إميل أمين - كاتب مصري - 
emileamen@gmail.com - 

في أواخر شهر نوفمبر المنصرم أعلنت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا عن نجاحها في إيصال مركبة فضائية الى المريخ لتهبط سالمة على سطح الكوكب الأحمر بعد سبع دقائق من دخولها مجاله الجوي، وذلك لدراسة الكوكب وتكوينه الداخلي.
تهدف رحلة المسبار «إنسايت» بحسب ناسا الى دراسة العمق الداخلي لهذا العالم مما يجعل المريخ الكوكب الوحيد، بعد الأرض، الذي يخضع للدراسة والاستكشاف بهذه الطريقة.

والمؤكد أن الحديث عن المريخ بنوع خاص أمر مغر للغاية بالنسبة للعلماء حول الكرة الأرضية وله مع البشرية قصص طوال لأنه دون كواكب المجموعة الشمسية بأسرها يتسم باللون الأحمر الباهر، لهذا السبب سماه الإغريق باسم إله الحرب «مارس» لأن لونه بلون الدم، وسماه علماء الفلك العرب «القاهر» للسبب نفسه.
ويقال: إن مدينة القاهرة سميت هكذا لأن جوهر الصقلي سأل علماءه أن ينتظروا إشارة من السماء، لتسمية المدينة الجديدة التي أمر ببنائها بالقرب من الفسطاط التي كانت عاصمة مصر قبل عهده. ولما كان كوكب القاهر في صعود اختير اسم «القاهرة» للعاصمة الجديدة.
لماذا تهتم البشرية بالمريخ دون بقية المجموعة الشمسية القريبة؟
مرد ذلك أن من أهم صفات المريخ أنه يشبه الى حد كبير صحراء الأرض، وقد اتضح ذلك في رحلات استكشاف الكوكب بواسطة سفن فضاء مختلفة أثبتت أن الكوكب مرت عليه في قديم الزمن عصور مطيرة كونت وديانا تشبه وديان الصحراء العربية.
وبعد زمن جف المناخ واختفت الأمطار ولم يتبق غير الرياح، كعامل أساسي في بدء العواصف الترابية «بعضها يغطي مجموعة من الكثبان الرملية المعروفة في الكون بأكمله إلى يومنا هذا أي التجمع حول القطب الشمالي للمريخ»، لذلك فإن البشرية في دراستها لتضاريس المريخ تحاول فهم تضاريس الصحراء والنقيض صحيح.
والشاهد أن اهتمام العلماء بكوكب المريخ قد ازداد ازديادا مطردا، بعد أن اكتشف علماء جيولوجيون بقايا حفرية لما يشبه البكتيريا على الأرض. تم ذلك أثناء دراسة جزء من عينة من 13 نيزكا ذات تركيب كيميائي معين يحدد أن المريخ هو مصدرها. ويعني هذا أن الكوكب ربما كانت به مخلوقات، ولو بدائية، عندما كانت المياه تسري على سطحه في قديم الزمن، وقد دعم هذا الاحتمال أحياء مشاريع استكشاف الكوكب ليس فقط آليا ولكن أيضا بواسطة رواد الفضاء مستقبلا.
إلى هنا والكلام كثير والأسباب عديدة تلك التي تتصل بأهمية البحث فيما وراء الكوكب الأحمر، ومدى الإفادة التي سوف تنعكس على الكرة الأرضية من جراء اكتشاف مكنوناته، غير أن السؤال المثير للقلق عند البعض هل يأتي برنامج استكشاف المريخ هذا بكامل أنبائه ما يعلن عنه وما يخفى ضمن سياق حروب الفضاء التي باتت عنوانا رئيسيا في صحف العالم في حاضرات أيامنا، وهل هي حروب لا تتوقف عند حدود المريخ بل تتصل بالقمر وربما بغيرهما من الكواكب ضمن برامج سرية لا قبل لنا بسماع أنبائها، وتوصف بأنها أجزاء رئيسية من برامج الأمن القومي للدول الكبرى لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية؟
الأسئلة لا تتوقف عند هذا الإطار، وتدفعنا إلى البحث عن مسألة وجود كائنات حية عاقلة أو ناطقة في كواكب أخرى وهل تم اتصال بينها وبين البشر من قبل أم لا؟
لعل ما فتح الباب واسعا للشكوك والهواجس هو أنه بعد 50 عاما على قيام نيل ارمستروج برحلة السير على القمر، تستعد ناسا لدخول عصر جديد لرحلات الفضاء، وتقوم ببناء المركبة أوريون بغرض استكشاف الفضاء العميق، وسفر رواد الفضاء الى القمر والمريخ… هل هي رحلات ذات طابع مدني أم خدمة لأغراض عسكرية واستعدادا لحروب القرن الحادي والعشرين التي ضاقت بها الأرض، وها هي تمضي نحو الفضاء؟
المؤكد أن وجود الرئيس ترامب في البيت الأبيض قد أعطى دفعة جديدة لإحياء برنامج حرب الكواكب الذي كانت واشنطن قد بلورته عام 1983 في زمن الرئيس الجمهوري رونالد ريجان، وفي تلك الفترة كان الصراع بين القطبين الكبيرين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية على أشده، ومن هنا جرى التفكير الأمريكي في طريق ما عرف بالمظلة النووية في الفضاء الخارجي، وهذه مهمتها ان تبقي سماء أمريكا محفوظة من اختراق صواريخ السوفييت، وتستطيع عندها الهيمنة على مقدرات العالم كيفما شاءت.
بقية القصة معروفة، فقد توقف العمل في هذا البرنامج مع سقوط الاتحاد السوفييتي في نهاية ثمانينات القرن الماضي، ولم يعد هناك تهديد وقتها لأمريكا.
غير أنه ومع عودة الحرب الباردة مرة أخرى بين الروس والأمريكيين، وبين النسر الأمريكي والتنين الصيني الصاعد قريبا الى القمر، تعود واشنطن الى برنامج حروب الفضاء بتكلفة خيالية، لكن مبررة من قبل قطاع الجمهوريين واليمينيين الذين يتطلعون لان تبقى أمريكا مسيطرة في العالم.
والثابت أن مركبة ناسا التي حطت على المريخ الأيام الماضية كان قد سبقها حدث مهم وأن لم يأخذ مجالا كافيا للتغطية الإعلامية حول العالم، حدث يبين عودة السباق الى القمر، وبدء الولايات المتحدة الأمريكية بناء محطة مدارية قمرية باهظة التكاليف على سطح القمر، من دون أن يفهم أحد السبب وراءها أو فوائدها ما زاد من سرية وغموض علاقة أمريكا بالفضاء مؤخرا.
المحطة التي نتحدث عنها والتي ينبغي ان تعزز من سيادة امريكا في استكشاف الفضاء، قد تصبح أيضا نقطة انطلاق لاستكشاف المريخ، وسيبدأ إنشاؤها في العالم 2019 وستكون اكثر تكلفة بأضعاف من المحطة الفضائية الدولية، وبحسب ما هو متواتر من أنباء من الداخل الأمريكي فإن رواد الفضاء الأمريكيين سوف يطيرون إلى منصة القمر عبر صاروخ يسمى «اس. ال. اس»، وتقدر تكلفة إطلاقه بـ 500 مليون دولار أي نصف مليار دولار وهي تكلفة عالية وغالية جدا، ما يجعل علامة الاستفهام من جديد هل الأمر مجرد اكتشافات علمية أم محاولة لترسيخ القوة الأمريكية في الفضاء الخارجي؟
تدرك الولايات المتحدة إدراكا عاليا أن سيطرتها على الكرة الأرضية لم تعد، ولن تعود كما كانت من قبل، أي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية أو بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، ويعلم القائمون على أمرها أنها في أفضل الأحوال لن تتجاوز مرحلة الأول بين متساوين، وتحديدا روسيا والصين.
ولعل المتابع للصراعات الخفية والعلنية بين الجانبين يدرك ان هناك حروبا شرسة تدور في الخفاء بين الجانبين ومن آيات ذلك اتهام وزارة الدفاع الأمريكية مؤخرا كلا من روسيا والصين بتشكيل تهديدات لقدرات الولايات المتحدة الفضائية، ففي تقرير صادر عن البنتاجون الشهر قبل الماضي جاء ما يلي: إن «روسيا والصين منافستان استراتيجيتان في مجال الأسلحة الفضائية، الأمر الذي من شأنه تحييد القدرات العسكرية الأمريكية في الفضاء، في حال وقوع مواجهة ما».
لم يتوقف الأمر عند هذا النحو فقط، فقد كشف البنتاجون عن وجود خطة جديدة تهدف الى تكثيف قيادة الفضاء الأمريكية لجهودها في مجال تطوير المراقبة العالمية لمسار الصواريخ الحربية والفضائية كذلك، اعتمادا على تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وبالرغم من ان أمريكا مقتنعة تمام القناعة بأن روسيا والصين يطوران تقنيات فضائية لمواجهة الولايات المتحدة، إلا ان موسكو وبكين أعلنتا مرارا عن التزامهما بالمطلق باستخدام الفضاء للأنشطة السلمية وحسب، بل ان حكومتي البلدين، وخلال قمة بريكس الأخيرة، دعتا الولايات المتحدة بنوع خاص ودول العالم بنوع عام الى الالتزام بعمليات الفضاء السلمية بما يتوافق مع القانون الدولي، وأكدتا أن الفضاء يجب ان يبقى منطقة خالية من جميع أنواع السلاح.
لكن هل الصين وروسيا أبرياء بالمطلق قولا وفعلا من الاتهامات الموجهة لهم أمريكيا؟
هناك شكوك تكاد تلامس الحقائق فقد نشرت صحيفة لوفيجارو الفرنسية منذ بضعة أسابيع تقريرا مثيرا عن وجود قمر روسي غامض تم إطلاقه خلال شهر أكتوبر الماضي، وقد كان يعرض منذ بضعة اشهر «سلوكا شاذا للغاية» في المدار، ما يوحي بأنه يمكن أن يكون نوعا جديدا من سلاح الفضاء.
لم يتم تحديد المركبة الروسية، ولكن كل العناصر تشير الى اعتماد اسم القمر الصناعي «كوزموس 2519» الذي اطلق في المدار بواسطة صارخ سويوز من قاعدة قوات الفضاء الروسية، ولا يزال دور هذا القمر الصناعي مجهولا الى حد الآن، وان كان الفرنسيون قد أشاروا أيضا الى ان قمرين صناعيين صغيرين قد سقطا منه، ما يشير الى انه قمر تجارب مثير للقلق.
والحقيقة ان خطاب الرئيس الروسي بوتين في الأول من مارس الماضي، قد ترك شكوكا متصاعدة في نفوس الأمريكيين من جراء الأسلحة فرط الصوتية وكذا الصواريخ ذات المحركات النفاثة القادرة على إسقاط أي أقمار اصطناعية أمريكية، والروس بشكل أو بآخر لهم سبق كبير في المحطات الفضائية ومع تصاعد السباق على الأرض يبقى من المؤكد ان لديهم برامجهم التي ترصد تحركات الأمريكيين سواء بالنسبة للقمر او المريخ.
أما الصين فلم تكن لتتوارى عن الأنظار فهي قادمة لا محالة، ولهذا رأيناها في الأسبوع الأول من شهر ديسمبر الجاري تطلق مركبة غير مأهولة لاستكشاف الوجه الخفي للقمر في خطوة جديدة تعزز أهدافها الطموحة في غزو القمر، فقد انطلقت المركبة “ تشانج اي 4 “ محمولة على صاروخ من طراز “ لونج مارش 3 بي” من قاعدة شيتشانج في جنوب غربي الصين، ومن المتوقع ان تصل القمر في حدود آخر السنة، لتهبط في الجانب الذي يظل محجوبا عن الأرض.
العلماء الأمريكيون اعتبروا أن هذه المركبة هي الأولي في التاريخ التي ستهبط على الجانب الخفي للقمر لاستشكافه، ولهذا فهي تعد الرحلة الفضائية الأهم للعالم في العالم 2018.
هل هي مسيرة الإنسانية نحو الحرب أم تجاه السلام عبر توفير مسارب أمل للحياة خارج الكرة الأرضية؟
يبقى الجواب مشوبا بالغموض حتى الساعة.