يمثل التراث المعماري دالة على المكان والتقاليد والقيم الاجتماعية، إذ من خلاله يمكن تلمس طرق الأجداد والآباء وأنماطهم في العيش بل المعنى الذين ينشدونه لوجودهم في هذا العالم، فالعمارة ليست مجرد أبنية وبيوت من الطين أو غيرها من المواد بغض النظر عن نوعها قديمة كانت أم حديثة، إنما هي ملموس حقيقي حول الهوية الإنسانية وقدرات البشر وتطلعاتهم عبر القرون في امتداد اللحظة المعينة في التاريخ. من هذا المدخل فإن الاهتمام الذي تلقي به الجهات المختصة اتجاه المعمار التقليدي أو الأبنية الكلاسيكية والقديمة والحارات وغيرها من موروثات الأمس، كل ذلك له معان كبيرة يجب أن نتوقف عندها، ليس في إطار استيعاب التراث ودراسته وفهمه، بل في كيفية الاستفادة منه في تعزيز الانتماء للزمن المعاصر وفي الوقت نفسه تحويله إلى أداة من أدوات التنمية المستدامة والشاملة في إطار رسم صور المستقبل الأفضل للإنسان في المكان. هنا يمكن أن نقف مع دراسة «الحارات العمانية بين الاستثمار السياحي والفن المعماري» التي يقوم عليها مجلس الدولة عبر اللجنة الفرعية المنبثقة من لجنة الثقافة والإعلام، وهو موضوع جدير بالاهتمام بالاستناد والانتباه إلى النقاط التي ذكرت سلفا في تلاقي دوال الأمس مع اليوم مع المستقبل وتقاطع مفاهيم التاريخ والزمن القديم مع الانتباه للجديد وصناعة نظم الإنتاج والاقتصاديات الحديثة وغيرها من المعاني في هذا الإطار المنشود لإعادة تركيب القيم الحداثية للدولة المعاصرة في كيفية إحداث النهضة المستقبلية التي تشكل امتدادا لما هو قائم في الأمس واليوم. بيد أنه لابد أن كل زمن جديد له معطيات مختلفة يجب الأخذ بها وإدماجها في التجربة أو الحذف بناء على الدراسة والتمحيص والعمل على تكييف الأوضاع ما بين الأصالة والحداثة، لأن عمق التحديث يقوم على التوازن المدروس الذي ينتبه إلى التاريخ ويأخذ في الآن نفسه من اللحظة المعاصرة والجديدة دون أن يخصم من رصيد أي منهما. يهدف مقترح دراسة مجلس الدولة إلى الوقوف على الجهود المبذولة في سبيل ترميم هذه الحارات، واستثمارها لتكون نزلا وأماكن سياحية، وإعداد وتأهيل أيدي عمانية مدربة في الترميم، ودراسة الخصائص العمرانية والهندسية من خلال الحارات، إضافة إلى اقتراح تشريعات للحفاظ على هذا الموروث. في إطار هذا الموضوع المتعلق سواء بالعمارة التقليدية بشكل عام أو الحارات خصوصا، فهناك العديد من المسائل التي تتطلب منا الدراسة والعمل عليها وفق مراعاة تراث الأمس والحفاظ عليه، لكن يجب ايضا أن نهتم بكيفية التقاطع مع مقتضيات ومعطيات العصر، حيث باتت هذه الصور المعمارية أدوات للسياحة والاستثمار وزيادة المدخول الوطني وبها تتشكل كذلك جسور نحو التلاقي الثقافي والمعرفي مع مختلف الشعوب في العالم. أخيرا لابد أن مثل هذه الدراسات سوف تضيء المزيد من الآفاق نحو صناعة الواقع الأفضل بما يدعم التطوير والتحديث في السياحة والاقتصاد وكافة مناحي الحياة، لهذا تحمل جوانب عديدة من الأهمية والفائدة.