أحمد بن سالم الفلاحي - [email protected] - تتوارد اليوم؛ أكثر من أي زمن مر؛ أخبار، ومشاهد عجيبة وغريبة عن دول العالم؛ الموصوف؛ بالتقدم، وهي تنبئ عن ترابط وتآزر أقل ما يوصف به أنه «هش» و»هلامي» وقد يرقى في بعض جوانبه إلى «ضعيف» وهي انعكاس واضح لما آل إليه الحال من الأثر المدمر الذي يخلفه وباء «كرونا - كوفيد19» المميت والشهير الذي يفتتح به القرن الحادي والعشرين الحالي مآسيه الإنسانية القادمة؛ على ما يبدو؛ ومن أحد جوانبه هو هذا التكاتف الملحمي الذي عايشناه سنين عديدة - على الأقل في الـ (50) سنة الأخيرة بين هذه الدول، وهو تكاتف ذهب كله إلى تأصيل الإساءات على الأمم الضعيفة من قبل هذه الدول التي تدعي الديمقراطية، وتنادي بحقوق الإنسان، وبحرية الفرد، وبالعدالة الاجتماعية، بينما هي مارست كل المآسي الإنسانية المرفوضة شرعا وقانونا، تكاتف ملحمي لم يأت إلا بالشر، واليوم انقلب طرفا المعادلة في المختبر الإنساني رأسا على عقب، وانسل كل واحد من كثير من التزاماته تجاه الآخر، وأصبحت الفردية «الوحدة» هي المعوّل عليها لإنقاذ نفسها، فقط، فلم تعد الاتحادات الدولية الرهان الذي يمكن الاعتماد عليه للخروج من مأزق هذه الجائحة التي يكتوي بنارها الجميع، حيث أصبح الكل في واجهة المدفع، فإما الخروج بأقل الخسائر، وإما الاستسلام والتضحية بكل شيء من المكتسب المادي المتحصل على امتداد التأريخي الإنساني المخضب بالآلام، والمواجع، والمآسي، وأقربها مأساة الإنسان الفرد الذي تضمه إحدى جغرافيات هذه الدول التي تتداعى كـ «تداعي الأكلة على قصعتها». يذهب الحديث هنا أكثر إلى أهمية المراجعة الفردية للدول، وإلى ضرورة البحث في مصادر قوتها، وهي بلا شك كثيرة؛ فقط تحتاج إلى كثير من التقصي، ومن الاهتمام، وفي أولوياتها هو الإنسان، فهو المكّون الحقيقي لأي دولة، ولأي نظام سياسي يكون، فالاتحادات السياسية تثبت فشلها في كل مرة، ولا يجب أن تكون المعوّل عليه في أي نظام يريد أن يحيط نفسه بسياجات القوة والاستمرارية، والمساهمة الفعّالة في مشروعه الإنساني الخاص أو العام، ومن هذه الفردية المعززة بالثقة والأمل يمكن أن يلعب المجموع دوره الريادي في تحقق برامج التنمية، مع السعي حثيثا إلى تجفيف منابع الخاص الخاص الذي يتسلل من خلال العام، وإن كان في ذلك صعوبة كبيرة، إلا أنه بالقانون الصارم يمكن محاصرته، ومحاربته، ومن ثم التقليل من توغله وتأثيره. هنا بيت من الشعر روي عبر قصة شعبية في أحد مضارب القبائل العربية في ذلك الزمن البعيد، يقول قائله: «يا رجال العلم يا ملح البلد: من يصلح الملح إذا الملح فسد»ولفظة «رجال العلم» هنا، ليست مقصودة لذاتها، وإنما تتسع لكل صاحب شأن من شؤون الحياة، والذين ينظر إليهم بالكثير من الأمل في تصويب الأمور المتعلقة بالتزاماتهم أمام المجتمع عبر العقد الاجتماعي الذي تتسع فيه الرؤية، والهدف، والاشتغال، فمتى صلح كل ذي شأن في شأنه الذي أوكله إليه المجتمع، ازداد المجتمع عمرا، وانتعاشا، وصحة وأملا، ولن يتحقق هذا الأمر إلا من خلال البحث والتقصي في أهمية أن يلعب الفرد الدور الأكبر في مجتمعه، وأن يلعب الجميع الأدوار الكبرى في حماية الوطن، وتظل الخطوط الأولى لهذه الحماية هو مجموعة الاستحقاقات الوطنية في «المنشط والمكره» و»المغنم والمغرم» وكما هو معروف بالضرورة أن الفرد ينشط في المجموع، وتكون مساهمته عالية جدا، وبلا تردد، وهناك قصة تروى؛ كما جاءت في كتاب (سيكولوجية الجماهير) لغوستاف لوبون، يقول فيها: «إن تخلي النبلاء الفرنسيين عن كل امتيازاتهم وتصويتهم على قرار التخلي هذا في لحظة حماسة واندفاع في تلك الليلة الشهيرة لأربعة أغسطس من عام (1789) ما كان ممكنا أن يحصل أو يقبل من قبل كل واحد منهم مأخوذا على حدة».