محمد بن أحمد الشيزاوي - shfafiah@yahoo.com - في كثير من الأحيان أنظر إلى أسواق المال على أنها مكان لصناعة الفرص؛ فالأسواق تتيح للشركات والأفراد مئات الفرص للنجاح والاستمرار والربح وزيادة العوائد، فالشركات وخاصة العائلية أو المقفلة بشكل عام - تكتب لنفسها من خلال دخولها إلى سوق الأوراق المالية تاريخا جديدا يحميها من التعثر والإفلاس ويمكّنها من النهوض كلما تعثرت بشرط أن تجد إدارة متفانية في مجلس الإدارة والإدارة التنفيذية تكون جادة وعازمة على تحقيق النجاح والتغلب على التحديات. وإذا نظرنا إلى العديد من الشركات العالمية الكبرى نجد أنها تأسست كشركة صغيرة يملكها فرد واحد أو عائلة أو مجموعة محدودة من الأصدقاء الذين آمنوا بأفكارهم وعملوا على تحقيقها رغم ما واجهوه من تحديات، وكان تركيز العديد منها على التحول إلى شركة مساهمة عامة والإدراج في البورصة أتاح لها فرصا للبقاء والاستمرار، وعندما نقرأ قصص نجاح كثير من الشركات العالمية نجد أنها استطاعت أن تحول التحديات التي واجهتها إلى فرص للنجاح، فكلما وجدت تحديا سواء في الاقتصاد المحلي أو القطاع الذي تعمل فيه بحثت لها عن فرص للبقاء والاستمرار، وكان تحول العديد منها إلى شركة مساهمة عامة مدرجة في البورصة هو أحد الأسباب الرئيسية التي مكّنتها من البقاء، فقد أتاح لها هذا التحول الحصول على موارد مالية جديدة ورفع رأسمالها بشكل يمكّنها من النمو والمنافسة. وعندما نقرأ قصص نجاح شركات مثل نستله أو ماكدونالدز أو ابل أو غيرها من الشركات الأخرى نجد أنها واجهت على مدى العقود الماضية العديد من التحديات، فشركة نستله على سبيل المثال كانت بداياتها الأولى في عام 1866 من قبل الصيدلي هنري نستله الذي قام بتطوير طعام للأطفال الرضّع كأول منتج من نوعه يقدم للأطفال الذين لا تقدر أمهاتهم على إرضاعهم وواجهت الشركة العديد من التحديات خاصة أثناء الحرب العالمية الأولى وفترات الركود الاقتصادي العالمي غير أن الشركة المدرجة في أكثر من بورصة عالمية استطاعت البقاء مع العلم أن مؤسسها هنري نستله باع شركته في عام 1875 عندما بلغ الـ 61 من عمره، إلا أن الشركة لم تتوقف عن تحقيق النجاح. والأمر نفسه ينطبق على شركة ماكدونالدز التي كانت مجرد مطعم صغير في أحد شوارع سان برناردينو في كاليفورنيا لبيع البرجر أسسه الأخوان موريس وريتشارد ماكدونالدز، غير أن نجاح الشركة واستمرارها لم يكن على يدي الأخوين موريس وريتشارد وإنما على يد راي كروك الذي ذهب إليهما في عام 1954 لتسويق ماكينات خلط الحليب فأُعجب بالمطعم وطريقة العمل فيه ما جعله يعرض على الأخوين فكرة افتتاح فروع جديدة للمطعم في مختلف أنحاء أمريكا وأن يكون شريكا لهما يتولى الإدارة، وبعد 6 سنوات قام راي كروك بشراء المطعم من الأخوين موريس وريتشارد ثم في عام 1965 قام بإدراج الشركة في بورصة نيويورك واستمرت الشركة في النجاح بعد ذلك رغم سنوات «حروب البرجر» التي شهدتها أمريكا بدءا من نهاية السبعينيات. وإذا انتقلنا إلى شركة أبل - التي تأسست في عام 1976 على يد ستيف جوبز وزميليه ستيف وزنياك، ورونالد واين - نجد أنها دخلت إلى البورصة بعد عام واحد فقط من تأسيسها وبعد أن باع رونالد واين حصته فيها لزميليه مقابل 800 دولار أمريكي فقط، وحصلت الشركة خلال عملية الإدراج على الدعم المالي والخبرة التجارية التي قدمها واحد من كبار المستثمرين. هذه مجرد أمثلة على ما قدمته أسواق المال لشركات صغيرة لم تستطع أن تكبر وتحظى بفرص النجاح والاستمرار إلا بعد إدراجها في البورصة، وكثيرا ما نجد أن المؤسسين الأساسيين باعوا حصتهم قبل إدراج الشركة في البورصة ولكن المالكين الجدد والرؤساء التنفيذيين - الذين يتغيرون باستمرار - حافظوا على الأفكار الأساسية التي وضعها المؤسسون وعملوا على تطويرها مما أسهم في بقاء الشركة واستمرارها على مدى العقود الماضية. واليوم نتساءل: ماذا لو أن شركة مثل ماكدونالدز أو نستله أو أبل لم تتحول إلى شركة مساهمة عامة .. هل كانت ستبقى في ظل الأزمات الاقتصادية والمنافسات الشرسة التي واجهتها من شركات مماثلة؟