حمدة بنت سعيد الشامسية - [email protected] - لم أكن أعي ما تعنيه كلمة «سلطان» عندما سمعت لأول مرة عن ظهور«بطل» تعشم فيه أهالي قريتي خيرا، فهو قادم لانتشالهم من الظلام، وربما حتى صباح السبت الحادي عشر من يناير، لم يكن الذي رحل «سلطانا» كان «قابوس البطل»، والفارس الذي انتشلني من قلب الصحراء العمانية، ومنحني فرصة لأن أحلّق في السماء عبر القارات، أجوب الصحاري والغابات والسهول كما كان أبطال القصص الخيالية التي أدمنتها منذ أن اكتشفت القراءة، وجعلني أعرف بأن الحلم ممكن. فارس جعل لي جناحين وجعلني أفتخر بأنوثتي، وأعتز بها، وأدرك من خلاله بأنني أستطيع أن أكون ما أريد، فارس مجرد ارتباط اسمي به وبعمان التي بناها، كفيل بأن يجعل الرؤوس تنحني إجلالا واحتراما، اسمه وحده أزال كل الحدود، وسهّل كل الطرق في حلي وترحالي، فارسي الذي حوّل عمان إلى واحة آمنة، عزيزة أبية. وصلتني كثير من التساؤلات عن سبب غياب مقالي الأسبوعي خلال الأسابيع الماضية، وعدم رثائي لفقيد الوطن، الواقع أنني لم أستطع التعبير عن ذلك الكم من الألم وحالة الفقد تلك، فكل الكلام الذي سيكتب لن يكون كافيًا للتعبير عن حزني، ولن يفي أبدًا بحق هذا الرجل، فالموت دائمًا مرتبط بإنسان، لكن مع هذا الفارس، اتسعت رقعة الموت عندي، فلم يكن الذي مات إنسانًا عاديًا، فبموته انطوت صفحة كانت أشبه بحلم طويل، يود المرء لو أنه لا يستيقظ منه، ماتت معه ذكريات جميلة، وحقبة لن تتكرر. ربما نجد وأمثالي العزاء في أن باني النهضة قد وضع لها أساسًا متينًا من القيم والمبادئ والنظم، واختار لها «هيثمًا» الذي اتفق الجميع على أنه خير خلف لخير سلف، بأجمل وأرقى وأنبل انتقال للسلطة شهد له الأعداء والأصدقاء على حد سواء، ليقدم لنا حتى بعد موته درسًا رائعًا في الحكمة، والسياسة الفذة، وقد لخصت كلمة «نشير» في وصيته نهجًا سياسيًا رائعًا، استمر طوال حياته، وأنا على يقين بأنه سيستمر بعد وفاته، فرحم الله فقيد الوطن، وسدد خطى صاحب الجلالة، وحفظ عمان أرضًا وشعبًا، إننا لفراقه لمحزونون حقًا، ولا نملك له سوى الدعاء بأن يجزيه الله عنا خير الجزاء.