عوض بن سعيد باقوير - صحفي ومحلل سياسي -
سد النهضة الإثيوبي الذي يستعد خلال شهر يونيو القادم لضخ المياه في بحيرة السد للمرة الثانية والجدل المتواصل حول تأثيرات ذلك على حصص المياه لدول المصب وهي السودان ومصر بعد فشل عدة جولات من المفاوضات بين الدول الثلاث برعاية الاتحاد الإفريقي والتي كان آخرها في الكونغو الأسبوع الماضي دون التوصل إلى حلول بين الأطراف.
كل الدراسات خلال العقود الأخيرة تحدثت عن أن الحروب والصراعات القادمة سوف تكون حول المياه ولعل الكيان الإسرائيلي وحروبه المتعددة مع الدول العربية كانت بسبب المياه كأحد عوامل الصراع خاصة في الجولان ومياه الليطاني وغور الأردن ومياه الضفة الغربية وقطاع غزة وحتى على الصعيد الاستراتيجي مع مصر من خلال إيجاد قناة بديلة لقناة السويس.
إن موضوع سد النهضة الإثيوبي يمثل الجانب الأكثر وضوحا فيما يخص النزاع بين إثيوبيا وهي دولة المنبع وبين السودان ومصر كدولتي مصب ومن هنا فإن المشهد فيما يخص هذه القضية يتطور بشكل سلبي في ظل الخطوات من أديس أبابا لملء السد في فترة هطول الأمطار في شهري يونيو ويوليو. وهنا يأتي السؤال الأهم هل نشهد صراعا عسكريا محتملا؟ أم نشهد انفراجة تؤدي إلى اتفاق حول القضايا الفنية فيما يخص سد النهضة ومساره وتأثيراته على الخرطوم والقاهرة.
التوجهات المتناقضة
هناك قلق مصري وسوداني من تأثر حصتهما من مياه نهر النيل في ظل ملء بحيرة السد في الأشهر القادمة خاصة وأن مشروع سد النهضة هو من المشروعات الاستراتيجية لإثيوبيا خاصة في مجال توليد الكهرباء ليس فقط محليا ولكن استثمار ذلك للدول الإفريقية المجاورة وعليه يشكل ذلك دخلا ماليا مهما لإثيوبيا علاوة على القيمة المضافة بالنسبة للاقتصاد والتنمية في دولة تعاني الكثير من المشكلات الداخلية وعدد كبير من السكان يتخطى ١٠٠ مليون نسمة.
إن مشروع سد النهضة يصطدم بقضية المياه الحساسة في مصر ومن خلال التصريحات الأخيرة للمسؤولين المصريين فإن الحديث عن كل الخيارات يعطي مؤشرا على تعقيد الموقف في ظل تمسك الأطراف بمواقفهما خلال العديد من جولات المفاوضات ولعل الحديث عن نقل ملف سد النهضة من قبل مصر والسودان إلى مجلس الأمن قد يجعل من تدويل أزمة سد النهضة أمرا متوقعا. ومن هنا فإن خيار الاتفاق الثلاثي هو الخيار الأفضل من خلال اتفاق قانوني يضمن المحافظة على حصص مصر والسودان في مياه النيل على اعتبار أن ذلك يعد من القضايا الأمنية في مجال المياه للتناقض في المواقف بين مصر والسودان من جانب وإثيوبيا من جانب آخر. ويبدو لي أن ذلك التناقض سوف يزداد تعقيدا مع اقتراب مرحلة ملء بحيرة السد من جانب وأيضا مناقشة الأزمة داخل أروقة مجلس الأمن الدولي وفي حال عجز هذا الأخير عن إيجاد قرار أو حل توفيقي فإن الصراع المسلح لا يمكن استبعاده من المعادلة وهو الأمر الذي تحدث عنه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مشيرا إلى أن مصر لن تسمح بالانتقاص من حصتها من نهر النيل حتى لو كان ذلك قطرة، وهو تعبير صريح عن أن حصة مصر تبقى مسألة حياة أو موت خاصة وأن زيادة السكان في مصر الذي تعدى هو الآخر ١٠٠ مليون والطموحات في مجال الزراعة ومياه الشرب تجعل من أي تراجع في الموقف المصري من المستحيلات على اعتبار أن قضية المياه هي قضية أمن قومي والأمر ينطبق على السودان التي تعد قريبة جغرافيا من مشروع سد النهضة والخوف من احتمالات الفيضانات والتأثير على سدود السودان القريبة من السد.
أما فيما يخص موقف إثيوبيا فإن تصريحات المسؤولين تتراوح بين التصميم على ملء بحيرة السد وبين الاستعداد لمزيد من الحوار واقتراح تقديم البيانات الفنية بعمليات ملء بحيرة السد وتقديم تلك البيانات لكل من مصر والسودان وهو مقترح لم يجد القبول من القاهرة والخرطوم.
أزمة دولية
أزمة سد النهضة تتحول تدريجيا إلى أزمة مياه دولية من خلال نقل هذه القضية إلى مجلس الأمن الدولي.
وعليه تعد من الناحية القانونية أزمة دولية وهو الأمر الذي لا تحبذه إثيوبيا خاصة إذا صدر قرار بوقف ملء السد حتى حدوث اتفاق بين الأطراف بإشراف دولي، كما أن هناك أطرافا إقليمية ليست ظاهرة ولكن لها نظرة استراتيجية فيما يخص هذا الملف ومنها إسرائيل والتي لها رؤية وأطماع في المياه كما تمت الإشارة وهي منذ احتلالها للأراضي العربية عام ١٩٦٧ وهي تسرق مياه الليطاني ومياه الجولان ومياه الأراضي الفلسطينية المحتلة حتى الأغوار. ومن هنا فإن إسرائيل ليست بعيدة عن المشهد فيما يخص سد النهضة ولها علاقات قويه مع أديس أبابا من خلال اتصالات متعددة، إن أزمة سد النهضة فتحت ملف صراع المياه الذي تحدثت عنه عدد من الدراسات منذ عشرات السنين في ظل الجفاف وشح مياه الأمطار خاصة في أفريقيا. ويمثل نهر النيل منذ آلاف السنين الشريان الحيوي لمصر والسودان ولبقية دول المنبع في إفريقيا ومنها إثيوبيا وعلى ضوء ذلك فإن ملف سد النهضة قد يسبب صراعا عسكريا إذا فشلت المفاوضات على الصعيد الإفريقي أو حتى من خلال تدويل الأزمة في أروقة مجلس الأمن، حيث إن انقسام المواقف بين أعضاء المجلس هو السمة المتوقعة في مثل تلك الملفات المعقدة .كما أن مجلس الأمن والأمم المتحدة تعاني منذ عقود في تسييس القضايا الإقليمية وفشلت الأمم المتحدة وخاصة مجلس الأمن وعلى مدى عقود في إيجاد حلول لقضايا عادلة كالقضية الفلسطينية التي ترزح تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ عام ١٩٤٨ علاوة على قضايا الانتهاكات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني علاوة على سرقة المياه لعقود، الحوار هو الحل من وجهة نظر مصر والسودان في إيجاد اتفاق قانوني يضمن حصتهما من مياه النيل واستمرار مشروع سد النهضة هو خيار موضوعي بحيث لا تتأثر مصالح كل الأطراف فمشروع سد النهضة هو مشروع طموح سوف يكون له نتائج إيجابية علي التنمية الشاملة في إثيوبيا والكل يتفق على أن مثل هذه السدود خاصة فيما يخص توليد الكهرباء سوف يكون مفيدا لإثيوبيا ودول الجوار.
ومن هنا فإن المرونة مطلوبة من أديس أبابا في ظل علاقات مصالح متشابكة تربط تلك الدول ومن هنا فإن المنطق السياسي يقول بأن الاتفاق القانوني هو الآلية الصحيحة لإنهاء أزمة ملف سد النهضة وعدم الدخول في تعقيدات قد تجر إلى نتائج كارثية يكون الجميع خاسرا فيها وأن التعنت في الموقف الإثيوبي لن يكون عاملا مساعدا على التوصل إلى حل توفيقي بين أطراف الأزمة. إذن استمرار الحوار هو الخطوة التي ينتج عنها اتفاق شامل يبدد كل المخاوف خاصة من قبل مصر والسودان فيما يخص عدم الإضرار بالحصص المثبتة منذ عقود، كما أن تدويل الأزمة قد يعقد الأمور ويدخلها في مشكلات تخص أطرافا دولية وإقليمية.
ومن هنا فإن على الاتحاد الإفريقي أن يواصل جهوده الدبلوماسية من أجل إقناع أديس أبابا بأن توقيع الاتفاق القانوني لن يضر بمشروعها الوطني بل إن ذلك سوف يعطي تكاملا في التعاون المستقبلي بين الدول الثلاث على صعيد الكهرباء والتنمية عموما.