كتبت: خلود الفزارية - استضافت الجمعية العمانية للكتاب والأدباء ممثلة في لجنة التاريخ، ندوة بعنوان «من مسقط إلى زنجبار»، مساء أمس الأول بمشاركة عدد من الباحثين في الشأن العماني الإفريقي، وأدار الندوة الدكتور سليمان المحذوري، بحضور عدد كبير من المثقفين والمهتمين، كما شارك الشاعر أحمد بن هلال العبري بقصيدة لهذه المناسبة. الهجرة العمانية وقدم الباحث سعيد بن سالم النعماني ورقة بعنوان: «بعض المظاهر الحضارية للوجود العماني المبكر في شرق إفريقيا» أشار فيها إلى سجل التاريخ العماني وجودا ودورا حضاريا في إفريقيا الذي بدأ في أواخر القرن الهجري- القرن السابع الميلادي الأول حتى الانقلاب في القرن العشري الميلادي، مبينا أن الدور بدأ مع هجرة الجلندانيين التي جاءت نتيجة مواجهة مع الأمويين، فنزلوا أرخبيل لامو الواقع اليوم تحت سيادة كينيا، والتي كانت معمورة بوجود الأمويين. وأشار النعماني إلى أن هجرة الجلندانيين كانت سببا في ظهور أول مملكة عمانية عربية إسلامية بساحل شرق إفريقيا، ومنه انطلقت لتوسيع نفوذها شمال وجنوب الساحل الشرقي الإفريقي، مبينا التأثيرات الحضارية التي غيرت هوية المنطقة كنظام الحكم الذي قام على أسس الديمقراطية، وتمثلت في سلطة مركزية عليا على رأسها الملك، وتحت قيادته أربع سلطات أخر هي مجلس المحنكين، ومجلس التميم، ومجلس للحكم المحلي، وحلف النييكا، كما تغيرت الألقاب الحكومية والوظائف، فالسلطة الحاكمة كانت تسمى مفالمى بلغة البانتو وتعني الملك، ثم ما لبثت أن أصبحت توصف بكلمة «دولة» العربية، كما توجد ألقاب وصفات باللغة السواحيلية، فيقال للملك «مليكا»، ووالفرد من الأسرة الحاكمة «أميري»، أما الوزير «وزيري»، وأعوان الدولة كالمستشارين «ديواني»، أما الوظائف التي نقلت فهي وظيفة القاضي، والوالي، بالإضافة إلى المناصب الدينية كالشيخ للفقيه و«مواليمو» للمعلم، وأنظمة الحكم كنظام دفع الرواتب والأجور والتي أطلق عليها «مشاهارا» من لفظة مشاهرة وهو نظام تسليم الأجور في عمان. تطرق الباحث بعدها إلى نشأة الشعب السواحيلي والثقافة واللغة السواحيلية الذي أكد بأنه نتج عن اختلاط المهاجرين العرب بالعناصر الإفريقية وتزوجهم من نساء إفريقيات، وشكل جيلا جديدا عرف بمسمى الشعب السواحيلي، مما أدى إلى ظهور اللغة السواحيلية وهي عبارة عن مزج بين المفردات والمصطلحات العربية التي هيمنت على أوصاف النشاطات المختلفة. ومع أن الحكام العمانيين كانوا يستعملون اللغة العربية في وثائقهم ومخاطباتهم إلا أن لغة التفاهم المستعملة كانت اللغة السواحيلية. واختتم النعماني ورقته بتغلغل الجلندانيين في النسيج الاجتماعي لمجتمع شرق إفريقيا أنهم لم يستولوا على بلد إلا بدأوا بنشر الدعوة الإسلامية فيه بين الأهالي ثم يصهرون إليهم ليكونوا في التركيبة السكانية للبلد المفتتح. كما تطرق الباحث إلى عدة مجتمعات وهي زيمباوي، وجزيرة كلوة، وممباسة في كينيا ومقاطعة تانجا في تنزانيا، مستشهدا بكتب المؤرخين في وصف مظاهر التأثير العماني في تلك المناطق. طبيعة المنطقة من جانب ناقش الباحث ناصر الرواحي في ورقته «رأس امكومبوه ومسجد أبناء الجلندى» دورة الوصل بين شرايين الحياة قديما وحديثا، مستشهدا بطبيعة العمانيين الذي انجذبوا إلى أشعة الشمس وبالتالي جذبهم فطريا قوة الإيمان، فالحاضرة الإفريقية كانت من الحواضر التي عني بها العمانيون، مشيرا إلى أن كتاب الهجرات العمانية بين القرن الثاني والسابع الهجريين تمت تغطيتها من العديد من الباحثين، إلا أن روح الإسلام هي من كانت تقود تلك الأرواح التي تشتغل ببث روح الإسلام وتعاليمه مع سلوكهم المتسامح، مضيفا أنهم في ميدان التجارة كانوا أسوة في سماحة الأخذ وسماحة العطاء، مستشهدا بمظاهر حسن سياسة المحكومين الذي يتجلى في عبقرية مد المزارعين بالمال اللازم، قبل موسم الزراعة، والاندماج الأمثل بين المؤسستين الأهلية والرسمية ليتحقق أثره في السلم الغذائي وينعكس على السلم الاجتماعي. كما تناول الرواحي جزءا من هجرة أبناء الجلندى، مشيرا إلى الأرخبيل الذي نزلوا به وكانت جزيرة خضراء يصل تعدادها إلى ما يزيد عن 97 ألف نسمة، موضحا أن منطقة رأس امكومبوه في الجزيرة الخضراء كانت أقدم مستعمرة بشرية في ذلك الحيز المائي، وأن القبائل التي استوطنتها جاءت من قبائل شتى عبر سفن التجار، حيث يجنح الربابنة إليها للاستراحة والتزود من مياهها، منوها أن ما زالت الجزيرة تنعم بعدد كبير من الينابيع العذبة. وتحدث الباحث عن المنطقة وجغرافيتها حيث يرقد البحر على جنبها الأيمن، أما الجزء الغربي فيضم مياها عميقة، وتكونت السهول على الشاطئ بأشجار القرم، وشجرة الفوم، وكان الجنود يحرسون تلك المناطق بألوان موحدة من اللباس. بعدها تطرق الرواحي إلى المسجد حيث يقع أقدم مسجد في الحاضنة المشرقية الإفريقية، أما استخدامات المبنى فتتلخص في ممارسة الإدارة الحاكمة، وجزء مخصص للسكنى، أما محيط المسجد فهو على ناحية البحر ببئره الواقعة في حرمه، وهو تحفة معمارية تشيع الوقار في محيطها، حيث يسع عرض جداره إلى أربعة أذرع وبه ستة عشر نقصة، وبين أرض المحراب من الخارج وملمس أمواج البحر لا يزيد على مترين ونصف، أما محرابه فله نظائر كثيرة في الجوامع والمساجد في عمان، لا سيما الروزنتين على جانبيه بشكلهما المستطيل، في كانت الآبار الثلاث موزعة بين أفنية المكان والبئر الخامس مفصول بجدار معلق في وسطه. اللغة السواحيلية في حين قدم الباحث ناصر الريامي ورقة حملت عنوان «اللغة السواحيلية بين عروبة الأصل وبعد المنبت» تناولت محورين هما: أصل اللغة السواحيلية؛ ودور المستعمر في تغيير الكتابة من الحروف العربية إلى اللاتينية. قبل أن يتناول الباحث المحور الأول الذي استعرضه بشكلٍ موسَّع؛ أشار إلى بعض الحقائق الخاصة بالسواحيلية، مشيرًا إلى أنها تكمن في: لا وجود قاطع للفترة الزمانية التي شهدت السواحيلية ميلادها؛ وإن كانت هناك بعض الدراسات تشير إلى أنها بدأت في التشكل في مطلع القرن السادس عشر؛ وأن الإجماع منعقد على أنها من نتاج التعايش والتجانس والانصهار الاجتماعي؛ وأنها ظلت لقرونٍ من الزمان تكتب بالهجائية العربية، إلى أن غيرها المستعمر البريطاني في عام 1929م، إلى الحروف اللاتينية. يبلغ عدد المتحدثين بها كلغة أولى، حدود الـ(100) مليون نسمة؛ بينما المتحدثين بها كلغةٍ ثانية، يقدر بحوالي (135) مليون نسمة. وانتقل الباحث بعد ذلك إلى محور أصل اللغة السواحيلية، مشيرًا إلى أن هناك ثلاث نظريات: الأولى ترى أنها عربية خالصة؛ ورأي ثانٍ يرى أنها بانتووية صرفة؛ ورأي ثالث وسط، يرى أنها هجينة بين العربية ومجموعة لغات البانتو. اعتمد الرأي الأول (عربية) على أن السواحيلية تشتمل على حروف وكذا أصوات لا وجود لها في اللغات البانتوية. هذه الحروف هي: ث، ح، خ، ذ، ض، ط، ظ، ع، غ، ق؛ ويرى الرأي المقابل (بانتووية) بأن هذه الحروف لا توجد إلا في الكلمات المستعارة المقترضة من العربية، كما هو الحال في الكلمات (ثواب، وخير، وذهب، وظلم، وغالٍ). يرد على هذا الدفع أصحاب الرأي الأول، فيقولون: أن هذه الكلمات عصيةً هي على الحصر؛ وتغطي مختلف مناحي الحياة الدينية، والاجتماعية، والتجارية، والسياسية، والتعليمية. كما أن هناك قدرٌ كبيرٌ من الكلمات، ليست مُستعارة من العربية فحسب؛ وإنما هي عُمانيةٌ صرفة، مما يعكس الأثر العُماني على تكون اللغة السواحيلية. من هذه الكلمات نذكر التالي بيانها. إلى جانب كون السواحيلية مُشبعة بالألفاظ العربية؛ فهي مُشبعةً، في الوقت ذاته، بأدوات الربط العربية، مثل: (إلا، ولكن، وأما، وأو، وحتى، وكما، وبلا، وبعد). مبينا أن السواحيلية تأثرت بالعربية في مجال الضمائر (ضمير المتكلم، والمخاطب، والغائب)؛ والحال كذلك بالنسبة لضمائر الملكية. وفي تركيبة الجملة الاسمية أيضًا، كما في (المرأةُ جميلةٌ)، و (الجوُ بديعٌ)؛ وفي المضاف والمضاف إليه (بابُ البيتِ). هناك توافقٌ في بنية الجمل، وأصحاب هذا الرأي يرون أن السواحيلية هي لغة عربية مـتأفرقة، أما أصحاب الرأي الثاني فيرون أن السواحيلية هي لغة إفريقية بانتوية مُستعربة. اتجه إلى النقيض الآخر، بالقول أنها لغةٌ بانتويةٌ خالصة. وهم ينتقدون الرأي الأول بالقول أن أصل اللغة لا تدل عليه كثرة المفردات إلى لغةٍ بعينها، وإنما يدل عليها نظامها الصوتي والصرفي والنحوي؛ وهذه الأنظمة في السواحيلية تختلف تمامًا عمّا يقابلها في العربية. وأوضح الباحث أن اختلاف في النظام النحوي: تعرف اللغة العربية التعريف، والتنكير، والتذكير، والتأنيث؛ بخلاف الحال في اللغة السواحيلية، التي لا تعرف شيئا منها، ويرون أن النظام الصرفي في السواحيلية يتفق مع ما هو موجودٌ في اللغات البانتوية، القائم على ما يمكن وصفه بـ«النظام الالتصاقي»، بينما النظام الصرفي في العربية قائمٌ على «النظام الاشتقاقي». مثال: كلمتا (رجلٌ و رجال)، يقابلهما في السواحيلية (Watu - Mtu) أي بإلصاق سوابق إلى الجذر، ولكن، في المقابل، نرى أن اللغة السواحيلية تأثرت بالعربية في جوانب نحوية كثيرة، مما يدحض مقولة أن النظام النحوي بانتوي صرف. أما الرأي الثالث فإنها لغة هجينة، لا يمكن نسبتها لا إلى العربية الخالصة، ولا إلى بانتوية صرفة، وأنها لغة المولودين بين العرب وزوجاتهم البانتويات، وختم الريامي ورقته بالقول: هذه اللغة، المتنازع في أصلها، لم يدفع أحدٌ بأنها كُتبت بغير العربية، مما يثقل من كفَّة الجانب العروبي، وقوة التأثير عليها.