في زاوية أقلام وآراء كتب عبد الحكيم عامر ذياب مقالا بعنوان: الخان الأحمر .. خان التاريخ والحاضر، جاء فيه: الخان الأحمر الذي سطر أخبار اليوم بالدم الأحمر الحر، مدافعا عن أرضه، وخيمته، وكرامته، بتصد كان أوله فتيات وفتية، وأطفالا، وشيوخا، ونساء، والرجال، يقفون أمام الجرافات، والدبابات، والمدرعات، بكل قوة، وجبروت، وكأنهم يملكون سلاحاً فتاكا، بل هو كذلك، لأنها النفس الفلسطينية التي لا تهتم، ولا تكترث إلا بكرامتها، ثم قدسية أرضها. الخان الأحمر هو خان مبني بالطوب الأحمر القديم، بقيت آثاره إلى يومنا هذا وهو قريب من مقام النبي موسى، فيه آبار وسجن وغرف كبيرة ومرافق عدة، يعود إلى حقبة إسلامية قديمة أو إلى حقبة بيزنطية بسبب وجود توابيت قديمة على الطراز البيزنطي الفلسطيني، وكان يُعرف الخان باسم دير أفتيموس، نسبة لمار أفتيموس القديس المسيحي الذي أسس ديراً يضم كنيسة في المكان عام 428م، أو أنه سمي بذلك تبركاً باسمه، وقد جُدد في مراحل تاريخية عديدة، ويبدو أنه كان ضمن محطات الطريق بين أريحا والقدس، بدليل وجود خان أو نُزل فيه. ومنذ ذلك الوقت عاش عليها مجموعة من البدو ينتمون إلى عرب الجَهَالين المنتمين إلى بني مالك من بَجِيلة التي تعود أصولها إلى جنوبي الطائف، ومنهم الصحابي الجليل جرير بن عبد الله، وبعضهم يردّ القبيلة إلى عشيرة الحويطات الشامية الشهيرة، وأن جدّهم جهلان من أولاد إقبال جد الحويطات، ويرى بعضهم أنهم سكنوا معهم وتصاهروا في مناطق حِسْمى وحقل شمال غرب السعودية اليوم، ثم انتقلوا إلى الأردن وفلسطين، وبعضهم ينسبهم إلى قبيلة بَلِيّ القضاعية الشهيرة، أو إلى جهل بن مالك القحطانيين، كما سكنت مجموعات منهم شرقي القدس، كما سكنوا منطقة تل عراد المنطقة البرية الفاصلة بين برية الخليل وبرية بئر السبع، وقد طردهم العدو الصهيوني من أرضهم بعد حرب عام 1948 حيث أعلنوها منطقة عسكرية، ثم أقاموا فيها مرافق تجسسية وعسكرية. هؤلاء عرب فلسطينيون، لهم ثقافتهم الفلسطينية، وأغانيهم، وتراثهم البدوي الفلسطيني الجميل، ومن أجمل الدحية الفلسطينية دحيتهم، التي تحيا على أنغام الربابة والسمسمية مسموعة في برية القدس، وهي التي صدحت بأجمل الكلمات، والجمل والعبارات، بأن القدس عربية، وعاصمة فلسطين، شاء من شاء، ومن لم يشأ فعليه أن يرحل، ولسنا من سيرحل. هاجر أهالي الخان إليها مؤقتاً، بعد تهجير الفلسطينيين بأعداد كبيرة إلى المناطق داخل فلسطين والأردن، حتى أصبحوا يشكلون خطرا على الاحتلال الإسرائيلي، بعد أن تزايدت أعدادهم، في منطقة يعتبرها الاحتلال منطقة عسكرية تقع ضمن الأحزمة الأمنية الاستيطانية الشرقية، وأنهم سيتحولون يوماً إلى خصم أمنيّ عليهم لكونهم فلسطينيين، ولأن سياستهم كانت تقضي بتفريغ كل أراضي منطقة البحر الميت من أي فلسطيني، وفصل جنوب الضفة الغربية عن وسطها وإقامة الجدار الفاصل الذي يسمح بضم الكتل الاستيطانية الكبرى في الشرق لبلدية القدس الكبرى ذات الهوية اليهودية، ولذلك اشتدت عليهم الضغوط الصهيونية لاسيما بعد حرب 1967م، واحتلال جميع الضفة الغربية، فقد ضيق عليهم الاحتلال وحاصر حركتهم، بحجة أن وجودهم على طول الطريق الواقعة بين القدس وأريحا، وضيقوا مساحة الرعي، ومطالبتهم بالرحيل، ولم يكتفوا بذلك بل جعلوا منطقتهم مكب نفايات وعوادم، وحرموا معظم خيامهم وبيوتهم المصنوعة من الزنك والصفيح من شبكة المياه والكهرباء، ولم يسمحوا بإقامة مدرسة ابتدائية لهم، وهو ما تحدّاه هؤلاء البدو وأقاموا فيها مدرسة فقيرة بدعم من المحسنين والمتضامنين، كما لا يوجد مركز صحي يخدم التجمّع، ورغم أن أراضي الخان الأحمر تعود إلى عائلات مقدسية من أبو ديس إلا أن الاحتلال صادرها وأعلنها ضمن أراضي «الدولة» وأصدر العديد من القرارات بإخلائها من السكان لتوسيع المستوطنات وإقامة مشروعات. الخان الشرقي حكاية الفلسطيني باختصار، تضييق، وحصار، وألم، وتحدٍ، ودفاع عن مقدسات، فلم يقبل أهالي الخان الشرقي الركوع، أو الخنوع، رغم أنه أرض برية جبلية جرداء توجد فيها مساحات زراعية محدودة جداً بين مستوطنات ضخمة شبه عسكرية مغلقة مثل مستوطنة معاليه آدوميم وكفار آدوميم، ولصعوبة العيش في هذه البرية فإن السكن فيها يقتصر على مجموعات بدوية ترعى فيها بعد مواسم المطر، وقد تكيفت مع هذا المكان القاسي بعد تشريدها من أراضيها واختصوا بتربية ماشية الضأن والمعز. تلك البرية الصغيرة علمتنا أن على هذه الأرض من يستحق الحياة، وأن الكرامة لا تقدر بثمن، وأن الفلسطيني لن يتنازل ولو ضيقتم عليه الأرض والسماء، ومنعتم عنه الدواء، وحاله دائماً يقول: إن القدس لنا، والحرية لنا، وإنا باقون ما بقي الزيتون الأخضر.