ميناء صُحار من أهم مراكز التجارة منذ القرن الثالث الهجري - عرض - سالم الحسيني - أوصت الورقة البحثية للباحث أ. د. محمد كمال الدين إمام -أستاذ بكلية الحقوق- جامعة الإسكندرية والتي جاءت تحت عنوان: «فقه الماء وكتب الخراج والنوازل نحو قراءة حضارية» التي طرحها في ندوة تطور العلوم الفقهية المقامة مؤخرا بالعاصمة مسقط بدراسة تحليلية لكتاب أحكام الأراضين في ضوء فتاوى الفقه الإباضي بنفوسة. وبدراسات وأطروحات جامعية عن محاكم المياه، على ضوء التجربة التاريخية محكمة متخصصة للمياه التي أنشئت في مدينة بلنسية، إضافة إلى ما نعرفه عن محكمة المياه التي أنشأها «عبد الرحمن الناصر» في أوائل القرن الهجري الرابع، مبينا أن «سيمون حايك» قدم بحثًا ماتعًا عن محكمة المياه في بلنسية. كما أوصت بدراسة كتاب «الخراج» لأبي يوسف وتطوره وأحكامه من خلال خراج المساحة، وخراج المقاسمة، وبيان الآثار الاقتصادية لكل نوع، واستخدام المنهج المقارن باعتباره الأصلح في دراسة علمية معاصرة للموضوع. وأوضح أ. د. محمد كمال الدين إمام أن ورقته تهتم بالمصادر والنوازل والموضوعات - لكل من فقه المياه والخراج، وهو فقه تواصل فيه النظري والعملي من خلال منهجية صارمة لإنتاج الأفكار تبدأ بفقه الدليل وتنتهي بفقه التنزيل، خاصةً وأنه في مجال الماء ومقاسمته تنطلق مباشرة من أدلة أصلية تستقل بإثبات الأحكام وهي القرآن والسنة والإجماع، مشيرًا إلى أن مباحث فقه المال وعلائقها بتطور النظم المالية والاقتصادية وما يتبعها من التطورات الاجتماعية عُرفت باعتبارها روايات منذ القرن الأول الهجري. حيث اعتبر «عمرو بن ميمون» (ت75هـ) الذي واكب الفتوح من أوائل من كتبوا في نظرية الخراج نظريًا وعمليًا. وكان «ابن المقفع» المعاصر لأبي حنيفة قدم في رسالة الصحابة جهدًا من نوع خاص تمثله دراسة اقتصادية لنظام الخراج تشير إلى مساوئه وتقوم بمحاولة جادة في سبيل إصلاح اقتصادي عن طريق إصلاح النظام الضريبي وهو ما يتعثر فيه المعاصرون حتى الآن. وأشار إلى أن لفظ «الماء» ورد في القرآن الكريم ثلاثًا وستين مرة، صنفها البعض إلى ما يلي: سبع عشرة مرة جاء معرفًا بـ«أل» كما في قوله تعالى: (أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنْ الْمَاءِ)، وخمسة مواضع جاء معرفًا بالإضافة. كما في قوله تعالى: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنْ النَّاسِ)، واثنتان وعشرون مرة جاء نكره مطلقا كما في قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ)، وتسع عشرة مرة جاء نكرة مقيدا. كما في قوله تعالى: (خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ)، وقد جاء الماء بغير لفظه في كتاب الله في عدة مواضع، كما في قوله تعالى: (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ). وأضاف: تزخر المصادر التاريخية عامة وكتب التاريخ المحلي، والخطط والجغرافيا ومذكرات الرحالة، فضلاً عن الوثائق بمعلومات كثيرة عن مصادر المياه المختلفة والمنشآت المائية التي أنشئت في العديد من المدن الإسلامية وظواهرها سواء منطقة القلب من العالم الإسلامي أو في الجناح الشرقي أو الجناح الغربي لدار الإسلام، وينبه أهل الاختصاص إلى أهمية كتب الفلاحة أو علم الريافة، وكتب الحيل الميكانيكية لكل من يتصدى للكتابة في هذا الموضوع ومن بينها «الفلاحة» لابن بصال، وكتاب «الفلاحة» لابن العوام، وكتاب «إنباط المياه الخفية» للكرخي، و«علم الملاحة في علم الفلاحة» للنابلسي، و«مفتاح الراحة لأهل الملاحة» والمؤلف مجهول، و«عين الحياة في استنباط المياه» للدمنهوري، وكتاب «البئر» لابن الأعرابي، وكتاب «الحيل» لبني موسى بن شاكر، وكتاب «الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحيل» وغير ذلك، مشيرًا إلى أن هذه المكتبة المتكاملة إذا أضيف إليها فقه الخراج أمكن الوصول إلى منهجية لافتة للنظر في تشكيل موارد الدولة الإسلامية، وتأصيل مصادرها الطبيعية. وأضاف قائلا: ذكر الدكتور صالح العلي أن المتحف البريطاني يضم مخطوطة ناقصة عنوانها «المنهاج في الفقه الخراج» للمخزومي توفر «كلودكاهن» على دراستها وترجمة بعض فصولها وتحليلها ونشر عنها عدة مقالات في كتاب عنوانه «المخزونية» طُبع في لندن سنة 1972. ولابن رجب الحنبلي (ت799هـ) كتاب «الاستخراج في أحكام الخراج» طُبع عام 1934 لأول مرة، وقد تناول ابن رجب فقه المياه وهو تكلم عن فقه الأراضي، ولا ينبغي أن تحجب الكتب المعنونة بـ«الخراج» ما قدمته كتب الأموال من دراسات ذات أهمية فقهية وحضارية، ويأتي في مقدمة هذه الكتب: «الأموال» لأبي عبيد القاسم بن سلام (ت206هـ)، و«الأموال» لحميد بن مخلد الأزدي زنجويه (ت251هـ). وقد ذكر ابن خير الإشبيلي في فهرسته كتابًا للقاضي إسماعيل الهضمي في الأموال والمغازي، وذكر العلامة الكتاني في كتابه «الرسالة المستطرفة» أن لأبي الشيخ الأصفهاني كتابًا في الأموال وهما مفقودان. ومن كتب الخراج في القرن الرابع كتاب «الأموال» لأبي نصر الداودي نُشر في الرباط بالمغرب عام 88 هـ بتحقيق رضا محمد سالم شحادة، ويعتبر الجزء الأول منه بالغ الأهمية وفيه فصول حول الأراضي وأنواعها وعمارتها والآبار والكلأ والماء والنار وأراضي الخراج واستئثار بها. ومن هذه الكتب كتاب «الخراج» لداود الظاهري (ت 256هـ) ويكفي لبيان أهميته أنه الكتاب الوحيد- فيما نعلم- في فقه الظاهرية عن الخراج، وأنه لإمام المذهب داود الظاهري، و«الخراج» لجعفر بن مبشر الثقفي (ت 234هـ)، وكتاب «الخراج» للإمام الخصاف (ت258هـ)، وكتاب «الخراج، الجزية والقبالات والمزارعة» لأبي النضر محمد بن مسعود العياشي، وكتاب «الخراج» لنصر بن موسى الرازي. وفي التدقيق عن أولوية كتب الخراج نجد ابن الطقطقي في «الفخري في الآداب السلطانية» أن أبا عبيد الله معاوية بن يسار وزير المهدي «صنّف كتابًا في الخراج ذكر فيه أحكامه الشرعية ودخائله وقواعده، وهو أول من صنّف كتابًا في الخراج، وتبعه الناس بعد ذلك فصنّفوا في كتب الخراج». وأكد إمام أن الفقه الإباضي عالج مسائل المياه في وقت مبكر من خلال كتب الجوابات والفتاوى وكثير من فتاوى الإمام الفقيه الربيع بن حبيب في العبادات جمعها أبي غانم في مدونته، ومنها أحكام الطهارة والوضوء والاغتسال، وفي كتاب «المصنف» للكندي أبو بكر أحمد بن عبدالله بن موسى -وهو كتاب في الفقه المقارن مع الأحناف والشافعية والمالكية- فتاوى تتعلق بفقه المياه والعمران وأحكام المزارعة والدواوين، وقضايا الخراج منذ عصر الخليفة الثالث علي ابن أبي طالب وقدم لنا معلومات عن الصوافي وأصولها، ومؤسسة الديوان في عصر عمر، وأرخ لمفهوم الفيء منذ عصر الرسول صلى الله عليه وسلم وتطوره، وعالجت كتب الفتاوى الإباضية كثيرًا مما في أبواب الفقه الإسلامي ومنها فقه المياه باعتباره جزءًا رئيسيًا من دراسات الثروة المائية للدولة الإسلامية. وكان الاهتمام بفقه النقل البحري جزءًا أساسيًا في المدونات القانونية الإباضية وذلك لأمرين: الأول: التجارة، وهي عامل أساسي في حياة المجتمع الإباضي قديمًا وحديثًا، وقد كان الإباضيون في مقدمة الصفوف من أوائل التجار العرب في الصين، وهو ما أكده بحق ليفنسكي. والثاني: تفكير مسلم بن أبي كريمة في أهمية نشأة الدولة الإباضية- والتي تحققت بنشأة الدولة الرستمية في المغرب العربي وحاجة هذه الدولة في مرحلتي الإعداد والتأسيس إلى مصادر تمويل، وفي هذا السياق يصح ما قاله إرسيليا فرنشيسكا في كتابه «التجارة الإسلامية في العصر الوسيط بين النظرية والتطبيق»: «لم يكن الانحطاط الذي عرفته البصرة- باعتبارها المركز الروحي والسياسي للإباضية- ليضع حدًا لاهتمام أعضاء الحركة بالتجارة- فميناء صُحار بعمان أصبح بداية من نصف القرن الثالث إحدى أهم مراكز التجارة بين أراضي المسلمين وجنوب شرق آسيا. وأشار إلى أن وللعلامة «السالمي» رؤية مقاصدية يتأسس عليها نظام كامل في الفقه الحضاري للمياه، لحمته وسداه «فكرة التعاون»، التي أصبحت في كتابه «جوهر النظام» تنظيمًا اجتماعيًا وسياسيًا وتشريعيًا تتفاعل فيها حقوق الله مع حقوق العباد، في سياق تشريعي يستمد شرعيته من حزم الحاكم ونزاهة العالِم ورضاء المحكومين. مشيرًا إلى أن فقه المياه انعكس إيجابيًا على نظم الري وقواعد تقسيم المياه، وتنظيم التجارة البحرية العمانية، وكان لذلك أكبر الأثر على الحياة الاجتماعية وما تنضبط به من نظم اجتماعية وقواعد سياسية. وتم تنظيم الملكية والتي كان لفقه المياه تأثير كبير عليها، وقد كشفت الدراسات الميدانية والتحليلية لـ«جي ولكنسون» وخاصةً في كتابه «الري والحياة القبلية في عمان» عن أثر الشريعة الإسلامية ممثلة في قوانين الوراثة، وأنظمة الضرائب، وأحكام الزكاة في تأصيل بين فقه المياه والتطور الحضاري داخل البيئات المتنوعة على مستوى الجغرافيا الطبيعية والجغرافيا البشرية، وكانت الجغرافيا كامنة وراء التاريخ فلم تنفصل عن أحداثه ومعاركه وتطوراته. كما تطرق البحث إلى قضايا المياه في كتب النوازل والسقي، مبينا أن كتب النوازل تُعد مصدرًا أساسيًا في قضايا المياه وأحكامها الفقهية على السواء، إضافة إلى قوانينها وتشريعاتها، وهي تمتاز على كتب الفقه بسمة عامة أنها تعالج الأحكام في حالة حركة لا سكون، فبين خصومات الناس ومنازعاتهم حول الماء تنساب اجتهادات المفتين، وأحكام القضاة من خلال منهجية تعتمد على دراسة الوقائع والاستعانة بأهل الخبرة للوصول إلى فتوى مقنعة ترضي الخصوم وحكم مبدع يقطع دابر النزاع.