مســؤوليـة الآبــاء والمــربيــن.. الاعتنــاء بأوقــات أولادهــم -
يحيى بن سالم الهاشلي - إمام وخطيب جامع السلطان قابوس بروي -
«ومن المشاهد أن كثيرا من الانحرافات السلوكية والأخلاقية يصاب بها الطلاب في فترة الإجازة الصيفية وخاصة مع وجود الرفقة السيئة التي تزين السيئ من الأعمال، فكم من صريع في أوحال المسكرات والمخدرات قد غاب عنه رقيب المربي الناصح وحضر شيطان صاحب السوء فأوقعه في شراك الإدمان، لذلك كان لزاما على أولياء الأمور شغل أوقات فراغ أبنائهم بالنافع وتوجيههم لاتخاذ الرفقة الطيبة التي تعينهم على الخير وتقودهم إليه».
تعد الإجازة الصيفية من أهم المواسم التي يتوق إليها طلبة المدارس، فبعد عناء العام الدراسي والاجتهاد والمثابرة في التحصيل الدراسي، تأتي الإجازة الصيفية ليكون فيها الراحة بعد الجد والعمل لمن اجتهد وعمل، والإنسان يستحق بعد كل عناء أن تكون له فرصة للراحة يكون بها تجديد للنشاط وتحفيز للنفس على الرجوع للعمل بأفضل مما كان قبلا وإلا أصابه السآمة والكلل، ونجد أن الشرع الحنيف يوجه الإنسان للاستراحة حتى في أداء العبادة وهي أجل الأعمال، فقد روي أن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه كان يجتهد في العبادة فلا يفتر عن الصيام والقيام مما آذى أهله بانقطاع عنهم، فطلبه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وقال له: (يا عَبْدَ اللَّهِ، ألَمْ أُخْبَرْ أنَّكَ تَصُومُ النَّهارَ وتَقُومُ اللَّيْلَ؟ قُلتُ: بَلَى يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: فلا تَفْعَلْ، صُمْ وأَفْطِرْ، وقُمْ ونَمْ، فإنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وإنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا) ، فهنا تقرير أن لنفس الإنسان حقا للراحة من العمل ولو كان عبادة يتقرب بها إلى الله، لذا فإن غيرها من الأعمال يكون الأخذ بالراحة ألزم، لهذا كانت الإجازات للعاملين والدارسين على حد سواء مطلبا مهما لما تحققه من تنشيط للفرد وإعادة تهيئته لأداء العمل بقابلية أكبر.
وليس المراد مما سبق ذكره من اتخاذ الإجازات والترويح عن النفس بأنه دعوة للخمول والكسل وتضييع الأوقات في اللهو واللعب خاصة في جانب طلاب المدارس، إذ ما يلاحظ من الكثير من الطلاب أن الإجازة الصيفية أصبحت شعارا للسهر واللهو العابث وتضييع الوقت بلا نافع في دين ودنيا، وهذا أمر لا يقبله الله لعباده، فالإنسان مأمور بأن لا يضيع أوقاته سدى، فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ: عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَشَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاهُ ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ، وَفِيمَا أَنْفَقَهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ)، ونجد أن فترة الشباب خصت بالسؤال لما لها من أهمية في تكوين الإنسان فكريا وسلوكيا، وكونها فترة العطاء والعمل في دورة الحياة، لذلك كان من مسؤولية الآباء والمربين أن يعتنوا بتوجيه أبنائهم لاستغلال أوقاتهم فيما يعود عليهم بالنافع في دنياهم وآخراهم، ولعل من أهم الفترات التي ينبغي أن يعنوها بالاهتمام فترة عطلة المدارس الصيفية، إذ وجود وقت الفراغ الطويل وكونهم في مرحلة الشباب وتوفر بعض المقومات المادية قد تقودهم إلى ما لا يحمد من مفاسد كما في قول القائل عن هذه الثلاثية:
إن الشباب والفراغ والجدة
مفسدة للمرء أي مفسد
ومن المشاهد أن كثيرا من الانحرافات السلوكية والأخلاقية يصاب بها الطلاب في فترة الإجازة الصيفية وخاصة مع وجود الرفقة السيئة التي تزين السيئ من الأعمال، فكم من صريع في أوحال المسكرات والمخدرات قد غاب عنه رقيب المربي الناصح وحضر شيطان صاحب السوء فأوقعه في شراك الإدمان، لذلك كان لزاما على أولياء الأمور شغل أوقات فراغ أبنائهم بالنافع وتوجيههم لاتخاذ الرفقة الطيبة التي تعينهم على الخير وتقودهم إليه.
وإن من خير ما تستغل فيه الإجازة الصيفية هي المراكز الصيفية التي تعنى بتعليم القرآن وتحفيظه والتفقه في أحكام الدين، ونجد أن الشرع الحنيف يوجهنا للاهتمام بهذا الجانب، فقد ورد في فضل تعليم القرآن قول النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ)، وورد أيضا: (عَلِّمُوا أَوْلادَكُمُ الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَعَلَّمَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ هُوَ) كما ورد في فضل التفقه في الدين قوله: (مَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا فَقَّهَهُ فِي الدِّينِ)، وفي مطلع كل صيف تفتح هذه المراكز أبوابها في المساجد ومدارس تحفيظ القرآن والمجالس العامة في مختلف أرجاء البلاد ولله الحمد، فنجد إقبالا طيبا عليها من طلبة المدارس ذكورا وإناثا، يتلون فيها كتاب الله بإتقان ويحفظون آياته، ويتفقهون في أحكام العبادات ويكتسبون أخلاق الإسلام، ومن الآثار الإيجابية التي ينالها المشارك في مثل هذه المراكز الصيفية أنه يحظى بالصحبة الطيبة إذ أغلب من حضر إليها جاء قاصدا طلب العلم والخير، كما أن للقائمين على هذه المراكز دورا في توجيه الطلبة أخلاقيا وضبطهم سلوكيا، وفي ذلك عون للأسر على تربية أبنائها.
ومما ينبغي أن تشتمل عليه هذه المراكز الصيفية أن يكون من ضمن برامجها جوانب من الترفيه والمتعة، إذ في ذلك ما يجذب الطلاب إليها ويحببهم فيها، كما أنه يشبع هذا الجانب الذي إن لم يشبع بما هو حسن، خشي أن يبحث الطالب عن إشباعه من مكان وأشخاص غير مأمونين، فمن الحسن أن تقام لطلاب المراكز الصيفية مسابقات ثقافية ورياضية إلى جانب التعليم، كما يحسن أن يكون هناك مجال لإبراز ما يمتلك الطلاب من مواهب علمية أو أدبية أو فنية، وهنا ينبغي أن يدعا أهل الاختصاص في كل مجال لتقييم وتوجيه هذه المواهب، وحبذا أن يسهم في المراكز الصيفية كل أبناء المجتمع بكافة تخصصاتهم وأن لا يترك عبء إقامتها على البعض، فالخير المرجو منها يشمل الجميع لذا ليساهم الجميع فيها.
ومن المحاسن التي ينبغي أن تشتمل عليه المراكز الصيفية أخذ الطلاب إلى زيارات ورحلات، فيؤخذ الطلاب لزيارات إلى المتاحف والمصانع وبعض المراكز العلمية والإعلامية وغيرها من المؤسسات الفاعلة في التنمية، وذلك ليطلعوا على الأدوار التي تقوم بها في نهضة الوطن وليكتسبوا معارف واقعية عن بلادهم، كما أن في زيارة العلماء والفضلاء من أهل البلاد تعريف للطلاب بهم وربطهم بأهل الخير والفضل وفيها إكرام لمن بذل نفسه وجهده للعلم وخدمة المجتمع، وكذلك ينبغي أن تنظم للطلاب رحلات للأماكن السياحية الطبيعية منها والتاريخية في البلاد يتعرف من خلالها على ربوع بلاده وتاريخها وتحقق جانب الترفيه في الإجازة، ويكتسب من خلالها النشء خصال التعاون والتكاتف مع أقرانه ويتعلم فيها الاعتماد على النفس، كما أن من الرحلات الطيبة التي تقوم بها بعض المراكز الصيفية الذهاب إلى البقاع المقدسة في الحرمين الشريفين لأداء العمرة وزيارة المسجد النبوي الشريف، وتحقق مثل هذه الرحلة بما فيها من أداء للشعائر الدينية وزيارة للبقاع المباركة ورفقة طيبة نتائج إيجابية في حياة الطالب وتقوي صلته بالله تعالى، فمن خلال ذلك ستحقق المراكز الصيفية لروادها الفائدة والمتعة.
فوائد علمية وقيمية -
انتصار بنت سيف الحراصية -
«ها هو الصيف أقبل مصحوبا بالإجازات ووقت الفراغ والتي لابد أن يتكاتف فيها المربون والمؤسسات الحكومية والخاصة ليشغلوا فيها أوقات الفراغ لدى أبنائنا الطلبة بوضع برامج تعليمية وترفيهية فلا أدل عما نسمعه من انحرافات لأبنائنا في هذه الزمن إلا من سوء استغلال أوقاتهم».
الزمن والوقت في الإسلام له أهمية عظيمة، إذ أن وقت الإنسان هو عمره الذي يحياه فإن أحسن استغلال وقته صلحت حياته، كما أن حسن الاستغلال للوقت يأتي بقدر المعارف والعلوم التي يكتسبها في وقته وقيمة عمره إنما تقدر بمقادر الإنجازات التي يقدمها في حياته
وصدق الرسول صلوات ربي وسلامه عليه عندما أجاب على من سأله من خير الناس؟ قال : «من طال عمره وحسن عمله» وسيحسن العمل من وعى قيمة الوقت.
ويكفي أن يتفكر الإنسان عن سبب قسم الله سبحانه في سور عديدة بالمواقيت فقال «والضحى والليل إذا سجى» «والعصر» «والليل إذا يغشى والنهار إذ تجلى»
هذا التركيز الإلهي على ذكر المواقيت إنما للفت نظر الإنسان عن حياتك ما هي إلا أحد هذه الأوقات فقم واعمل قبل أن تسأل عنها ولا تملك لك جوابا فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا تزول قدما عبد يوم حتى يسأل عن أربع».
وصدر ذكر الأربع «عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه ...إلخ».
لأنه أثمن ما على الإنسان أن يغتنمه هو عمره الذي هو وقته ثم ذكر عليه الصلاة والسلام الشباب وهي مرحلة زمنية من حياة الإنسان.
فالذي يتفكر في هذه الأدلة الشرعية التي جاءت صريحة في ذكر مسميات الأوقات أو في التنبيه لأهمية استغلال الوقت، يدرك تماما انه لابد أن يستغل كل ثانية من عمره، لأن الوقت إن لم يستغله الإنسان شمله الغبن الذي تحدث عنه الرسول صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهمان كثير من الناس الصحة والفراغ»
والذي ينبه على أن الإنسان قد يغتر وينخدع بأوقات الفراغ في حياته هو ذاته الذي يوضح أن هذه الفراغ نعمة عظيمة لو أحسن المرء منا حسن الاستغلال لها.
ولأن الصالحين استقر قيمة الوقت في أذهانهم كانوا في سباق مع الزمن ليلقوا الله على حسن العمل فهذا الإمام الرضي محمد بن عبدالله الخليلي يتأخر بعد صلاة العشاء ليقرأ في المسجد فيخرج كل من في المسجد والإمام منشغل بقراءته فيطلب من القائم بأمور المسجد أن ينصرف ليطفئ هو سراج المسجد، فيذهب القائم بشؤون المسجد ليعود قبيل صلاة الصبح فيجد الإمام على ما كان عليه ... أليس هذا نوع من الطراز الراقي في حسن استغلال الوقت بالنافع والمفيد.
ومن يتتبع سير الصالحين والمصلحين يجد أن أول ما يعتنون به هو تقسيم أوقاتهم حسب الأولويات ولا تجد بين أوقاتهم فراغا.
فهنا وقت للإفتاء وهنا وقت للقراءة وهنا وقت لاستقبال الناس وتتبع حاجاتهم وهنا وقت لصلة الرحم ولطلبة العلم وليس أدل على ذلك في هذا الزمن من شيخنا العلامة حمود بن حميد الصوافي لتجد أروع أمثلة استغلال الوقت تتجلى في شخصه الكريم فهو لا يركب سيارة إلا ومعه من يقرأ له، وحتى في أيام مرضه معه مرافقه الذي يقرأ له، فيتعب الأخير ولا يتعب الشيخ حفظه الله.
فهل غرسنا هذه القيم العظيمة في استغلال الوقت في نفوس أبنائنا ليقبلوا على الحياة فيمتلئون معارف ومهارات ليكونوا بعد ذلك أفرادا منتجين.
فها هو الصيف أقبل مصحوبا بالإجازات ووقت الفراغ والتي لابد أن يتكاتف فيها المربون والمؤسسات الحكومية والخاصة ليشغلوا فيها أوقات الفراغ لدى أبنائنا الطلبة بوضع برامج تعليمية وترفيهية فلا أدل عما نسمعه من انحرافات لأبنائنا في هذه الزمن إلا من سوء استغلال أوقاتهم.
والحمد لله توجد من المؤسسات التي تهتم سنويا بوضع خطة للبرامج الصيفية لاحتواء الطلبة، فتشمل المعارف والترفيه وتنمية المهارات فها هي المساجد تفتح أبوابها لتدريس القرآن وها هي مراكز الإرشاد الديني بسائر المحافظات تقيم مراكز (صيفنا مميز للفتيات) واعتدنا من وزارة التربية والتعليم ووزارة الشؤون الرياضية كذلك إقامة برامج صيفية خاصة للطلبة كما أنه هناك العديد من المؤسسات الخاصة التي تنفذ بعض الأنشطة تستهدف ملء أوقات الطلاب في الصيف وصقل مواهبهم، فالحمد لله إن كنا نرى كل هذا الاهتمام من قبل المؤسسات فلابد لولي الأمر أن يدرك أهمية أن يسعى لإشراك ابنه في مثل هذه المراكز كما لابد أن يكون عونا ويدا فعّالة لإنجاح هذه المراكز فكما بيننا سابق هي مسؤولية مجتمعية.
فلو رأينا كل ولي أمر يسعى لتقديم ما يقدر عليه في المركز الصيفية ليدعمها بقدر استطاعته فهذا يدعم بالمادة وهذا يدعم بالفكر وهذا يدعم بالتدريس وهذا يشرف، لأوجدنا جيلا منتجا يشعر بالمسؤولية تجاه مجتمعه وهذا بحد ذاته قيمة عظيمة لابد أن تغرس في نفوس النشء.
ثم أنه لابد أن تقوم هذه المراكز على ما يحتاجه الطلاب فينظر بعين الاعتبار إلى توجهات الجيل فتطرح البرامج التي توافق هذه التوجهات ليحبب النشء بداية بهذه المراكز فيجد بغيته وضالته.
كما أنه لابد أن لا تخلو هذه المراكز من الفائدة العلمية والقيمية لكن هنا من الضرورة أن نشير إلى أنه ينبغي أن تطرح هذه المواد بأسلوب تجديدي إشراكي بين الطالب والمعلم في هذه المراكز إذ أن أسلوب التلقين التقليدي قد ينفر البعض ويشعره أنه لازال في أسوار المدرسة.
كما أنه من المهم جدا أن تكون المواد تناسب الفئات العمرية المستهدفة فما يناسب طالب الابتدائية لا يناسب من هو أكبر منه وإن قدمت نفس المادة إلا أنه لابد أن تختلف طريقة العرض وفق اختلاف الفئات العمرية.
فلو آمن المربون بضرورة التجديد في ما ينبغي طرحه في المراكز الصيفية كما فلا يركز على الكم العلمي بقدر ما يركز على الترغيب والتحبيب لاحتواء العديد من طلابنا طوال العام فالمراكز الصيفية ليست بيئة لتعديل السلوك أو تغير الفكر لكنها بيئة لبذر بذور التغيير وينبغي التعهد بسقايتها طوال العام وهنا أركز على المراكز الصيفية التي تقام من أمام المسجد أو أهل منطقة ما لأبناء منطقتهم وهي لعمري أكثر فائدة وأقدر على تربية النشء .
فإن تصدر فكر المراكز الصيفية ليصبح همّا مجتمعي يجتمع عليه المربون من معلمين وأولياء أمور ووعاظ وبدأ السعي لشغل وقت الفراغ لدى أبنائهم فلا شك أننا سنرى جيلا واعيا حريصا على أن يبني نفسه ومجتمعه البناء الطيب.