تناول الشائعة ومواجهتها وتربية النشء على نقدها -
كتبت: خلود الفزارية -
اختتمت حملة (تمكن إعلاميا الحلقة النقاشية) منتدى التربية الإعلامية الأول بدعم من وزارة الثقافة والرياضة والشباب، وبالتعاون مع نادي الإعلام وشركة وصل الرقمية، التي تم بثها على منصة زووم وشبكات التواصل الاجتماعي، وناقشت قضايا إعلامية، بمشاركة مجموعة من الأكاديميين والمتخصصين.
وناقشت الجلسة الثانية التي أدارتها أمل الجهورية في ورقتها الأولى مفهوم الشائعات وأسباب انتشارها في ظل وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أوضح الدكتور أحمد المشيخي باحث وأكاديمي في السياسات الاتصالية أن الشائعات هي مجموعة من الأخبار التي يتم تداولها في المجتمع وفي وسائل خاصة بشبكات التواصل الاجتماعي، وهذه المعلومات قد لا تكون صحيحة، أو قد يشيبها بعض العيوب المعلوماتية، وعدم صدقها في جوانب معينة، وبتداولها عبر الوسائل قد يضيف إليها المتلقي المعلومات الأخرى ويكيفها لصالحه باتجاه معين لهدف تحقيق أهداف قد تكون سياسية أو اجتماعية أو شخصية.
والشائعة في المجتمعات ليست وليدة اليوم، وإنما ولدت مع وجود البشر على سطح الكوكب، وتطورت مع تطور المجتمعات البشرية، ومع تطور أدوات الاتصال المختلفة. وإشكالية الشائعات في العصر الحديث أن شبكات التواصل الاجتماعي المسيطرة والمهيمنة على المجتمع، وهي الوسائل التي يستخدمها كل أفراد المجتمع، وعلى هذا الأساس أصبحت الشائعة أكثر انتشارا وأكثر شيوعا وأكثر سرعة في وصولها لأفراد المجتمع بشرائحه المختلفة، والإشكالية هي أننا لا نعرف مصدر هذه المعلومات بعكس وسائل الإعلام التقليدية التي تقدم مصدر المعلومات المختلفة ويمكننا أن نتحقق منها.
وأضاف المشيخي أن الشائعات حين يتم إرسالها عبر الشبكات يكون لها أهداف محددة مسبقا، ولكن كجمهور ينبغي أن نعرف مصدر المعلومات، ومدى مصداقية هذه المعلومات ودقتها، قبل نشرها لكي لا نساهم في نشر الشائعات، وبالنسبة للجهات المعنية ونشر المعلومات عنها يجب أن تتخذ إجراءات مباشرة كتصحيح المعلومة، وحينها سيتم دفن الشائعة قبل انتشارها، لذلك جاءت أهمية وجود ناطق رسمي للجهات لمتابعة المعلومات التي تنشر وتقدم المعلومات الصحيحة.
وعن قضية التربية في كيفية التعامل مع وسائل الإعلام للطفل والمجتمع عن طريق إكسابه مهارات تحليلية ونقدية عن المعلومات التي نحصل عليها، من خلال إيجاد جيل واع بكيفية التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي، واختيار المعلومات ومصادرها المختلفة، واختيار المحتوى الإعلامي الذي يتناسب معه سنتمكن من إيجاد جيل نقدي لديه إمكانيات التفحص واختيار واستخدام المصادر بدقة متناهية.
وأكد أخيرا ضرورة طرح المزيد من الحملات لتمكين الجمهور إعلاميا، مناشدا بإقامة حلقات عمل إعلامية ومنتديات عملية تطبيقية خاصة بطلاب المدارس ومختلف شرائح المجتمع بمشاركة متخصصين إعلاميين وتربويين لكيفية التواصل مع وسائل الإعلام، واختيار المضمون الإعلامي المناسب، مع إدخال هذه المهارات في المجال التربوي بالمدارس، لتصبح جزءا أساسيا من العملية التربوية.
التحقق من المعلومات
ويشير مختار الإبراهيمي صحفي سوري إلى أن هناك خلطا بين البيانات والمعلومات، فالبيانات عبارة عن حقائق خام قد تكون رقما أو رمزا أو صورة، بينما المعلومة هي نتاج معالجة هذه البيانات، يتم تقديمها في سياق معين لجعلها مفيدة، ولذلك يناط بوسائل الإعلام رفع مستوى التربية الإعلامية للجمهور بأن تقدم معلومة مفيدة مبنية على حقائق صحيحة، فالتربية الإعلامية لم تعد شيئا من الرفاهية وإنما باتت أمرا أساسيا.
ومن مهام المؤسسات الإعلامية لعب دور إيجابي في تعزيز أدوار التربية الإعلامية في المؤسسات الإعلامية، وهناك مبادرات مؤسسية ومجتمعية للحد من الشائعات، وتدعو إلى تدقيق المعلومات، مما يجعل المعلومة تكتسي شيئا من القدسية، ثم يأتي دور الجمهور المتنور ليواجه الأخبار الكاذبة ويردع المؤسسات التي تحاول الانتفاع من بث المعلومة الخاطئة.
ويضيف الإبراهيمي أنه لا يمكن لجم وسائل التواصل الاجتماعي لذلك وجب تمكين الأطفال في التعامل مع هذه الوسائل في ظل استهدافها لهذه الشريحة لكي لا يكونوا لقمة سائغة. والتثقيف وتوعية الجمهور والطلبة والطالبات مسؤولية المؤسسات الإعلامية لنثر بذور التربية الإعلامية بينهم، وبعض الدول العربية أوجدت أطروحات نظرية ولكن لا توجد حركة عملية في ذلك، وإذا لم يتم تثقيف هؤلاء المتلقين سيقتصر دورهم على «الريتويت» أي: إعادة إرسال (التغريدة)، وهي بحاجة إلى القليل من الجهد لتمكين هذا الجيل إعلاميا.
ويرى أنه يمكن إقامة منتديات ومحاضرات افتراضية لتتم الاستفادة منها بأطروحات لتؤسس لما يؤطر المصطلح الجديد في عالمنا، وجعل التربية الإعلامية واضحة للاستفادة منها في المجالس والجامعات، لنمكن الجمهور من عدم الاستسلام لوسائل الإعلام المغرضة والتعامل معها بعدم الجدية. مع ضرورة إشراك المجتمع المدني بأن يقوم بتبني الأفكار والمصطلحات الإعلامية وإدخالها إلى المدارس التعليمية لتحصين هذا الجيل وتثقيفه ضد الرسائل التي تقوض المجتمع.
نشر الرسالة الإعلامية
من جهتها أوضحت الدكتورة بدرية الوهيبية كاتبة وباحثة في المجالات الاجتماعية والثقافية أننا بحاجة إلى وجود مصطلحات جديدة كالتربية الإعلامية في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي تساهم في صناعة الرسالة الإعلامية.
مجانية هذه الوسائل وتنوعها وسهولة استخدامها وتوفرها أسهم في نشر أي رسالة إعلامية من خلالها، فالفيسبوك يستخدمه أكثر من ملياري شخص، وأكثر من نصف مليار شخص يستخدمون تويتر وإنستجرام وغيرها من الوسائل، وهي منتشرة بين كل الفئات العمرية إلا أن أكثر من يستخدمها الشباب والأطفال وهي الفئات المستهدفة من معظم الوسائل، لسهولة تصديقها ما ينشر، لذلك جاءت ضرورة التربية الإعلامية بين هذه الفئات والوعي وتعزيز مهارات استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وأهمية التحقق من المصادر التي تنشر، مع أهمية التفاعل مع المعلومة بنقدها ومناقشتها.
موضحة أن تطوير بناء المحتوى التعليمي الذي أصبح مشبعا بالصور والوسائل التعليمية، وطريقة الاختبارات أصبحت إلكترونية، واستخدام المنهج الإلكتروني، كما أن الطالب يقوم بإنشاء صفحات وحسابات التي يمكن أن تنمي مهارات الطالب في الخطابة والكتابة وتصميم المحتوى، جميعها تنبئنا بأن وسائل التواصل طورت مجال العملية التعليمية.
واختتمت الوهيبية حديثها بالتنويه إلى أهمية إعداد دليل استرشادي لضبط وسائل التواصل الاجتماعي في التعليم، ومراجعة القوانين المنظمة والمختصة بمكافحة الجرائم التقنية، وتضمين مناهج اللغة العربية بصناعة المحتوى الرقمي فضلا عن رفد مناهج التربية والتعليم بمنهج خاص بالتربية الإعلامية، وإنشاء مركز مختص بالتربية الإعلامية، وتعزيز الشراكة مع المجتمع المدني بأهمية توعية المجتمع من خلاله، وتعزيز المواطنة الرقمية، وأهمية التركيز على توعية النشء بالوازع الديني في أهمية نقل المعلومة.
مهارات التفكير النقدي
ويبين سعود البلوي مستشار إعلامي في التربية الإعلامية أن العملية الاتصالية شهدت تطورا كبيرا، فبعد أن كانت المؤسسة الإعلامية هي صاحبة الرسالة، أصبح الفرد اليوم هو الصانع للرسالة الإعلامية دون ضرورة وجوده في إطار مؤسسة، وباتت الرسالة الإعلامية تسعى للمتلقي دون أن يسعى إليها.
فالتقنيات الاتصالية وفرت سمتين للمستخدمين، التواجد في العالم الافتراضي، والتواجد في بيئة تفاعلية، وأصبح الأفراد يشكلون الرأي العام في المجتمعات، ولذلك نحن بحاجة للتربية الإعلامية لنستطيع التعرف من خلالها على الوسائط الإعلامية المختلفة، وليتمكن المتلقي من التحرر من سطوة وسائل الإعلام وآثارها السلبية، ولذلك شددت اليونيسكو على التعريف بمفهوم التربية الإعلامية بأنها عملية التدريب والتعليم على الإعلام عن طريق اكتساب كفاءة عامة في أساليب الإنتاج الإعلامي من جهة، والقدرة على تحليل المواد الإعلامية لفهم معناها وتقييم قيمها في عملية تتضمن التفسير، وتجمع بين الأساليب النقدية والإبداعية.
وأضاف البلوي أن التربية الإعلامية ليست خاصة بفئة معينة، وقد تصل إلى سن الرشد بالنسبة للبرامج التي تقدمها مؤسسات المجتمع المدني، وهناك تحديات عديدة منها الانتقال من التنظير إلى التطبيق، وهناك خلط بين مفهومي التربية الإعلامية والإعلام التربوي، ويجب إشراك الأسر في التربية الإعلامية، وهناك دراسات أوضحت أن المعلم تقع عليه مسؤولية التربية الإعلامية، ويجب إرشاد الطلاب بالتزود من المعرفة من مختلف المصادر والمواد الإعلامية إلى جانب الكتاب المدرسي، وإشراك الطلاب في إدارة حساباتهم على شبكات التواصل بشكل صحيح بالإضافة إلى تنمية الرؤية الناقدة لما يعرض إعلاميا. ولخص البلوي حديثه بتأكيده أننا بحاجة إلى التعلم عن وسائل الإعلام، وليس التعلم من خلالها، واقترح الاستفادة من خريجي أقسام وكليات الإعلام والاتصال في أن يصبحوا عناصر مهمة في جانب التربية الإعلامية، بالإضافة إلى دور مؤسسات المجتمع المدني في جانب التثقيف الإعلامي.