تدعو إلى تعظيم شعائر الله -
عرض: سيف بن سالم الفضيلي -
جاء موضوع خطبة الجمعة اليوم محذرا من عواقب اشتغال بعض الناس في أثناء خطبة الجمعة بالأحاديث الجانبية وبالألعاب الحديثة على هواتفهم وتعتبرها استخفافا بأمور الدين، ودعتهم إلى أن يعظموا شعائر الله فإن تعظيمها من تقوى القلوب.
وتتساءل الخطبة التي تعدها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية أنه إذا كان من أدب الحديث ألا تنصرف عمن يحدثك في أثناء تحديثه إياك فكيف تسمح للمسلم نفسه بأن ينصرف عن الخطيب ويشتغل عنه غير منصت إلى حديثه؟ وأين تعظيم حقوق المساجد في قلب من يفعل مثل هذا الفعل؟ أما علم أن للمساجد والجوامع حرمتها؟ وأنه إنما رفعت لذكر الله عز وجل؟. وإلى ما جاء في نص الخطبة...
الْحَمْدُ للهِ الَّذِي شَرَّفَ أُمَّةَ الإِسْلامِ، بِفَضَائِلَ عِظَامٍ، وَمَزَايَا جِسَامٍ، نَحْمَدُهُ عَلَى جُودِهِ الْعَامِّ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى جَزِيلِ النَّوَالِ وَالْعَطَاءِ وَالإِنْعَامِ، وَنَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَلَوَاتُ رَبِّي وَسَلامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَتَابِعِيهِمْ بِإحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامِ.
أَمَّا بَعْدُ، فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي -عِبَادَ اللهِ- بِتَقْوَى اللهِ الْكَرِيمِ، فَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ- أنَّ الْمُسْلِمَ، وَهُوَ يَخُوضُ غِمَارَ هَذِهِ الْحَيَاةِ، لا رَيْبَ أَنَّ شَيْـئًا مِنْ غُبَارِ السَّعْيِ وَرَاءَ جَمْعِ حُطَامِهَا يَعْـلَقُ بِقَلْبِهِ، وَيَنَالُهُ مِنْ أَدْرَانِ الاشْتِغَالِ بِهَا مَا يَنَالُهُ، وَلا يَذْهَبُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ وَيُعِيدُ إِلى الْقَلْبِ وَالنَّفْسِ الصَّفَاءَ وَالنَّقَاءَ كَالصَّلاةِ، الَّتِي تَعْرُجُ بِرُوحِ الدَّاخِلِ فِيهَا فِي مِعْرَاجِ الْقُرْبِ مِنَ الْوَاحِدِ الأَحَدِ جَلَّ جَلالُهُ، وَقَدْ وَرَدَ: ((أَرَأَيْـتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْـقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟ قَالُوا: لا يَبْـقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ. قَالَ: فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا))، وَهَذَا تَطْهِيرٌ وَتَزْكِيَةٌ يَوْمِيَّةٌ لِلْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ، وَهُنَالِكَ تَطْهِيرٌ أُسْبُوعِيٌّ يَشْهَدُهُ الْمُسْلِمُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، عِنْدَمَا يُؤَدِّي صَلاةَ الْجُمُعَةِ الْمُبَارَكَةِ، فَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ - حَسْبَمَا رُوِيَ - عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: ((مَنِ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى وَفَضْـلُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ)).
عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي الإِسْلامِ مَكَانَةً مُمَيَّزَةً؛ وَحَسْبُنَا أَنَّ اللهَ تَعَالَى فَرَضَ السَّعْيَ إِلَى صَلاةِ الْجُمُعَةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ بِقَولِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون)، وَقَدْ بَيَّنَ نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ هُوَ الْعِيدُ الأُسْبُوعِيُّ لِلْمُسْلِمِينَ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ: ((إِنَّ هَذَا يَوْمُ عِيدٍ جَعَلَهُ اللهُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَمَنْ جَاءَ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ، وَإِنْ كَانَ طِيبٌ فَلْيَمَسَّ مِنْهُ، وَعَلَيكُمْ بِالسِّوَاكِ))، وَقَدْ تَضَمَّنَ هَذَا الْحَدِيثُ - يَا عِبَادَ اللهِ - جُمْلَةً مِنَ السُّنَنِ الَّتِي عَلَى الْمُسْلِمِ مُرَاعَاتُهَا قَبْـلَ تَوَجُّهِهِ إِلَى أَدَاءِ صَلاةِ الْجُمُعَةِ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْعَظِيمِ؛ فَمِنْهَا الاغْتِسَالُ، الَّذِي كَانَ نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم يُؤَكِّدُ عَلَيْهِ كَثِيرًا كَمَا رُوِيَ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ: ((الْغُسْـلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْـتَلِمٍ))، وَمِنْ جُمْـلَةِ سُنَنِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَنْ يَلْبَسَ أَحْسَنَ مَا يَجِدُ مِنْ لِبَاسٍ، وَلَقَدْ كَانَ لِنَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم جُبَّةٌ يَلْبَسُهَا لِلْوَفْدِ وَلِلْجُمُعَةِ، وَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ)، وَأَمَّا الطِّيبُ فَقَدْ كَانَ نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم يُحِبُّهُ كَثِيرًا، وَيَنْهَى عَمَّا سِوَاهُ مِنَ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ، لا سِيَّمَا عِنْدَ غِشْيَانِ الْمَسَاجِدِ، -كَمَا رُوِيَ عَنْهُ-: ((مَنْ أَكَلَ الثُّومَ وَالْبَصَلَ وَالْكُرَّاثَ فَلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا))، وَأَمَّا السِّوَاكُ فَلا تَسَلْ عَمَّا كَانَ مِنْ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم مِنَ الْوَصِيَّةِ بِهِ وَحَثِّ أَصْحَابِهِ عَلَيْهِ، حَتَّى قَالَ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ: ((لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّـتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ وَعِنْدَ كُلِّ صَلاةٍ)).
عِبَادَ اللهِ:
مَعَ مُرَاعَاةِ سُنَنِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ مِمَّا يُلاحَظُ تَأَخُّرَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ فِي الْحُضُورِ لأَدَاءِ فَرِيضَةِ الْجُمُعَةِ وَعَدَمَ التَّبْـكِيرِ فِي إِتْيَانِهَا، وَذَلِكَ خِلافُ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَصَحَابَتُهُ الْكِرَامُ، فَبَكِّرُوا - عِبَادَ اللهِ - فِي السَّعْيِ إِلَى هَذِهِ الشَّعِيرَةِ الْمُبَارَكَةِ، وَمِمَّا يُلاحَظُ كَذلِكَ أَنْ يَفِدَ إِلَيْهَا كَثِيرٌ مِنَ الآبَاءِ دُونَ اصْطِحَابِ أَبْنَائِهِمْ إِلَيْهَا مُتَعَلِّلِينَ بِأَنَّهُمْ غَيْرُ بَالِغِينَ، وَيَنْبَغِي أَلاَّ يُهْمِلَ الْوَالِدُ اصْطِحَابَ أَبْنَائِهِ إِلَى الْجَامِعِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، مَا دَامَ قَدْ أَمِنَ مِنْهُمْ أَلاَّ يَشْغَلُوا الْمُصَلِّينَ، وَلا يَخْفَى الأَثَرُ الْمَحْمُودُ عِنْدَ شُهُودِهِمُ الْجُمُعَةَ مِنْ تَعَلُّمِ مَا يَنْفَعُهُمْ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ. وَكَمْ يَحُزُّ فِي النَّفْسِ - يَا عِبَادَ اللهِ - مَا تَفْعَلُهُ الْهَوَاتِفُ النَّقَّالَةُ مِنْ شَغْلِ النَّاسِ عَنِ الْخُشُوعِ فِي صَلَوَاتِهِمْ، وَمَا قِيمَةُ صَلاةٍ فَقَدَتْ رُوحَهَا؟ وَمَا مِقْدَارُهَا وَقَدْ كَانَ حَظُّ صَاحِبِهَا مِنْهَا أَنْ يَرْكَعَ ظَاهِرًا وَبَاطِنُهُ لَيْسَ مَعَ الرَّاكِعِينَ؟ وَمَقَامُكَ بَيْنَ خَالِقِكَ الْعَظِيمِ - يَا عَبْدَ اللهِ - يَجِبُ أَنْ تُعَظِّمَهُ حَقَّ التَّعْظِيمِ، فَإِيَّاكَ وَتَرْكَ هَاتِفِكَ مَفْتُوحًا أَوِ الاشْتِغَالَ بِهِ فَتُفَوِّتَ عَلَى نَفْسِكَ صَلاةَ الْخَاشِعِينَ. وَاعْجَبْ لِجَوَامِعَ تَدْخُلُهَا فَتَجِدُ الْمُصَلِّينَ عَلَى مَدَاخِلِهَا قَاعِدِينَ، وَقَدْ تَرَكُوا الصُّفُوفَ فَارِغَةً أَمَامَهُمْ، مِمَّا يَجْعَلُ الْمُتَأَخِّرِينَ يَعْـتَلُونَ رِقَابَهُمْ، وَيَتَخَطَّوْنَهُمْ بَيْنَ الْحِينِ وَالْحِينِ، وَهَا هُوَ نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم يَحُثُّ عَلَى التَّقَدُّمِ إِلَى الصُّفُوفِ الأُولَى وَيَقُولُ - كَمَا رُوِيَ عَنْهُ -: ((لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الصَّفِّ الأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَتَسَاهَمُوا عَلَيْهِ لِتَسَاهَمُوا)).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:
إِنَّ مَنْ أَقْبَـلَ عَلى شُهُودِ صَلاةِ الْجُمُعَةِ رَاجِيًا بَرَكَتَهَا لا يَنَالُ مِنْهَا الأثَرَ الْمَحْمُودَ إِلاَّ بِإِقْبَالِ نَفْسٍ وَحُضُورِ قَلْبٍ، فَكُونُوا لِلْخُطَبَاءِ آذَانًا مُصْغِيَةً، وَقُلُوبًا وَاعِيَةً، وَاشْهَدُوا الْجُمُعَةَ بِأَلْبَابٍ حَاضِرَةٍ، (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيد).
فَاتَّقُوا اللهَ - أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ -، وَتَرَسَّمُوا مَعَالِمَ الْهُدَى، وَانْهَجُوا نَهْجَ الرَّشَادِ، (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُون ، وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون ، لاَ يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُون).
أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ.
*** *** ***
الْحَمْدُ للهِ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْـبِهِ وَمَنْ وَالاهُ.
أَمَّا بَعْدُ، فِيَا عِبَادَ اللهِ:
يَفِدُ الْمُسْلِمُ إِلَى الْجَامِعِ نَاوِيًا أَدَاءَ صَلاةِ الْجُمُعَةِ، وَقَدْ تَهَيَّأَ لَهَا بِالْغُسْلِ وَاللِّبَاسِ الْحَسَنِ وَبِرَائِحَتِهِ الْعَطِرَةِ، رَاجِيًا مِنَ اللهِ تَعَالَى الْكَرِيمِ حُسْنَ الثَّوَابِ وَجَمِيلَ الْعَطَاءِ، وَحَتَّى تُكْتَبَ لَهُ جُمُـعَتُهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحْذَرَ أَشَدَّ الْحَذَرِ مِمَّا يُفْسِدُ عَلَيْهِ عَمَلَهُ، وَيَخيبُ مَعَهُ سَعْيُهُ؛ كَأَنْ يَتَحَدَّثَ إِلَى زَمِيلِهِ وَالْخَطِيبُ يَخْطُبُ، فَقَدْ نَبَّهَ نَبِيُّنَا صلى الله عليه وسلم عَلى ذَلِكَ عِنْدَمَا قَالَ: ((مَنْ قَالَ لأَخِيهِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ: «صَهْ» فَقَدْ لَغَا، وَمَنْ لَغَا فَلا جُمُعَةَ لَهُ))، وَمِمَّا يُؤْسَفُ لَهُ أَنْ تَنْتَشِرَ عَادَةُ الاِنْصِرَافِ عَنِ الْخَطِيبِ وَعَدَمِ الانْتِبَاهِ لِمَا يَقُولُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَضْرِبُ مِثَالاً صَغِيرًا فِي مَسْأَلَةِ عَدَمِ التَّوَجُّهِ إِلَى الْخَطِيبِ بِالْكُلِّيَّةِ، فَبِمُجَرَّدِ إِلْقَاءِ كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ يَنْصَرِفُ بِهَا صَاحِبُهَا عَنِ الإِنْصَاتِ لِلْخَطِيبِ يَتَرَتَّبُ عَلَيهَا أَلاَّ تُحْـتَسَبَ لَهُ جُمُـعَتُهُ، فَهَلْ هَذَا شَيْءٌ هَيِّنٌ يَا عِبَادَ اللهِ؟ بَلْ قَدْ وَرَدَ أَنَّ (مَنْ مَسَّ الحَصَا فَقَدْ لَغَا)، وَلقَدْ ذَمَّ اللهُ تَعَالَى أَقْوَامًا يَنْصَرِفُونَ عَنِ الإِنْصَاتِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَخْطُبُ بِقَولِهِ: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِين).
مَعَاشِرَ الْمُؤْمِنِينَ:
عَظِّمُوا شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّ تَعْظِيمَهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ، يَقُولُ عَلامُ الْغُيُوبِ: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوب)، وَإِذَا كَانَ مِنْ أَدَبِ الْحَدِيثِ أَلاَّ تَنْصَرِفَ عِمَّنْ يُحَدِّثُكَ في أَثْنَاءِ تَحْدِيثِهِ إِيَّاكَ فَكَيْفَ تَسْمَحُ لِلْمُسْلِمِ نَفْسُهُ بِأَنْ يَنْصَرِفَ عَنِ الْخَطِيبِ وَيَشْتَغِلَ عَنْهُ غَيْرَ مُنْصِتٍ إِلَى حَدِيثِهِ؟ وَمِمَّا يُؤْلِمُ سَمَاعُهُ أَنْ يَشْتَغِلَ بَعْضُ النَّاسِ في أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ لا بِالأَحَادِيثِ الْجَانِبِيَّةِ فَحَسْبُ بَلْ بِالأَلْعَابِ الْحَدِيثَةِ عَلَى هَوَاتِفِهِمْ أَيْضًا! فَهَلْ بَلَغَ الاِسْـتِخْفَافُ بِشَعَائِرِ دِينِ اللهِ تَعَالَى فِي نُفُوسِ النَّاسِ إِلَى هَذَا الْحَدِّ؟ وَهَلْ هَذَا هُوَ مَبْلَغُ تَوْقِيرِهِمْ لِشَعِيرَةِ الْجُمُعَةِ الْمُبَارَكَةِ؟ وَأَيْنَ تَعْظِيمُ حُقُوقِ الْمَسَاجِدِ فِي قَلْبِ مَنْ يَفْعَلُ مِثْلَ هَذَا الْفِعْـلِ؟ أَمَا عَلِمَ أَنَّ لِلْمَسَاجِدِ وَالْجَوَامِعِ حُرْمَتَهَا؟ وَأَنَّهَا إِنَّمَا رُفِعَتْ لِذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؟ (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَال، رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَار، لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَاب).
فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ -، وَأَقْبِلُوا عَلَى رَبِّكُمْ وَأَنْتُمْ تَفِدُونَ إِلَى بُيُوتِهِ بِقُلُوبٍ خَاشِعَةٍ، وَبِنُفُوسٍ رَاجِيَةٍ طَامِعَةٍ، (يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيد).
هذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى رَسُولِ اللهِ الأَمِين، فَقَدْ أَمَرَكُم بِذَلكَ حِينَ قال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّم عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلَّمتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وعَن جَمعِنا هَذَا بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُوْمًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُوْمًا، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْمًا.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَاهْدِ الْمُسْلِمِيْنَ إِلَى الحَقِّ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الخَيْرِ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظَّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ.
اللَّهُمَّ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا ذَا الجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ بِكَ نَستَجِيرُ، وَبِرَحْمَتِكَ نَستَغِيثُ أَلاَّ تَكِلَنَا إِلَى أَنفُسِنَا طَرفَةَ عِينٍ، وَلاَ أَدنَى مِنْ ذَلِكَ، وَأَصلِحْ لَنَا شَأْنَنَا كُلَّهُ يَا مُصلِحَ شَأْنِ الصَّالِحِينَ.
اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ، اللَّهُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِ نِعمَتَكَ، وَأَيِّدْهُ بِنُورِ حِكْمَتِكَ، وَسَدِّدْهُ بِتَوفِيقِكَ، وَاحفَظْهُ بِعَينِ رِعَايَتِكَ.
اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.
رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِكل من آمن بك، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ.