أحمد بن سالم الفلاحي - shialoom@gmail.com - لا يكاد يمر يوم إلا ونسمع ونشاهد ونقرأ عن شخصيات تتعرض لانتقادات شديدة ؛ سواء أكانت هذه الشخصيات حدث خطؤها مصادفة لم يتعمدوه، أو كانوا متعمدين، ولم يدر بخلدهم أن تصل تداعيات هذا الخطأ الى هذا المستوى من التفاعل بين مجموعة المتحاورين، قربا أو بعدا من المحتوى الجغرافي الذي تكون فيه هذه الشخصية، أو تلك، حيث يصبح هذا الخطأ ملكا عاما مشاعا للقريب والبعيد، يقول فيه قائله ما يقول، ويقيّمه كيفما يريد، ويصدر أحكام الاغتيال، او السجن، أو يلبسه البراءة، كل هذه متاحة بين هذا الكم الهائل من المتحاورين؛ بوعي وبغير وعي؛ المهم أن يكون لكل والج الى هذه الوسائل مقولته وتقييمه، وتقديره، وعلى الطرف الآخر أن يتحمل، سواء قبل أو لم يقبل، بما تصله من أحكام وتقييمات وتقديرات من هؤلاء البشر كلهم، يعرفهم أو لا يعرفهم، ويبدو حتى الدفاع من قبل من وقع في أفخاخ هذه التقييمات أو التقديرات أو الأحكام، لن يجدي نفعا، وحاله يكون كمن «يحارب طواحين الهواء» وبالتالي فليس عليه؛ ليعيد شيئا من ذاته التي شظتها هذه التقييمات كلها، إلا البحث عن من يساعده في ذلك، فلا حتى القضاء لن يكون فاعلا بالصورة التي يتوقعها، قد تمسك السلطة القضائية واحدا أو اثنين أو ثلاثة، وتجري عليهم الأحكام القانونية، وفق النص المعتمد في بلاد تلك الشخصية، ولكن ماذا عن هذه الأسراب المتوزعة عبر المجال الإلكتروني على امتداد هذا الفضاء اللامتناهي؟ هنا تقف الحيلة حيرى فليس أمامها إلا التسليم، ربما تكون هذه الصورة المنطقية للواقع كما يتراءى للكثيرين. تحل اليوم شركات متخصصة، كما قرأت، كما هو الحال، مثل مكاتب الاستشارات القانونية، مهمة هذه الشركات هو الرد على هذه المجموعات بذات الوسائل، وذلك من أجل تحسين صورة الشخصيات في البيئة الالكترونية، وذلك من خلال العمل على تكريس الإيجابيات عن هذه الشخصية أو تلك، ومحاولة التغطية على مجموعة السلبيات التي روج لها المتفاعلون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وذلك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه للتقليل من الأثر النفسي على الشخصية، وتقديمها لمجتمعها القريب؛ على أقل تقدير؛ على أنها شخصية جيدة ، وأن ما يثار حولها من زوبعات ما هو إلا سحابة صيف وتنجلي، حيث تدخل هذه الشركات المحسنة للشخصيات أو المرممة لها إلكترونيا، ويعمل فيها عشرات الآلاف من المتخصصين بمقابل مبالغ مادية كبيرة، تصل بعض أقساطها الى (900) دولار شهريا، حيث يعتمد المبلغ المدفوع بناء على الضرر المتحصل على الشخصية، وحجم الإساءة المثارة حولها، وذلك حتى تعاد للشخص مكانته أمام المجتمع الذي يعيش فيه وغيره . المتمعن في الصورة أعلاه يجدها نتيجة لممارسات سابقة قريبة من تلصص العيون يقع فيها كثير من الناس، وبصورة متقصدة في أغلب الأحيان، وأقول في أغلب الأحيان، لأننا جميعا أصبحنا نسجل كل صغيرة وكبيرة من تفاصيل حياتنا اليومية، ونهديها للآخر عبر نفس هذه الوسائل، ومتى أصبحت عند هذا الآخر، تبدأ بعدها مجموعة الممارسات التي يتقصدها البعض من المتلقين، إما للإساءة المباشرة بحكم معرفته القريبة بنا، أو بحكم التندر، أو بحكم مسايرة الركب؛ حسب مفهوم «عقلية القطيع“ ومنهم من يذهب الى الـ «تربح» وذلك من خلال الابتزاز والتهديد قبل بدء النشر الواسع، وأغلب هؤلاء يتخفون تحت مسميات مستعارة، وحسابات وهمية ليس من اليسير الوصول إليهم فهم محترفون جدا، ويتجاوزون بوعيهم الإلكتروني المعرفة المتواضعة لبقية أفراد المجتمع، وحتى السلطات القضائية في بعض الأحيان، حيث يعملون على جلب الصور الشخصية ومقاطع الفيديوهات من الحسابات الشخصية للأفراد والبناء عليها بما يسيء الى الشخصية المراد تشويه صورتها أمام المجتمع، أو لغرض استدراجها لدفع أموال مقابل ذلك، أو استغلالها لأغراض جنسية في بعض الأحيان، ومع نمو هذه الإساءات وتضخمهما، وامتلاء ملفات السلطات القضائية بمثل هذه القضايا، ومعرفة الناس بحقيقة الأسباب، إلا أن الناس لا يزالون يكررون أخطاءهم فيما يخص خصوصياتهم، وخصوصيات أسرهم، وكأن «ما يحصل في واد وهم في واد آخر» وخاصة مع انتشار الرسائل الصوتية، ومقاطع «الفيديو» على نطاق واسع بين عامة الناس وخاصتهم، حيث تعامل هذه الصورة وكأنها نوع من المباهاة او التميز، ولا يعلمون أن هناك أنفسا مريضة تلعب في الخفاء لاقتناص الفرص وجلب المنافع، ولو بهذه السلوكيات والوسائل المتصادمة مع القانون. ولا يستبعد أبدا؛ في ظل هذا الترهل في الحفاظ على أسرارنا الخاصة، أن يعمد البعض الى تلفيق الأخبار المزيفة عنا، وتخصيبها بمجموعة من الصور والمقاطع الحية – الموجودة في حساباتنا الشخصية - التي غالبا يسهل الوصول إليها لضعف كلمة المرور التي نستخدمها للحفاظ على سريتها، لتظهر للمتلقي على أنها الحقيقة أو جزء من الحقيقة، وبالتالي تتعزز الصورة السلبية في ذهنية هذا المتلقي، وتتعزز قناعته بأن هذه الشخصية ذات سلوكيات مشينة، وبالتالي لا تستحق التقدير، وبالتالي ينظر إلى هذا الأمر على أنه أمر مقلق للغاية، ويعمل على تزييف الواقع في أغلب الأحيان، ويضع الشخصيات على قارعة الطريق للتندر بهم، والإساءة الى إنسانيتهم؛ قبل كل شيء؛ ومن ثم تنسحب هذه الإساءة الى أسرهم ومكانتهم الاجتماعية، وتتجاوز الأهداف التي يسعى إليها مروجو هذه الصور السلبية عن الآخرين الأهداف الشخصية، فقد تذهب الى تحقيق أهداف اكبر بكثير بما في ذلك أهداف اقتصادية، أو تجارية أو حتى ضرب الأمن القومي للدول، أو زعزعة اللحمة الوطنية؛ من خلال تقزيم المتحقق التنموي، كالتقليل من حجم الإنجاز في البنى الأساسية مثلا . قرأت قبل يومين خبرا، نشرته صحيفة وول ستريت جورنال؛ مترجم؛ عبر موقع: (Euro news‏) تاريخ الزيارة الجمعة 23/‏‏11/‏‏2018م، الساعة 10:38دقيقة مساء، ما نصه: « أن الحكومة الأمريكية تحاول إقناع مقدمي الخدمات اللاسلكية والإنترنت في الدول الحليفة لها بتجنب أجهزة الاتصال التي تنتجها (...) – أتحفظ هنا على الاسم - وهي إحدى الشركات الصينية. ونقل تقرير الصحيفة عن أشخاص مطلعين لم تكشف عن أسمائهم أن مسؤولين أمريكيين تواصلوا مع نظرائهم في الحكومات ومع مديرين تنفيذيين في مجال الاتصالات بدول صديقة يشيع بالفعل استخدام هذه الأجهزة بها حول ما يرونه مخاطر على الأمن الإلكتروني، وتبدي قيادات بوكالات المخابرات وغيرها قلقها من أن تكون، هذه الشركة، وشركات صينية أخرى مدينة بالولاء للحكومة الصينية أو الحزب الشيوعي الحاكم، مما يزيد خطر التجسس. وذكرت وول ستريت جورنال في تقريرها أن واشنطن تدرس زيادة المساعدات المالية لتطوير قطاع الاتصالات في الدول التي تتجنب الأجهزة الصينية الصنع. وأضاف التقرير أن من بين ما يقلق الحكومة استخدام أجهزة اتصال صينية في دول تستضيف قواعد عسكرية أمريكية مثل ألمانيا وإيطاليا واليابان». هذا التحفظ، وعلى مستوى عال من الاهتمام العالمي، يعكس مدى توغل هذه الأجهزة على الخصوصيات، سواء على المستوى الدولي، أو على المستوى الفرد العادي، الذي أصبحت خصوصياته متاعا مشاعا، بسوء تصرفه الشخصي، وبسوء جهله المعرفي، وقصوره الواعي لمدركات الحقائق الناتجة اليوم من هذا التوغل، واستغلال أطراف كثيرة لمآرب كثيرة؛ كما ذكرت؛ لاستجلاب منافع أكثر، إما مدفوعين بفضول شخصي مطلق، بغية إيقاع الأذى بأطراف، من باب إرواء غرور ما، وإما مدفوعين من أطراف مختلفة لحالات تجسس، أو للحصول على معلومات لاستخدامها وقت الضرورة، وبالتالي يستلزم الأمر أكثر وأكثر للأخذ بالاحتياطات اللازمة التي؛ ربما؛ قد تنقذ شيئا من كثير مما أصبح مشاعا ومباحا، وفي متناول الأيدي، وذلك للتقليل، قدر الإمكان؛ من قطع الطريق امام من تسول له نفسه لأن ينسخ الكلمات السلبية ويلفقها على الآخرين لتركيب صورة سلبية للأشخاص، أو يلعب على حقائق من المحتمل أن تكون مزيفة. ولئن كانت الشركات القادمة، والتي بدأت بالفعل، لتحسين صورة المنتهكة شخصياتهم عبر المواقع الإلكترونية سوف تقلل من الضرر النفسي والشخصي للأفراد، فإن هناك القلة سوف يستفيد من هذه الخدمات والذين يملكون المال، أما الغالبية العظمى من الناس فسوف يقعون صيدا رخيصا في أيدي من ماتت ضمائرهم، ويبقى رهانهم الأقرب هو قدرتهم على التحفظ على كثير من أسرارهم الخاصة، وأن لا يتركوا خصوصياتهم كتابا مفتوحا عبر مواقع التواصل الاجتماعي.