أحمد بن سالم الفلاحي - shialoom@gmail.com - نأمل أنه قبل أن تغرب شمس أي يوم من الأيام التي نقضيها أن يكون ذلك اليوم هو يوما مكتسبا في أعمارنا، هذه «أمنية» كل واحد منا، كما أعتقد، ومن لا يستحضر هذه الأمنية كل يوم، فعليه أن يراجع نفسه؛ لأنه غافل عن شيء ما، وهذه المراجعة ليست يسيرة أيضا، في ظل لهاث نعيشه كل يوم، من مشرقه إلى مغربه، وماذا عساها أن تكون المحصلة حتى آخر لحظة من عمر اليوم، ومن عمر الأسبوع، ومن عمر الشهر، ومن عمر السنة، ومن عمر العمر كله الذي يمتد إلى عشرات السنين، ونحن نعيش مفترق مسافة محصورة ما بين مشرق يوم ومغربه، وبصورة متكررة يوميا. منا الكثيرون يستصعبون تطبيق مفهوم السوق القائم على الربح والخسارة، ويقولون؛ بقناعة؛ لا يجب أن يكون هذا المفهوم حاضرا في أجندتنا اليومية؛ لأن ذلك يضيع، في المقابل؛ مفهوم التضحية، ومفهوم التطوع، ومفهوم التعاون، ومفهوم التآزر، وقد يلبس الحياة نوعا من العطاء والعطاء المقابل بصورة فورية، بينما الواقع يحتم أن نتعامل مع كل لحظة نعيشها في يومنا وفق مفهوم السوق القائم على الربح والخسارة، وخاصة فيما يخص الزمن، حيث علينا استثمار كل لحظة وكل دقيقة، وكل يوم، وكل أسبوع، وكل شهر، وكل سنة، والعمر كله، فأي خسارة في كل هذه المناخات التي نعيشها بكل تفاصيلها يوردنا موارد الهلاك، وفي نهاية الأمر ندفع «فاتورة» باهظة الثمن مقابل صحتنا، تفكيرنا، قلوبنا، أبصارنا، عقولنا، مجسات حواسنا، فليس هناك أبدا شيء يستحق التضحية ويوردنا موارد الهلاك دون مقابل. ومنا الكثيرون أيضا يعتقدون -خطأ- أن ما يبذلونه للآخرين هو مكتسب عمري يستحق التضحية، وعندما يكتشفون متأخرين أنهم عاشوا في خديعة كبرى؛ عندها؛ يعضون أصابع الندم، ويحصل ذلك؛ عادة؛ بعد فوات الأوان، فقد وهن العظم، ونحف الجسم، وقل البصر، ولم يبق إلا عمر متراكم بحجم السنين، لا يدري مكتسبه الحقيقي منه، ومحظوظ من يلحق نفسه ولو حتى في آخر العمر، والسؤال: من يستحق التضحية بكل مناخات العمر؟ أتصور، أنه لا أحد البتة. في الحديث المروي عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه...»؛ إذن هنا مكتسب عمري طويل، بعدد سنين العمر التي نقضيها في حياتنا الدنيا، ليس في هذه المسافة العمرية الطويلة عمر نضيعه «نضيع الوقت» وليس فيه مساحة نقضيها لصالح الآخر، وعلى «شأن خاطرك...»؛ فـ«خاطرك» هذا غير موجود في مفهوم الربح، وقد يوجد كثير في مفهوم الخسارة، كلنا نقرأ قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم...) عندما قرأت تفسير هذه الآيات ولعدد من المفسرين، تبين أن كل ما يلهيك عن عبادة الله هو عدو لك، والآية لا تفهم فقط بمعناها الظاهري، وتفهم أيضا بعموم اللفظ لا بخصوص المعنى، أو بالمناسبة التي نزلت فيها. من ذلك كله يبدو أن الرهان على الآخر رهان خاسر خاسر، ومن لا يدرك هذه الحقيقة، عليه أن يراجع نفسه، فمن لا يزال يستنشق نسمة في هذه الحياة فهو المحظوظ حقا لتدارك مجموعة الأخطاء التي لا يزال يرتكبها في حق نفسه، فالحقيقة «أنت ونفسك فقط» ومشاركتك للآخرين من حولك ألا يكون على حساب نفسك، فأنت لست المسؤول عنهم، كل مسؤول عن نفسه، ومسؤوليتك عن رعيتك وفق النص ألا يخرجك ذلك عن مسؤوليتك تجاه نفسك أولا، ولنا في نص الآية الكريمة السالفة الذكر مبلغ الأثر. أدرك أن إيجاد حالة من التوازن بين مسؤوليتك لنفسك، ومسؤوليتك عمن حمّلك الشرع مسؤوليتهم ليست يسيرة، وعليك أن تنجح في هذا الامتحان العسير.