أن المحادثات التي أجراها جون بولتون مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي في إسرائيل قبل عدة أيام ، تعد على جانب كبير من الأهمية ، ليس فقط فيما يتصل بالقضية الفلسطينية ، ومحاولات واشنطن بلورة ما يعرف “ بصفقة القرن “ ، التي لم يحدد بعد تاريخ للإعلان عنها ، ولكن أيضا فيما يتصل بالتطورات في المنطقة ، خاصة وأن لقاءات بولتون ووزير الدفاع الإسرائيلي افيجدور ليبرمان ، شكلت الجزء الأكبر من الزيارة . يضاف إلى ذلك أنه من المؤكد أنه ليس من المصادفة أن يتحدث الرئيس ترامب ، بالتزامن مع انتهاء زيارة بولتون لإسرائيل ، عن أنه تمت إزالة قضية القدس عن مائدة المفاوضات ، وهو يقصد بالطبع المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية ، باعتبار أن القدس هى إحدى أهم قضايا مفاوضات الوضع النهائي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية للتوصل إلى حل شامل ودائم وعادل كما هو مأمول . وفي حين انتقدت منظمة التحرير الفلسطينية هذا الموقف من جانب الرئيس الأمريكي ، فإن بولتون ألقى بكرة استئناف المحادثات بين الفلسطينيين والولايات المتحدة في ملعب الرئيس الفلسطيني محمود عباس ، في محاولة لإظهاره بأنه هو من يعرقل المحادثات ، في حين ان المواقف الأمريكية والإسرائيلية هى التي تدفع عباس إلى مواقفه التي اتخذها مؤخرا ومنها وقف الاتصالات مع واشنطن . على صعيد آخر فإن حكومة بنيامين نتانياهو رئيس وزراء إسرائيل ، تسعى جاهدة ، من خلال بلدية الاحتلال في القدس ودائرة أراضي إسرائيل ، إلى تكثيف عمليات الاستيطان ، وإنشاء نحو عشرين ألف وحدة استيطانية في مستوطنات القدس والضفة الغربية المحتلة ، بما في ذلك إنشاء أحياء جديدة في المستوطنات الإسرائيلية المحيطة بالقدس ، وزيادة أعداد الوحدات في بعضها ، وإقامة مناطق صناعية وتجارية ، وتجديد البنية الأساسية في القدس الشرقية المحتلة ، وإعادة تخطيطها في إطار استكمال عملية التهويد المنظم لها ، وزيادة ربطها ضمن القدس الموحدة وبشكل يصعب معه عملية إعادة فصلها مرة أخرى في النهاية ، وذلك تحقيقا للأهداف الإسرائيلية المعروفة . وفي الوقت الذي أصبحت فيه قضية الاستيطان الإسرائيلي في القدس والضفة الغربية المحتلة قضية تهم المجتمع الدولي كله ، وليس فقط الفلسطينيين وإسرائيل ، باعتبار أن السلام الشامل والعادل والدائم في الأراضي الفلسطينية هو وحده الذي يحقق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط ، وأن عرقلته او تأجيله ، أو القضاء على فرص تحقيقه عبر تكثيف الاستيطان الآن يضر بالأمن والاستقرار في المنطقة ويعرضها للخطر ، بكل ما يترتب على ذلك من نتائج ، فإن مسؤولية المجتمع الدولي في مواجهة السياسات الإسرائيلية الاستيطانية ، والرامية إلى طمس الهوية الفلسطينية للقدس الشرقية وللأراضي الفلسطينية المحتلة ، لا تقل عن مسؤولية الفلسطينيين والعرب في مواجهة هذه السياسات بكل الوسائل الممكنة ، سياسيا واقتصاديا وقانونيا وإعلاميا ، وهو ما ينبغي أن تسهم فيه جامعة الدول العربية والمنظمات والهيئات العربية والإسلامية المعنية ، ولكن ذلك كله يتوقف في النهاية على مدى تماسك ووحدة الموقف بين الفصائل والقوى الفلسطينية ، التي لا تزال تتناحر حتى الآن .