خبراء اقتصاديون يقدمون مرئيـــاتهم لضــمان الاستدامة المالية - اتخاذ التدابير اللازمة لتقليل مستوى المخاطر المحتملة وضوابط للتأكــــــــــد من القدرة على الاستمرار في تحمل مستوى الدَّين ومعدل نموه - استطلاع :حــــــــمود المحــــــرزي - في السنوات الأخيرة وصل الدين العام للسلطنة إلى مستويات مرتفعة، وأصبحت خدمة الدين العام تشكل عبئا وضغوطا على التزامات الدولة فقد ارتفعت فوائد القروض إلى أكثر من 600 مليون ريال عماني بنهاية العام الماضي. الحكومة بدورها سعت في الفترة الماضية إلى اتخاذ العديد من التدابير لتحقيق التوازن والضبط المالي محاولة كبح ارتفاع حجم الدين العام من خلال ترشيد ورفع كفاءة الإنفاق ، وتعزيز الإيرادات غير النفطية، والدفع بتنويع مصادر الدخل، وتهيئة المناخ المناسب لجذب المزيد من الاستثمارات وفي هذا الجانب اصدرت حزمة من القوانين ذات الصلة بالاستثمار تمثلت في قانون استثمار رأس المال الأجنبي وقانون الإفلاس وقانون الشراكة بين قطاعي الدولة العام والخاص. وبالرغم من كل تلك الجهود إلا أن المستوى الحالي للدين العام يبقى واحدا من التحديات التي تواجهها السلطنة ما يستوجب اتخاذ التدابير اللازمة لتقليل مستوى المخاطر المحتملة، ووضع الموجهات المثلى لكيفية إدارة الدَّين الحكومي وتقليل آثاره السلبية على الاقتصاد.   إعــــادة تـــرتيب أولــويات الإنفاق بالتركـــيز على القطاعات الــــواعدة واتباع سياسات توزيعية أكثر كفاءة - «كما أننا سنحرص على توجيه مواردِنا المالية التوجيه الأمثل، بما يضمن خفض المديونية، وزيادة الدخل، وسنوجه الحكومة بكافة قطاعاتِها لانتهاج إدارة كفؤة وفاعلة، تضع تحقيق التوازن المالي، وتعزيز التنويع الاقتصادي، واستدامة الاقتصاد الوطني، في أعلى سُلّم أولوياتها، وأن تعمل على تطوير الأنظمة والقوانين ذات الصلة بكل هذهِ الجوانب». جلالة السلطان هيثم بن طارق ـ الخطاب السامي - في خطابه السامي وضع جلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله ورعاه - معالجة الدين العام على قائمة الأولويات في المرحلة المقبلة بالتأكيد على ضرورة توجيه الموارد المالية، التوجيه الأمثل، بما يضمن خفض المديونية، وزيادة الدخل، وانتهاج إدارة كفؤة وفاعلة، تضع تحقيق التوازن المالي، وتعزيز التنويع الاقتصادي، واستدامة الاقتصاد الوطني، في أعلى سُلّم الأولويات. ولتحقيق الإرادة السامية لتفادي أزمة الديون ما هي الاجراءات والضوابط اللازمة للحد من ارتفاع الدَّين العام وتقليل آثاره السلبية على الاقتصاد؟؟. خبراء اقتصاديون أجمعوا على ضرورة وجود قانون خاص للدين العام يحدد بموجبه سقف الدين العام وكذلك نسبة العجز السنوي إلى إجمالي الناتج المحلي، ويكون بذلك المرجع الذي يحد من التوسع في الدين العام. ودعوا إلى ضرورة التسريع في تنفيذ التوجيهات السامية لجلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله ورعاه -، بأن يكون احتواء الدين من الأولويات الاقتصادية في المرحلة المقبلة. وهذا يتطلب إيجاد أنموذج اقتصادي جديد يتواكب مع متطلبات المرحلة الحالية ويعتمد على التنوع الاقتصادي والشراكة مع القطاع الخاص، ليكون قاطرة النمو الاقتصادي فيما يقتصر دور الحكومة على إيجاد ممكنات للتنمية الاقتصادية.. اتخاذ التدابير اللازمة يقول المكرم الشيخ محمد بن عبدالله الحارثي رئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس الدولة: إن كلمات جلالة السلطان هيثم بن طارق فيما يتعلق بتوجيه الموارد المالية التوجيه الأمثل بما يضمن خفض المديونية كلمات عميقة في معناها. ففي الآونة الأخيرة اتسع الحديث عن مخاطر ارتفاع معدلات المديونية السنوية في السلطنة، وهو ما أكدته تحذيرات التقارير المختلفة، وتكمن خطورة الدين عندما يكون بهدف تغطية بنود استهلاكية غير إنتاجية وموجهة نحو تمويل الإنفاق الجاري، وهو الأمر الذي من شأنه أن يؤثر على مستقبل الخدمات التي تقدمها الدولة، ويؤدي إلى تداعيات خطيرة على الاقتصاد والمجتمع. المكرم الشيخ الحارثي يرى أن ارتفاع الدَّين العام له تأثير سلبي على التصنيف الائتماني والذي يظهر مدى قدرة الدولة على سداد أو التخلف عن تسديد ديونها، وفي السلطنة، نظرًا لتذبذب أسعار النفط خلال السنوات القليلة الماضية، واعتماد الحكومة بشكل رئيسي على الإيرادات النفطية، مع التزامات النفقات التشغيلية المرتفعة، جميعها كان لها دور كبير في توجه الحكومة للاقتراض بنسبة أكبر للتمويل، رغم أنه على المدى القصير يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على الحكومة، فيمكن أن يستخدم كوسيلة للحصول على أموال إضافية للاستثمار في الاقتصاد، عن طريق شراء السندات الحكومية، فعندما يتم استخدام الدَّين العام بشكل صحيح يكون له تأثير إيجابي على المستوى المعيشي وذلك لأنه يسمح بنشوء مشروعات استثمارية مثل تطوير البنى الأساسية، وتطوير وسائل النقل وغيرها، مما يشجع بدوره المستثمرين على الإنفاق عوضا عن الادخار ويعزز النمو الاقتصادي. ولكن ارتفاع مستوى الدَّين العام بشكل كبير في فترة وجيزة أمرٌ يدعو لاتخاذ التدابير اللازمة لتقليل مستوى المخاطر المحتملة على المدى الطويل، ووضع الموجهات المثلى لكيفية إدارة الدَّين الحكومي. تحقيق الإرادة السامية ويؤكد المكرم الشيخ الحارثي على ضرورة تحقيق الإرادة السامية لتفادي أزمة الديون مستقبلًا نتيجة وصول السلطنة لمراحل عالية من الدَّين العام، ولضمان توفر ما يكفي من الاحتياطات لدفع الفائدة والاقتراض مرة أخرى دون أي مشكلة سيتوجب على الحكومة أن تتبع العديد من الخطط والمناهج للحد من ارتفاع الدَّين العام وتقليل آثاره السلبية على الاقتصاد، وذلك من خلال تحديد القواعد العامة التي تحكم إصدار وإدارة الدَّين العام عن طريق وضع الضوابط اللازمة في كل ما يتعلق بالدَّين العام في تشريعات خاصة به. ويضع المكرم الشيخ الحارثي عدة مقترحات لمعالجة أزمة الدين وهي وضع ضوابط للتأكد من القدرة على الاستمرار في تحمل مستوى الدَّين العام ومعدل نموه، وضمان تلبية الاحتياجات التمويلية وسداد التزاماتها بأقل تكلفة ممكنة على المدى المتوسط إلى البعيد، بدرجة معقولة من المخاطرة، إضافة إلى تحديد الحدود المثلى لإجمالي مبلغ الدَّين العام من الإيرادات الذاتية المتجددة، ومن الناتج المحلي الإجمالي، وأوجه صرف الدَّين وكيفية إنفاقه وأدوات الاقتراض المحلي والخارجي، كما ينبغي العمل على ضمان ألا تمثل أعباء الدَّين العام في المستقبل عائقا أمام تحفيز النمو والإنفاق الرأسمالي والعجز عن الالتزام بالإنفاق على النفقات الأساسية، ومن الأهمية وضع موجهات استراتيجية لإدارة الدَّين العام، وأدوات السداد، والضمانات المالية الحكومية، وإعادة إقراض الأموال المقترضة. بناء أنموذج كلي للمالية العامةويضيف: إنه في ظل أوضاع المالية العامة والتحديات المختلفة التي تمر بها، فإن تشكيل نفقات ميزانية الدولة يتطلب اعتماد حلول واقتراح نماذج جديدة، لمقابلة التحديات المختلفة التي تواجهها الميزانية العامة، من خفض الإنفاق العام والعجز وارتفاع مستوى الدين العام، مع ضعف مرونة الإنفاق، وصعوبة ترتيب الأولويات في ظل تزايد حجم المديونية، مما يشكل ضغطًا على الإنفاق العام وتوجيه نحو القطاعات الاستثمارية. كما يتطلب أهمية إعداد إطار مالي متوسط الأجل يقلل من مسايرة سياسة المالية العامة للاتجاهات الدورية، مما يساعد على استقرار الاقتصاد، حيث يساعد هذا الإطار على تجنب التقلبات الكبيرة في مستويات الإنفاق ويضمن رفع مستويات كفاءة وفاعلية الإنفاق العام وقدرته على دعم النمو الاقتصادي، وتحقيق الأهداف المتضمنة في الخطة الخمسية والبرامج التنموية. ويتطلب كذلك بناء أنموذج كلي للمالية العامة يشمل إعداد توقعات الإيرادات والنفقات والعجز /‏‏‏‏‏‏‏ الفائض والتمويل على المدى المتوسط ترتبط بالسياسات الاقتصادية الأخرى والمستهدفات الكلية، وأن لا تعتمد زيادة الإيرادات غير النفطية على الإصلاح الذي يركز على الضرائب وزيادة الرسوم، دون أن يبحث عن موارد أخرى ناتجة عن توسعة حقيقية للقاعدة الإنتاجية للقطاعات الاقتصادية والتنويع الاقتصادي تحقق إيرادات جديدة للموازنة تساعد في التقليل من العجز، وتقليص الإنفاق الجاري وتخطيط أفضل للإنفاق الرأسمالي والإنمائي. إعادة ترتيب أولويات الإنفاق ويؤكد رئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس الدولة على ضرورة الالتزام باستكمال الجهود في إعادة ترتيب أولويات الإنفاق لضمان كفاءة الإنفاق بالتركيز على الإنفاق الرأسمالي على القطاعات الواعدة واتباع سياسات توزيعية أكثر كفاءة تعمل على تحقيق الضبط المالي المستهدف لخفض معدلات الدين العام وإيجاد مساحة مالية في المستقبل تسمح بزيادة الإنفاق الاستثماري القادر على المساهمة في تحقيق النمو وإيجاد فرص عمل حقيقية وبما يسمح بزيادة الإنفاق المخصص لتطوير الخدمات العامة، واستكمال المشروعات الكبرى لتطوير البنية الأساسية، بالإضافة إلى زيادة الاستثمار في رأس المال البشري من خلال زيادة الإنفاق المخصص للتعليم والصحة والبحث العلمي. اختلال التوازن بين الإنفاق والإيرادات صاحب السمو السيد الدكتور أدهم بن تركي آل سعيد - خبير اقتصادي وأكاديمي بجامعة السلطان قابوس - أوضح أن توازن الإنفاق الحكومي عادة ما يهدف إلى ترشيد المصروفات في ظل محدودية الإيرادات، وما تواجهه السلطنة اليوم من زيادة مطردة للدين العام ناتج عن عدم اتزان المصروفات مع الموارد المالية الحالية، كما أن تقلص الإيرادات الحكومية من النفط والغاز هو أحد المسببات، إضافة إلى الزيادة المطردة في الإنفاق الحكومي ما قبل التغييرات الهيكلية في أسواق الطاقة عموما، وهناك عدة مسببات لزيادة الإنفاق منها زيادة حجم الجهاز الإداري وما تبعه من التزامات اقتصادية واجتماعية تزامنت مع احتياجات ملحة. وقال صاحب السمو السيد الدكتور أدهم آل سعيد: إن اختلال التوازن بين الإنفاق والإيرادات أدى إلى زيادة المديونة العامة للدولة، لافتا هنا إلى أن الحكومة عملت على خفض الإنفاق، ولكن حافظت على الإنفاق الاجتماعي الجاري في شكل الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية. وكان أثر ذلك مهما في محدودية التخفيض في الإنفاق لأهمية الجوانب الاجتماعية، وفي المقابل عززت الإيرادات غير النفطية من خلال تعديل الرسوم للخدمات وتحرير أسعار المحروقات برفع الدعم عنها وكذلك رفع ضرائب دخل الشركات، وهي معالجات كان لها أثرها في تعزيز الإيرادات بشكل ملحوظ إلا أن ذلك ليس كافيًا لسد العجز التراكمي في كل عام. إجراءات حقيقية للخفض وقال: يجب الأخذ في الاعتبار أن بعض هذه المعالجات وإن كانت ضرورية لها آثار سلبية على ممارسة الأعمال وإنفاق الأفراد، مؤكدا أن الحكومة ما زالت تركز على خفض العجز السنوي لتخفيف الحاجة للاستدانة لما في ذلك من آثار سلبية على الإنفاق المستقبلي. إن الالتزامات المالية المتراكمة بسبب خدمة الدين العام وتسديد أصل الدين تجهد الموازنة العامة وتفقدها موارد هي في حاجة لها، مشيرا إلى أن مستوى الدين العام للدولة يصل إلى قرابة ٦٠ بالمائة من الناتج المحلي في ٢٠١٩-٢٠٢٠م مما يشكل عبئا كبيرا في خدمته، وازدياد مستوى الدين العام إلى نسب أعلى يشكل هاجسًا للدولة والدائنين على قدرة خدمة الدين والوفاء به، وأكد أن الأمر يستوجب اتخاذ ما يمكن من إجراءات حقيقية لخفض العجز أولا والمديونية العامة تباعا. وقال: لا توجد خيارات عديدة لخفض الدين العام. إما أن تعزز الإيرادات ويخفض الإنفاق. وفي وضع السلطنة الحالي فأن زيادة الإيرادات لن تتأتى من زيادة إيرادات النفط بسبب التغيرات الهيكلية في سوق الطاقة والذي يفرض واقعا جديدا على مصدري النفط والطاقة. أما الخيار الآخر فهو زيادة الرسوم أو الضرائب، وهو خيار له عدة سلبيات، ومن أهم سلبياته المتوقعة التأثير على الإنفاق الأسري والاستثمار نتيجة عبء الرسوم والضرائب، في المقابل قد لا تتوفر خيارات أخرى. إذا ما أخذنا مسار تخفيض الإنفاق فهناك حاجة حقيقية لإعادة هيكلة للإنفاق العام وأولوياته، ويجب أن تأخذ تبعات إعادة الهيكلة في الاعتبار ما هو دور الحكومة في الاقتصاد، وللإجابة عن هذا التساؤل قد تختصر في تمكين الاقتصاد وليس لعب دور الإنتاج فيه، ولذا فأن تخفيض الإنفاق قد يركز على تعزيز الخدمات الاجتماعية والتنموية من دون الالتزام بدور الإنتاج، وقد ينتج عن ذلك تخفيف حجم الحكومة وإنفاقها. وبشكل عام لا توجد حلول سريعة وآنية لمعالجة الدين، وإنما خطوات حقيقية لمعالجة الإنفاق بشكل متوازن مع أولويات واقعية ومن شأن ذلك أن يقلل الآثار السلبية في الاقتصاد. توفير فرص استثمارية ويرى سمو السيد الدكتور أدهم آل سعيد أن الأدوات المتاحة لتحول الإنفاق الحكومي للشكل المطلوب تتمركز في توفير فرص استثمارية من خلال تخصيص بعض الخدمات التي يمكن توفيرها من خلال شراكات مع القطاع الخاص، إلا أن الاستثمارات بذاتها لا تخفف الدين ولكن تساند في تقديم الخدمات اللازمة من دون إجهاد الموازنة العامة للدولة بتكفلها، ومن الأمثلة على ذلك قطاع الكهرباء ومحطات توليد الكهرباء، ويبقى دور الحكومة في تمكين القطاعات الحيوية لجذب الاستثمارات وتنظيم تلك القطاعات بما يفيد المستفيدين منها، كما أن استثمارات القطاع الخاص تساعد في تخفيف الإنفاق الإنمائي في الموازنة العامة للدولة دوريا، ولكن يجب الأخذ في الاعتبار أن هناك بعض الاستثمارات غير مجدية للمستثمرين وتبقى في أولويات استثمارات الحكومة. قانون للدين العام الدكتور عبدالملك بن عبدالله الهنائي قال: إن الدين يستنزف الكثير من الإيرادات سواء كان أي الدين في صورة قروض أو سندات أو صكوك وكلها تتطلب تحييد جانب من إيرادات الدولة لسداد هذه الديون، موضحا أن الدين عندما يكون لأجل إقامة مشروعات مدرة للدخل فهو مقبول كونه يخدم الاقتصاد الوطني، ولكن إذا كان من أجل الإنفاق الجاري فأنه يمثل خطورة، وتترتب عليه الكثير من التبعات تنعكس على الاقتصاد، مؤكدا على ضرورة الانتباه من خلال السيطرة على الإنفاق الجاري وتخفيض العجز في الموازنة وبالتالي عدم اللجوء إلى الاقتراض بشكل كبير، كما يجب إصدار قانون للدين العام يحدد سقفه ونسبته من الناتج المحلي الإجمالي. إن استقطاب الاستثمارات المحلية والأجنبية منها يساعد على إنعاش ونمو الاقتصاد وإيجاد فرص عمل كما أنها تمكن الحكومة على المدى المتوسط من تحسين إيراداتها ولذا من المهم تسهيل الإجراءات الحكومية بما يخدم هذا الجانب. رفع كفاءة وتجويد الإنفاق العام الدكتور ناصر بن راشد المعولي عميد كلية الدراسات المصرفية والمالية يرى أنّ الدّين العام للسلطنة مقارنة بالدول الأخرى ما زال في الحدود الآمنة، حتى وإن وصل إلى 58% من الناتج المحلي الإجمالي، فهو يقع ضمن الحدود الآمنة مقارنة بدول يتخطى فيها الدين العام 100% من حجم الناتج المحلي. وقال: بالرغم من الجهود الحكومية المبذولة في احتواء الدّين العام إلا أن المتغيرات الجيواقتصادية والتقنيات الحديثة أثرت بشكل مباشر على إيرادات النفط والغاز مما أدى إلى تصاعد العجوزات السنوية في الموازنة العامة للدولة، وعليه يتم تمويل العجوزات من خلال السحب من الاحتياطيات والإقراض من السوق المحلي والعالمي. وأوضح المعولي أن التحدي ليس في الدّين العام كمجرد رقم مالي، بل يكمن التحدي في كيف يتم استخدام الدين العام وما هي الطرق والأساليب المتبعة لإدارة الدّين العام والحد من ارتفاعه، فارتفاع الدّين العام بشكل غير آمن سوف يؤثر سلبيا على الأداء الاقتصادي والتصنيف الائتماني للدولة، مما يؤثر على قدرة الدولة في تحقيق الاستدامة المالية. وأشار الدكتور ناصر المعولي إلى أن احتواء وتقليص الدّين العام يتطلب رفع كفاءة وتجويد الإنفاق العام وتنويع مصادر الإيرادات الحكومية من خلال تنشيط الإيرادات غير النفطية مثل الرسوم والضرائب وكذلك مراجعة بنود الإنفاق الجاري، كما يتطلب ضبط الدين العام إجراء المزيد من الإجراءات لتهيئة بيئة العمل والأعمال وتمكين القطاع الخاص من قيادة قاطرة النمو الاقتصادي. أنموذج اقتصادي جديد ودعا المعولي إلى ضرورة التسريع في تنفيذ التوجيهات السامية لجلالة السلطان هيثم بن طارق - حفظه الله -، على أن يكون احتواء الدّين من الأولويات الاقتصادية في المرحلة المقبلة، ويتطلب ذلك إيجاد أنموذج اقتصادي جديد يتواكب مع متطلبات المرحلة الحالية ويعتمد على التنوع الاقتصادي والشراكة مع القطاع الخاص، ليكون القطاع الخاص قاطرة النمو الاقتصادي على أن يقتصر دور الحكومة في إيجاد ممكنات للتنمية الاقتصادية. ويقترح المعولي أن يكون هناك قانون أو إطار عام للدّين العام يحدد الضوابط والأطر المنظمة للدّين العام من حيث تحديد سقف أعلى للدّين العام وأنواع وأدوات التمويل وكيفية استخدام الدّين العام. تعزيز الموارد بأدوات متنوعة الدكتور يوسف بن حمد البلوشي - خبير اقتصادي - قال: إن تحقيق الاستقرار المالي يمثل استدامة الإطار الكلي الذي يمنح الثقة بالأداء الاقتصادي ووضوح الرؤيا، ولا بد من تعزيز الموارد المحلية بأدوات مختلفة ومتنوعة تكون متدرجة، تبدأ من فرض بعض أشكال الضريبة على السلع الكمالية وغير الضرورية، وكذلك طرح موضوع ضريبة الدخل على ذوي الدخول المرتفعة، إضافة إلى ضرورة البدء بتنفيذ مشروعات الطاقة المتجددة كي يساهم مساهمة فعالة في تحقيق التوازن المالي، حيث إن التحول إلى مصادر الطاقة البديلة سيمكننا من استمرار توفيرها للمواطنين بأسعار معتدلة، وفي الوقت نفسه سيتم تحرير حجم الدعم الهائل الذي يتم تقديمه لهذا القطاع في الوقت الحالي. ويضيف البلوشي: إنه من المناسب البدء بضبط النفقات وإخضاعها للإشراف من منظور تنموي ينسجم مع طبيعة المرحلة القادمة وبما يضمن الربط بين كافة المتغيرات. كما أن بنود وأوجه الإنفاق العام تحتاج إلى مراجعة وتدقيق، وليس بضرورة لتخفيضها وإنما لرفع كفاءتها، والذي من شأنه أن يبعث برسائل إيجابية للجميع، ويؤطر فيما بعد (على المستوى المتوسط) تقديم مقترحات ضريبية أن دعت الحاجة. وقال: إن تبني حلول مالية كفرض المزيد من الضرائب أو حلول نقدية بتخفيض تكلفة الإقراض وحدها لن تكون قادرة على إحداث النقلة النوعية للاقتصاد العماني وتوجيه الاستدامة ما لم يترافق مع سياسات وبرامج إصلاح هيكلية تمس جميع عناصر الإنتاج وتشمل رأس المال وتحولا حقيقيا في دور القطاع البنكي لإعادة توجيه الودائع والائتمان المصرفي إلى القطاعات الإنتاجية، واجتذاب عدد من البنوك ومؤسسات التمويل الدولية والصناديق الاستثمارية رغبة في الوصول إلى زبائنها، كما أنه يجب تسويق السلطنة كوجهة للاستثمار في قوالب واضحة وحزم حوافز معدة بإتقان لما تزخر به من موقع جغرافي وموارد وفرص استثمارية واعدة في القطاعات المختلفة. وفيما يتعلق بسوق العمل ينبغي أن نترك الاستثمار يبدأ وينجح ويستقر وبعدها نبدأ بخطط التعمين، إضافة إلى الإدارة والتنظيم لمنظومة الاقتصاد الكلي والجزئي. إدارة دقيقة للمتغيرات الاقتصادية إن تحقيق الاستدامة المالية لن يتأتى بدون فهم وإدارة دقيقة للمتغيرات الاقتصادية في الحسابات الاقتصادية الكلية المتمثلة في الحسابات القومية من خلال رفع مكونات ومساهمات القطاعات الإنتاجية في الناتج المحلي الإجمالي، التي تتسم بأداء متواضع وما نحتاجه في المرحلة القادمة ليس زيادة تدريجية لمساهمة القطاعات غير النفطية وإنما إلى قفزات تنموية تتماشى مع جاهزية السلطنة وتناقص المساحة المتوفرة للقيام بإصلاحات اقتصادية تمكن من تنويع الاقتصاد وتوليد فرص عمل للأعداد المتزايدة من أبناء هذا الوطن.. وثانيا في ميزان المدفوعات في إدارة جانبي هذا الميزان ومحاولة زيادة التدفقات النقدية إلى داخل الاقتصاد العماني والمتأتية من عائدات التصدير وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر وتشجيع الشركات العمانية لتوسعة أعمالها خارج السلطنة وتحويل أرباحها، ومن جانب آخر الحد من التسربات في الدورة الاقتصادية الناتجة عن زيادة استيراد السلع والخدمات وتحويلات الأرباح والعاملين إلى الخارج. وثالثا في حسابات النقود والبنوك في إدارة الائتمان المصرفي بطريقة تضمن إطلاق محركات الإنتاج وليس نهم الاستهلاك. وقال البلوشي: إن نجاح السلطنة في عبور المرحلة المقبلة يعتمد بشكل كبير على إدارة الملف الاقتصادي من قبل فريق يحمل فكرًا اقتصاديًا متجددًا وفهمًا شموليًا لترابط المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والعلاقات الدولية ويعمل بشغف لبناء المستقبل بحيث تعمل محركات النمو بانسجام وتناسق تام. خفض المصروفات غير الضرورية‬ الدكتور سعيد بن مبارك المحرمي أكاديمي بجامعة السلطان قابوس - كلية الاقتصاد والعلوم السياسية - أوضح أنه في السياسة المالية، يتفق الاقتصاديون على ألا يتجاوز عجز الموازنة العامة عن 3% من الناتج المحلي الإجمالي، وألا يتجاوز الدّين العام عن 50% من الناتج المحلي الإجمالي .. والالتزام بهذا الإطار العام والسقف المحدد قد يؤثر على المشروعات التي ترغب السلطنة في إقامتها، ولكن وجود مثل هذا المؤشر ضروري للاسترشاد به حتى لا يصل الدين العام لمستويات عالية تجعل من خدمة الدين العام عائقًا في تنفيذ المشروعات التنموية بالسلطنة. وهنا يشير المحرمي إلى التجربة الآيسلندية من خلال محاضرة لجوموندور أرناسون من وزارة المالية الآيسلندية ألقاها في مسقط والذي أوضح أن آيسلندا قد واجهتها عاصفة مالية كادت أن تقضي على اقتصادها وتعلن إفلاسها بسبب الدّين العام العالي، إلا أن الحكومة الآيسلندية تعاملت بشكل حازم من أجل حل تلك المشكلة الاقتصادية. ومن المؤشرات التي ذكرها جوموندور للخروج من الأزمة المالية في آيسلندا أن الحكومة حددت بأن نسبة العجز بالميزانية إلى الناتج المحلي الإجمالي يجب أن لا يتجاوز 2.5%، نسبة الدّين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي يجب أن لا يتجاوز 30%، وعملت الحكومة على خفض الدّين العام بنسبة 5% سنويًا ليصل إلى 30%. فيما اهتمت بالقطاع المصرفي وسوق رأس المال فهما مصدر التمويل للحكومة وللقطاع الخاص، وحسن استخدام السياستين المالية والنقدية وضرورة التنسيق والعمل المشترك بين وزارة المالية والبنك المركزي ووضع مؤشرات واضحة كمؤشر للدّين العام والعجز السنوي المسموح به وتتم مراقبتها ومتابعتها وتقييمها بشكل دوري والتركيز على السياحة كأنموذج لتنويع مصادر الدخل والعمل بخطط خمسية. ويتحدث الأكاديمي المحرمي عن أن السلطنة تواجه التحدي المتمثل في الدّين العام والعجز السنوي ولذا يجب إصدار قانون الدّين العام في أسرع وقت ممكن، يحدد بموجبه سقف الدّين العام وكذلك نسبة العجز السنوي إلى إجمالي الناتج المحلي، كما أن وجود قانون الدّين العام ضرورة مُلحة ليكون المرجع الذي يحد من التوسع في الدّين العام لا سيما القروض التي لا يكون لها مردود مالي للدولة، ولا تضيف أي قيمة للاقتصاد، وكذلك التوقف قدر المستطاع عن الديون الجديدة وخفض المصروفات غير الضرورية‬ والالتزام بخطة الموازنة العامة بدون أي زيادة في المصروفات. ويضيف: إن المؤشرات الاقتصادية تحسب على أساس الناتج المحلي الإجمالي، لذا فأن زيادته تعد أولوية، وكذلك زيادة الناتج المحلي الإجمالي بإيجاد بيئة جاذبة للمستثمرين يتوسع من خلاله عدد وحجم مؤسسات القطاع الخاص، فكل المؤشرات الاقتصادية تحتسب على أساس الناتج المحلي الإجمالي بما في ذلك الدّين العام، إضافة إلى الاستفادة القصوى من القطاعات التي حددها البرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي «تنفيذ» من أجل تنويع مصادر الدخل وتعظيم الإيرادات، والإسراع في تنفيذها، مع ضرورة الاهتمام بالقطاع المصرفي وسوق مسقط للأوراق المالية، والعمل على نموهما لأنهما مصدر التمويل للحكومة وللقطاع الخاص، ولن تجد دولة متقدمة اقتصاديا بدون قوة ومتانة هذين المُمكنين.