التاريخ العماني عبر حقبه المتواصلة جيلا بعد جيل يمثل قصة عظيمة عمادها الإنسان، الذي استطاع أن يقهر المصاعب ويتحدى الظروف ليخلد اسمه، فقصة هذا البلد قديمة قدم التاريخ الإنساني، وعندما تُحكى كل مرة فإننا يمكن أن نأخذ منها العبر والدروس، ومن خلال الحكايات والسرديات والمرويات تتشكل ملاحم ملهمة. ومن يقرأ التاريخ ومن يشاهد الأوبريتات التي تصور ذلك أو العروض كما في العرض المرئي «حركة الإنسان على أرض عُمان» سوف يلمح كل هذه المعاني التي نتكلم عنها، حيث تتجاوز قيمة العمل المؤثرات الفنية الشيقة والمبهرة أو التقنيات وغيرها من الأدوات الحديثة، إلى عمق القصة نفسها في الإطار الذي نحكي عنه هنا. فأمام أحد سفوح جبال موقع متنزه سمهرم الأثري، كان لتاريخ عمان العظيم أن يبزغ عبر عصوره كافة، لنرى سرديات تمتد لأكثر من مليوني سنة منذ ما قبل الميلاد مرورا برحلة الإنسان الأول إلى الحياة الحديثة، وحيث نتعرف إلى قصص تصور الكفاح الإنساني والهمة العالية التي طالما راهنت عليها القيادة العمانية في عملية البناء والنهضة الحديثة منذ عام 1970 المستمرة عبر هذا العزم الأكيد الذي يراهن على القوة البشرية الفاعلة التي تتمتع بالإخلاص والإرادة الكبيرة والحب للأرض والتراب، هذه المعاني التي ترسخت عبر آلاف السنين في رحلة ليس لها من سردية تحتويها في ظل تسلحها بالمعاني المتعددة والظلال الكبيرة. إن رحلة الحياة والحضارة في عمان مفعمة بالجمال والخبرات والقصص الإنسانية الراقية، التي تتطلب أن نعيد تبصرها بأكثر من معنى، وهنا يلعب الفن والسينما والمسرح والرواية والآداب عامة في القيام بهذا الدور، وهي مهمة متجددة يمكن أن تضطلع بها الأجيال الصاعدة لتقدم تصوراتها عن التاريخ في ارتباطه باللحظة المعاصرة، في إطار الطريق إلى المستقبل المشرق. كما يمكن للأجيال الجديدة وهي تستلهم قصة التاريخ والحضارة في عمان أن توظف التقنيات الحديثة في ذلك، بما يفتح مجالات الابتكار والإلهام للعقل المتوثب لرؤية الغد الأفضل، وهو يتماهى مع واقع إنساني جديد وحياة ثرية. إن الحديث في مجمله يحمل العديد من الإشارات والدلالات في إعادة تعريف معنى الإنسان والتحضر، كذلك ما الحضارة وما الجسور الحضارية التي يمكن أن تربط بين الشعوب والأمم ودول العالم؟ فقد ظلت عمان عبر تاريخها تقوم بهذا الدور الرائد، عبر خطوط تجارة اللبان وفي الرحلات البحرية للبحارة العمانيين الأماجد، بما يقرب المسافات بين الشرق والغرب، وهو ما أعطى الدلالة في الزمن الحالي في تعزيز مكانة الموقع والتعريف الجيوسياسي لعمان، وهي كلها عوامل يمكن الاستفادة منها في رفد التجارة والاستثمارات المشتركة ورفعة الاقتصاد الوطني في المضي نحو الخطط المستقبلية. أخيرا فالكل مدعو عبر مجاله ومعرفته وحقله المعرفي أن يساهم في رؤية التاريخ بعين تضيء الحاضر وتفتح أفق المستقبل والمشاركة الفاعلة في التنمية الإنسانية الشاملة.