مع بداية العام الدراسي الجديد.. وقفات مع وجهات نظر تربوية -
عرض: سالم بن حمدان الحسيني -
أصبحت المعطيات التربوية سواء كانت في المنزل او في المحيط المدرسي تتجه اتجاها تقنيا اكثر منه اتجاها تقليديا فالمنصات التعليمية تغيرت بتغير الزمان والمكان، وعلى المعلم وولي الأمر ان يوجدا علاقة إيجابية مع الطالب من اجل تهيئته ليكون قياديا في المستقبل لتكملة المسيرة التنموية في البلاد.. ولا شك ان التربية تنشأ من البيت وتعززها المدرسة والمعاهد التعليمية، والتركيز على الجانب الأخلاقي اكثر من الجانب التحصيلي أمر حتمي.. ذلك ما طرحه اللقاء التالي مع مختصين في التربية والتعليم موضحين ان كلا من المعلم وولي الامر امام تيارات تقنية حديثة تخرج بالطالب الى عالم جديد مليء بالمفارقات الكثيرة مؤكدين ان المسؤولية جسيمة ولكنها بالإيمان المخلص بهذه الرسالة والعزيمة الصادقة تجعل السفينة تبحر الى بر الأمان.
بداية هذا اللقاء كان مع سالم بن سهيل عيرون الشحري مدير معهد العلوم الإسلامية بصلالة يقول: نبارك اولا لأبنائنا الطلاب وللهيئة التدريسية والإدارية بمناسبة العام الدراسي الجديد ونسأل الله التوفيق والسداد للجميع، في حمل هذه الرسالة الخالدة التي ينبري لها المخلصون من أبناء هذا الوطن الغالي للنهوض بالأجيال وتوعيتها ورفدها بالمعلومات والمهارات التي تؤهلها للخوض في هذا العالم المتزاحم معرفيا ومعلوماتيا وبصورة متسارعة، وهذا هو املنا الوحيد في الارتقاء بالحضارة الإنسانية ورفدها من جانبنا دول إسلامية عربية لها هويتها الثقافية والحضارية والتي هي بلا شك امتداد لما مضى من الاسلاف عليهم رحمة الله تعالى.
وحول كيفية توجيه المعلم للطالب ليكون إيجابيا في المدرسة مشاركا في جميع الأنشطة الصفية واللاصفية فقال: الطالب اليوم في حقيقة الامر حزمة من الأفكار ومتشكل بأهواء وأمزجة وثقافات اصبح يطلع عليها اكثر من ذي قبل، فأقول ان المعلم الذي لا يواكب التطور المتسارع اليوم لن يستطيع مواكبة وتهيئة هذا الطالب في أي شيء حتى على مستوى المواد الدراسية فطالب اليوم في حاجة الى الأب المربي قبل ان يكون متلقيا او منفذا لأوامر مقابل حزم من الإجراءات وطالب اليوم بحاجة الى أب وإلى أخ يرشده الى الطريق الصحيح ويتعامل معه كصديق في ظل أيضا التربية الحديثة التي أصبحت تواجهنا الى التعامل مع أبنائنا كأصدقاء بغض النظر عن ثقافة الأوامر من الأعلى الى الأدنى، وأيضا المشكلة الأخرى التي اراها من وجهة نظري هي التسارع المعرفي الذي ربما جاز لنا ان نسميه الغرق المعرفي المتسارع الذي لا يمكن ان نهيئ له انفسنا ما لم نخطوا الخطوات العاجلة جدا وفي المسار الصحيح. فطالب اليوم أصبح يتعامل مع طلبة ومع أناس من اجناس كثيرة ومع ثقافات متعددة من الشرق والغرب، فالهدف الان هو: كيف لي ان أوجه هذا الطالب التوجيه الصحيح الذي لا يحرمه من مقتنيات العصر الحديث ولا أيضا يجعله متخلفا عن ركب الحضارة المتسارع.
وعن الطرق المثلى في التعاون البناء بين الطالب والمعلم؟ وكيف يبني كل من الطرفين تلك العلاقة؟ وما اثر ذك على المسيرة التربوية فأشار الى ان هناك اختلاف واضح في طرق الاتصال والتلقي على مرور الزمن تبعا للمعطيات، والان أصبحت المعطيات تتجه اتجاها تقنيا اكثر منه اتجاه اتصال تقليدي عادي كالذي اعتدناه من واجب ومن كراس، بمعنى ان المنصات التعليمية تغيرت فبإمكان الطالب ان يتلقى هذا العلم وحتى وهو في منزله، واصبح دور المعلم اليوم موجه ومرشد وميسر فقط لكن تأخرنا في الوطن العربي الان في هذه التقنية الحديثة للأسف ربما لا نزال نحتاج الى شيء من القديم وهو توفير العلاقة الإيجابية مع هذا الطالب، كصديق نعطيه دوره الأبرز ونهيئه للمستقبل وأيضا نظهر الحاجة اليه ونعده لأن يكون قياديا في المستقبل لتكملة المسيرة التنموية في البلاد لكن عندما اتعامل مع هذا الطالب على انه متلق فقط ونتعامل معه بثقافة الأوامر فلربما الحرف من أيدينا وهنا ربما يصبح الضياع محتما. وهناك ملحوظة أخرى حيث تجد ان بعض المدرسين وصلوا الى مرحلة اليأس من تقويم بعض السلوكيات لدى الطلبة ودعوتي لهم ان لا ييأسوا وأسوتنا في ذلك رسولنا الأعظم عليه أفضل الصلاة والسلام وأضعف الايمان ان نخلق مع هذا الطالب جسرا من الاحترام بغض النظر عن الادبيات التي نتلقاها منه، فانا عندما اتلق هذا الطالب واحتويه في مدرسته بعيدا عن الفصل وعن الحرمان فربما اتحمل انا جزءا من هذا العناء لكنني احمي المجتمع من تبعات أخرى فيما لو اخرجته الى خارج محيطه الدراسي، فوصيتي: الأبوة ثم الابوة ثم الابوة.
النصيحة نهج إسلامي اصيل.. كيف يوجه المعلم او الطالب تلك النصيحة بأسلوب تربوي لتقويم سلوك سلبي بدر من احد الطلبة؟ وما أهمية ذلك في نظرك؟
على المعلم ان يستنير في هذا الجانب بالحديث النبوي الشريف الذي يشير الى النصيحة في السر وليس بالتشهير فالذي يقدم النصيحة ان لم يتبع هذا النهج لن يستفيد المتلقي وان حفظ الحديث لكن عندما يأتي المعلم وينصح الطالب على انفراد بكل ابوة ورحمة سيفهم الطالب ان الحديث الشريف فعلا متحقق حتى في سلوك المعلم لكن عندما ينهره المعلم ويكشف اخطاءه امام الطلاب وبصورة متعالية فقد جانب الصواب وخرج ان الطريقة التربوية الصحيحة فعلى المعلم ان يوجه الطالب بهدوء ووفق المنهج الإسلامي الحنيف، فنحن التربويين سواء كنا مديري مدارس او معلمين نعطي دروسا واقعية في التربية ولا نعول كثيرا على الدروس النمطية والكلام الذي يطبق فاذا كنا ننصح الطالب بينما نحن لا نلتزم كمعلمين بهذه المعايير ويرى عكسها فحتما لا يأخذ منها شيئا.
كيف يوجه المعلم وكذلك ولي الامر ابناءه نحو اتباع الأنظمة والقوانين المدرسية والمحافظة على كافة مرافقها؟
لا شك ان التربية تبدأ من المنزل والاصل ان الطالب يأتي الى المدرسة وقد وجهه ابواه الى أهمية هذا الامر فالتربية تنشأ من البيت وتعززها المدرسة والمعاهد التعليمية، فنحن في معهد العلوم الإسلامية اقولها بكل فخر وثقة طلابنا مميزون أخلاقيا ونحن نركز على الجانب الأخلاقي التعاملي اكثر من الجانب التحصيلي فان حصلت الاخلاق والتربية الإيجابية مع التحصيل فنعما هي ولكن ان كان لابد من واحدة فنفضل الاخلاق والتربية الحميدة عن التحصيلي الدراسي الذي لا يرافقه اخلاق ولا تربية، ونحن الان امام تيارات تقنية حديثة تخرج بالطالب مذهبيا وتخرج به مناطقيا وتخرج به إقليميا فالمسؤولية جسيما لكنها بالايمان المخلص من قبل التربويين الذي يؤمون بالرسالة وبالهدف سهل جدا لأن التوفيق من الله سبحانه وتعالى حتما سيرافقه.
وحول سؤالنا عن أهمية النوم المبكر والاستيقاظ المبكر في التحصيل الدراسي فيقول الشحري: اذا قلنا اننا نستطيع القضاء على هذه الظاهرة فقد جانبنا الصواب فالطالب الان مثل ما ذكر كتلة من المتغيرات نقلت اليه على الأقل عبر جهازه النقال، فكل العالم في يده وكل الملهيات محاطة به، اضف الى ذلك الاسرة ان انشغلت عنه، وهنا تحدث الطامة الكبرى، فانا أدعو الأسرة الى الحد من ظاهرة السهر عند الطلبة وخاصة طلبة الثاني عشر الذين سيتوجهون الى مرحلة جديدة فالتربية متداخلة جدا ويبقى توفيق الله سبحانه وتعالى هو معيننا الأول والأخير في كيفية توجه الأبناء في ظل هذه الظروف، مشيرا الى ان هذا السهر الكثير وقلب الليل نهارا أمور متعبة وقد لا يشعر بها الطالب الا بعد فوات الأوان. وعلى ولي الامر ان يعرف ابناءه على ماذا يسهرون حيث أصبحت الأجهزة الذكية في البيوت هي الخطر الوحيد فقد كشف مؤخرا ان هذه الأجهزة الموجودة في البيوت تتنصت حتى على اهل البيت صوتيا وربما لم يعد الواحد منا حرا ولا آمنا بسبب الجهاز الذي في يده، وكثير من الناس ليس عندهم الوعي بهذا وهنا النتيجة السلبية على الأبناء وانسلاخه من القيم والعادات والتقاليد الاصيلة التي تربى عليها في وطنه، وحينما تسأله عن ابسط الأشياء في دينه وعن سيرة نبيه الكريم تجده لا يفقه شيئا فعلينا ان نوجه هذا الطالب التوجيه الصحيح قبل فوات الأوان.
أما عن أهمية المحافظة على الصلاة وتلاوة القرآن الكريم وحفظه ومراجعة ما حفظه الطالب اثناء الاجازة الصيفية وسنواته الأولى من الدراسة فأوضح الشحري قائلا: المشكلة الحقيقية في هذا الجانب للأسف الشديد ان الطالب يحفظ القرآن الكريم للامتحان فالطالب على الأقل لو قرأ ما حفظه في صلاته لاستطاع ان يحافظ على قد حفظه من آيات الكتاب العزيز من قبل. وفي الجانب الاخر هناك في الاجازة الصيفية اغلب المحافظات عندها برامج صيفية جميلة جدا تركز على القرآن والحديث واللغة وغيرها من المناشط التربوية الأخرى الذي يجد فيها الطالب ضالته ، فالإكثار منها او تعزيزها امر ضروري جدا وهو بالطبع موجودة لكن نرجو منها المزيد ولابد من حث أولياء الأمور ابنائهم على الالتحاق بها حيث ان الملاحظ ان عدد المقبلين عليها قليل.
أما ميثاء بنت ناصر بن حمد المحروقية - ناظرة مدرسة القرآن الكريم بالمنومة فتشاركنا الحديث حول دور أولياء الأمور والمعلمون في توجيه أبنائهم الطلبة نحو منظومة علمية متكاملة فتقول: بادئ ذي بدء على المعلم أولا أن يوجه نفسه ويقيّم خلقه لأنه القدوة ولأنه الأساس والمعول عليه بالتربية والإصلاح فعليه ان يستحضر أن عمله هو عبادة وأيما عبادة خص الله بها انبياءه فعليه ان تكون خالصة لله سبحانه وتعالى وأن يؤديها على اكمل وجه ما استطاع الى ذلك سبيلا، وان يجعل قوله تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) نصب عينيه ويا حبذا لو كتبها في لوحة يضعها في مقر عمله بحيث لا تغيب عن باله عندها يستشعر ان عمله معروض على الله عز وجل قبل عرضه على المدير والموجه ومن هم فوقه فيبذل ما بوسعه لينال عمله رضى الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم عليه افضل الصلاة والتسليم.
وأضافت: وعلى المعلم ان يرى الطالب بنفس العين التي يرى بها ولده الذي هو من صلبه لا يختلف عنه بشئ عندها سيقوم بواجبه تجاهه وزيادة والطرق المثلى أن يجمع بين التربية والتعليم والترهيب والترغيب والقصة والأمثال والعفو والتسامح والقدوة الحسنة فان قام المعلم بهذا فسيرى ثمار عمله يانعة تؤتي اكلها كل حين بإذن الله، وعلى ولي الامر أن يغرس في ولده منذ نعومة اظفاره ان المعلم كالوالد تماما له احترام وتقدير، وطاعة الوالد وان اتضح له ان المعلم اخطأ في حق ولده فلا يسارع الى شتمه او انتقاده امام ولده بل يبحث له عن عذر حتى لا تسقط هيبة المعلم من عيني ولده، وكذلك علي ان يعالج الموقف بحكمة اما يناقش المعلم وجها لوجه او يلجأ الى المدير او اي شخص يمكنه ان يعطي ويأخذ مع المعلم حتى يصل الطرفان الى حل مرض لهما دون ان يحشر الطالب في القضية. فان عامل المعلم الطالب على انه ولده وعامل الطالب المعلم على انه في مقام والده لا شك أننا سنرى مدارس نموذجية في المستوى الاخلاقي وان لم تبلغ مبلغا عاليا في المستوى التعليمي.
وأكدت المحروقية ان متابعة ولي الامر الدائمة للطالب واحساس الطالب ان ولي امره مهتم لأمره حريص على مصلحته مداوم على نصحه وارشاده داعما له في دراسته فلا شك ان في ذلك اثر بالغ في استقامة سلوك الطالب وفي اهتمامه بمستواه الدراسي وحرصه على الانضمام والمساهمة في الأنشطة المدرسية، مشيرة الى ان الطالب ان اراد ان يرتقي بمستواه التحصيلي فيدرك ان في قربه من الله عز وجل وسعيه لنيل رضاه فسيكرمه الله تعالى بالتوفيق ليس في دراسته فحسب بل ف كل امور حياته وعليه ان يدرك أن المدرسة هو البيت الثاني فيجب المحافظة على مرافقه ونظافته وهذا لا يكون الا بالتعاون بين المدرسة وأولياء الأمور.
اما عن الطريق المثلى في تقديم النصيحة من قبل المعلم نحو توجيه سلوكي خاطئ وجده عند الطالب فتقول: يقول معلم البشرية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: (بلغوا عني ولو آية) والتبليغ هنا يمكن ان يكون أيضا بالقدوة الحسنة والمعاملة الحسنة فنحن خير أمة أخرجت لناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، كذلك علينا ان نحث الطلبة على حفظ كتاب الله تعالى لأن من تمسك به فلن يذل ولن يضل ابدا فهو حبل الله المتين، وقد ثبت علميا ان حفظ القرآن الكريم يقوي الذاكرة ويثري لغة الحافظ فعلينا جميعا ان نشحذ الهمم لحفظ وتحفيظ كتاب الله لنسعد في الدارين ونكون ممن يقال له اقرأ وارتق فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها.