د. الطيب الصادق - بلا شك المشروعات الصغيرة والمتوسطة تتبوأ مكانة مهمة في الخارطة التنموية بسلطنة عمان، وهناك توجه حكومي واضح للتركيز علي الدور المهم الذي تؤديه هذه المشروعات في انشاء اقتصاد وطني متين، نظرا لدورها الايجابي في توفير فرص عمل لكثير من المواطنين لتأمين ودعم سبل عيشهم وتنويع مصادر دخلهم فضلا عن المساهمة في تنويع وتنمية الاقتصاد الوطني، ولذلك أطلقت حكومة السلطنة العديد من البرامج والآليات لدعم هذا القطاع وتوفير أساليب النجاح وتشجيع الابتكار والاتجاه للمشروعات الصغيرة والمتوسطة وتذليل كافة العقبات التي تواجه القطاع والتي تؤكد على استمرارية نجاح استراتيجية السلطنة في تنمية ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة. أثبتت التجارب الدولية أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة تمثل القوام الرئيسي لاقتصاد الدول الكبرى واللبنة الأساسية في بناء الصروح الاقتصادية الشامخة فنجد الشركات الكبيرة كانت في الأساس محلات تجارية صغيرة، وكذلك المصانع الضخمة بدأت بمشغل صغير، وهو ما أكدته الثورة الصناعية في أوروبا في القرن الثامن عشر التي انطلقت من المشاغل الصغيرة آنذاك وأصبحت حاليا كيانات ضخمة تقود العالم، ولذلك تعد المشروعات الصغيرة والمتوسطة قاطرة النمو الاقتصادي والداعم الرئيسي لتعزيز التنمية والتنويع الاقتصادي، خصوصا أن لديها المقدرة على توظيف الطاقات من خلال نشاطات متنوعة المجالات ما بين الحرفية والتجارية واليدوية التي تعتمد على المهارات والقدرات الفردية وتخلق فرصًا جديدة في العديد من المجالات بمختلف القطاعات الاقتصادية والزراعية والصناعية والتجارية والخدمية، ولو نظرنا للمشروعات الصغيرة سنجدها تمثل نحو 90% من إجمالي الشركات في معظم اقتصاديات العالم وتساهم بحوالي 46% من الناتج المحلي العالمي، وتوفر ما بين 40% – 80% من إجمالي فرص العمل، وتشكل في الاتحاد الأوروبي فقط 65% من إجمالي الناتج المحلي بينما تمثل في الولايات المتحدة الأمريكية 45% من إجمالي الناتج المحلي وهو ما يعكس مدى الاهتمام الكبير بهذه المشروعات. خطاب حضرة صاحب الجلالة السلطان قــابــــــوس بن ســــعيــــــد المعظم - حفظه الله ورعاه - خلال لقائه بشيوخ ورشداء محافظتي الداخلية والوسطى بسيح الشامخات بتاريخ 27 يناير 2013م الذي قال فيه «إن الاقتصاد الوطني لأي بلاد كان هو في الحقيقة يقوم على الصناعات الصغيرة والمتوسطة ... هذه هي الأسس، أسس كل الاقتصادات الوطنية»، كان دفعة قوية للتوسع في المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتشجيع الشباب والكفاءات للدخول في هذا المجال؛ ولذلك يعتبر نموذج سلطنة عمان في دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة من النماذج الرائدة حيث قدمت التسهيلات اللازمة للنهوض بهذه المشروعات، وهناك تغيير كبير في حجم هذا القطاع؛ فهناك اختلاف كبير على مدار السنوات الست الماضية؛ حيث نمت المشروعات الصغيرة والمتوسطة بشكل كبير، وأصبحت مكونا أساسيا في الاقتصاد والتنمية لتزيد عن 90% من حجم المنشآت التجارية، وكانت ندوة «سيح الشامخات» بداية حقيقية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة في السلطنة، وتولد عنها كيانان أصبح لهما دور فاعل في تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، هما: الهيئة العامة لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة (ريادة) التي أنشئت بموجب المرسوم السلطاني رقم 36 /‏‏2013 الذي يتولى مهمة النهوض بقطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتعزيز دورها في تنمية الاقتصاد الوطني، وذلك من خلال تقديم مجموعة متكاملة من الخدمات الفنية والتدريبية والاستشارية المختلفة وتحقيق الأهداف المحددة لها التي يتمثل أبرزها في تنمية وتطوير المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والتخطيط والتنسيق والترويج لانتشارها وتمكينها من الحصول على ما تحتاجه من تمويل وخدمات بالتنسيق مع الجهات الحكومية والخاصة المعنية وتعزيز دور المؤسسات في توفير فرص العمل المتعددة والمتجددة للشباب العماني وزيادة قدرة المؤسسات على تحقيق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، والمساهمة في التنويع الاقتصادي، ودعم الابتكار، واستخدام التقنيات الحديثة، كما اهتمت السلطنة بإنشاء صندوق الرفد كذراع تمويلي، وفقاً للمرسوم السلطاني رقم (6 /‏‏2013) الذي يقوم على التمويل والمتابعة الدورية والدعم الفني وتوجيه المستفيدين منه، وذلك بهدف تمكين الشباب العماني من تأسيس المشاريع الخاصة والمتنوعة خصوصا أنه يتميز بتمديد عدد سنوات السداد؛ لأن التمويل يعد من أبرز التحديات التي تواجه المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ولذلك تم التحرك السريع باستحداث جهات التمويل وأصبح لصندوق الرفد دور كبير في ذلك، كما أن البنوك التجارية أيضا قامت باستحداث أنظمة التمويل المعنية بالمشاريع الصغيرة والمتوسّطة لتشجع الشباب وجذبهم لهذا القطاع وتقليل الاعتماد على التمويل الشخصي والعائلي. جهود حثيثة قامت بها حكومة حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم - حفظه الله ورعاه - خلال الفترة الماضية لتشجيع الشباب العماني على الدخول في المشروعات الصغيرة والمتوسطة والأخذ بيده رغم وجود العديد من التحديات التي ما زالت تواجهها السلطنة سواء كانت تحديات تتعلق بالبيئة الاستثمارية أو غيرها أو تتعلق بمشاكل الاقتصادات العالمية وما يواجه التجارة الدولية من ضغوطات فضلا عن ضرورة مواكبة المستجدات العالمية في ظل ثورة تكنولوجية ومنافسة شرسة من دول العالم في هذا القطاع المهم الذي تتجه له كل بلدان العالم، بعد أن تأكدت هذه الدول أن المشروعات الصغيرة والمتوسطة هي الأساس الذي تبنى عليه اقتصاديات الدول ويحقق النهضة المطلوبة مع الاستفادة من العديد من مميزاتها بعد أن اتضح الدور الذي تلعبه تلك المؤسّسات، خصوصا أنها تعد أكثر مرونة من المؤسسات الكبرى في الأسواق، ولذلك سارعت السلطنة للعمل على تذليل كافة العقبات التي تواجه هذه المشروعات، وتقديم كل ما يمكن أن يحقق نجاحها بل قامت بإيجاد شراكة مع التجارب الدولية الناجحة في هذا المجال لتعزيز الطاقات وتبادل الخبرات بين المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المحلية والدولية، ونقل خبرات هذه الدول داخل السلطنة وفتح الأسواق العالمية لمنتجات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة العمانية، فضلا عن استفادة الأفراد من التجارب الدولية وتعزيز معرفتهم وصقل خبراتهم مما يمكنهم من زيادة الإنتاجية والمقدرة علي التنافس ليس محليا فقط بل عالميا، وهو ما يتطلب التدريب المستمر والتحديث ومواكبة التطورات التكنولوجية، وهذا لا يتأتى إلا بالاطلاع على التجارب الدولية وتبادل الخبرات العالمية. أصبحت سلطنة عمان بالفعل نموذجا مهما في دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة من خلال توفير كل الأدوات والآليات وطرح البرامج المتعددة؛ لذلك ضمنت استمرار نجاح استراتيجيتها المخصصة لهذا القطاع الذي من خلاله واجهت كل التحديات بجدارة وعملت على توفير بيئة استثمارية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة وسن القوانين التي تساهم في نجاح هذا القطاع والعمل على تشجيع الشباب للقيام بمشروعاتهم الخاصة إضافة إلي توفير التمويل الميسر لهذه المشروعات في ظل امتلاك السلطنة كل المقومات التي تساعد على نجاح هذا القطاع الذي من الممكن أن ينافس دوليا وهو ما يتطلب القيام بمزيد من الجهود أهمها مواصلة الاستراتيجية الشاملة التي تقوم بها الحكومة لشجيع العاملين في هذا القطاع والاستمرار في نشر ثقافة المشروعات الصغيرة والمتوسطة فضلا عن المتابعة والتقييم المستمر لهذه المشروعات والتأكيد علي دور المؤسّسات الأكاديمية المعنيّة بقطاعات الأعمال والتجارة التي لها دور بارز في إجراء الدراسات والبحوث حول المناخ الاستثماري وبحث معوقاته والعمل على حل المشاكل في قطاعات الأعمال، كما يجب إقامة المعارض المحلية والدولية لتسويق سلع هذه المشروعات، وفتح قنوات دولية لنفاذ هذه المنتجات للخارج، وهو ما يحقق الهدف الرئيسي من المشروعات الصغيرة والمتوسطة وما يصب في مصلحة الاقتصاد الوطني في النهاية.