المطالبة بالإعلان عن هيئة الانتخابات - الجزائر - عمان - مختار بوروينة - خرج جموع المواطنين مجددا، و للجمعة الـ17 على التوالي، في مسيرات سلمية بالجزائر العاصمة وعبر بعض ولايات الوطن كبجاية و قسنطينة والبويرة وسطيف والجلفة، مجددين مطالبهم الداعية الى «رحيل الوجوه المحسوبة على النظام السابق» وضرورة إرساء أسس دولة ديمقراطية تعود فيها الكلمة للشعب، ومحاسبة المتورطين في الفساد ونهب المال العام واسترجاعه مع التأكيد على سلمية المسيرات الشعبية والعلاقة القوية التي تربط الشعب بجيشه عبر شعار «جيش شعب خاوة خاوة» . وطالب المحتجون الجزائريون أمس بالتّعجيل بالإعلان عن الهيئة المستقلة لتنظيم ومراقبة الانتخابات، بحيث تضم شخصيات لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالرّئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة.جدّد المحتجون مطلبهم برحيل رئيس الدولة المؤقت عبد القادر بن صالح. ومثلما جرت عليه العادة، توافد جموع المواطنين، ابتداء من صباح أمس ليتزايد عددهم بعد صلاة الجمعة، على مستوى الفضاءات المحاذية لساحة البريد المركزي، شارعي زيغود يوسف والعقيد عميروش وكذا نهج باستور وساحة موريس أودان فيما تواصل غلق النفق الجامعي من طرف عناصر الأمن على مستوى ساحة موريس أودان، وكذا المسالك المؤدية إلى قصر الحكومة تفاديا لوقوع أي انزلاقات. وعلى غرار جمعات الحراك السابقة كان الحضور اللافت للراية الوطنية وسط المتظاهرين من مختلف الأعمار والفئات تعبيرا عن افتخارهم بتاريخ الجزائر وبأمجاده وتمسكهم بالوحدة الوطنية، ولافتات أخرى كتبت عليها شعارات تؤكد مجددا تمسكهم بمطلب رحيل «الباءات» ، والمطالبة «بالتغيير الشامل»، و«الناطق باسم الشعب هو صندوق الاقتراع» و «دولة مدنية». وتفاعلت شعارات هذه الجمعة مع الأحداث المتسارعة التي ميزت المشهد العام من خلال فتح العدالة لملفات فساد وأسقطت بأوامر قضائية رؤسا كبيرة بتهم ما تزال قيد التحقيق الموسع وأودعتها السجن المؤقت منهم رؤساء حكومة سابقين ووزراء وإطارات ورجال أعمال، مع استمرار التحقيقات في حق آخرين وتقديم نواب إلى العدالة بعد إسقاط الحصانة البرلمانية. كما تفاعل الحراك مع تحرك الأحزاب على مختلف توجهاتها السياسية، ومع بروز تكتلات للجمعيات والنقابات التي تحضر مبادراتها للمساهمة في حل الأزمة السياسية وتنتظر ندوة الحوار التي من المرتقب الإعلان عنها قريبا مع مؤشرات التوفيق بين تكريس مخرج رفض المرحلة الانتقالية والإصرار على رحيل الباءات أو بعضهم ثم التوجه إلى الانتخابات الرئاسية في أقرب الأوقات. و في لقاء لـ «منتدى النخب والشخصيات الوطنية للحراك الشعبي»، أول أمس، تم طرح مقاربة جديدة للنقاش، الغاية منها رسم ورقة طريق لتلبية مطالب هذا الحراك المتواصل منذ 22 فبراير الماضي، و ذلك في إطار مشروع سياسي «واقعي و قابل للتطبيق»، مع «إيجاد حلول مستعجلة للحفاظ على ديناميكيته» و«تفويت الفرصة على كل المخططات الخبيثة الهادفة إلى استنزاف طاقته أو تحريف طريقه نحو الفوضى والانزلاق». وتم استعراض الآليات الكفيلة بتحقيق الانتقال الديمقراطي و التوافق الوطني و على رأسها «التعجيل بالرضوخ للسيادة الشعبية من خلال تطبيق المواد 7 و8 من الدستور» و«التحضير لمؤتمر وطني جامع يضم مختلف الفاعلين». إلى ذلك شدد قياديو المنتدى على ضرورة تنظيم انتخابات رئاسية في مدة أقصاها ستة أشهر بذل الذهاب نحو مجلس تأسيسي انتقالي معين، وهي الاستحقاقات التي ستسمح -حسبهم- بـفتح المجال لعهدة رئاسية انتقالية تأسيسية يشرف خلالها الرئيس المنتخب من قبل الشعب على فتح كل الورشات الكبرى للدولة، في إطار حوار وطني جاد و مسؤول. وترتكز هذه الأرضية التي سيتم شرح مضمونها من خلال حملات تحسيسية في قلب الحراك، على جملة من المنطلقات، أهمها اعتبار المبادئ النوفمبرية مرجعية في بناء الجزائر الجديدة التي ينادي بها الحراك الشعبي، و الاعتماد على التغيير السلمي و السلس للنظام مع الحفاظ على كيان الدولة و مؤسساتها، يضاف إليها دمج الحلين السياسي و الدستوري كخيار توافقي مشترك. وذكر رئيس جبهه العدالة و التنمية، عبد الله جاب الله، أن الحراك الشعبي يتميز بكونه «يحمل بداخله الإصلاح الشامل و رفض الوصاية على الشعب»، و توجه إلى مجموع النخب الوطنية التي دعاها إلى الثبات في مواقفها في الدفاع عن مصالح الشعب، بصفتها القاطرة الرئيسية في مسار التغيير المنشود. وبدوره، توقف الوزير والدبلوماسي السابق عبد العزيز رحابي عند أهمية مساهمة النخبة الوطنية في تحقيق الانتقال الديمقراطي، معيبا عليها اكتفاؤها فيما مضى بالدور الذي أوكل لها من طرف السلطة السياسية التي وظفتها على مدار سنوات، جاعلة منها «مجرد واجهة تكنوقراطية و ديمقراطية»، على حد قوله. أما رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور فقد لفت إلى أهم مميزات المجتمع الجزائري قبل انطلاق الحراك أو ما أسماه بـ «ثورة المواطنة»، حيث قال بأن هذا المجتمع كان يعيش في ظل غياب «الأخلاق الجماعية و الفساد المعمم و العنف بشتى أشكاله و اللامبالاة و الإيمان بالقدرية»، و كل ذلك تحت سلطة تميزت بـ«التسلط و تمجيد القائد و الأبوية» و هو ما أدى من وجهة نظره إلى «تمييع الدولة». كما سجل بالمقابل «تراجع» الآفات الاجتماعية التي لطالما عانى منها المجتمع الجزائري،«على الأقل أثناء المسيرات الشعبية». أما فيما يتعلق بالسلطة فقد بدأت السلبيات التي سبق ذكرها في الاندثار تدريجيا، مثلما قال. و في سياق المتابعات القضائية، نقلت مصادر إعلامية محلية أن المترشح السابق للرئاسيات علي غديري وبرفقة رئيس حزب سياسي قد أودع الحبس المؤقت بعد مثولهما أمام قاضي التحقيق لدى محكمة الدار البيضاء بتهمة تقليد أختام و تزوير استمارات الانتخابات. من جهتها أفادت يومية الخبر أن تهما أخرى ألحقت بالمدعو لغديري تتعلق بالمشاركة في تسليم معلومات إلى عملاء دولة أجنبية تمس بالاقتصاد الوطني والمساهمة في وقت السلم في مشروع إضعاف الروح المعنوية للجيش قصد الإضرار بالدفاع الوطني. كما أمر قاضي التحقيق بالمحكمة العليا بإيداع الوزير السابق عمارة بن يونس الحبس المؤقت بسجن الحراش بنفس التهم الموجهة للوزير الأول عبد المالك سلال وتتعلق بتهم تبديد أموال عمومية، وسوء استغلال الوظيفة و منح امتيازات غير مبررة وتعارض المصالح.