السلطان قابوس: من أوجب الواجبات محاربة الظلم والاستبداد وامتهان كرامة الإنسان وترسيخ الأمن في مختلف بقاع الأرض - السلطنة حرصت على الإيفاء بالتزاماتها الدولية وساعدت الدول المتنازعة لتجاوز خلافاتها - جهود مخلصة لإيجاد تفاهم متبادل بين الثقافات ونشر ثقافة التسامح والتعاون - تقرير : عهود الجيلانية - اتخذت السلطنة نهج السلام جوهرا في الممارسة السياسية منذ بداية مسيرة النهضة العمانية انطلاقا من حقيقة أن عمليات البناء والتنمية الوطنية وتشييد الدولة العصرية يتطلب توفير مقومات ضرورية، في مقدمتها المناخ المواتي لذلك محليا وإقليميا ودوليا، باعتبار أن السلام كل لا يتجزأ، وباعتباره يمثل قيمة عليا لدى جلالة السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثره-، فقد شكل نهج السلام على الدوام محور السياسة العمانية على كافة المستويات، دون تفريط أو إفراط. وامتلكت السلطنة بفضل توجيهات السلطان الراحل وإيمانه العميق بالسلام القدرة والشجاعة، ليس فقط على التعبير بكل الوضوح والصراحة عن مواقفها ورؤيتها حيال مختلف المواقف والتطورات الخليجية والعربية والدولية، وإنما عملت كذلك بجد والتزام من أجل وضع ذلك موضع التنفيذ في علاقاتها مع الدول الأخرى، وفي إطار الثوابت العُمانية. وقد أكد جلالة السلطان قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه- جوهر ذلك في خطابه السامي في العيد الوطني الثامن والعشرين المجيد بقوله: (إن من أوجب الواجبات في نظرنا ونحن على أعتاب قرن جديد أن تعمل الدول على محاربة الظلم والاستبداد وعلى التصدي لسياسات التطهير العرقي وامتهان كرامة الإنسان وعلى مجابهة احتلال أراضي الغير وإنكار حقوقه المشروعة وان تسعى إلى إقامة ميزان العدل إنصافا للمظلومين وترسيخا للأمن والسلام والطمأنينة في مختلف بقاع الأرض). وتحرص السلطنة على الإيفاء بجميع التزاماتها الدولية والإقليمية تجاه المنظمات المختلفة، إقرارا منها بمسؤوليتها الدولية تجاه القضايا المختلفة الرامية لخدمة البشرية في شتى المجالات، وقامت بأداء دور مهم في تقريب وجهات النظر بين الدول الشقيقة والصديقة، وسعت إلى مساعدة الدول المتنازعة لتجاوز خلافاتها، وقد حظي هذا الدور المهم بتقدير وترحيب دولي. المجتمع الدولي ومن منطلق اعتزاز السلطنة بتاريخها وثقافتها ولغتها وتراثها وإدراكها لمسؤوليتها كعضو في المجتمع الدولي، فإنها تعمل على إيجاد تفاهم متبادل بين الثقافات، بما يعود بدوره على نشر ثقافة السلام والتعاون بين الأمم، وتدعم السلطنة الدراسات العلمية والبحثية وتشجعها، ولتحقيق ذلك قامت بإنشاء عدة كراسٍ وزمالات علمية تحمل اسم جلالة السلطان قابوس - طيب الله ثراه - وذلك في عدة جامعات عالمية مرموقة تختص بمجالات أكاديمية محددة، منها سياسية ودينية وثقافية واقتصادية وفنية. علما بأن الغرض الأساسي من هذه الكراسي هو تشجيع الوصول إلى مجتمع عالمي معاصر يعيش في سلام، ولتعزيز التفاهم المشترك والتسامح لصالح انسجام عالمي أوسع في ظل العولمة. كما تعتبر السلطنة من الدول المؤسسة لمنظمة الدول المطلة على المحيط الهندي وهو تجمع اقتصادي يضم عددا من الدول المطلة على المحيط الهادي، ويهدف إلى تعزيز النمو المستدام والتنمية المتوازنة في المنطقة والتركيز على مجالات التعاون الاقتصادي التي توفر أقصى الفرص للتنمية والمنفعة المتبادلة. والسلطنة عضو فاعل في كل المداولات والمناقشات الأممية وتحرص على الإيفاء بجميع التزاماتها الدولية والإقليمية تجاه المنظمات وفي سيبل تحقيق غايات أهداف التنمية المستدامة، وجاء ذلك إقرارا منها بمسؤوليتها الدولية تجاه القضايا المختلفة الرامية لخدمة البشرية في شتى المجالات. وانطلاقا من إيمانها بأنها جزء من هذا العالم وباعتبارها أحد شركاء الإنسانية؛ حيث تقوم السلطنة ممثلة بالهيئة العمانية للأعمال الخيرية بتقديم يد العون والمساعدة لخدمة الإنسان في الخارج، لتخفيف المعاناة والألم عن المتضررين جرّاء الكوارث الطبيعية، أو نتيجة لعدم الاستقرار السياسي. وتشمل أنشطتها بجانب عمليات المساعدة والإغاثة وإعادة الإعمار القيام ببرامج ومشاريع إنمائية تهدف إلى توفير سبل العيش وبناء القدرات في العديد من البلدان النامية. وقد شملت أنشطة الهيئة خلال السنوات الماضية العديد من الدول. ومن جانب آخر، تدعم السلطنة مجالات التعاون الإقليمي والدولي فهي تحرص على تعزيز التعاون الإقليمي والدولي بين الشمال والجنوب وفيما بين بلدان الجنوب والتعاون الثلاثي فيما يتعلق بالعلوم والتكنولوجيا والابتكار، وتعزيز تبادل المعارف، فقد تم إنشاء مكتب نقل العلوم والمعارف والتكنولوجيا في وزارة الخارجية، ونظمت وزارة الخارجية مؤتمر اقتصاد المحيطات وتكنولوجيا المستقبل بالتعاون مع المنتدى الدولي لدبلوماسية العلوم والتكنولوجيا، وعقد هذا المؤتمر لأول مرة في المنطقة بمشاركة جهات مختلفة من القطاع الحكومي والقطاع الصناعي والأكاديمي، وربط الموضوع مع الأجندة العالمية المتخصصة في مجال التنمية المستدامة، وتم ترشيح السلطنة لقيادة الجهود الدولية لتحقيق الهدف رقم 14 من أهداف التنمية المستدامة التي وضعتها الأمم المتحدة «الحياة تحت المياه،» كما تم عقد عدد من مذكرات التفاهم المبدئية مع مؤسسات عالمية بهدف بناء القدرات الوطنية في مجال اقتصاد المحيطات، وأوصى المؤتمر بمتابعة الجهود المبذولة لتحقيق التنويع الاقتصادي بالتركيز على قطاع اقتصاد المحيطات والتنسيق مع الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي لتعزيز دور دبلوماسية العلوم والتكنولوجيا في المنطقة من خلال برامج التدريب الدبلوماسي. الشراكة العالمية وفي مجال تعزيز الشراكة العالمية من أجل تحقيق التنمية المستدامة حرصت السلطنة على التعاون في محيطها الإقليمي والعربي والدولي من خلال المنظمات والهيئات الإقليمية والعربية والدولية، فعلى المستوى الإقليمي تتعاون السلطنة مع مجلس التعاون لدول الخليج العربية ضمن عضويتها في المجلس في تبادل الخبرات والمعارف وبناء القدرات. وتحتضن المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الذي أصدر تقريره الأول عن التقدم المحرز في مجال تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030 في دول المجلس. وفي إطار محيطها العربي تشارك السلطنة في مختلف الملتقيات والاجتماعات والفعاليات التي نظمتها الجامعة العربية في إطار متابعة وتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030. كما استضافت المؤتمر السنوي الثامن عشر حول «دور الحكومات العربية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030» والذي نظمته وزارة الخدمة المدنية بالتعاون مع المنظمة العربية للتنمية الإدارية التابعة لجامعة الدول العربية في 2018. وعلى الصعيد الدولي تعمل السلطنة مع منظمات الأمم المتحدة المعنية بتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، ومن أبرزها لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الاسكوا) التي تقدم فعاليات مختلفة، من أهمها المنتدى العربي للتنمية المستدامة، حيث شاركت السلطنة فيه خلال عامي 2018 م و 2019 م. وفي إطار تبادل الخبرات وبناء القدرات شاركت السلطنة في العديد من حلقات العمل المتعلقة بمؤشرات أهداف التنمية التي نظمتها منظمات الأمم المتحدة، كما حضرت منتدى الأمم المتحدة العالمي الأول للبيانات في عام 2017 م، ومنتدى الأمم المتحدة العالمي الثاني في عام 2018م فضلا عن تنفيذها لعدد من المشاريع بالتعاون مع منظمة اليونسيف، وصندوق الأمم المتحدة للسكان. وتحرص السلطنة على تشجيع وتعزيز الشراكات العامة، وبين القطاعين العام والخاص، وشراكات القطاع المدني الفعالة، للاستفادة من الخبرات المكتسبة من الشراكات ومن استراتيجياتها لتعبئة الموارد، حيث يقوم مركز عمان للحوكمة والتنمية المستدامة، الذي أسس في عام 2015 م بتعزيز الشراكة بين القطاع العام والخاص ومؤسسات المجتمع المدني، وذلك من خلال مشروع ميثاق الاستدامة الذي يعد الأول من نوعه في السلطنة، بالتعاون مع مؤسسة عمانية متخصصة في مجال المسؤولية المجتمعية والاستدامة، وبإشراك عدد 34 مؤسسة تمثل القطاع العام والخاص والجمعيات، وتم كذلك إشراك المجتمع من خال الاستبيان الذي نشر على موقع المركز الإلكتروني. ومن الخطط المستقبلية التي تعمل عليها السلطنة، ضمان الأداء المؤسسي المستدام في الرؤية المستقبلية عُمان 2040 حيث يقوم على تكوين شراكة متوازنة وشفافة بين أطراف العلاقة من القطاعات الثلاثة الحكومي والخاص والمجتمع المدني إضافة إلى الأفراد، مما سيسهم في تجويد إدارة التنمية الاقتصادية ودفع عجلتها قدما، والانتقال بالاقتصاد العماني إلى اقتصاد المعرفة، ومواكبة التطورات الصناعية والتقنية المتقدمة، ويرافق هذا التوجه تحديد دور القطاع الحكومي، بحيث يكون ضمن مستويات الحجم الأمثل الذي يعمل على تمكين الشراكة مع القطاعات الأخرى والأفراد ويحفزها لتقديم أدوار اقتصادية تنموية جديدة. كلية السلطان قابوس لتدريس اللغة العربية وتعد كلية السلطان قابوس لتدريس اللغة العربية لغير الناطقين بها من أبرز المبادرات التي أسستها السلطنة حيث أنشئت الكلية بناء على الأوامر السامية للسلطان قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه- وذلك تجسيدا للاهتمام الذي تحظى به هذه اللغة لدى جلالته وتجاوبا مع متطلبات العصر ومقتضيات الانفتاح العالمي بين الشعوب. وتقدم الكلية برامج نوعية في اللغة العربية للناطقين بغيرها في بيئة لغوية وثقافية أصيلة، وهي تهدف من خال ذلك إلى إعداد متعلمين يتمتعون بمعرفة أساسية بمهارات اللغة العربية استماعا وتعبيرا شفويا وقراءة وكتابة ومعرفة تمكنهم من التواصل مع الثقافة العربية المعاصرة. كما تهدف الكلية إلى إتاحة الفرصة للناطقين بغير اللغة العربية لاكتسابها وتمكينهم من التواصل الثقافي بها مع المجتمع والإسهام في نشر اللغة العربية بين الشعوب وتعريفهم بحضارة الأمة العربية والإسلامية من مصادرها التراثية الأصيلة بما يعزز الروابط الإنسانية بين المتحدثين باللغة العربية والمتحدثين باللغات الأخرى. وتقع الكلية في ولاية مَنح في محافظة الداخلية. وتقدم الكلية دورات قصيرة في اللغة العربية ضمن ستة مستويات. وتتكون كل دورة من 160 ساعة دراسية تقدم في ثمانية أسابيع إضافة إلى برنامج ثقافي مكمل للمنهج الدراسي. وتستخدم الكلية برنامجا إلكترونيا تفاعليا لتعليم اللغة العربية لمواصلة تعلم اللغة لساعات إضافية خارج الفصل الدراسي من أي مكان وفي أي وقت بحيث يستطيع الطالب دراسة المحتوى وأداء الأنشطة الدراسية والاختبارات المصاحبة والحصول على النتيجة بشكل فوري. ومن منطلق الإدراك بأنه لا يمكن دراسة اللغة بمعزل عن الثقافة تقدم الكلية برنامجا ثقافيا متكاملا لتحقيق الاستفادة القصوى في بيئة عربية أصيلة. ويتكون البرنامج من رحلات أسبوعية لأهم المعالم التاريخية والسياحية والأثرية والطبيعية في السلطنة واستضافة متحدثين ومختصين لإلقاء محاضرات في مختلف الجوانب التاريخية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية. وتستقبل الكلية سنويا أكثر من 200 طالب وطالبة من مختلف دول العالم وقد بلغ عدد الجنسيات للطلبة الدارسين في الكلية 45 جنسية في عام 2018 م.