عمان رصدت يومياتهم واقتربت من التفاصيل
رصد اليوميات: عاصم الشيدي ومزنة الفهدية -
اليوم يكمل محمود أسبوعين منذ أن بدأ الحجر الصحي المنزلي، ورغم أن فترة أسبوعين لشخص محب للحياة مثله ليست قليلة خاصة إذا ما كان يشعر أنه مجبر عليها إلا أنه وجدها فرصة لمتابعة أفلام كان يبحث عن الوقت لمتابعتها. كانت شبكة نت فليكس رفيقة عزلته الجبرية، ولذلك لا يعتقد وهو يكمل أسبوعين دون أن تظهر عليه أي أعراض مرضية أقلقته في البداية أنه أضاع وقتا دون جدوى.
لم يكن محمود «27 عاما» يعلم عندما وطئت قدماه أرض مدينة شيراز الإيرانية أن أحداثا تراجيدية في انتظاره، كان ذاهبا للبحث عن علاج، فإذا هو يبحث عن مهرب من فيروس خطير يهدد العالم بالهلاك وينشر الفزع والخوف في كل مكان. في الأيام الأولى كان البحث عن العلاج هو كل ما يشغل باله قبل أن تبدأ الأخبار تتواتر عبر هاتفه أن «كورونا» ينتشر بسرعة في إيران. جرت الأحداث سريعة جدا، وفجأة صعق بخبر تعليق رحلات الطيران بين السلطنة وإيران. كان الخبر صادما لمحمود «وهذا اسم مستعار بعد أن رفض كشف هويته، وتم هذا الحوار معه عبر وسيط». تغيرت الحسابات لدى محمود وغيره من الباحثين عن العلاج في شيراز ومدن إيرانية أخرى، فبعد أن كانوا يبحثون عن العلاج صاروا يبحثون عن العودة وكأنهم يستحضرون المثل العربي «رضيت من الغنيمة بالإياب». ولأيام علق محمود في شيراز ولم يعرف طريقة للعودة قبل أن تتدخل الجهات المعنية في السلطنة وترسل مجموعة طائرات وتستأجر أخرى لإعادة المواطنين من المدن الإيرانية. ويروي محمود قصته بالقول إنه تكبد مبالغ إضافية لم تكن في الحسبان ولكن كان كل شيء بالنسبة له يهون في سبيل العودة للوطن.
عندما حلقت الطائرة فوق مطار شيراز الدولي في طريقها إلى مسقط تنفس محمود الصعداء، لكن لم يمضِ وقت طويل حتى بدأت الوساوس تدب في داخله هو ورفاقه العائدون، ففيما كانوا في البدء يبحثون عن جسر عبور للعودة بأي ثمن، ها هم الآن يفتحون صفحة أخرى من التفكير، هل نحن مصابون بالفيروس، وهل هناك على متن هذه الرحلة من هو مصاب؟ أسئلة كثيرة طرحت في المسافة الفاصلة بين مسقط وشيراز. وعندما نزلت الطائرة في مسقط وعبر محمود عبر الراصد الحراري ولم يسجل نتيجة إيجابية تنفس الصعداء، ولكن المختصين هناك أبلغوه أن هذا ليس كل شيء، وعليه تعبئة استمارة معدة لهذا الغرض وأن عليه أن يلزم الحجر الصحي المنزلي وفق بروتوكول عالمي متبع. لم يستوعب محمود الفكرة من البداية ولذلك طرح مجموعة من الأسئلة ليخرج بنتيجة أن هذا الحجر الصحي المنزلي من مصلحته ومصلحة عائلته وأن عليه الابتعاد عن الجميع قدر الإمكان ولا بد ألّا تقل المسافة بينه وبين أقرب فرد من أفراد عائلته عن متر واحد.
لم يكن محمود الذي رفض كثيرا الحديث معنا إلا عبر وسيط متخوفا على نفسه بالقدر الذي كان متخوفا على أسرته، فهو الذي سافر وليست أسرته فلماذا تشاركه هي نفس الخوف من العدوى. لكن هذا الخوف وفق ما يقول محمود ساعده في الإصرار على أفراد أسرته أن لا يقتربوا منه أبدا.
وخلال أيام الحجر الصحي/ العزلة السينمائية تلقى محمود اتصالين من طواقم طبية قالوا له إنهم يتبعون دائرة مكافحة الأمراض المعدية ليسألوا إن كان ثمة أعراض من أعراض مرض كورونا قد ظهرت عليه. كان يبتسم وهو يرد عليهم أن لا شيء، وأن الأمور طبيعية جدا، وأن شبكة نت فليكس ما زالت تعرض أفلاما غاية في الجمال والتسلية.
وعندما سألنا محمود ما الدافع الذي جعله يلتزم المنزل طوال هذه المدة كان رده مباشرة: الوعي. الموضوع كله يعتمد على الوعي. فهو، وفق ما يقول، يعي خطوة الأمر فيما سمع عن آخرين كانوا قد عادوا عنده في نفس الرحلة أنهم لم يلزموا منازلهم طوال الوقت بل خرجوا وخالطوا الناس. ويضيف محمود بعد أن رفض إعطاء معلومات إضافية عن الذين خرجوا وخالطوا الناس إن الطواقم الطبية تزور باستمرار مصابين بالفيروس كانوا قد عادوا معهم على نفس الرحلة.
وعمليا يختلف الحجر الصحي عن العزل، حيث إن الحجر الصحي هو إجراء يخضع له الأشخاص الذين تعرضوا لمرض معد، سواء أصيبوا بالمرض أو لم يصابوا به، ويُطلب من الأشخاص المعنيين البقاء في المنزل أو أي مكان آخر لمنع انتشار المرض للآخرين، ورصد آثار المرض عليهم وعلى صحتهم بعناية، وقد يكون الحجر الصحي في المنزل، أو منشأة خاصة مثل فندق مخصص أو مستشفى، وخلال الحجر الصحي يمكن أن يقوم الشخص بأعماله في منزله إن أمكن، وعادةً يطلب منه أخذ درجة الحرارة وتقديم تقرير يومي إلى الجهات الصحية حول ما يشعر به.
وتواصلت «عُمان» هاتفيا مع عدد من المواطنين المحجورين صحيا للتعرف عن قرب كيف يقضون أيامهم وأوقاتهم أثناء حجرهم الصحي، وما هي أبرز الإجراءات الوقائية والاحترازية التي يتبعها المحجور صحيا.
وروى ع. الذهلي قصته أثناء رحلته إلى إيران حتى عودته إلى السلطنة: «بداية أول يومين في الرحلة كان الوضع مستتبا تماما، ولا توجد أخبار (رسمية) عن الإصابات بفيروس كورونا في إيران إلا حالات لا تتجاوز اليد الواحدة، وموقعها مدينة (قم) التي تبعد قرابة الـ 1500 كيلو عن موقعنا (جزيرة كيش) المنعزلة عن باقي إيران موقعاً وتضاريسيا وثقافيا وسياسيا وديموغرافيا.»
وقال الذهلي: «عندما وصل الخبر الذي يهم كل عماني في إيران، وهو (تعليق الرحلات بين السلطنة وإيران)، تواصلت مع المكتب الذي حجزنا منه، وأفادوا بعجزهم التام عن فعل أي شيء، ثم قمت بالتواصل مع موظفي السفارة في إيران، وأجابوا أن الحكومة سوف تقوم بإرسال طائرات خاصة للإجلاء في أقرب وقت وأخبروني أن نرسل صور الجوازات لبدء حصر العمانيين في إيران، وبعد العناء والعراقيل والصعوبات التي واجهتنا وصلتني رسالة موافقة الطيران العماني استقبال طيران كيش، وقمنا بالتواجد في المطار مبكرا حتى يتم فحص جميع العمانيين، والحمد لله وصلنا إلى أرض السلطنة بعد عناء شديد.»
وتحدث ع. الذهلي عن أيامه في الحجر الصحي قائلا: قضيت أنا ومن رافقني إلى إيران خلال أيام الحجر في شقة لصعوبة تواجدنا في نفس المنزل مع أفراد الأسرة، وكانت الشقة مزودة بكافة احتياجاتنا، وكنت أقضي وقتي بين القراءة وتصفح الإنترنت، والكتب كان لها النصيب الأكبر خلال أيام الحجر ولم أشعر بأي نوع من الملل والضجر.»
من جهته قال ي.ع. البلوشي: «أشغلت نفسي خلال الحجر الصحي في كتابة البحوث والمذاكرة والمراجعة المستمرة حتى لا تتراكم عليّ أعمال المقررات الدراسية، والتزمت بإجراءات الحجر الصحي ولم أخالط الآخرين إطلاقا،» وأضاف بأنه يمتلك جهازا رياضيا في مكان حجره، ويقوم بممارسة الرياضة عندما يشعر بالملل أو التعب من المذاكرة، مؤكدا أهمية الحجر الصحي في منع تفشي هذا الوباء الذي يجب التعامل معه بحذر شديد.
وسرد س.س. الوهيبي معاناته مع الحجر الصحي، حيث قال: «شعرت بالملل الشديد وأنا أقضي أيامي في غرفتي وحيدا، ولكن كان الهاتف أكبر منقذ لي في هذه الوحدة، الذي يطلعني على آخر المستجدات المحلية والعالمية وأنا بين جدران الغرفة، وشعرت بنعمة وجود الهاتف الذكي ووجود الإنترنت في حياتنا، وكنت على تواصل مستمر بأصدقائي وعائلتي، وهذا بدوره خفف شعور الضيق والملل الذي انتابني في بدايات الحجر».
ووصف أ. الفارسي الحجر الصحي «بالسجن» وقال « تعطلت كثيرا أثناء الحجر وتوقفت بعض مهامي التي من المفترض أكون قد أنهيتها حسب خطة عملي، ولكن الحمد لله بعد 14 يوما من حجري صحيا استطعت الخروج من الحجر وممارسة حياتي الطبيعية مع ارتداء الكمامات واستخدام المعقمات باستمرار. «وأضاف» لم ينقصني شيء من الطعام، حيث كان يصلني في أوانٍ ورقية قابلة للاستهلاك مرة واحدة، لكي أرميها مباشرة بعد الانتهاء من الأكل.»
وأشار الفارسي إلى أبرز الإجراءات التي اتبعها خلال الحجر الصحي وهي حرصه الدائم في تعقيم أدواته الشخصية وعدم مشاركتها مع الآخرين، بالإضافة إلى تجنبه التام بالاتصال المباشر مع الآخرين ومصافحتهم، وتناول معززات المناعة الطبيعية كالخضار والفواكه، واستخدام المعقمات والمطهرات الصحية باستمرار.