خــــلال رحــلة امتدت نصف قرن -
حلمي هو أن أحقق لعمان ما فاتها لتأخذ مكانها بين الأمم -
الصحافـــة يمكن أن تلعب دورا في صيانة الحريات وتأكيدها -
إعداد : عاصم الشيدي -
طوال نصف قرن من الزمن كان السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور، طيب الله ثراه، حاضرا في المشهد الإعلامي، يجيب على أسئلة الصحفيين وإنْ بقلة، ويعرض رؤيته لبناء عمان، ورؤيته في الكثير من قضايا المنطقة والعالم.
وفي هذا التطواف نحاول أن نستعرض بعض الأسئلة التي أجاب عنها السلطان خلال تلك المسيرة ولصحف مختلفة في بقاع العالم. على أن هناك حوارات كثيرة لم نستطع الوقوف عليها خلال هذا الرصد أكثرها لصحف عربية وبعضها لصحف أجنبية بريطانية وأمريكية وأوروبية وأخرى آسيوية.
أدعو أن تترك المؤتمرات العربية المجاملات والدردشة والتحدث بصدق وعدم خداع الشعوب -
في تقــــاليد الأســـرة العُمــانية الحاكـــمة .. منصب ولـــي العهـــد تقليد لا يؤخذ بـــه -
■ هل في نية حكومتكم إقامة حكم دستوري وقانوني في البلاد؟
السلطان قابوس: الحكم الدستوري تفرض إقامته وجود ثقافة شعبية ومناخ وطني أكثر ملاءمة مما هو موجود الآن، إلا أن الحكومة ستضع أسسا أولية لهذا النظام، وما إلحاحنا على التعليم إلا لإحداث مناخ وطني يساعد على نجاح الحكم الدستوري.. ومن باب آخر، فإننا سنشكل حكومة وسيكون هناك وزراء من أهل البلاد. وهذا الإجراء لم يكن له وجود في السابق. وبالمناسبة فإنني أتوقع عودة المتعلمين العمانيين إلى بلادهم ليشاركوا في إدارة الحكم.
السياسة: هل سيكون من بين خطواتكم القادمة إلغاء المعاهدة مع بريطانيا والمطالبة بالاستقلال؟
السلطان قابوس: نحن مستقلون الآن، والمعاهدة مع بريطانيا معاهدة صداقة لا تقيدنا بشيء، وقد نطالب بإلغائها إذا وجدنا ذلك ضروريا.
السياسة الكويتية
9 أغسطـــــس 1970
■ كيف تتصور المستقبل في عُمان، وأنت الشاب المتعلم، وبمَ تحلم لبلادك؟
السلطان قابوس: خلال عشر سنين لا بد أن تصبح عمان بلدا عصريا في مستوى البلدان العربية الراقية. عندئذ نستطيع أن نقول إننا وصلنا إلى بداية الطريق. فمحاولة اللحاق بركب الحضارة، والإمساك بالقرن العشرين ليست عملية سهلة. إن حلمي هو أن أحقق لعمان ما فاتها طول السنين الماضية، لتأخذ مكانها بين الأمم.
النهار اللبنانية
22 أغسطس 1970
الوطن العمانية: لقد مرَّ على توليكم الحكم ما يقارب ثمانية أشهر. هل لنا أن نعرف انطباعاتكم بعد مواجهة المسؤولية من شعبكم. وهل لنا أن نعرف رأيكم في مهام الحاكم ومسؤولياته؟
السلطان قابوس: الحقيقة أنّ انطباعاتي في المدة التي مضت منذ توليت فيها المسؤولية انطباعات طيبة لأنه ولله الحمد رأينا تجاوبا كثيرا من المواطنين ولمسنا منهم شعورا بالمسؤولية نحو بناء وطنهم وكذلك أعتقد أنّ الكل أصبح يعرف أنّ هذه الحكومة جادة في العمل وفي نفس الوقت هناك لا تزال كثير من العقبات التي يجب علينا اجتيازها وأنّ بناء الوطن لا يمكن أنْ يكون بين عشيةٍ وضحاها. ثُمّ كذلك يسرني أن نرى كثيرًا من المواطنين في الخارج هبّوا للعودة للوطن للمشاركة في تقدّم هذا الوطن وبنائه. في الحقيقة بصورة عامة انطباعاتي طيبة وأرجو أن يستمر العمل والبناء في جو آمن وسلام ويسر.. الله يوفقنا. مهام الحاكم؛ الحاكم في الحقيقة هو على كل حال أول خادم من خُدّام الوطن، لا شك في هذا وعليه أن يعمل جهده في خدمة الوطن والشعب.
جريدة الوطن
8 إبريل 1971
■ الجمهورية المصرية: تأكيد الحريات العامة من القضايا التي يحرص شعب عُمان عليها. كيف يمكن، في تقديركم، صياغة مثل هذه القضايا حتى يمكن أن تكون بعيدة من خطر المساس بها؟
السلطان قابوس: إن أكثر الناس قدرة على الحفاظ على الحرية هو المواطن نفسه، إن استطاع أن يستعمل حريته في الحدود المعقولة والمقبولة فلن يعرضها لأية خطر، والحرية في تصوري لا تعطى بقانون؛ فقد ينص القانون على أمور تقيد الحرية.. وقد ينص القانون على أمور يمكن أن نختلف في تفسيراتها، وقد تختلف نظرة القانون عن نظرة المواطن بالنسبة لقضايا قد يتصور إنها من صميم حريته. إن الحرية تتوقف على رغبة المواطن في الحفاظ عليها وعلى كيفية استخدامه لها، وفي تصوري إن الصحافة يمكن أن تلعب دورا رئيسيا في صيانة الحريات، وتأكيدها، وتدريب المواطنين على ممارستها، وفي تصوري أيضا إن الصحافة يمكن أن تلعب دورا في تمكين كلّ مواطن من ممارسته حق التعبير عن رأيه، وعن مشاعره.
جريدة الجمهورية المصرية
8 يوليـــــــــو 1972
■ السياسة اللبنانية: وصولكم إلى الحكم، اقترن بتحد كبير.. فهناك الواقع العماني المتخلف، وهناك الواقع العربي المتطلع إلى غد عربي أفضل وهناك العالم بأسره يركض لاهثا إلى المستقبل المجهول.. يبدو أنكم في سباق وصراع في الوقت نفسه مع الزمن.. هل أنت راض عما حققته حتى الآن؟
السلطان قابوس: عندما نبدأ ببناء بلد كما بدأنا هنا في عمان، لابد من وجود طموح؛ إن العزلة التي كان يعيشها الشعب هنا كانت قاسية ومريرة.. إنني أطمح لتحقيق الكثير.. ولذلك مهما فعلت ومهما حققت فلن أكون «راضياً» ولكنني «مرتاح»، ليس المهم ما يقوله العالم عنا... ولكن المهم أننا سائرون على الطريق الصحيح، السليم، إنه بالطبع طريق طويل وشاق.. المواطن يجب أن يشعر وأن يلمس التقدم.. وأظن بأن المواطن في عمان بدأ يشعر، وبدأ يلمس المشاريع التي بدأنا بها هنا؛ لهذا السبب أشعر بالارتياح. إننا نعرف أن نجاحنا متوقف على مساهمة أكبر عدد ممكن من المواطنين في عملية التغيير. لقد أعلنا منذ استلامنا الحكم أن أبواب عمان مفتوحة للجميع بدون استثناء وبالفعل رجع المئات من المواطنين الذين كانوا في الخارج وبدأوا معنا في عملية التغيير.
إنني بالفعل أؤمن بأن هؤلاء ساهموا مساهمة بارزة في النهضة الحالية. إننا نركز بشكل خاص على التعليم وهذه ظاهرة أصبحت ملموسة هنا.. بدون ثقافة وبالتالي بدون وعي وطني لا نستطيع أن نحقق شيئا. البعض يقول بأن الوعي خطر على نظام الحكم.. إنني بكل صراحة أعارض هؤلاء، إنني لمؤمن بأن الوعي يولد المسؤولية والمسؤولية تعني في النهاية الالتزام بالوطن وبأرضه وبنظامه. إن حكم العائلات بدون تأييد شعبي ولىّ زمنه. الحكم يجب أن يكون متمتعا بثقة الجميع. شخصيا لست متخوفا من الحضارة والتقدم. علينا أن نتطور وعلينا أن نتقدم، هذه هي سنة الطبيعة.. جميع الدول تتقدم وتمارس مختلف الوسائل لتحقيق مستوى أفضل لمواطنيها. ومن المفروض أن تزيد الحضارة ثقة المواطن بنفسه وبالتالي أن تزيده إيمانا بأرضه وببلده. سيكون بالفعل مؤسفا أن يرى أحد غير ذلك.. والواحد يشعر بحسرة عندما يرى مستوى الدول الأخرى ويلمس رقيها وتقدمها.
جريدة السياسة اللبنانية
26 يناير 1974
مندوب جريدة $: طرحت مؤخرا فكرة السوق الخليجية المشتركة وبدأ تنفيذ بعض المشاريع الاقتصادية المشتركة «شركة الملاحة، شركة الطيران» فما هو رأي جلالتكم بالوحدة الخليجية المنشودة وما هو دور عمان فيها، على ضوء تاريخها الحضاري وعراقتها السياسية وتأثير ذلك في الوحدة العربية الكبرى؟
السلطان قابوس: الوحدة الخليجية المنشودة راجع تحقيقها لرغبة شعب الخليج أولا وللظروف ثانياً وعمان عبرت دائما بأنها تحبذ الوحدة، والدليل على ذلك أننا حثثنا على قيام اتحاد الإمارات العربية في وقت كان باستطاعتنا ان نعرقل الأمور، وباستطاعتنا أن نقف حجر عثرة في طريق الاتحاد ولكننا عملنا كل ما في وسعنا وقد برهنا على حسن نوايانا في هذا المجال.
أول مؤتمر صحفي أجراه السلطان
قابوس مع الصحافة المحلية
1 يونيـــــــو 1974
■ مجلة المستقبل الباريسية: هل تغيرت مواقفك المعروفة من مؤتمرات القمة إثر مؤتمر تونس الأخير؟
السلطان قابوس: مؤتمر تونس كان أفضل من غيره؛ لأنه على الأقل تميز ببعض الصراحة والوضوح والإيجابية. ما أدعو إليه هو أن يترك المؤتمرون العرب المجاملات والدردشة ويتحدثوا بصراحة. أن نوقف خداع النفس وخداع شعوبنا. أن تكون قراراتنا عملية وقابلة للتنفيذ. أن نستطيع القول إن هذا ما نستطيع تحقيقه في المستقبل. ألّا يكون الإجماع شكليا وتظاهريا. لا بأس إن طال النقاش وارتفع الصراخ وتشعب الحوار، شرط الصدق والصراحة والواقعية، فنخرج بقرار إجماعي قابل للتنفيذ وملزم.
مجلة المستقبل
15 ديسمبر 1979
■ مجلة المستقبل: مجلس التعاون الخليجي بداية تكتل إقليمي هو الأول من نوعه في المنطقة.. كيف ترى دور عمان في هذا المجلس وما هو تصورك لتطور فكرة التعاون الخليجي مستقبلا؟
السلطان قابوس: منذ سنة 1974 وعُمان تدعو إلى تجمع إقليمي لدول الخليج العربي يهدف للتعرف إلى ما لنا وما علينا داخليا وخارجيا، بحيث تجتمع الكلمة حول الأمور الأساسية، فنخرج أمام العالم بشيء من الموقف الحقيقي فنحترم أنفسنا حتى يحترمنا العالم. ولما كان هناك من ترابط في الأنظمة الخليجية من حياة اقتصادية واجتماعية وتربوية، ومن تشابه في الظروف السياسية المشتركة المحيطة بها، فقد كان لا بد من البحث في هذه الجوامع المشتركة: من الثروة إلى الفقر، مِنْ مَن عنده كل شيء إلى من ليس عنده شيء، من تكرار المشروعات المتشابهة في كل بلد خليجي إلى هدر الأموال على المشاريع المماثلة، كان لا بد لعقولنا أن تنضج وأن تصحو.
وطرحت الأحداث السياسية موضوع أمن الخليج. وعقد الاجتماع الأول لوزراء خارجية دول الخليج بدعوة من عُمان في مسقط سنة 1976، وحضرته كل من إيران والعراق. وانفض الاجتماع من دون أي إجراء. وطويت الفكرة إلى حين. ولما طرحت فكرة التعاون الخليجي مجددا في قمة عمّان، وافقنا عليها فورا وأيدناها. ولما أصبح لدينا ورقة عمل في قمة الطائف استجبنا لها وأوليناها اهتماما كبيرا. وكانت أهم أولوياتنا في فكرة مجلس التعاون الخليجي الأمن الجماعي الخليجي، لأن الخطر الذي يهددنا واحد مهما أطلقنا عليه من تسميات متعددة. لذلك وجب القيام بجهود منسقة لدرء هذا الخطر والوقاية منه. فالدور الأمني لمجلس التعاون الخليجي دور رئيسي وأساسي بالنسبة لعمان. ما اتفق عليه في مؤتمر مسقط يجب أن ينفذ. وإذا نحن أعطينا أهمية كبرى للناحية الأمنية في اتفاق مجلس التعاون الخليجي، فذلك لاعتقادنا بأن ليس فينا دولة واحدة قادرة بمفردها على حماية أمن الخليج.. ولكن حتما في تكتلنا الأمني الدفاعي الجماعي قوة، يجب أن يتكفل بها مجلس التعاون الخليجي.
مجلة المستقبل
2 مايو 1981
■ مجلة النهار العربي: جاء المجلس الاستشاري خطوة مهمة في تاريخ السلطنة لكن لوحظ أن صلاحياته لا تتعدى قضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية.. لماذا لم يُعطَ صلاحيات الخوض في القضايا السياسية؟
السلطان قابوس: إن النهضة الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها عمان نعتبرها الأرض القوية التي ننطلق منها في تقرير خطواتنا السياسية والدفاعية وهكذا فإن دور المجلس الاستشاري يأتي في مرحلة تتطلب التخطيط التنموي السليم والمشاركة الجادة من أبناء هذا الوطن لترسيخ مسيرة الإنماء والتغيير الاجتماعي في هذا الوطن العزيز بشكل لا نفقد معه عراقتنا ولا يعزلنا عن واقعنا أو عصرنا ، وإن التطور التدريجي سواء كان من حيث المشاركة الأهلية أو التجاوب الحكومي مع هذه المشاركة لابد أن يمر بفترة تجريبية تقودنا إلى تجربة عُمانية أصيلة نهتدي بها إلى خطوات مستقبلية.
النهار العربي: بعد مرور أحد عشر عاماً على تسلم جلالتكم مسؤولية الحكم تحققت إنجازات ضخمة يعترف بها الجميع، فهل جلالتكم راضون عن التطورات خلال هذه الفترة أم تطمحون في تحقيق أكثر؟
السلطان قابوس: إن طموحنا بالرغم مما أنجزناه خلال العقد الماضي من مسيرتنا لا نستطيع أن نرسمه بالكلمات فهو نتاج لعراقة هذا البلد وتاريخها الأصيل واستشراف لعطاء هذا الشعب وشحذ لطاقاته التي نسعى لبلورتها وتوفير الوسائل الكفيلة بتطويرها لتلعب عُمان دورها بين شقيقاتها العربيات والمؤسسات الدولية المختلفة للإسهام في توفير الرخاء والاطمئنان في عالمنا المعاصر.
مجلة النهار العربي
8 نوفمبر 1981
■ السياسة الكويتية: جلالة السلطان، بعد 13 سنة من الحكم، هل عمان الآن كما أردتها؟
السلطان قابوس: هذه عمان.. وفق ما أتيح لنا من إمكانيات في نظري ليست هذه الإمكانيات وحدها الكافية، المهم أن توظف هذه الإمكانيات في مواضعها المناسبة، ونحن نشكر الذين وقفوا معنا من إخوتنا، وقد كان عطاؤهم جزيلا ويشكرون عليه.. وإذا كانت عمان بصورتها محسوبة كما هي الإمكانيات فهذه عمان. أما إذا كانت وفق ما نطمح إليه فإننا نريد لها المزيد، إن ما لدينا نضعه في مكانه المدروس، فليس لدينا ما هو قابل للهدر. نحن نقترض من سوق الاقتراض الدولي، لكن هذا الاقتراض يتم وفق أسس محددة، لا اقتراض بدون مشاريع ذات مردود مجدٍ ومريح ومربح، والمشاريع تكون ضمن الخطة العامة للدولة وألا نكون ننفذ مشاريع وجاهية تدفع الدولة تكاليف فوائدها بلا مردود.
السياسة الكويتية
3 نوفمبر 1983
■ مجلة ديفنس آند دبلوماسي: هل لا تزال اتفاقية كامب ديفيد حية أم هناك ضرورة إلى مبادرات جديدة؟
السلطان قابوس: لقد ظلت اتفاقية كامب ديفيد في الماضي ولا تزال الأداة الوحيدة التي حققت خطوة بناءة عن طريق الحل السلمي لأزمة الشرق الأوسط. ونحن نرى أنه من الضروري اعتبارها أرضية حية وأن تبذل كل الجهود من أجل المزيد من التقدم المنشود ولكنا يجب ألا نسمح باستمرار هذا التعنت ويجب ألا يكون هناك استسلام إزاء الحقوق الفلسطينية وفي نفس الوقت يجب ألا تتوقف جهود البحث عن السلام وكما قلنا من قبل يجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تسهم بقوة في هذه الجهود.
مجلة ديفنس آند دبلوماسي الأمريكية
18 ديسمبر 1983
■ الأهرام المصرية: ما هو في تقدير جلالتكم مدى الخطر الذي يهدد مضيق هرمز الآن وخاصة بعد اشتعال حرب الناقلات بين إيران والعراق؟ وما هو موقف عُمان في حالة إغلاق المضيق؟ وما هي الدول التي يمكن أن تتعاون مع عمان لتجنب هذا الخطر؟
السلطان قابوس: أي ممر مائي دولي حيوي مثل مضيق هرمز هو في خطر دائما سواء أكان هذا الخطر خطرا مباشرا أو غير مباشر. والخطر المباشر كأن تقع حرب في المنطقة التي تضم هذا الممر وتتسبب في إغلاقه. والخطر غير المباشر وهو أن يتعرض لأعمال تخريب من جهات تخريبية غير معروفة وبعضها للأسف منتشر الآن في أماكن كثيرة من العالم. أما الخطر المباشر وهو إغلاق المضيق بسبب الحرب فليس هناك خطة لذلك ما لم تصل الأمور إلى حالة اليأس كعجزهم عن تصدير النفط أو اتخاذهم لقرار يائس بذلك ويبقى كما حدث بالقرب منكم في البحر الأحمر وهذا مثال حي. لذلك وفي مثل هذه الحالة فإننا ينبغي من خلال مجلس التعاون الخليجي أن نجتمع ونبحث كيف يمكن مواجهة الموقف. لذلك فإنه لن يكون لعمان موقف فردي إزاء هذه الحالة وإنما لا بد أن يكون هناك موقف جماعي وأن نرى هل في استطاعتنا وحدنا مواجهة هذا الموقف فإذا لم يكن يمكننا أن نصنع شيئا من خلال مجلس التعاون الخليجي فينبغي أن نرى كيف يمكن الاستعانة بالأصدقاء لمواجهة هذه الحرب لكن ذلك يتوقف بالطبع على الحالة النفسية التي سوف نواجهها.
جريدة الأهرام المصرية
21 يناير 1985
■ جريدة الوطن: الخلافات العربية كانت السبب حتى الآن في عدم وجود أي موقف أو عمل عربي مشترك تجاه القضايا الأساسية لأمتنا العربية.. هل لجلالتكم إلقاء الضوء على الأرضية التي يجب أن يلتقي عليها الزعماء العرب للخروج بنتائج عملية وواقعية تخدم المصلحة العليا للأمة العربية
السلطان قابوس: في الحقيقة هذه أمنية نحلم بها أن تتحقق وأن نرى العرب وقد كذّبوا هذه المقولة، ولكن للأسف للآن لم يكذبوها، وإنما يجعلون الناس الذين يقولونها يصدقونها أكثر، للأسف نظرة عدم الثقة هذه الموجودة عند الكثير من الإخوان العرب، نظرتهم لبعضهم البعض إن الواحد يعمل حاجة على حسابي وهذا يعمل للآخر على حساب آخر، ولو نبذنا كل هذه الأمور، وأعتقد لو كان هناك نوع من المؤتمر غير الرسمي أو مؤتمرات غير رسمية، يعني يقعدون فيها يتحدثون بصراحة ويشربون الشاي مع بعض وفناجين القهوة مع بعض ويخرجون يتفسحون مع بعض في حديقة مملوءة بالزهور والأشجار والخمائل في جو هادئ، يكون أفضل من هذه المؤتمرات، التي أولا لا يحضر لها التحضير السليم الكافي، وتخرج عكسية في كثير من الأوقات وسلبية إلى حد نضحك العالم علينا، ربما تكون هذه الأشياء أفضل وهذه الأشياء تسبقها اجتماعات ودية بعيدة عن الأنظار يحددون وقتا يأخذون فيه عطلة في منطقة جميلة خالية من التوترات تسبقها تمهيدات، يجتمع رؤساء الوزراء في وقت ويمهد قبلهم وزراء آخرون ربما يكون هذا هو الحل الأفضل ولكن هذا لا يفيد ما لم نر هناك أرضية، وأرضية مدروسة يجب أن نجادل بعضنا البعض بأمور مدروسة وليس جدالا عشوائيا؛ لأنه لو استمر هذا الجدال العشوائي ـ حتى ولو كان في محل هادئ ـ ربما يزيد الطين بلة ولن يكون له المردود الطيب، فعندما أجادل واحدا بطريقة غير مدروسة فسيجادلني بطريقة غير علمية وغير مدروسة وليست واقعية وليست مبنية على حقائق.. فعندما تكون مبنية على حقائق سيكون هناك صدق.. ولا يمكن أن تكون صادقا ما لم تكن لديك حقائق. وعندما تتهم أخاك بشيء وهو يقول شيئا آخر وليست لديكم حقائق فلن يكون الأمر مجديا، وإذا استطعنا إيجاد هذه الركيزة ربما يكون هناك خير.
مؤتمر صحفي لوسائل الإعلام العمانية
23 يناير 1985
■ السياسة الكويتية: جلالة السلطان.. هناك سؤال يطرحه الكثيرون ولا أطرحه أنا لوحدي.. وهو لماذا لا يُعلَن ولي عهد السلطنة؟
السلطان قابوس: ضمن إطار تقاليد الأسرة العُمانية الحاكمة فإن منصب ولي العهد تقليد لا يؤخذ به، فالوضع يُترك لحين الحاجة، حيث تفرز الكفاءة نفسها عندما يكون منصب ولي العهد ضروريا. نعم.. أعرف أن هناك تساؤلات لكنها تساؤلات غير عُمانية خصوصاً من قِبَل الذين لا يعرفون العُرف الذي سارت عليه الأسرة الحاكمة هنا.
جريدة السياسة الكويتية
11 ديسمبر 1985
■ أخبار الخليج: سيدي صاحب الجلالة.. هناك من يتهم عُمان بأنها الدولة التي «تحمل السُّلَّم بالعرض» بالنسبة لقضايا مجلس التعاون.. ما رأي جلالتك؟
السلطان قابوس: ليس الأمر كذلك. أي حمل السلم بالعرض.. فالمسألة هنا مسألة تريّث. فالله، سبحانه وتعالى القادر على كل شيء خلق الكون في ستة أيام، وكان بمقدوره أن يخلقه في يوم واحد. نحن مع اندماج مصالح دول المجلس. لكن لنا حساباتنا في هذه المسألة، والتي يرى البعض أنها حسابات غير ضرورية. من جهتنا فنحن نرى أن بعض المصالح الوطنية يجب أن تحظى بالاعتبارات حتى لا تكون هناك غلبة القادر على غير القادر، لكن عندما تغيرت الظروف ووصلنا إلى مرحلة التكافؤ فيما بين بلداننا في الكثير من قضايا الشؤون السياسية والاقتصادية أصبحنا أكثر مرونة، لقد وافقنا على كل الذي طُلِبَ منا، ولم يعد لدينا تحفظ إلا على ما ندر من القضايا والأمور. وهذا يعني أننا بدأنا نشعر أن هناك تكافؤا في الفرص قد تحقق للجميع ولا يضار منها شعبنا. لقد تحفظنا في السابق على بعض قضايا التعاون لكن تحفظنا كان مؤقتا ولم يكن نهائيا. كنا نرى أن التكافؤ في الفرص يجب أن يشمل الجميع حتى لا يلحق الإضرار بأي طرف وقد قَدَّرَ لنا إخواننا وجهة النظر هذه، فنحن في النهاية مع مجلس تعاون قوي، ومع الاستفادة منه ومن قوته كتكتل يحمي مصالح شعوب المنطقة ويدفع بها إلى الأمام.
جريدة أخبار الخليج
18 ديسمبر 1988
■ ميدل ايست بوليسي: معروف أنك محبوب كقائد متنور.. ما هي المؤثرات والأفكار والمفكرين والمعلمين والخبرات التي شكلت شخصيتكم كقائد؟
السلطان قابوس: هناك بالطبع الكثير من المؤثرات التي تؤثر على الشاب وهو يتقدم نحو مرحلة النضوج، فبالنسبة لحالتي كان إصرار والدي على دراسة ديني وتاريخي وثقافة بلادي لها عظيم الأثر في توسيع مداركي ووعيي ومسؤولياتي تجاه شعبي والإنسانية عموما، وكذلك استفدت من التعليم الغربي وخضعت لنظام حياة الجندية وهو ما يمكن القول بأنه خلق لدي توازنا. وأخيرا كانت لدي الفرصة للاستفادة من قراءة الأفكار السياسية والفلسفية للعديد من مفكري العالم المشهورين وفي بعض الحالات وجدت أنني على اختلاف مع تلك الأفكار التي كانوا يعبرون عنها إلا أن هذا الاختلاف في حد ذاته أثبت جدواه وقيمته في تطور الأفكار التي تشكلت لدي واعترافي وإدراكي بضرورة دراسة كل جوانب المسألة.
ميدل ايست بوليسي
30 إبريل 1995
جريدة الحياة: حول كشف شبكة التنظيم السري في السلطنة من عامين والتي اعتقل أعضاؤها وتمَّ الإفراج عنهم جميعا في أوقات لاحقة وفيما إذا أصبحت السلطنة الآن بمنأى عن التيارات الأصولية التي تنمو في المنطقة؟
السلطان قابوس: ما يسمى بالتيار الأصولي فنحن كلنا مسلمون، ونحن نعتبر أنفسنا ندين بدين واحد والكل مسلم، وأيضا هناك ديانات أخرى للمقيمين أو الموجودين في البلد وهذه أيضا حرية عبادتهم مكفولة من قبل التشريعات في البلد لذلك من يدعي أنه أكثر إسلاما من الآخرين فهذا ادعاء في غير محله وبالتالي هؤلاء لا بد أن يفهموا أنه لا مجال لهم في بلد مثل عُمان أبدًا وليست لديهم الحجة لأن الشعب في هذا البلد لا يتبع تيارا معينا أو يسير في مسار آخر غير مساره الذي ارتضاه لنفسه منذ مئات السنين وأبناء عُمان حملوا لواء الإسلام لمناطق أخرى خارج بلادهم وهذا شيء معروف شرقا وغربا. لذلك أعتقد أنه غُرِّرَ بهم من منظمات خارجية لها أهداف أخرى وهؤلاء غُرِّرَ بهم وقيل لهم إنّ هذا هو المسار الصحيح وأنهم على حق والآخرون على خطأ، لكن أعتقد أنهم أدركوا أنّ هذه ليست هي الحقيقة لأن الحقيقة عكس ذلك. لذلك أستطيع أن أقول: إنّ السلطنة، إن شاء الله، ستحافظ دائما على هويتها وعلى إسلامها كما يجب.. فهؤلاء «المنظمات» أرادوا أن يكونوا خلايا سرطانية، لكن الحمد لله، إنّ هذه الخلايا قُضِيَ عليها.
جريدة الحياة اللندنية
29 مايو 1996
■ السياسة الكويتية: جلالة السلطان.. ألا يوجد ما يقلقك وأنت ذاهب إلى مخدعك؟
السلطان قابوس: أبدا. أبدا. أبدا. وكل ما يحصل أني أستمع إلى بعض الأخبار قبل النوم وأقرأ بعض المواضيع ثم أقرأ ما تيسر من كتاب الله العظيم وأخلد إلى النوم. في العادة أنام بعد قضاء يوم حافل بالأعمال الكثيرة، ما يقلقني منها أنهيه وأبت فيه في ساعات النهار، والباقي أقضيه في التفكير بتجاوز الحاضر إلى ما هو أفضل منه أو في اتخاذ قرار حول هذا الأمر أو ذاك. إذا كان هناك ما يتعلق من ملفات فإني أنهيها بعد التفكير في الأمر مع جهات الاختصاص. وفي هذا المجال أعترف بأني أتمتع كثيرا بهذه الرحلات الداخلية التي أقوم بها في طول البلاد وعرضها. في هذه الرحلات ألتقي بالناس مواجهة وأسمع إلى مطالبهم وهم يسمعون وجهات نظري. إنني أشعر بالألفة هنا وهم كذلك. إن تفقد أحوال الرعية شأن موجود في تاريخ الإسلام ويعد من واجبات القائد. هناك مواطنون قد لا تسمح لهم ظروفهم بأن يطرقوا أبوابا معينة فآتي أنا إليهم بشكل مباشر، إني مرتاح وأجد متعة نفسية بهذه الرحلات الداخلية، أجتمع فيها بأهلي وأختلط بأنفس كثيرة أسمع منها وتسمع مني ونعطي جميعنا الثمار المطلوبة. إني أتمتع وأنا أرى أهلي يستمعون إلى توجيهات ولي الأمر ويعملون بها، من هنا تخلق ثقافة الضبط والربط والتي هي سر تفاعل الرعية براعيها، هذا التفاعل الذي يخلق بدوره الولاء المتبادل بين الطرفين.
السياسة الكويتية
12 فبراير 2006
■ السياسة الكويتية: عندما جاء الإعصار الأخير «جونو» يقال إنك رفضت أي مساعدات، فهل هذا يندرج تحت بند أنكم لا تريدون منة يلحقها أذى؟
السلطان قابوس: ليس الموضوع بهذا الوصف، فنحن لم نرفض بالشكل الحاد المطروح في سؤالك.. لكن عندما حصل الإعصار وجدنا أنفسنا مع شعبنا قادرين على حصر نتائج الكارثة. وأردنا أيضا أن نجرب قوتنا أمام مثل هذه الكارثة؛ فشعبنا خضع للتجربة. وأقول لك: إننا نجحنا فيها، وهذه التجربة أيقظت الناس، والشعب العماني وجدناه لحمة واحدة، واستطاع أن يقوم بالواجب الذي كنا ندعو إليه دائماً. فهناك مع الأسف من فسر هذه الكارثة على أنها عقاب إلهي، وهؤلاء يفسرون بعيدا عن مقاصد الشريعة، وهذه القضية دعنا نأخذها على أنها تحذير إلهي ليتهيأ للناس بأن الحياة ليست دائماً من دون مصاعب، وأن عليهم أن يستعدوا لكل ما يقدر لهم، فهذا طبيعي. وعلينا أن نقول دائماً: الحمد لله على ما قدر ولطف، فهناك دول أخرى، نجد أن هذه الكوارث الطبيعية عندها دائمة وليست استثناء، أما ما حدث عندنا، وربما يحدث مرة أو مرتين، نعتبره استثناء إذا ما قسناه بغيرنا ممن تقع عندهم الكوارث بشكل سنوي أو متعدد. ولقد واجهنا هذه الكارثة بتعاون عال من المشاعر الوطنية، وكنت أشد الناس سروراً لتعاون الشعب العماني على تجاوز نتائج هذا الإعصار دون هلع أو فزع أو فوضى وبقلوب مطمئنة.
■ السياسة الكويتية: هل ما زال الشأن العماني الداخلي هو هاجسك دون غيره؟
السلطان قابوس: نعم. هو هاجسي. قلت لك سابقا إنك إذا أردت أن تكون قويا في الخارج عليك أن تكون قويا في الداخل. نعم أردنا لبلدنا القوة والسمعة الحسنة. ولا يعني هذا أننا لا نتابع الرياح التي تهب علينا من هنا أو هناك. رياح قد نؤثر فيها أو نتأثر بها، ولذلك أردنا إذا كانت هذه الرياح مؤثرة علينا تجدنا أقوياء نعرف كيف نتعامل معها. وكيف نصدها. الشأن العماني هو شغلي الشاغل وأنتم في هذا الإقليم تدركون ذلك وتعرفون أننا لا نلهو بالزبد الذي يذهب جفاء، ولكننا نلهو بما ينفع الناس ويمكث في الأرض.
لقد بدأت النهضة العمانية من الصفر وأنتم أيضا تعرفون ذلك والآن هي أرقام نفخر بها ويفخر بها شعبنا الذي تعاون معنا حتى أصبحت بلادنا ملء السمع والبصر وحضن وحصن المواطن العماني وكل من يعيش فيها أو يزورها.
السياسة الكويتية
28 إبريل 2008