يوسف بن حمد البلوشي/ البوابة الذكية للاستثمار - [email protected] - نتقدم بثقة.. هذا هو المسار والهوية اللذان ارتضاهما جلالة السلطان قابوس للوصول إلى رؤية المستقبل «عمان 2040 »، وجاءت توجيهاته: «إعداد الرؤية المستقبلية (عُمان 2040) وبلورتها وصياغتها بإتقان تام ودقة عالية في ضوء توافق مجتمعي واسع وبمشاركة فئات المجتمع المختلفة، بحيث تكون مستوعبة للواقع الاقتصادي والاجتماعي ومستشرفة للمستقبل بموضوعية، ليتم الاعتداد بها كدليل ومرجع أساسي لأعمال التخطيط في العقدين القادمين». ولقد عهد بإعدادها ومتابعتها إلى من ارتضاه ورأى فيه من الصفات ما يؤهله لمواصلة مسيرة التقدم والبناء لهذا الوطن العزيز إلى حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- وكما أراد لها تم إعداد الرؤية 2040 بمشاركة مجتمعية واسعة واجتهد المشاركون في إعدادها فردا فردا. و«نتقدم بثقة» تحمل في طياتها معاني عميقة تمثل السير وتجنب التردد وصولا بالسلطنة إلى مصاف الدول المتقدمة، وهذا ما يتطلب تحصين ركائز الثقة بين جميع الفاعلين في تحقيق التنمية وهم أفراد المجتمع العماني ومؤسسات الأعمال والحكومة. إن تحقيق رؤية المستقبل يستوجب التحول إلى نموذج تنموي يمكن السلطنة من جني ثمار استثماراتها على مختلف الأصعدة مع التأكيد أن التحول ضرورة ملحة للتعامل مع التحديات المقبلة وتعزيز منعة الاقتصاد والمجتمع العماني، والسلطنة تمتلك كل المقومات والموارد والجاهزية للتغيير خلال فترة وجيزة والانتقال إلى وضع مستدام يعلي القيم الإنتاجية ويحسن مستويات المعيشة على كافة الأصعدة. فمن قَلْبِ المحن تُوْلَد المنح، وَمَنْ صَنَع نهضةً يشار لها بالبنان في أصعب الظروف وأحلكها، يقدر أبناؤه وأحفاده على استثمار ما تحقَّق للبناء عليه، فالسلطنة لديها رصيد زاخر من الإنجازات وقاعدة صلبة للانطلاق لتحقيق رؤية المستقبل فنحن دولة شابة مواردها البشرية على قدر عال من التعليم وغنية بالموارد الطبيعية المتنوعة، كما أن مكانة عمان المميزة بين دول العالم تمكننا من الحصول على أية عناصر مفقودة في معادلة التنمية المحلية من رؤوس أموال وتقانات وأسواق. فما نحتاجه اليوم هو ربط هذه العناصر والمقومات والفرص والعناصر معا لإيجاد تنمية حديثة تتميز بالتجديد والابتكار. ولكي ننجح نحن أبناء عمان يجب أن نغرم بالمستقبل وما يحمله من فرص ونكون شغوفين ومبتكرين لاقتناصها بما يحقق مستقبلا أفضل للجميع. وبدراسة مسيرة تطور الاقتصاد العماني خلال العقود الخمسة المنصرمة، يتضح لنا عدد من الحقائق أبرزها الحاجة إلى نموذج مبتكر للتنمية وفريق عمل ذي خبرة واسعة مزود بالمهارات المناسبة لعالم أعمال يشهد حراكا سياسيا واقتصاديا متغيرا، حيث كل شيء مرتبط وتكتسب فيه مسائل النمو الاقتصادي أهمية متزايدة. وبالرغم من أن المجتمع بأسره يشارك في هذه العملية فإن هناك ضرورة لإيجاد فريق عمل متخصص لإدارة عملية التنمية الاقتصادية المستدامة في السلطنة. فريق يكون لديه القدرة على تحقيق التناغم والتنسيق بين مختلف السياسات والقرارات الاقتصادية والاستخدام الفعال للموارد المتوفرة. ولذلك جاء اختيار نتقدم بثقة لتحقيق رؤية عمان 2040 الرؤية الجديدة التي تبعث الأمل وتستنهض طاقات الشباب وترفع المعنويات وتعتمد على أفكار ونماذج جديدة للتنمية أكثر جرأة وواقعية وبعيدة عن التقليد غير المتبصر، وتمكن من تحقيق نموذج قائم على رؤية دقيقة و خارطة استثمارية واضحة للاقتصاد الوطني يتم بمقتضاها توطين هذه الاستثمارات في القطاعات الاقتصادية والمناطق الجغرافية المناسبة طبقاً للمزايا النسبية التي تتمتع بها كل منطقة. نموذج يؤمن بأن عُمان أولا، وأن ما فيه المصلحة العامة هو الخيار الأول.. نموذج قائم على الانفتاح على العالم الخارجي بدرجة أكبر وبناء شراكات مع الاستثمار الأجنبي لجذب رؤوس الأموال وزيادة الصادرات، نموذج يعطي أولوية للإنفاق الإنتاجي، نموذج قائم على تمكين حقيقي للقطاع الخاص، وأن نؤمن بأن عُمان لديها طاقات شبابية تأتي في صُلب أي عملية تطوير متى استطاعت جامعاتنا وغيرها من مؤسسات التعليم تسليحهم وإعدادهم وتزويدهم بالمهارات المناسبة. نموذج يؤمن به ويقوده الفرد العُماني وعلى استعداد للتضحية ببعض رفاهيته من أجل مستقبل أفضل لأجيال عُمان القادمة. نموذج يبني على موروث الأجداد وخبراتهم التجارية والبحرية قائم على تحفيز الإنتاج من أجل التصدير وإشباع الاستهلاك المحلى يعتمد قدر الإمكان على الموارد المحلية. نموذج قوامه المؤسسات، مثل بنك التنمية والمناطق الصناعية، التي تقود قاطرة النمو وتؤمن التحول إلى ما بعد عصر النفط. نموذج قائم على شركات حكومية قوية تزيد العائدات غير النفطية، ويرشد الإنفاق الاجتماعي المرتبط بالتعليم والصحة والرعاية الاجتماعية ويرفع كفاءته... نموذج قائم على الوعي وإدراك قيمة الأشياء وكيفية الحصول على عائد النشاط (الدخل)، والتحول من نموذج قائم على اقتصاد ريعي إلى اقتصاد منتج ومتنوع. نموذج قائم على ضرورة المحافظة على الموارد الطبيعية البيئية وتحسين كفاءة استهلاك الكهرباء والماء. نموذج يؤمن فيه الموظف الحكومي بأن وظيفته تكليف لخدمة نهضة هذا البلد وليس تشريف. نموذج يمحص ويقيس عائد الإنفاق التنموي في مؤسسات الدولة، نموذج قوامه مزيد من الاندماج في الاقتصاد العالمي والاستفادة من فرص العولمة والمكانة المتميزة للسلطنة. كل ذلك يتطلب إدراك أن التنمية ليست عملية آلية أو جزئية ولا تحدث تلقائيا ولكنها شاملة وتعتمد بدرجة ملحوظة على رغبة وإرادة أفراد المجتمع. نموذج يعمل على التخلص من العقلية الريعية لنا كأفراد أو حكومة أو قطاع خاص، وأن ننظر إلى التحديات على أنها فرص للنجاح، وأن نغير من قناعاتنا التي تحد من قدرتنا على الانطلاق. نموذج تتعدد فيه محركات النمو لتشمل: الحكومة، والقطاع الخاص والشركات الأهلية والجامعات، مع إعطاء الأولوية للقطاع الخاص ليكون قاطرة للنمو والتنمية المستدامة ويكون فيه المواطنون في الصدارة وأن يعتمد على سياسات استباقية تعتمد على دراسات ومبادرات مجتمعية. وختاما، فإن السلطنة من - وجهة نظري - تتمتع بجاهزية تامة على مختلف الأصعدة ووضع مثالي للانتقال إلى مقاربة تنموية جديدة وبفكر اقتصادي جديد يواكب تغيرات هذا العصر، مستندا في ذلك على الرصيد الزاخر من المنجزات والمقومات لمواصلة مسيرة التقدم والازدهار بثقة.