لا يسوغ لنا مقابلة البلاء بالاستخفاف والاستهتار -
«النبي» كان يستعيذ بالله من الأسقام والأوبئة و«الصحابة» كانوا لا يستخفون بالابتلاءات -
متابعة: سيف بن سالم الفضيلي -
التوبـة إلى الله تعالى توبة صحيحـة صادقـة واجـبة علينا -
جلب المــرء لنفسـه ولمجـتمعه الضـر والأذى مـن العـدوان -
أكد فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي المفتي العام للسلطنة أن مثل هذا الوباء «كورونا» من حكمة الله عز وجل في خلقه لأنه هو يدبر الكون وهو القادر على تغيير ما فيه. ودعا فضيلته المجتمع إلى أن يقدم مثالا للتعاون على دفع البلاء واجتناب المكروه فليست القضية في الإرشادات والتعليمات، وإلا فما أكثرها وقد كانت بحمد الله تبارك وتعالى منذ وقت مبكر، لكن مسألة الالتزام في حمل الأنفس على التقيد بهذه التعليمات والإرشادات، لا يليق بمسلم أن يهمل.. جاء ذلك في «برنامج سؤال أهل الذكر بتلفزيون سلطنة عمان» الأحد الماضي.. والى ما جاء في البرنامج.
الحديث الآن عن هذا الوباء العالمي (كورونا) والذي انتشر في أرجاء العالم ينظر إليه الناس بمختلف انتماءاتهم بنظرات مختلفة.. كيف وجهت الشريعة الإسلامية المسلم لأن ينظر في مثل هذه الابتلاءات؟
- المؤمن حينما يصاب بشيء من الابتلاءات فإنه ينظر بمنظور دينه مهتديا بهدي الكتاب العزيز متبعا لما يحثه عليه إيمانه بالله وباليوم الآخر في الاعتبار والاتعاظ وفي تفسير هذه الابتلاءات وفي فهم هذه المصائب التي يمر بها المسلم أو تمر هي به، ونحن إذا جئنا لهذا المصاب الذي هو هذا الوباء العالمي والجائحة التي أصابت الناس ينبغي لنا ألا يعزب عن آذاننا أولا ما أرشدنا إليه القرآن الكريم في مثل هذه الأحوال فالله عز وجل: (ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالبَحرِ بِمَا كَسَبَت أَیدِي النَّاسِ لِیُذِیقَهُم بَعضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُم یَرجِعُونَ)، فهذه الآية الكريمة اشتملت على بيان السبب أولا ثم بيان الحكمة وبيان العاقبة؛ فالفساد بكل أنواعه وهو يشمل الضر والأذى والأمراض والأوبئة والنقص في الأموال والأنفس والثمرات إنما هي بتسبب من البشر أنفسهم (ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالبَحرِ بِمَا كَسَبَت أَیدِي النَّاسِ) والعاقل يتهم نفسه وعليه أن يراجع هذه النفس وان يفتش فيها عما قصر فيه من حقوق الله تبارك وتعالى وذلك يصدق على الفرد وعلى المجتمع وعلى الوطن، كم قصرنا في حقوق ربنا تبارك وتعالى كم رأينا من منكرات منتشرة في مجتمعنا ولم نتناهَ عن المنكر ولم نتناصح فيما بيننا ونتواصى بالصبر، كم أدخلنا أنفسنا في مضائق مما يكدر العلاقة بيننا وبين ربنا في أمر ديننا وأهملنا ذلك ولم نلتفت إليه، وهذا كما تقدم يصدق على المستوى الفردي وعلى مستوى الجماعة والمجتمع، ولذلك فإن نظر المؤمن إنما ينبثق من تصوره هذا؛ عليه أن يتهم نفسه بالتقصير وان يراجع هذه النفس وان يعين إخوانه من بني مجتمعه على الانتهاء عن المنكر وتجنب أسباب الفساد بكل أنواعه مما يتصل بالعبادات أو ما يتصل بالمعاملات أو ما يتصل بالأخلاق والقيم الآداب، فربنا تبارك وتعالى جعل هذه الحياة تسير وفق نواميس وسنن إلهية ولا ريب أن التسبب في سخطه جل وعلا يورث أن يبعث الله عز وجل من آياته ونذره ما ينبه به العباد ما يذكرهم بالعودة إليه ولزوم البحث عن الأسباب الصحيحة ولأننا مجتمع مسلم فإننا نبحث في هذه الأسباب ولذلك لن نمر على مثل هذه المعاني القرآنية دون أن نتأمل فيها، ثم يقول ربنا تبارك وتعالى في نفس الآية الكريمة (لِیُذِیقَهُم بَعضَ الَّذِي عَمِلُوا) فربنا تبارك وتعالى إنما يذيقنا بعض ما كسبته أيدينا وما قارفناه فيه صلتنا به وفي حقوقه علينا وفي حقوق العباد علينا وفي حقوق الحياة علينا، (لعلّهم يرجعون)، هذه هي الحكمة لكي نعود ونؤوب إلى ربنا تبارك وتعالى، ويتأكد هذا المعنى أيضا في قوله سبحانه وتعالى: (فَلَولَا إِذ جَاءَهُم بَأسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَـكِن قَسَت قُلُوبُهُم وَزَیَّنَ لَهُمُ الشَّیطَـانُ مَا كَانُوا یَعمَلُونَ)، فهؤلاء كان الواجب عليهم حينما يذيقهم الله تبارك وتعالى شيئا من البأس أن يتضرعوا، ولكنهم بدل أن يتضرعوا إليه جل وعلا وان ينيبوا إليه وان يرجعوا إليه إذا بقلوبهم قاسية معرضة غافلة لا تدرك نواميس هذه الحياة وما يجريه الله تبارك وتعالى فيها من سنّة ماضية، فلسبب ذلك وقعوا في الهلاك - والعياذ بالله - وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون. ولذلك فإن المؤمن حينما يُبتلى بشيء من هذه الابتلاءات عليه أن يقف هذه الوقفات؛ في معاملاته المالية لينظر في فشوّ الرّبا الذي هو حرب بين العبد وربه في إتيان كثير من المعاملات المالية المحرمة. وعلى المستوى الأخلاقي هناك إعراض، وينبغي للمسلمين جميعا في أوطانهم أن ينتبهوا إلى مثل هذه اللفتات، هناك إعراض عن أخلاق الدين وقيمه في قضايا المرأة في فشوّ التبرج على سبيل المثال في انتشار الفواحش وقد توعدنا الله تبارك وتعالى انه ما من مجتمع تفشو فيه الفواحش إلا أصابهم الله عز وجل بما لم يكن فيمن سبقهم من الأوبئة والأمراض. ولا يخفى أن كثيرا من مجتمعات المسلمين فرطت اليوم في تحصين مجتمعاتها من مثل هذه الأمراض الخلقية عادت تنظر إلى انتشار مظاهر الانحلال الأخلاقي على انه أمر مألوف مستساغ مقبول لا ينكر أحد ذلك وإذا أنكر أحد ذلك في الغالب لا يلتفت إليه، فهذه الآيات التي يبتلينا بها ربنا تبارك وتعالى هي نُذُر تستدعي منا المراجعة وتستدعي منا الوقفة الصادقة، فربنا تبارك وتعالى قصّ علينا في كتابه الكريم ما حصل لأمم قبلنا من استحقاق سخطه ومما أصابهم من عذاب اليم ومن عقوبة منه جل وعلا فقال (كَانُوا لَا یَتَنَاهَونَ عَن مُّنكَر فَعَلُوهُ) فالواجب علينا اليوم إذا ننتبه إلى هذه القضايا وان نجتب كل أنواع الفواحش والإثم والبغي والعدوان ووجوه الفساد وأن نأخذ العبرة والعظة من مثل هذه الحالات وان نعود إلى ربنا تبارك وتعالى (فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ) أي أن نتضرع إلى ربنا جل وعلا مخبتين خاشعين تائبين منيبين إليه بالاستغفار، والله تعالى يقول أيضا: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِیُعَذِّبَهُم وَأَنتَ فِیهِم وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُم وَهُم یَستَغفِرُونَ) فالواجب أن نتوب إلى الله تعالى وان تكون هذه التوبة توبة صحيحة صادقة لا نقتصر فيها بمجرد ألفاظ بالألسن وإنما نراجع فيها حساباتنا نتناهى فيها عن المنكر ونترك فيها هذه المنكرات ونسعى إلى الصلاح والإصلاح لخير أنفسنا ولخير مجتمعاتنا ولخير أوطاننا هذا من معاني التضرع إليه أن نكثر أيضا من ذكره وأن نحيي هذه القلوب وأن نجأر إليه بالدعاء. هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ بالله جل وعلا من هذه الأسقام والأوبئة كان يستعيذ من البرص والجذام والجنون ومن سيء الأسقام، وكان كثير الذكر لله سبحانه وتعالى كلما كانت تلوح له بارقة مما يحصل من تغير في الأحوال وكان يفزع للصلاة ويستعين بالله عز وجل ويفزع إلى الذكر والدعاء وما كان يستخف بمثل هذه الحوادث، وما كان أصحابه رضوان الله تعالى عليهم يستخفون بهذه الابتلاءات بل يواجهونها بما تستدعيه من إخبات إلى الله تبارك وتعالى وإنابة إليه وإكثار من الاستغفار والذكر والدعاء والتناصح فيما بينهم بالحق، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر والأمر بالمعروف و النهي عن المنكر. ولا يزعمن زاعم بأن مثل هذا الوباء إنما انتشر لأسباب مادية معلومة في مختلف أقطار العالم، فقد تقدم إننا ننظر إلى مثل هذه الحوادث التي تحصل إنها من حكمة الله عزو جل في خلقه فهو الذي يدبر هذه الحياة ويدبر هذا الكون بكل ما فيه وبكل ما يحصل فيه وهو القادر على أن يغير ما فيه وهو القادر على كل شيء سبحانه وتعالى، ولذلك فإننا نلجأ إليه سبحانه وتعالى دفعا لهذا البلاء ومراجعة لأنفسا وتصحيحا وإصلاحا لأوضاعنا وتسببا فيما نستمطر به رحمته سبحانه وتعالى وفي هذه الأدلة القرآنية كفاية إن شاء الله تعالى.