عوض بن سعيد باقوير - ظهرت مؤخرا بعض الأصوات داخل الولايات المتحدة التي تتحدث عن ضرورة توقف المواجهة، وان تكون هناك نظرة مختلفة بعيدا عن المواجهة بين الإعلام الأمريكي والرئيس ترامب، ولكن المشكلة هي أن ترامب لا يستطيع الاستغناء عن التغريدات ومهاجمة الإعلام، ومن هنا فان احتمال المواجهة سوف يستمر خاصة وان التسريبات حول التحقيقات سوف تبقى هي المادة التي تستحوذ على الصحافة والقنوات التلفزيونية. الإعلام الأمريكي يعد إحدى الأدوات المؤثره في الأحداث السياسية في الولايات المتحدة الامريكية وهو إعلام جامح، وذو قوة تأثير كبيرة يكشف عنها عدد من المحطات في التاريخ الامريكي الحديث، لعل أهمها دوره البارز في كشف أحداث حرب فيتنام المأساوية علاوة على نجاح الصحافة الأمريكية في كشف فضيحة ووترجيت الشهيرة والتي أدت الى الإطاحة بالرئيس الأمريكي الاسبق نيكسون في عقد السبعينيات من القرن الماضي ، من خلال التحقيقات الصحفية المثيرة للصحفي الشهير في صحيفة « واشنطن بوست « بوب وودورد . كما أن الرئيس الأسبق بيل كلينتون كان على وشك الرحيل من الرئاسة بسبب قضية مونيكا، المتدربة في البيت الابيض، والضجة الاعلامية الكبيرة والتي عادة ماتستهوي الصحافة والاعلام في الولايات المتحدة، كجزء اساسي من المشهد الأمريكي الذي يعتمد على دور الاعلام واللوبيات ودور شركات الدعاية والاعلان، وهو دور كبير. ترامب في مواجهة العاصفة من الصعب استعداء الاعلام في اي دولة، فكيف يكون الحال في إعلام مؤثر، ومن هنا كان الاستعداء واضحا من قبل الرئيس الأمريكي ترامب للصحافة الامريكية والقنوات التلفزيونية، مع استثناء قنوات» فوكس نيوز» الشهيرة . ولعل تصريحات الرئيس ترامب كانت بالغة النقد ضد المحطة الاخرى الشهيرة «سي ان ان» والصحف الكبرى كصحيفتي «نيويورك تايمز» و «واشنطن بوست» ومن هنا جاءت المواجهة بين الطرفين عنيفة، من خلال التحقيقات التي يجريها المحقق «مولر» حول شبهة التدخل الروسي في مسار الانتخابات الرئاسية الامريكية عام 2016 ، والتي يواجه خلالها الرئيس ترامب مأزقا كبيرا من خلال الشهادة الاخيرة لمحاميه السابق « كوهين» والتي اعترف فيها ببعض الحقائق ضد الرئيس ترامب، خاصة فيما يتعلق بعلاقاته العاطفية ومسألة دفع الاموال وهي امور، تعد إن ثبتت مخالفة للقانون الامريكي ، كما ان الاعلام الامريكي وجدها فرصة من خلال تطور وتصاعد التحقيقات في شن حملة اخبارية وصحفية غير مسبوقة ، ومن خلال البرامج الجماهيرية الحوارية، والتي تبث لساعات مطولة للحديث عن ادق التفاصيل حول مصير الرئيس ترامب اذا ما اثبتت التحقيقات في نهاية الامر أن هناك شبهة تواطؤ من اي نوع. المواجهة بين الاعلام الامريكي والرئيس ترامب هي ظاهرة غير مسبوقة في التاريخ الامريكي الحديث، وهذا يقودنا الى دور الاعلام الامريكي وسطوته وتأثيره الكبير في الحياه السياسية ، كما ان ذلك يقودنا الى الحديث عن الحريات الواسعة من خلال امكانية النفاذ للمصادر الحساسة ، حتي داخل الدوائر الاستخباراتية ، وهناك اشخاص في مثل هذه الأزمات على استعداد لعطاء معلومات دقيقة وحساسة ، بسبب انهم تضرروا من ممارسات البيت الابيض خاصة في عهد الرئيس الحالي ترامب. اذن الرئيس ترامب امام العاصفة الأكثر خطورة ، وهي الاعلام الامريكي حيث اشار ترامب في احد لقاءاته الأخيرة مع قناة « فوكس نيوز « الاخبارية بأن مسألة عزله سوف تؤدي الى انهيار الاسواق والدولار، وهذا التصريح يعطي مؤشرا بان حملة التحقيقات واعترافات المحامي «كوهين» وربما آخرين يمكن ان تجعل موقف الرئيس ترامب في درجة اكبر من التعقيد. التضامن الإعلامي !! وفي سابقة في تاريخ الصحافة الامريكية ظهرت مؤخرا افتتاحيات 350 صحيفة ومجلة ومواقع اخبارية في ولايات ومدن الولايات المتحدة تهاجم الرئيس ترامب في ظاهرة فريدة مما يوحي بأن التصعيد في المواجهة سوف يستمر، خاصة وان النقد اللاذع من الرئيس ترامب متواصل ضد الاعلام الامريكي، والذي وصف معظمه، بأنه عدو للشعب وهي عبارة ’مستغربة’ وغير مألوفة، في اطار التقليد الامريكي، حتى في حالة وجود الاختلاف في وجهات النظر، ومن هنا فان ذلك التضامن الاعلامي ان صحت التسمية يجعل من البيت الأبيض والرئيس ترامب هدفا متواصلا للحملة ضد المؤسسة الرئاسية وهي ظاهرة جديدة في التعامل المهني والتضامن بين اجهزة اعلام امريكية مؤثرة ولها مصادرها، والتي يريد بعضها على الأقل، النيل من الرئيس ترامب، لأسباب متعددة ، وذلك برغم ان الرئيس ترامب يرى انه حقق طفرة اقتصادية على صعيد توفير الوظائف لملايين الامريكيين وأعاد للولايات المتحدة قوتها وهيبتها حتى تجاه حلفائها على ضفاف الأطلسي . وتشير التحليلات المستقلة في الولايات المتحدة وكبار المعلقين بأن الرئيس ترامب قد وضع نفسه في مأزق حقيقي عندما يناصب العداء لكبرى الصحف الأمريكية والقنوات الاخبارية ذات التأثير الواسع، ومع تصاعد وتيرة التحقيقات التي يجريها «مولر» يدخل الرئيس ترامب في اشكال مع وزير العدل الامريكي، الذي رفض انتقادات ترامب لوزارته ، واشار الى ان وزارة العدل لن تتدخل في سير التحقيقات الجارية حاليا. الافتتاحيات الصحفية الجماعية السابق الاشارة اليها والتي نشرت في يوم واحد، تشير الى ان المعركة بين الرئيس ترامب واقطاب الصحافة والاعلام في الولايات المتحده قد دخلت مرحلة صعبة. ولاشك ان هذا المشهد يثير المتابعة ويعيد للاذهان المشاهد المماثلة لموضوع ووترجيت ونهاية الرئيس الاسبق ريتشارد نيكسون الدراماتيكية، وهو يلوح للشعب الأمريكي بالرحيل عند مغادرته واشنطن. الانتخابات النصفية للكونجرس برغم الحملة الاعلامية الواسعة النطاق ضد الرئيس ترامب فان مسار التحقيقات لا يمكن التنبؤ بمساره، ولكن الجميع يتطلع الى الحدث الابرز في نوفمبر القادم وهي انتخابات الكونجرس النصفية، والتي سوف تكون حاسمة، خاصة اذا استطاع الحزب الديمقراطي استعادة الاغلبية في الكونجرس ، او على الأقل مجلس الشيوخ ، عندها سوف تدخل التحقيقات منحنى خطيرا، خاصة في حالة ظهور ادلة جديدة. ان الترويج للانتخابات النصفية للكونجرس من قبل الاعلام الامريكي بدأت من خلال الربط بينها وبين إقالة الرئيس في حالة ثبوت اي تواطؤ محتمل، ومن هنا فان مسار المواجهة سوف يتواصل. ويبدو ان اقطاب الصحافة والتلفزة الامريكية قد قرروا مواجهة الرئيس ترامب، وهذا احد المشاهد التقليدية في التغطيات الاعلامية للأحداث الكبرى في واشنطن، ولايزال الجميع يتذكر المحاكمة الشهيرة للاعب كرة القدم الأمريكية الشهير « اوجاي سيمبسون « والتي حازت علي تغطية اعلامية غير مسبوقة. ومن هنا فان الاعلام الامريكي ومتابعاته المثيرة والمبالغ فيها احيانا، هي جزء من الاثارة التي تميز هذا الاعلام، علاوة على دور الاعلان والعلاقات العامة والتسابق في بث الأخبار في اطار السبق الصحفي الاخباري ، ومن خلال امكانات وتقنيات احترافية كبيرة في العمل الصحفي والاعلامي. فهناك الصحف الكبرى ذات التأثير الكبير وهناك صحف الولايات والمدن وحتى القرى الصغيرة والتغطيات الاخبارية تدور معظمها حول الشأن المحلي، ومن هنا فان اخبار الرئيس ترامب والتحقيقات هي مواد تحظى بمتابعة جماهيرية والرأي العام الامريكي يستقي المعلومات والاخبار من تلك الادوات الإعلامية، كما ان سطوة الاعلان لها دور كبير. اذن انتخابات الكونجرس النصفية سوف تضيف للمشهد السياسي والاعلامي الكثير في ظل تواصل الاثارة في تلك التحقيقات الأشد اثارة للصحافة والاعلام الامريكي فهناك احصائيات حديثة تتحدث عن أن هناك ساعات طويلة للقنوات الاخبارية الكبرى تخصص لمسألة التحقيقات التي يجريها «مولر» وأيضا حول المواجهة المباشرة بين الرئيس ترامب والاعلام الامريكي وهناك عشرات المعلقين وكتاب الأعمدة الذين يتحدثون في تلك القنوات عدا المقالات الرئيسية في الصحف الكبرى. هل تتوقف الحملة؟ ظهرت مؤخرا بعض الأصوات داخل الولايات المتحدة التي تتحدث عن ضرورة توقف المواجهة، وان تكون هناك نظرة مختلفة بعيدا عن المواجهة بين الاعلام الامريكي والرئيس ترامب، ولكن المشكلة هي أن ترامب لا يستطيع الاستغناء عن التغريدات ومهاجمة الاعلام، ومن هنا فان احتمال المواجهة سوف يستمر خاصة وان التسريبات حول التحقيقات سوف تبقى هي المادة التي تستحوذ على الصحافة والقنوات التلفزيونية. وبصرف النظر عن تصاعد الحملة او ايجاد مخرج لها، فان ما يحدث في هذه المواجهة الاعلامية غير المسبوقة هي ظاهرة تستحق التأمل والمراقبة والمتابعة لإعلام يدخل في مواجهة كبيرة ضد المؤسسة الرئاسية متمثلة في الرئيس دونالد ترامب. صحيح أن المواجهات الاعلامية بين مؤسسة الرئاسة والاعلام كانت موجودة من قبل، ولكن الصحيح أنها كانت في نطاق محدود، اما المواجهة الحالية فانه يبدو انها خرجت عن السيطرة وأصبحت مادة يتابعها ملايين الامريكيين في اطار الايقاع السريع للمشهد السياسي في واشنطن.