عاصم الشيدي [email protected] الأيام القادمة في السلطنة مهمة وحاسمة في سياق التعامل مع جائحة كورونا، وإذا استطعنا التعامل معها بشكل مسؤول فإننا سنعبر إلى مرحلة هبوط المنحنى الوبائي بأقل الخسائر. وأفدح خسائر يمكن أن نصل لها، في السلطنة، هي خسائر الأرواح، فالدولة تضحي الآن، خلال مرحلة الإغلاق الكامل، بالجانب الاقتصادي من أجل حماية الأرواح على اعتبار أنها الأغلى وما دونها يمكن تعويضه. وهذه القيمة التي تعامل بها الدولة أرواح مواطنيها والمقيمين على أرضها تستحق أن نقدرها، ونضع أرواحنا وأرواح الآخرين في نفس المكانة التي تضعها الدولة، رغم أن الواقع يقول: إن علينا أن نضعها دائما في مكان أعلى بكثير من المكان الذي تضعه الدولة. وزارة الصحة تتوقع، وفق المنحنيات الوبائية التي أعدتها، أن تصل الجائحة في السلطنة إلى مرحلة الذروة في الأسبوع الأخير من الشهر الجاري. ومع الأسف الشديد فإن ذروة الجائحة ليست لحظة قصيرة نغمض فيها أعيننا ثم نفتحها فإذا كل شيء قد تلاشى، ولكنها ذروة قد تمتد، وفق ما أكده وزير الصحة الدكتور أحمد السعيدي، إلى 6 أسابيع. أعرف أن فكرة العزل وتقييد الحريات صعبة جدا، ولكن لا خيار أمام العالم الذي يعيش أسوأ أوقاته منذ الحرب العالمية الثانية إلا هذا الخيار. وأستطيع أن أقدم شهادة من شخص يتابع أخبار هذه الجائحة عالميا وعلى مدار الساعة تقريبا أن هذا الخيار في السلطنة يعتبر نزهة "جميلة" إذا ما قورن بواقع العزلة كما نقرأ عنه في الكثير من الدول، سواء في الجانب المكاني أو الظروف الاقتصادية، رغم أن تلك الدول متقدمة جدا، وغنية جدا جدا. ولا أريد أن أنفي فيما أكتب الآن أي بؤس وضيق يمكن أن يشعر به الإنسان وهو يلزم منزله على مدار اليوم، ولكنه خيار من لا خيار له، رغم أن الكثيرين استطاعوا تحويل الحجر المنزلي إلى مساحة جميلة للتأمل وإنجاز الكثير من المشاريع التي ما كانت لتنجز لولاه. العالم فقد حتى هذه اللحظة التي اكتب فيها هذا العمود أكثر من 155 ألفا بسبب هذا الفيروس، أمريكا وحدها، أكثر دولة متقدمة في العالم، فقدت أكثر من 37 ألف شخص، وإيطاليا قرابة 23 ألف شخص، وأسبانيا 20 ألف شخص، وفرنسا 19 ألف شخص تقريبا إضافة إلى أكثر من 2.2 مليون شخص مصاب حياة أغلبهم في مهب الخوف من الموت أو الخوف من المستقبل المجهول. وهذه الأرقام لها دلالة كبيرة، والأرواح التي فقدت لها قيمة وقدسية إنسانية. وقد فقدت في دول أنظمتها الصحية متطورة جدا. ونحن في عمان هذه الأيام أمام خيارين: أن نخرج بأقل الخسائر وهذا لا يتطلب أكثر من الالتزام واتباع التعليمات ثم عندما تمر الجائحة نعود إلى أحبابنا، أو أن نضرب بالتعليمات عرض الحائط وتحدث الكارثة وعندما تنتهي الجائحة نبدأ في النواح على من فقدنا من أحبابنا نتيجة استهتارنا وبعدنا عن المسؤولية الإنسانية قبل المسؤولية الوطنية. هذه فرصة لنثبت أننا على قدر كبير من الوعي، وأن وعينا يعول عليه لبناء مرحلة مختلفة من مراحل عُمان.