تحتمل النقد، ولذلك اعتقد ان الليل بسكونه وهدوئه حينما تعود الأجساد إلى الفراش هو الوقت الأنسب للقراءة. ■ هل تضع ملخصات او ملاحظات على ما تقرأ؟ نعم أقوم بكتابة ملخص قصير وأبدي رأيي في بعض الكتب.. وأقوم بنشر تلك الملخصات في حسابي على الإنستجرام والموقع العالمي الاجتماعي للكتب جودريدز تحت عنوان fahadsaliem .. لاني أؤمن أن نشر المعرفة وإن اختلفت الآراء والأفكار هي واجب على كل قارئ عشق الكتاب. ■ هل تقرأ الكتب الالكترونية؟ وهل هنالك مجالات محددة تتم قراءتها من خلال هذه الكتب؟ نعم أنا قارئ للكتب الالكترونية فقط بسبب ظروف الإعاقة رغم أن البدايات كانت ورقية إن صح التعبير ولا أنكر أني أشتاق لرائحة الورق ولكن هي الظروف التي لابد للإنسان أن يتكيف معها في سبيل القراءة وغير القراءة... أما الشق الثاني من السؤال عن المجالات التي يمكن قراءتها من خلال الكتب الالكترونية فهي غير محدودة لأننا نتحدث عن عالم رقمي لا تحده حدود الزمان ولا المكان. ■ ما أجمل كتاب قرأته في مسيرتك القرائية؟ من الصعب على أي قارئ أن يجيب على هكذا سؤال حرفياً واذا سألتني لماذا سوف أجيب انني أقرأ في شتى المجالات سواءً سياسية أو تاريخية أو فكرية ولكن بشكل عام أميل بدرجة كبيرة لعلم الاجتماع ولعل الأغلب يشاركني الرأي أن الراحل الدكتور علي الوردي أفضل من كتب في علم الاجتماع بعد المؤسس ابن خلدون، أما تسمية كتاب بعينه في هذا الجانب الذي اعشقه فأعتقد انه سوف يكون ظلما لبقية الكتب التي ألفها الراحل علي الوردي، هذا الرجل الذي شغل الناس حياً وميتاً ولكن اعتقد أن كتاب "وعاظ السلاطين" هو البداية الحقيقية لرحلة العشق بيني وبين ما سطره قلم العملاق علي الوردي. ■ هل منهجيتك في القراءة تغيرت مع تغير مسيرتك الحياتية؟ أعتقد أن منهجية القراءة لا تغير المسيرة الحياتية للانسان بل إن المسيرة الحياتية للانسان وما يرافقها من تقلبات فكرية وعقائدية ووعي الانسان بشكل عام هي من تغير في منهجية القراءة. ■ ما هي المجالات القرائية التي تستهويك هذه الفترة؟ انا من عشاق علم الاجتماع.. لأن مجال علم الاجتماع هو من ينبهك إلى سلوكيات البشر وحوائجهم وغرائزهم وأفكارهم بل هو الحقيقة المتمثلة أمامنا ونعيشها بكل لحظة ولكن لا نتفكر بها.. وهنا يأتي دور عالم الاجتماع ليزيل تلك الغشاوة من أعيننا. ■ هل تقرأ أكثر من كتاب في الوقت نفسه؟ لا.. وأعتقد من وجهة نظري الشخصية أن قراءة أكثر من كتاب في الوقت نفسه أمر غير صحي لما له من تشتت في التركيز على موضوع الكتاب فالقارئ مطالب في النهاية ان يستخلص عصارة فكرة المؤلف لكي يستفيد منها أو ينتقدها انتقادأ بناءً وهذا الأمر لا يستقيم باعتقادي في قراءة أكثر من كتاب في الوقت نفسه. ■ هل ألهمتك بعض السير الذاتية للكتاب؟ نعم.. وأذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر سيرة المهاتما غاندي تحت عنوان قصة تجاربي مع الحقيقة، هذا الرجل الهندي البسيط الذي استطاع أن يحصل على استقلال بلاده من تحت التاج البريطاني بطريقة النضال السلمي والتي لم نقرأ عنها في التاريخ الحديث والقديم، وكتاب أدولف هتلر "كفاحي" وربما يختلف معي البعض حول كتاب كفاحي لادولف هتلر هذا الرجل الذي أهلك أوروبا والعالم ولكن أعتقد أن سيرته الذاتية وافكاره المستقبلية والتي كتبها بالسجن تستحق النقد والتفكر فيها من زوايا مختلفة. ■ هل هنالك زمان محدد للقراءة في بعض المجالات؟ لا أعتقد أن عامل الزمن مهم للقراءة بقدر الاهتمام بعوامل أخرى محيطة بالقارئ مثل النفسية والتركيز والضوضاء وكلها عوامل يمكن التغلب عليها بقدرة الكاتب على التكيف مع الوضع الحالي هذا بالنسبة للكتب أما المقالات والقصاصات القصيرة فأعتقد أنها لا تخضع للعوامل التي ذكرتها. ■ هل تذكر لنا لحظة أبكاك فيها الكتاب؟ الدموع ربما هي انعكاس للألم الأكبر في النفس وفي الحقيقة لا أتذكر أني بكيت على كتاب قرأته، ولكن أتذكر الألم الكبير الذي لحق بي وجعلني أتوقف عن القراءة لأتمعن في ما قرأته عن شظف العيش الذي عاشه آباؤنا وأجدادنا في مرحلة غابرة من تاريخ عمان التليد، والكتاب هذا الذي أحزنني كثيراً لما ورد فيه من معلومات مهمة هو «الحملات التنصيرية إلى عمان والعلاقة المعاصرة بين النصرانية والإسلامى» للدكتور سليمان الحسيني. ■ رشح لنا ٥ كتب تنصح القراء بقراءتها؟ «الحملات التنصيرية إلى عمان والعلاقة المعاصرة بين النصرانية والإسلام» للدكتور سليمان الحسيني، و«ليس للحرب وجه أنثوي» سفيتلانا اليكسييفيش، و«وعاظ السلاطين» للدكتور علي الوردي، و«الحقيقة الغائبة» للراحل الدكتور فرج فودة، و«تجديد الفكر الديني دعوة لاستخدام العقل» للراحل أحمد البغدادي.