في عالم واسع يشمل صناعة الجروح الوهمية والشخصيات الخيالية - كتب :  عامر بن عبدالله الأنصاري - تشمئز النفس البشرية من المشاهد العنيفة والدموية بجميع صورها وأشكالها، بل وأصبحت تلك المشاهد من المحظورات على فئات عمرية محددة في الأفلام وحتى ألعاب الفيديو، فما بالنا إذا كانت مشاهد حقيقية صورها بعض المتطفلين لحوادث حدثت أمامهم، فنشروها بحساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، وتناقلها البعض كذلك، لذلك استحدثت مواقع التواصل خاصية الإبلاغ عن تلك المشاهد للتحذير منها. مما انتشر في الآونة الأخيرة بمواقع التواصل، مشاهد لجروح حادة وبشعة، وفيما بعد يتضح أنها من أعمال الميكياج، التي لا تنفي بشاعتها إلا أنها تطمئن لأنها غير حقيقية، وخلال تصفحي مؤخرا مررت بإحدى تلك المنشورات، لأستوقف ذلك الفنان المبدع في صناعة ميكياج الجروح إلى درجة أنها تبدو حقيقية. إبراهيم بن مطر الجساسي، فنان الميكياج السينمائي، من أوقعنا في ذلك الفخ، فكان بابًا للحديث عنه. بداية كأي إنسان موهوب بدأ إبراهيم الجساسي موهبته، فكان منذ طفولته يمتلك دافعا نحو فن الميكياج السينمائي، ويشده الفضول إلى متابعة كل جديد في هذا المجال، يسرح في مشاهد الأفلام التي تُظهر الكثير من مشاهد الجروح والكدمات، يعلم يقينا أنه تمثيل وليست حقيقية، إلا أنه لم يكن يعرف طريق البداية الفعلية ليكون في صميم مجال الميكياج السينمائي صانعا لتلك المشاهد وموظفا مواهبه في العديد من المجالات الفنية، إلى أن وجد ضالته في كلية البريمي الجامعية، ووجد معينا لشغفه حيث ورشة الميكياج السينمائي، التي بها العديد من المحاور ومن أهمها بالنسبة للجساسي كيفية عمل الكدمات، وهنا بدأت مسيرته في هذا الفن المخيف والممتع في آن واحد. هواية متنامية إبراهيم الجساسي وجد ضالته في كلية البريمي الجامعية، إلا أنه لم يكن متخصصا بهذا الفن في مسيرته العلمية، كانت هامشا ممتعا بالنسبة له، ومجالا يملؤ به وقت فراغه ويُشبع جموح شغفه، ويكون بذلك قد استفاد مما تقدمه الكلية إضافة إلى الجانب العلمي، يمضي مشواره الفني والعلمي في طريق متوازن، ولا يضر أحدهما بالآخر. تعريف الميكياج السينمائي عالم واسع، وتدخل فيه العديد من المجالات، وما نشاهده في الأفلام السينمائية كثير فنشاهد بعض الشخصيات المتنوعة والخيالية والمخيفة، ولكن الجساسي يُعرّف الميكياج السينمائي بقوله: «المكياج السينمائي فن يستخدم لصنع الجروح المزيفة أو تغيير شخصية الإنسان من شخصية لأخرى أو لحيوان أو شخصيات مرعبة، ويكون ذلك من خلال اللعب في الملامح بإضافة بعض المساحيق والمواد على الأسنان أوالعيون بالعدسات وغيرها.» بشاعة بعض أنواع المكياج السينمائي يكون بشعا، خاصة الكدمات والجروح، فبعضها يصور تعفنا في رجل مكسورة، أو أصابع مبتورة تظهر فيها العظام وغير ذلك من المظاهر المرعبة، لذلك واجه الجساسي بعض الانتقادات في بداية مسيرته نحو هذا الفن، وطال هذا الانتقاد والنفور مواقع التواصل الاجتماعي عندما يعرض أعماله في المكياج، وقد يرجع ذلك إلى النفس البشرية التي تحب رؤية كل جميل وتستهجن رؤية كل قبيح، إلا أن الجساسي يريد بذلك الفن الواصلة، ولسان حاله يقول «إن هذا الفن له مجالاته الفنية، والمسرح والسينما بحاجة إليه»، وبوجهة نظره واصل مشواره بإصرار، وغيَّر بعض وجهات النظر حول فن المكياج السينمائي، وإنه ليس مجرد عبث، إلى أن وجد الكثيرين في صفه مشجعين له ومواصلين عرض وجهات نظرهم وآرائهم الإيجابية حول فنه الفريد. تشابه الحقيقة الأعمال التي يقدمها إبراهيم الجساسي، وما مررت عليه في مواقع التواصل الاجتماعي تبدو قريبة جدا من الحقيقية، جروح دموية، وكدمات ذات ألوان طبيعية، ما يقشعر منها البدن، ولكن هل ذلك انعكاس لمشاهد حقيقية؟ إلا أن الإجابة تقول بأن إبراهيم الجساسي عادة ما يستعمل الخيال في إبداع مكياج الجروح والكدمات والحروق، وكذلك في إبداع الشخصيات المرعبة مثل الأشباح والجان، وبحسب رأيه أن الخيال مفتاح إلى صناعة مكياج أقرب للحقيقة. مقالب في كثير من البرامج الكوميدية الغربية - والتي لا أعتبرها كوميدية أبدا- يتم استخدام ميكياج الجروح والكدمات والحوادث للإيقاع بضحية المقلب، وعلى مستوى الخليج مر علي مقطع للناشط الاجتماعي البحريني «عمر فاروق» متحدثا عن أكثر شيء ندم عليه، فقال إنه قد عمل مقلبا في أهله يمثل فيه أنه مدهوس بسيارة، ولم يقل ذلك إلا بعدما شاهد الرعب في عيني أمه وعيني أبيه وأهله، تلك الكلمات جعلتني أشعر بالأسف على كل من يعيش لحظة رعب، تلك المشاعر التي تفقد المرء صوابه يجب أن لا تستنزف إلا في أشياء حقيقية لا قدر الله، أما في مجرد مقلب للضحك فإن ذلك من أبشع المقالب التي تُخرج الإنسان من إنسانيته، فما المتعة في مشاهد شخص مرعوب؟ ما شدني إلى استذكار تلك المشاعر، هو موضوع الميكياج السينمائي، والذي يلعب فيه الجساسي دورا كبيرا، ويتفق إبراهيم الجساسي مع وجهة نظري، وربما وجهات نظر الكثيرين، فلا يحبذ أو يتفق مع استخدام هذا الفن للمقالب، إنما يرى وجوب استخدامه في مجالات توعوية أو فنية بشتى المجالات، متأسفا في أن بعض المقاطع والصور التي تنتشر لمشاهد من تصميم فنان ميكياج السينما يتم استغلالها في نشر الإشاعات ربما من جهل الناس أو تعمد إخافة الناس بالإشاعات. مشاركات وبعد الحديث عن ماهية ميكياج السينما، وبداياتها مع الجساسي، لا بد من الحديث عن مجالات هذا الفن، وكيف يشارك الجساسي بهذه الموهبة في مجالات متنوعة. نجح إبراهيم في توظيف موهبته بالمفيد، حيث شارك في أعمال كثيرة من ضمنها أعمال توعوية لقيادة شرطة محافظة الظاهرة منها التمارين الافتراضية لمحاكات الإصابات الجماعية، وشارك في عدة أفلام لشركة «عمان ميديا» وشركة «رواند» ولمؤسسة «فنون» الإعلامية، إضافة إلى مشاركته في «أوبريت رسالة الإسلام» في تجسيد شخصيات تاريخية، وأيضا شارك بمهرجانات مسرحية عديدة، وكان لتميزه وموهبته حضور لافت فحقق في أحد المهرجانات جائزة «أفضل مكياج مسرحي». معاهد متخصصة ولأن الجساسي مهتم بفن الميكياج السينمائي، سألناه عن التخصصات المحلية، فقال: «للأسف لا يوجد تخصص في المكياج السينمائي في السلطنة، وإنما يوجد في الدول الغربية، فهناك معاهد وكليات تدرس في هذا الفن، وفي بعض الدول الأوروبية يوجد لديهم مادة اختيارية للمكياج في الصف العاشر، وكل موهوب لهذا الفن في السلطنة يطور نفسه بالاستمرارية والبحث عن معلومات إضافية إلى عالم الانترنت و اليوتيوب او الاستشارات الخارجية للخبراء». الأدوات دماء، وعظام، وأشلاء، كلها غير حقيقية في عالم مكياج السينما، ويصل الجساسي إلى هذا المستوى من الإتقان من خلال استخدام بعض الأدوات والمستحضرات الكثيرة، ومنها «الواكس»، وهو عن عجين من خلاله يتم تشكيل الجروح، أما الدم المزيف فيأتي على أنواع منها سائل ومنها لزج، ومن المستحضرات كريم الأساس والليتكس وأدوات النحت والتشكيل واسفنجة للتأثيرات. وإلى جانب ذلك ابتكر إبراهيم بعض الأدوات الخاصة به، باستخدام مكونات موجودة في كل منزل، فأدخل مكونات مزجها باستخدام نشاء الذرة وبودرة الأطفال وجيلاتين الحلويات، وخرج بأدوات خاصة به دخلت عالم ميكياج السينما بجدارة، وهكذا لكل فنان بصمة وابتكار وتفرد. رسالة ويحمل إبراهيم الجساسي رسالة لمجتمعه يقول من خلالها: «لكل شخص هاوٍ للمكياج السينمائي يجب أن يكون لديكم الإصرار وعدم الالتفات للسلبيين والمحبطين، وعليك بالتطوير المستمر وتعلم الأشياء الجديدة للارتقاء بهذا الفن الجميل».