الهجرة حدثت في ربيع الأول واتخاذ المحرّم بداية التاريخ العربي تم باتفاق الصحابة - الإسلام دين وحدة واجتماع وعلى المخلصين السعي لرأب الصدع وجمع الكلمة - حاوره- سالم الحسيني - جدير بالأمة الإسلامية اليوم أن تتأمل حادثة الهجرة النبوية الشريفة وأن تعلم بأن دينها الحنيف داعي وحدة واجتماع لا داعي تفرق وخلاف ويجب على المخلصين من هذه الأمة أن يسعوا إلى رأب الصدع وجمع الكلمة وأن يوظفوا حادثة الهجرة النبوية في تذكير المسلمين بها وما نتج عنها من توحيد لصف المسلمين وتجاوز الخلافات والنزاعات.. فالمسلمون اليوم في أمس الحاجة إلى تلمس الدروس والعبر التي تركتها الهجرة النبوية وأعظم تلك الدروس على الإطلاق ذلك الإخاء العجيب بين الأوس والخزرج من جهة وبين والمهاجرين والأنصار من جهة أخرى.. ذلك ما أوضحه فضيلة الشيخ إبراهيم بن ناصر الصوافي أمين الفتوى بمكتب الإفتاء بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية لـ«عمان» .. مؤكدا أن ما أصيب به المسلمون هو نتيجة الفصل بين القول والفعل في واقع حياتهم. وأشار الصوافي إلى أن مما يستفاد من هذا الحدث الإسلامي العظيم وجوب التخطيط في حياة المسلم، وإن مما يعاني منه كثير من الناس اليوم وجود الفوضى في حياتهم وعدم ترتيب الأهداف والأولويات، مؤكدا أن هذا الدين الحنيف هو دين رحمة للعالمين فيجدر بالوعاظ والدعاة أن يجتهدوا في تبليغه إلى الناس كافة، وأن يوظفوا وسائل التواصل الحديثة في التعريف بهذا الدين ومحاسنه وأن يستغلوها في نشر قيمه وأخلاقه.. وهنا نص الحوار مع فضيلته بهذه المناسبة العظيمة: حسب بعض المؤرخين أن هجرة النبي الكريم كانت في شهر ربيع الأول وبعضهم يذكر أنها في شهر صفر وبما أن التاريخ الهجري تم تدوينه وفق ذلك الحدث العظيم.. فكيف اتخذ شهر محرم بداية العام الهجري.. هل من توضيح لذلك؟ هجرة النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن في شهر محرم كما هو مشهور عند أهل السير والتاريخ وإنما كان على القول الأشهر في شهر ربيع الأول، إلا أنه لما جاء الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه تشاور مع الصحابة في اتخاذ تاريخ يؤرخ به المسلمون أيامهم ونوازلهم ويوّثقون به رسائلهم، فلم يجدوا حدثا أهم من حدث الهجرة، لأنه حدث نوعي أحدث نقلة في التاريخ الإسلامي وآذن بتأسيس الدولة الإسلامية فاختاروا الهجرة إلا انهم التزموا بترتيب الأشهر العربية فجعلوا شهر محرم من تلك السنة التي هاجر فيها النبي صلى الله عليه وسلم بداية التاريخ الهجري لأن الأشهر القمرية قديمة منذ أن خلق الله السموات والأرض والعرب كانت تعرف الأشهر العربية والمحرم عندهم هو بداية هذه الأشهر ولذلك اتفق رأي الصحابة على أن يكون المحرم من السنة التي وقعت فيها الهجرة هو بداية التاريخ العربي. إخلاص النية وصدقها ما هي أهم الدروس والعبر التي نستلهمها نحن المسلمون من حادثة الهجرة؟ وما أهمية تطبيق دلالتها العميقة في نفوسنا وواقعنا المعاش؟ المسلمون في هذا العصر في أمس الحاجة إلى تلمس الدروس والعبر التي تركتها الهجرة النبوية وأعظم هذه الدروس على الإطلاق ذلك الإخاء العجيب الذي أفرزته الهجرة بين الأوس والخزرج من جهة وبين والمهاجرين والأنصار من جهة أخرى فإننا إذا تأملنا هذا الأمر سنجده أمرا عظيما فإن الأوس والخزرج كانت بينهم من العداوات الشيء الكثير وقد مزقت بسبب ذلك الأنفس وأنفقت الأموال ووقع الفساد فكان الخزرجي أبغض ما يبغض الأوسي والعكس كذلك ولكن ما أن دخل نور الإيمان في قلوبهم إلا وقد غيّر تلك النفوس فانقلبت العداوة إلى محبة والخلاف إلى وفاق وتكونت تلك اللحمة بين الأوس والخزرج وأما بين المهاجرين والأنصار فإن المدينة قليلة المصادر محصورة بين الجبال، ومع ذلك عندما هاجر المهاجرون وهم فقراء- كما وصفهم الله عز وجل في كتابه العزيز: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) استقبلهم الأنصار برحابة صدر وفتحوا لهم قلوبهم وبيوتهم وشاركوهم في أموالهم، وقد أثنى الله عليهم أيضا عندما قال جلّ شأنه: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) فالأمة الإسلامية اليوم جدير بها أن تتأمل هذه الحادثة وأن تعلم أن دينها الحنيف داعي وحدة واجتماع لا داعي تفرق وخلاف بخلاف ما نشاهده في أرض الواقع من خلافات بين المسلمين وحزازات وتنافسات على الدنيا فإن هذا يدل على عدم تعمقنا في فهم السيرة النبوية والدروس المستقاة منها، ويجب على المخلصين من هذه الأمة ان يسعوا بكل جهدهم إلى رأب الصدع وجمع الكلمة وأن يوظفوا حادثة الهجرة النبوية في تذكير المسلمين بهذه الحادثة وما نتج عنها من توحيد لصف المسلمين وتجاوز الخلافات والنزاعات. كما نستفيد من حادثة الهجرة أيضا أن المسلم عليه أن يهجر طباع السوء وأن يستبدلها بالصفات الحسنة التي تجمّل سلوكه وأخلاقه، فالصحابة الكرام رضي الله عنهم هجروا أموالهم وديارهم وخرجوا لا يألون على شيء ابتغاء ما عند الله عز وجلّ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية». فأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى وجوب خلوص النية وصدقها، وأن يكون المسلم متصلا بربه عز وجل يهجر لأجل رضاه كل خلق وصفة ذميمة وليقل المسلم لنفسه: إن كان أولئك الصحابة قد ضحوا بكل ما يملكون ابتغاء ما عند الله فكيف بي لا أتخلص مما هو كامن في نفسي من صفات سيئة أو أخلاق غير محمودة. التخطيط السليم وأوضح الصوافي أن مما يستفاد أيضا من حادثة الهجرة النبوية الشريفة وجوب التخطيط في حياة المسلم فإن مما يعاني منه كثير من الناس اليوم وجود الفوضى في حياتهم وعدم ترتيب الأهداف والأولويات كما يعانون من ارتجال المواقف وعدم وجود الاستعداد للحوادث ولهذا تجد الجدول يختلف من يوم إلى آخر، ويقدم المسلم على كثير من الأعمال من غير أن يدرك حقيقتها ولا أن يخطط لها ولذلك تعترضه كثير من العقبات التي تعطل عمله وتأخذ عليه وقتا طويلا وجهدا مضاعفا وفي أحيان ينفق أموالا إضافية بخلاف ما لو كان الإنسان يخطط لكل شيء يريد ان يقدم عليه ولنضرب على ذلك مثالا: فان كثيرا من الناس يحصلون على عمل يدر عليهم دخلا إلا انهم بعد ذلك لا يوجد عندهم تصوّر واضح لكيفية إنفاق هذا المال ولذلك يشتكي كثير منهم انه بدأ العمل من عشر سنوات أو أكثر وما ذلك لم يتمكن من توفير من شيء من المال الذي يمكنه من تحقيق ما يصبوا إلى تحقيقه، من بناء بيت أو شراء سيارة أو تعليم أولاد أو غير ذلك مما يريد تحقيقه، مبينا أن هذا راجع إلى سوء التخطيط وعدم إعداد العدة للمستقبل. وأضاف: ما نشاهده اليوم أن بعض الدول تضع لنفسها خططا قد تصل إلى عشر سنوات وهناك خطط سنوية يعاد فيها النظر في كل سنة، ويتم تحديثها وفق الحوادث والمستجدات، فهكذا الإنسان ينبغي أن تكون له خطة لعامه، وأن يقتطع قدرا معينا من راتبه يحتفظ به لما قد يعرض عليه من حوادث الدنيا، فقد يمرض عنده مريض وقد تمر بأحد أقاربه حادثة وقد يرغب في تعليم ولده، إلى غير ذلك ما لا غنى للإنسان عنه. فعندما يكون الإنسان مخططا لذلك مبكرا فانه سيجد في يده من المال ما يعينه على تحقيق أهداه، أما عندما لا يحسب لذلك حسابا فانه يشعر بالضيق والألم وقد يضطر إلى طرق أبواب المحسنين وفي هذا ما فيه من شدة على النفس الأبية التي تترفع عن سؤال الناس لولا الضرورات، فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كان يدّخر لأهله قوت سنة، وهذا نموذج للتخطيط وانه لا يتنافى ما التوكل على الله وتفويض الأمر إليه، كما ينبئ بالشعور بالمسؤولية، وأما ما روي من أن بيت النبي- صلى الله عليه وسلم- كان لا توقد فيه النار الشهر والشهرين والثلاثة فهذا انمأ يعكس فترة زمانية كان المسلمون جميعا بما فيهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يمرون بضائقة مالية لقلة الدخل ولم يرد النبي- صلى الله عليه وسلم- أن يستأثر على صحابته بشيء بل أراد ان يكون منهم عندما يجوعون ويشبع عندما يشبعون ولذلك عندما فتح الله عليه فضله وقع الادخار منهم كما وقع تثمير الأموال أيضا فوجد منهم التاجر والمزارع والصانع وغيرهم من أصحاب الحرف فلا يمكن أن نجعل نظرنا على حدث دون حدث. التزام المنهج قدم النبي الكريم وصحابته الميامين أسمى معاني التضحية والفداء من أجل إقامة هذا الشرع الحنيف.. ما واجبنا نحن المسلمين اليوم لمواصلة ذلك النهج والاستمساك بشرع الله الحنيف؟ الواجب علينا ان نحمد الله تعالى على ان هدانا إلى الإسلام وأن نقول كما يقول أصحاب الجنة (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ)، ومن تمام الشكر ان ندرس ديننا الحنيف دراسة صحيحة وأن نعرف أحكامه وأن نتخلق بأخلاقه ونتأدب بآدابه وأن نكون نموذجا صحيحا لما يجب أن يكون عليه المسلم في سلوكه وتصرفاته وأن يكون قدوة حسنة لأولاده في البيت أولا ولأهل بلدته ثم لكل من يلتقي به بعد ذلك أو يتعامل معه من مسلم أو غير مسلم فان تأثيرك في الغير بأخلاقك اعظم من تأثيرك فيهم بأقوالك.. مؤكدا انه ما أصيب المسلمون بما أصيبوا به اليوم إلا بعدما وقع الفصل بين القول والفعل، والواجب علينا أيضا ان نجتهد في نشر هذا الدين وإيضاح تعاليمه للعالمين فان هذا الدين دين رحمة، يجب على اتباعه بذل كل الجهد من اجل نشره ودعوة الناس إليه، قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) وقال عن القرآن: (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ). القدوة الحسنة ما هي رسالتكم للمرشدين والدعاة للأخذ بالأسباب ومواجهة الصعاب لبلوغ الأمل المنشود؟ الأخذ بالأسباب سنة إلهية وهي جزء من التوكل على الله عز وجل فان التوكل ليس بالقعود وترك الأخذ بالأسباب بحجة تفويض الأمر إلى الله، وإنما يكون بالأخذ بالأسباب مع تفويض الأمر إلى الله، والرضا بما يقضيه على عباده، فان النبي- صلى الله عليه وسلم- عندما أراد الهجرة اختار الرواحل التي تحملهم والصديق الذي يصحبه واختار الطريق المناسب الذي يقل مرور الناس فيه، وعيّن ما يسبر لهم الطريق، ومن يحمل لهم الطعام ومن يأتيهم بالأخبار كما حدد مكانا يأوي إليه مؤقتا حتى ينقطع عنهم الطلب وهذا كله من التخطيط والتنظيم والأخذ بالأسباب ولو أراد الله عز وجل ان ينقل عبده من مكة إلى المدينة بدون أن يفعل هذه الأشياء لكان جل وعلا قادرا عليه، كما أسرى به في جزء من ليلة من مكة إلى الأقصى إلا ان الله عز وجل أراد ان يعلمنا درسا وان يقول لنا هذا نبيكم الذي هو قدوتكم يحسب لكل شيء حسابه، ويخطط للأعمال التي يريد القيام بها ويأخذ بالأسباب فسيروا على خطاه واقتدوا به، والدعوة إلى الله في هذا الزمان تنوعت وسائلها وتعددت طرقها وقد أحدثت وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة نقلة عجيبة فجعلت العالم كله من أقصاه إلى أقصاه كالبلدة الواحدة لا تحجزه حواجز ولا تحول بين المعلومة ووصولها موانع فيجدر بالوعاظ والدعاة ان يوظفوا هذه الوسائل خير توظيف في التعريف بهذا الدين ومحاسنه وان يستغلوها في نشر قيمه وأخلاقه.