دور السلطان الراحل في الألفة والمحبة - د. ناصر بن علي الندابي - «ولا أبالغ إن قلت أن عماننا أصبحت نموذجا يحتذى به في الألفة والمحبة ونبذ العصبية المذهبية التي أودت بالكثير من المسلمين إلى المهالك والاقتتال، ومن يأتي عمان يعرف حقيقة كل ما أسطره.. إننا لم نعد نرى وللأسف الشديد ذلكم التقبل من قبل المسلمين لبعضهم البعض بينما نجد في عمان أن هذا الأمر أصبح بديهيا فيمن يدخل أي مسجد يجد فيه كل المذاهب تصلي خلف إمام واحد ولا إشكال في ذلك، وكل واحد يحترم فكر الآخر ومذهبه». لا أدري من أين أبدأ؟ ولا ماذا أكتب؟ فكل ما حولي ما زال حزينا يبكي فقدان رجل لطالما بذل كل ما بوسعه لإسعاد هذا الشعب بل وتخطى الأمر إلى إسعاد العالم بأسره، وتخطى الإنسانية جمعاء ليسعى إلى إسعاد تلك الحيوانات التي لم ينسها ولم يتركها تخشى شيئا وهي على هذه الأرض المباركة بحفاظه على البيئة بكل مفرداتها. أكتب اليوم عن السلطان قابوس ونقول طيب الله ثراه وكنا بالأمس نقول حفظه الله ولكن هذا هو حال الدنيا فلا بقاء فيها لأحد سوى خالقها (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ)، وإن لم يكن حديثنا اليوم إلا من باب اذكروا محاسن موتاكم لكفى أن يكون سببا لأسطر بعض تلك الأعمال التي قام بها والتي ما زالت شاهدة عليه وستظل ردحا من الزمن تذكرنا به ما دام العمانيون يعملون بها ويؤمنون بأهميتها. أحببت أن أسطر هنا شيئا من المفاخر التي يتسم بها المجتمع العماني والتي كان السلطان قابوس سببا فيها ومركز قطب تدور رحاها عليه، إن تلك الألفة والمودة والمحبة التي يشعر بها كل من ينزل على هذه الأرض المباركة هي نعمة أنعمها الله علينا ونسأله جلت قدرته أن يديمها علينا وعلى الأمة قاطبة. إن الألفة والمحبة التي نراها اليوم عيانا لم تكن وليدة الساعة بل هناك جهود كبيرة بذلت حتى وصلنا إلى هذه المرحلة التي أصبحنا فيها مضرب المثل والنموذج الأوحد الذي يحتذى به في السلام والمحبة والأخوة والألفة. ولكوني أحسب على من يقرأ التاريخ فإنني أعرف حقيقة ما أقول وما أسطر هنا لأنني قد قرأت واطلعت على ما كانت عليه عمان قبل بزوغ النهضة المباركة، كيف كان المجتمع يعيش في اقتتال وصراعات قبلية وزاد هذا الأمر شدة تلك الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي أحاطت به والتي جعلت الواحد منهم شديد الغلطة تشرأب نفسه إلى الاقتتال إذا ما لم يتحقق ما يصبو إليه. إن الألفة والمحبة نعمة تستحق الشكر وقد امتن الله بها على أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- حين قال سبحانه وتعالى في محكم التنزيل: «وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا» ولهذا فإن نعمة الألفة من أكثر النعم وأعظمها على المجتمعات لأنها تساعد على بقائها وعلى سلامتها وسلامة أمنها وتطورها وتقدمها. ولا غرو أن تقبّل العمانيون هذا الفكر الذي دعا إليه السلطان قابوس منذ بداية توليه منصب الحكم، فعمان كانت تسعى دائما في سياستها إلى هذا الفكر ولكنها لم تتمكن من تطبيقه بالصورة التي نراها اليوم، وأكبر دليل على هذا ذلكم التحاور الذي دار بين القائد العلامة سليمان باشا الباروني وبين العلامة نور الدين السالمي فيما يتعلق بالألفة والمحبة وإمكانية جمع الناس في مكان واحد وعلى رأي واحد. ولشدة الظروف التي كانت تعصف بالعالم آنذاك وبسبب الفتن الشعواء التي كانت ماثلة أمام الرجلين لم يكن من الإمام نور الدين السالمي إلا أن رد على الشيخ الباروني بأن ما تسعى إليه «ممكن عقلا مستحيل عادة» ولكن وبحمد الله وبفضل الجهود التي بذلها السلطان الراحل الذي ذلل الكثير من الصعاب مستخدما الإقناع وقوة القانون ليكونا عونا له على تطبيق هذا الأمر، كما أن المناهج التي سار عليها والتي تربى عليها جيل النهضة كانت كلها مبنية على الألفة والمحبة واعتبار كل من يقطن هذه الأرض المباركة هم إخوة ينتمون إلى وطن واحد ويسعون إلى رفعته وإلى تطوره بغض النظر عن الفكر والمذهب والعرق والقبيلة التي ينتمون إليها فكل هذه الفوارق انصهرت في بوتقة واحدة ووجهت وجهة واحدة هي بناء هذا الوطن والرقي به وجعله في مصاف الدول التي يشار إليها بالبنان وكان لهم بذلك بفضل الله ومنته. إنك حين تستمع إلى تلك الخطابات التي كان يصدح بها السلطان الراحل في الكثير من المحافل والتي كانت كلها تدعو إلى الألفة والمحبة تعلم علم اليقين أن هذا الفكر هو المفصل الذي رأى فيه السلطان قابوس المخرج من كل الاختلافات الماثلة أمامه في هذا الشعب الذي يحكمه، بل ونجده يحذر من الإرهاب والسير على منهاجه لأنه سبيل إلى الدمار والفشل والتمزق وصرح بأن عماننا الحبيبة لا تعرف مثل هذه النماذج بل إنها وإن وجدت فلن تجد من يقف معها بل ستجد كل من حولها ضدها. ولقد صرح بهذا الأمر في خطابه الذي ألقاه في عام التراث حيث قال: «إن التطرف مهما كانت مسمياته، والتعصب مهما كانت أشكاله، والتحزب مهما كانت دوافعه ومنطلقاته نباتات كريهة سامة ترفضها التربة العُمانية الطيبة التي لا تنبت إلا طيبا، ولا تقبل أبداً أن تلقى فيها بذور الفرقة والشقاق».. كلمات لا تحتاج إلى مزيد توضيح فهي شارحة لنفسها ومعرفة لكنهها وموضحة أن عمان لا تنبت فيها نباتات الفرقة والتشتت لأنها بنيت على تقوى وصلاح وما بنيت على تقوى وصلاح محال أن تنحرف عن الجادة وتبتعد عن الصراط المستقيم. وحقيقة الأمر إن هذه الجهود التي بذلها السلطان الراحل في عمان أتت أكلها ووضح ذلك جليا في خطابه عام 2011م الذي أوضح فيه الشخصية الاعتبارية للعماني وكيف يعيش؟ وما هي الجهود التي ينبغي أن يسير عليها؟ ويذكرهم السلطان بهذه الشخصية التي بناها طوال تلك السنوات الماضية فقد قال في خطابه: «لقد فُطرنا على نبذ الأحقاد ودرء الفتن والتمسك بالأعراف والقيم القائمة على الإخاء والتعاون والمحبة بين الجميع، فهي سياج يحميهم من التردي في مهاوي الأفكار الدخيلة التي تدعو إلى العنف والتشدد والكراهية والتعصب والاستبداد بالرأي وعدم قبول الآخر التي تؤدي إلى تمزيق المجتمع واستنزاف قواه الحيوية وإيراده موارد الهلاك والدمار». ولا أبالغ أن قلت إن عماننا أصبحت نموذجا يحتذى به في الألفة والمحبة ونبذ العصبية المذهبية التي أودت بالكثير من المسلمين إلى المهالك والاقتتال، ومن يأتِ عمان يعرف حقيقة كل ما أسطره.. إننا لم نعد نرى وللأسف الشديد ذلكم التقبل من قبل المسلمين لبعضهم البعض بينما نجد في عمان أن هذا الأمر أصبح بديهيا فيمن يدخل أي مسجد يجد فيه كل المذاهب تصلي خلف إمام واحد ولا إشكال في ذلك، وكل واحد يحترم فكر الآخر ومذهبه. وليس هذا فقط بل أن من يمر على المناهج التي تسير عليها عمان يجد أنها تسير في نفس المنوال وتسعى إلى نفس الهدف فلا تجد عبارات استقصاء لأي مذهب أو أي فكر يدين به الآخر ما دام يعيش في عمان، فمناهجنا بصورة عامة والتربية الإسلامية على وجه الخصوص نجد أنها نموذجا رائعا لتربية النشء على احترام الآخر وعدم نبذه وتعريفه بالطريقة التي يجب أن يعيش فيها في مجتمع متماسك متكامل ينشد الوحدة ويتبنى فكر الألفة والمحبة. ولم يكتف السلطان قابوس بأن تحل المودة والألفة في عمان فقط بل سعى لنشر هذا الخير إلى العالم، فعندما أطمأن أن بلده أصبحت تسير في هذا المنهاج تطلعت نفسه التواقة إلى الخير لنشر هذا الفكر في العالم، فكم وكم سمعنا عن تدخل السلطان قابوس بنفسه لحلحلة الكثير من المشاكل والخلافات التي وقعت في العالم وكم وكم من النجاحات التي حققها في هذا المجال ومن الحسنات التي تحسب له وسيظل العالم يذكرها، وأنه لم يكن هدفه من ذلك أن يذكر في وسائل الإعلام وأن يشاد به بل كان يعمل في هذا الطريق بكل سرية بعيدا عن الأضواء فلم يكن يطلب الثناء من البشر بل كان يطلبه من رب البشر. ولعل أبرز ما يدل على هذا الأمر هو ما شاهدناه نحن عبر القنوات الفضائية من تلك الوفود التي وصلت عمان معزية في وفاته والتي من المعروف عنها الصراعات القائمة بينها في موطنها، لقد ضمت عمان في هذه الفترة المتخاصمين والمتنازعين، لقد جمعت عمان المتخاصمين في فلسطين وجمعت المتخاصمين في اليمن، بل وحتى ليبيا التي قدمت منها كل الأطياف السياسية الحاضرة والأحزاب السياسية السابقة.. أتدري لماذا أخي القارئ لأن عمان تستوعب الكل لأن عمان التي بناها السلطان قابوس لم تعرف ولن تعرف الشقاق والنزاع لأن الجيل الذي حرص السلطان على بنائه لمدة خمسين عام نرى اليوم أنه أتى أكله وأينع ثمره فأخرج للعالم جيلا لا يعرف الكره ولا يسري إلى قلبه بغض الناس ولا يريد للعالم إلا السلام والألفة المحبة والأمان. فهل سيأتي يوم ونرى العالم ينعم بالسلام كما تنعم به عماننا؟ وهل سيأتي يوم ونرى تحقق حلم السلطان قابوس بأن يكون العالم بأكمله يدا واحدة بعيدا عن الحروب والنزاعات مشتغلا بتطوير الإنسانية وساعيا للحفاظ عليها وعلى كل المكتسبات التي حققتها عبر العصور؟!   إنجازاته كثيرة ومآثره عظيمة - ناصر بن عبدالله الصوافي - واعظ بوزارة الاوقاف والشؤون الدينية - «لقد انطلق في نهجه- طيب الله ثراه- من عقيدة راسخة وإيمان ثابت بأن الإسلام هو المحرك الأساسي للعمل وأن الروح غذاؤها الاتصال بالله وإن تعلّق العبد بربه وصلته بربه هي من الثوابت والركائز التي تبنى عليها الأوطان وتنهض الأمم ونحن بلد مشهود له بالحضارة والتاريخ العريق والمكانة العالية والسابقية للإسلام فكانت لفتاته تحط رحالها في كل ولاية فبنى مسجدا جامعا وأعلى منارة الدين والعلم، فكما اهتم ببناء المساجد والجوامع اهتم كذلك بالقرآن الكريم فطبع المصاحف على نفقته الخاصة وأنشأ المدارس القرآنية واهتم بحفظة القرآن فكانت مسابقة السلطان قابوس للقرآن الكريم خير دليل وأوضح برهان على تلك العقيدة الراسخة والإيمان الثابت الذي يحمله والفكر المستنير الذي يخطط به وينتهجه». إن الخطب جلل والموت مصيبة كما سماه الله تعالى في كتابه ولكن الرضا والتسليم لقضاء الله وقدره من أساسيات الإيمان وركائز العقيدة ومقتضيات الإسلام فلا نقول إلا ما يرضي ربنا ويحافظ على عقيدتنا وأن الخطب جلل والمصيبة عظيمة كيف لا ونحن نفقد باني نهضة عمان الحديثة ورافع عمادها ومثبت ركائزها كيف لا وهو من جعل لعمان اسما يصدح به الصغير والكبير والقريب والبعيد كيف لا وهو من مدت يداه إلى كل سهل وجبل وإلى كل واد وقفر إنه قابوس الحكمة ورجل السلام- عليه رحمة الله تعالى ومغفرته وسكينته. إن الكلام يقصر والأقلام تجف والألسن تعجز عن سرد مناقبه أو التحدث بإنجازاته ومآثره فكل صفة فيه تحتاج إلى ديوان يكتب وكل خصلة فيه تحتاج إلى كتاب يدون ولن نستطيع أن نفيه حقه أو نتحدث عن سيرته ولكن من الواجب ومن حقه علينا أن نذكر شيئا من مآثره ونتحدث ولو بشيء يسير عن إنجازاته وأن نقدم له الشكر والثناء ولو بعد مماته وهذا من قبيل التحدث بالنعمة وشكر المنعم. إن الفقيد الراحل قابوس- طيب الله ثراه- لم يترك لنا مجالا إلا وحط رحاله فيه وأزاح الغبار عنه والمتحدث لا يدري كيف يبدأ حديثه وكيف ينهيه لأن الإنجازات كثيرة والمآثر عظيمة فله تحت كل حجر بصمة وله في كل قرية إنجاز وله في كل واد أثر ومسيرة ويكفي لنا شرفا أن عمان اليوم تنعم بأمن وأمان بكل عز وافتخار وقد أصبحت مضربا للأمثال في التعايش السلمي والوئام فلا نزاع ولا شقاق ولا فرقة ولا اختلاف رغم أن بلادنا بها من كل الأطياف القبلية والمذهبية والعقدية ولكنهم جميعا يتمتعون بنفس الحقوق والواجبات لا فرق بينهم مهما ارتفعت مناصبهم أو علت بهم قبائلهم أو كانت ديانتهم ومذهبهم الكل في ظل الوطن يعيش بأمن وأمان وسلم وسلام بلا خصام ولا نزاع ولا شقاق ولا افتراق حرية لا نجدها في شتى بقاع العالم وتعايش قل أن نجد له نظيرا في البلدان الأخرى. ويكفينا شرفا وفخرا أن يد مولانا الفقيد- رحمه الله- لم تتلطخ بدم إنسان فلم يشارك في حروب ولا نزاعات ولا تحزبات تضر بالإنسان يكفينا شرفا أن عمان اليوم هي رائدة السلام ومهبط الأمم في حل مشاكلهم ونزاعاتهم لأنها أصبحت صديقة لكل العالم ولو فتشت في كل ربوع العالم لن تجد لنا عدوا ولا مبغضا ولا كارها فأي فضل هذا الذي نحن فيه وأي عز وشرف ذلك الذي أقامه لنا الراحل قابوس- طيب الله ثراه- لقد خط لنفسه منهجا قويما ومسلكا حميدا منذ أول يوم بدا فيه حكمه فجاب القرى والوديان والسهل والجبل ليلتقي بأبناء شعبه فيجلس معهم ويناقشهم في أمور حياتهم ويستمع منهم لمتطلبات معيشتهم وهمومهم ومشاكلهم فكانت رحاله تحط في كل ولاية لم تمنعه القصور الفخمة والأبراج العالية والحياة المرفهة في أن ينزل لمستوى شعبه ويخالط أبناء وطنه فهم شعبه وأبناؤه وما زالت كلماته ترن في الأسماع ويتذكرها الصغير قبل الكبير وهو يقول لهم مخاطبا (شعبنا العزيز) فأي مسلك هذا؟ وأي منهج نهجه ذلك الفذ الحكيم والقائد البر الكريم؟ إنه بحق منهج يجب أن يدرّس، فكان بمثابة الأب الحاني واليد العطوف والعقل المدبر والراعي المؤتمن، فالحاكم البصير عليه أن يعرف معرفة تامة بوطنه وأبناء شعبه فهو- طيب الله ثراه- من خلال جولاته السامية يتفقد أبناء شعبه ويراقب منجزات حكومته ويتلمس الاحتياجات بنفسه ويضع رؤيته وتصوراته وفق الخطط والبرامج والإمكانيات والأولويات لكل منطقة ولكل قرية وقلّ في العالم أن نجد مثله عرف وطنه شبرا شبرا والتقى بأبناء شعبه صغيرهم وكبيرهم بل كانت جولاته برلمانا مفتوحا يحضره كامل الوزراء والمسؤولين ويتناقشوا جميعا بحضور ممثلي الشعب وأعيان البلد وهذا نهج قويم ومسلك حميد اختطه جلالته- طيب الله ثراه- لنفسه منذ أول يوم في حكمه. وهناك نهج آخر انتهجه- طيب الله ثراه- ذلك النهج القويم الذي سار عليه بل وأقامه وعلّمه أبناء شعبه منذ الوهلة الأولى لحكمه وهو إننا لا نتدخل في شؤون أحد ولا نحب لأي أحد أن يتدخل في شؤوننا وكانت أمنيته أن يرى خارطة العالم وقد مد لها يد الصداقة والأخوة والمحبة ولا يجد فيها عدوا ولا مبغضا ولا مخاصما وهذا ما تحقق فعلا بالعزيمة والإصرار والفكر المستنير الذي حمله ورسخه في فكره ونهجه وبين قومه وشعبه، وقد أصبحت هذه من المبادئ الراسخة التي اختطها لنا مولانا السلطان قابوس- طيب الله ثراه وتغمده بواسع رحمته ومغفرته وإحسانه- وتميزنا به عن شعوب العالم اجمع ويجب أن نحافظ على هذا النهج القويم والطريق المستقيم الذي رسمه لنا الراحل والفقيد- رحمه الله- ومن منطلق كف النزاعات وواد الفتنة وعدم العبث بأمن البلاد قام المغفور له بإذن الله تعالى بترسيم الحدود مع جيراننا بكل صدق وإخلاص وجهد ومثابرة لكي لا يدع مجالا للنزاعات ولا إثارة الفتن حول الحدود مع الجيران والأصدقاء. لقد انطلق في نهجه- طيب الله ثراه- من عقيدة راسخة وإيمان ثابت بأن الإسلام هو المحرك الأساسي للعمل وأن الروح غذاؤها الاتصال بالله وأن تعلق العبد بربه وصلته بربه هي من الثوابت والركائز التي تبنى عليها الأوطان وتنهض الأمم ونحن بلد مشهود له بالحضارة والتاريخ العريق والمكانة العالية والسابقية للإسلام، فكانت لفتاته تحط رحالها في كل ولاية فبنى مسجدا جامعا باسمه وأعلى منارة الدين والعلم، كما اهتم ببناء المساجد والجوامع اهتم كذلك بالقرآن الكريم فطبع المصاحف على نفقته الخاصة وأنشأ المدارس القرآنية واهتم بحفظة القرآن فكانت مسابقة السلطان قابوس للقرآن الكريم خير دليل وأوضح برهان على تلك العقيدة الراسخة والإيمان الثابت الذي يحمله والفكر المستنير الذي يخطط به وينتهجه. لم يكن قبل السبعين توجد بهذه البلاد أية مقومات للحياة والنجاح والتحضر والتقدم كانت تعيش في ظلام حتى اشرق عليها فجر قابوس- طيب الله ثراه- فانتشلها من الجهل والتخلف إلى مرابع العلم والتقدم فأقام المدارس وشيّد صروحها وساوى بين الذكر والأنثى في حق التعليم فمن ثلاث مدارس قبل عام سبعين إلى ما يزيد عن ألف وخمسمائة مدرسة عام 2020 وأنشأ المستشفيات والمراكز الصحية فيكاد لا يخلو تجمع سكني ولا وادٍ ولا سهل إلا وبه مركز صحي أو مستشفى مركزي فنشر مظلة الصحة وأصبح التعليم والصحة مجانا بلا مقابل وتلك نعمة يغبطنا عليها كثير من الناس. لقد شيد فقيد الوطن نظاما قائما على المشاركة والمشورة فكانت حكمة القائد تقتضي التدرج في التشريعات والتنظيمات شيئا فشيئا فأخذ- طيب الله ثراه- في تأسيس الأنظمة والقوانين تبعا لمصالح البلاد والعباد ولعلمه أنه لا تقدم ولا تطور للوطن إلا بالمشاركة الفاعلة بين كافة أطياف المجتمع فها هو ينشئ مجلسا استشاريا تختاره الحكومة ثم مجلس الشورى ينتخبه الشعب وبدون تدخل الحكومة وأنشأ مجلسا للدولة يعتبر سندا وعضدا للشورى وكلاهما يكونان معا مجلس عمان وهو الداعم للحكومة والضامن لتأسيس منظومة العدالة القائمة على الأنظمة والقوانين التي يتوافق عليها الشعب والحكومة معا فأصبح المواطن مشاركا في إدارة شؤون البلاد وأصبحت عمان اليوم مضربا للأمثال ومقصدا للباحثين والدارسين لدراسة هذه التجربة الفريدة والمتميزة في إدارة الدولة. إن الحديث عن منجزاته في الداخل لن تكفيه أسطر قليلة ولا يمكن أن تحويه كتب كثيرة ولا أن تتحدث به ألسن عديدة كيف لا وقد نهض بالبلاد من لا شيء حتى أصبحت كل شيء وحد الكلمة وقضى على الفتنة وأرسى قواعد المحبة والتعايش بين كل أطياف وأفراد المجتمع بدون محاباة ولا تفرقة ولا عنصرية ولا قبلية قضى على كل أشكال التمييز والتعصب والجهل والتخلف بنى المدارس وشق الطريق وأعلى صروح العلم بنى جيشا قويا ووفر له كل الإمكانيات والأدوات والأسلحة لحماية الوطن وأسس نظاما أمنيا لحماية المواطنين ونشر مظلة الحماية والرعاية للمحتاجين.. رحم الله فقيد الوطن وأجزل ثوابه وجعل ذلك في ميزان حسناته.. فإن غاب عنا جسده وتوارى عنا بدنه فإن إنجازاته ستظل شاهدة له على مر الإزمان والعصور وسيظل حبه في القلوب إلى أبد الآبدين.   رجل الحكمة والشجاعة والكرم - علي بن حمد المسلمي - من منطلق الأحاديث الشريفة عن سيد البشرية سيدنا محمد بن عبد الله- عليه أفضل الصلاة والسلام- الذي لا ينطق عن الهوى «مثَلُ المُؤمِنِينَ في تَوَادهِمْ وَتَرَاحُمِهِم مَثَلُ الجَسَدِ الوَاحِد إذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعى لَهُ سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهرِ والحُمَّى»، «المؤمنُ لِلْمْؤمنِ كالبُنيان المرصُوص يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضا».. هكذا هو حال المجتمع المسلم مجتمع مترابط يَشُدُ بعضه بعضا في السراء والضراء في المنشط والمكره، كمثل الجسد الواحد، وهكذا حال المجتمع العماني من ضلكوت وحتى مسندم، تألم لفقد عزيز الوطن الأب القائد جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور- طيّب الله ثراه- الذي قال فيه جلالة السلطان هيثم بن طارق- حَفظهُ الله ورعاه-: «إنّ مآثره من الصعب أن تذكر في خطاب كهذا ولكن عزاءنا فيه أن نقتفي أثره والسير على نهجه ونترسم خطاه». نعم سيدي السلطان لقد قلت قول الفصل؛ فإنَّ الراحل جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور- طيب الله ثراه- من الصّعب أن تحصى مناقبه والكلمات تعجز أن تصف أفعاله، رجل الحكمة والشجاعة والكرم، رجل التغيير، «أعز الرجال وأنقاهم»، نقل عمان من براثن الجهل والتخلف إلى مصاف الدول المتحضرة وأرسى دولة المؤسسات والقانون فكسبت احترام العالم من شرقه وغربه ونُكست له الأعلام تقديراً لِحكْمتهِ وحنْكتِهِ وعلّمَ دروساً حتى بعد وفاته؛ ليشهد له القاصي والداني بأنه وعد فأوفى كما ورد في خطابه الأول «سأجعلكم تعيشون سعداء». وها هي الأسرة المالكة الكريمة ضربت أروع الأمثلة للعالم؛ بأنها: ترجمت وصيتك على أرض الواقع؛ بأنك قيّضت لها من يسوسها بإذن الله بحكمة واقتدار، كما نصحت في وصيتك ودللت على ذلك بقول الله سبحانه وتعالى: (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) . وها هم الأوفياء من قيادتك في مجلس الدفاع بحضرة رئيسي مجلس الدولة والشورى ورئيس المحكمة العليا وأقدم نائبين فيها يتلون الوصية بحضور مجلس العائلة بأن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق هو خليفة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور-طيب الله ثراه- ومن خلفهم الشعب العماني الأبي الذي اعتصر حزناً لفراقك ولكنه مجتمع مسلم راض بقضاء الله وقدره (الَّذِينَ إذًا أصَابَتهُم مُصِيبةٌ قَالُوا إنّا لِلَّهِ وإنّا إلَيهِ رِاجعونَ) والذي أثبت إنه وفياً لقيادته مثل الجسد الواحد. والعالم من حولنا أثبت محبته لهذا السلطان العظيم بتوافد جموع المعزين من أقطار الأرض إلى مسقط العامرة بالحب والوفاء تقديراً لهذا الرجل الداعي للحب والسلام والوئام العالمي وخير دليل على ذلك رسالة المؤتلف العالمي للتسامح للعالم أجمع لإيمانه العميق بأن العالم أجمع كالجسد الواحد خلقوا من أب واحد وأم واحدة.. أبُونا آدم وأمنا حواء.