كراتشي (باكستان) «الأناضول»: رغم أن عمر دولة باكستان تجاوز بالكاد السبعين عامًا فقط، إلا أنها تقع في منطقة كانت موطنًا لحضارات عديدة، منها «مهرغاره»، و«وادي إندوس»، و«غاندهارا». ففي 14 أغسطس 1947، حصلت باكستان على استقلالها، وأصبحت من دول رابطة الشعوب البريطانية (كومنولث).
وتضم الدولة المسلمة، الجنوب آسيوية، عشرات المواقع الأثرية، يعود تاريخها إلى ثمانية آلاف عام، والكثير منها مقدس لأتباع الديانات البوذية والسيخية والهندوسية، وكذلك بعض ديانات ما قبل التاريخ، مثل: الآرية، البرهمان، والأديان الإيرانية واليونانية القديمة. أخفقت باكستان في الحفاظ على كنوزها المعمارية المتآكلة بفعل تأثير الزمن، فضلًا عن السرقة وتهريب القطع الأثرية.
ويوجد اتجار غير مشروع بالآثار يعاني منه كل من: إقليم بلوشستان (جنوب غرب)، وهو يضم حضارة «مهرغاره» البالغ عمرها ثمانية آلاف عام، ومقاطعة خيبر باختونخوا (شمال غرب)، وهي تضم 70% من المواقع المقدسة للسيخ والبوذيين في باكستان. قال يار جان باديني، وهو باحث في علم الآثار يعيش في مدينة «كويتا» (غرب): إن «باكستان فقدت بالفعل حصة غير قابلة للحصر من مخزونها من التحف القديمة، خلال العقود الأخيرة، من خلال عملية سرقة وتهريب منظمة».
وأضاف باديني للأناضول: «هذا لم يتسبب فقط في خسائر فادحة للبلاد من الناحية المالية، ولكنه جعل أيضًا من الصعب على علماء الأنثروبولوجيا (علم دراسة سلوك الإنسان) أن يخبرونا عن حياة الناس الذين كانوا يعيشون هنا».
وأعادت فرنسا إلى باكستان، الأسبوع الماضي، نحو 445 قطعة أثرية مسروقة، تشمل تماثيل قديمة ومزهريات وجِرارًا وطاسات وكؤوسا تقدر قيمتها بـ157 ألف دولار، وفقًا لوزارة الخارجية الباكستانية.
وقالت الوزارة إن القطع الأثرية النادرة، التي يعود تاريخها إلى الألفية الثانية والثالثة قبل الميلاد، سُرقت وتم تهريبها من باكستان إلى فرنسا، وضبطتها الجمارك في مطار باريس، خلال عامي 2006 و2007.
وتابع باديني أن خبراء يعتقدون بوجود صلة بين عصابات التهريب المنظمة ومسؤولين حكوميين، فضلًا عن قلة الوعي في أوساط المجتمعات المحلية، والعصابات القبلية، وهي كلها تمثل الأسباب الرئيسية وراء سرقة الآثار المستمرة. وأردف: «بالإضافة إلى مهرغاره، فإن بلوشستان مليئة بالمواقع الأثرية من منطقة جوب (في الشمال) إلى غوادر (في الجنوب)».
وأوضح أن «المهرّبين ووسطاءهم المحليين يشاركون في عمليات تنقيب غير قانونية من جوب إلى غوادر، بمأمن من العقاب». وزاد: «رأيت شخصيًا أعمالنا الفنية المسروقة والمهرَّبة في متاحف أوروبية عديدة. لكن ليس لدينا أي أدلة أو إرادة لاستعادتها. لا أحد يصدق أن هذا كله يمكن أن يحدث دون تواطؤ من سلطاتنا الحكومية المعنية».
وأوضح أن المهربين المرتبطين بأسواق الفن الدولية يستأجرون وكلاء محليين، لشراء القطع الأثرية الثمينة، التي يعثر عليها السكان المحليون بالصدفة، وذلك بأسعار زهيدة. وزاد بأن «السكان المحليين (حول هذه المواقع) معظمهم أميون وسذج. ليس لديهم أي فكرة عن قيمة وأهمية القطع الأثرية، التي تباع لاحقًا مقابل آلاف الدولارات في السوق الدولية».
كما يسمح المشايخ المحليون بإجراء عمليات تنقيب في مناطقهم، مقابل بعض المبالغ المالية. وتعمل العصابات المنظمة، منذ فترة طويلة، في مقاطعة خيبر باختونخوا، التي كانت تعرف باسم قلب حضارة غاندهارا، مستغلة ضعف سيطرة الحكومة، وقلة الوعي لدى السكان المحليين.
وهربت العصابات إلى أوروبا أبراجا (تماثيل) كبيرة ومتوسطة الحجم لمؤسس البوذية «غوتام بوذا»، وغيرها من القطع، لا سيما من «تاختباي» أو «تاخت إي بهاي» وتعني (عرش الأصول).
و«تاخت إي بهاي» هي بلدة صغيرة ذات مناظر خلابة على بعد حوالي 160 كيلومترًا (99 ميلًا) من العاصمة إسلام آباد، وهي الموقع الأكثر زيارة من جانب البوذيين. قال مدير الآثار والمتاحف في خيبر باختونخوا، عبد الصمد، للأناضول: «يتم تهريب القطع الأثرية غالبًا عبر أفغانستان من خيبر باختونخوا»، في إشارة إلى الطبيعة الجبلية الحدودية الوعرة.