الجزائر «العمانية»: يحاول كتاب «مسرح عبد القادر علولة.. بين النص والخشبة»، الغوص في عوالم هذا الفنان الكبير في مدونة المسرح الجزائري. ويضمُّ الإصدار الجديد الذي أشرف عليه محمد داود، مقالات بأقلام عدد من باحثي مركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية بوهران.
ومعروفٌ أنّ علولة مثّل تجسيداً للفنان الشموليّ، لكونه جمع بين التأليف والإخراج والتمثيل، وقد وضع بصماته الراسخة على فن الخشبة الجزائري، ولم يكن في أعماله حبيس التراث المسرحي المحلي، الذي وضع معالمه الأولى أسماء كبيرة أمثال رشيد قسنطيني وولد عبد الرحمن كاكي ومحي الدين بشطارزي ومصطفى كاتب، بل نهل أيضا من التراث العالمي، حيث فضّل التغريب البريختي، واستغلال الإمكانيات الفنية التي تمنحها الكوميديا «دي لارتي»، أو اقتباس نصوص غوغول وقولدوني وعزيز نسين وسواهم.
ومنذ انخراطه في العملية المسرحية، خلال ستينات القرن الماضي، بالتمثيل تارة، والإخراج تارة أخرى، أثبت علولة عبر أعماله التي قدّمها على الخشبة، قدرات مسرحية فريدة في ثمانينات القرن الماضي وتسعيناته، ميزتُها البحث العميق في الخطاب، والاشتغال على اللُّغة والديكور والإخراج. لكنّ مسيرة علولة قُدِّر لها التوقف على إثر اغتياله من قِبل مجموعة إرهابية سنة 1994.
يتناول الكتاب، الذي يجمع بين دفتيه مداخلات شارك بها أساتذة وجامعيون في فعاليات ملتقى دولي نُظّم في الذكرى العشرين لرحيل علولة، تفكيكاً لمسرح هذا الفنان، وكيفية توظيفه للثقافة الشعبية في المسرح.
ويرى أحمد شنيقي أنّ علولة يعيد تملُّك الثقافة الشعبية، ليجعلها تنسجم وتتلاءم مع النظام المسرحي الغربي، كون هذا المسرح التقليدي لم يعد يستجيب لحاجات الجمهور الذي تعوّد على الاستماع للكلمة في فضاء مميّز، وحيث الإصغاء النبيه لتحوُّلات الحكاية التي تجمع بين السخرية والأحوال والأوضاع التي تتكرّر.
ويؤكد هذا الباحث أنّ مسرحية «المايدة»، مثّلت التجربة الأساسية بالنسبة لعلولة، حيث سمحت له بمنح المعنى الحقيقي لطريقته التي سعى إلى أن تكون أصيلة.
أما إدريس قرقوة فيتعرض إلى مسرحة الحكاية في مسرح علولة من خلال تقديم قراءة في الشكل والمضمون، حيث يرى أنّ علولة جعل من الحكاية الشعبية حاجة ضرورية لبناء العمل المسرحي في ثلاثيته «الأجواد» و«اللّثام» و«الأقوال»، مضيفاً أنّ الفنان اعتمد في أعماله المسرحية على توظيف الجوقة ليكشف للجمهور عن نواياه.
ويؤكد عبد الخالق درار، أنّ هذا المسرحي الجزائري اعتمد على تراث أسلافنا قصدَ إنشاء مسرح جزائري مختلف عمّا هو سائد في الغرب، وأنّه حاول تحرير المسرح بصفته فنّاً من المسرح بصفته بناية، وذلك عبر تحويله إلى تظاهرة شعبية يُمكن إقامتها في أيّ مكان.
واهتمّت الباحثة هوارية نورين العيد، بإعطاء أهمية بالغة للسخرية التي تتضمنها مسرحيتا «الأجواد» و«اللّثام»، حيث ترى أنّ عبد القادر علولة يمنح لجمهوره من خلال الملفوظ الغامض والساخر مجموعة من المعاني، إذ ترمي السخرية عنده إلى النظر للغرابة التي تتضمنها المواقف، حيث يجتهد الممثل في إقامة مسافة معيّنة بينه وبين الشخصيات، وبين كلامه.
أمّا فتيحة الزاوي بوزادي وأنوال طامر، فقد تناولتا بالدرس والتحليل أعمال علولة المسرحية، حيث عكفت بوزادي على البحث في علاقته بالتمثُّلات الأنثروبولوجية وبالفرجة التي تتّخذ أشكالاً وصيغاً متنوعة في شكل طقوس وشعائر، أو احتفالات مرتبطة بالحياة اليومية. وبحسب هذه الباحثة، فإنّ مسرح علولة نجح في تجسيد معادلة ثنائية «الأصالة والمعاصرة»، وذلك بتوظيف الحلقة و«القوال» في مسرحياته، وهذا ما أعطى لجسد الممثل بعداً رمزياً. في حين تناولت الباحثة طامر، الهذيان وعلاقته بالجسد، وشكّلت دراستها لمسرحية «حمق سليم»، مناسبة للإشارة إلى جسد الممثّل «الضّاجّ بالحياة»، كما ترى أنّ علولة يستلهم طروحاته من قضايا عصره ويبلورها في فرجة مبتكرة، حيث يبرز بجلاء مسرحٌ يلغي الثرثرة، ويستنطق الدلالات والرموز والأجساد الحيّة المتحرّرة، وهذا ما يُفسّر ترجيح كفة الإيماءة والحركة على حساب اللّفظة والكلمة لدى عبد القادر علولة.
وأثارت بعض مقالات الكتاب مسائل ذات علاقة بالمستويات في اللُّغة المسرحية عند علولة من أجل استنباط القيمة السيميائية للخطاب المسرحي الذي يوظفه لإبراز اقتران الجانب اللّساني بالجانب الفنّي. ولهذا نجد صاحب «الأجواد» يوظف الشعر الشعبي لتسليط الضوء على الصراعات بين الشخصيات المسرحية على الخشبة.
كما خضعت أعمال علولة لدراسات مقارنة، قام بها بعض الباحثين على غرار سومية يعقوب ورشيدة حموش، حيث تُسجَّل تحت هذا الباب محاولة إحدى الباحثتين إيجاد علاقات مشتركة بين لوركا وعلولة.