يشكل الأمن الغذائي مرتكزًا أساسيًا في إطار الرعاية الشاملة التي توليها الدولة لمواطنيها، وفي هذا الإطار قامت خطط السلطنة منذ بواكير الدولة الحديثة في السبعينيات على تأكيد هذا المعنى، من خلال إنشاء المشروعات التي تدعم هذا الجانب سواء في المجالات الزراعية أو الصناعية وغيرهما، بما يشكل ضمانات للمستقبل. ومع الأوضاع التي يعانيها العالم اليوم بسبب جائحة كورونا (كوفيد-19) فإن النظر إلى مسألة الأمن الغذائي بات ينظر إليها برؤى جديدة، بعد أن فتحت الأزمة الأسئلة وعززت التأمل في الكثير من الأمور بوجهات مختلفة لم تكن منظورة من قبل. وهذا طبيعي في ظل ما يحصل في الكرة الأرضية الآن من تعزيز للكثير من المفاهيم والأسس الجديدة في الاقتصاد والتجارة والسياسة وكل قطاعات الحياة البشرية. في السلطنة فتحت هذه الظروف الراهنة إمكانية رؤية الأمور كذلك بوجهات غير مسبوقة، كما في قضية الأمن الغذائي وتوفير الغذاء سواء من حيث الإنتاج المحلي وإعادة التفكير في المنتج الوطني ورد الاعتبار له كذلك مسائل الاستيراد، وكيف لكل هذه الأمور أن تقوم وفق نسيج جديد أكثر سهولة ويسرًا. ويعكس ذلك طابع الأزمات التي تعمل على توليد الأفكار وتجعل الإنسان يرى حلولًا قد لا تكون مطروحة في السابق، وهذا ما يجب أن نركز عليه للاستفادة منه بشكل عام في الوقت الراهن وفي مقبل الزمن بعد انتهاء هذه الأزمة الحالية بسلام إن شاء الله. الآن يمكن لنا أن نعيد التفكير في الزراعة وفي المنتجات الحيوانية والزراعية والسمكية وغيرها بطريقة تجعلنا نحقق فائدة أعظم وقيمة مضافة في كافة الأصعدة، وقد بدا جليًا من خلال التجارب الراهنة كيف أن عددًا من الشركات والمصانع المحلية باتت تنظر إلى الأمور بطريقة جديدة، بحيث تعزز من دورها في السوق وتعمل على التنويع في المنتجات وفي الابتكار. كذلك من وجهة ثانية رأينا كيف أن القيم الاستهلاكية والإنتاجية نفسها وهي تتلاقى وتفترق يمكن لها أن يعاد تشكيلها في ظل مثل هذه الظروف ما يعني ضرورة النظر في هذه المحصلات بعين الاعتبار، فهي بأي حال من الأحوال تشكل حزمة من الأفكار والرؤى التي يمكن أن تساعد في تلمس آفاق جديدة في التفكير الاقتصادي وفي كافة قطاعات الإنتاج بشكل عام. يمكن القول إن مفهوم الأمن الغذائي الآن مثل مفاهيم أخرى كثيرة يخضع لتوليد جديد، ما يتيح للقارئ أو المراقب أو المنتج أو المستهلك أو الخبير في مجال معين، ..الخ إمكانية رؤية الصورة بوجهة أخرى غير مألوفة أو مرئية من قبل، بحيث يتاح المجال للحلول المبتكرة والقيم الحديثة التي ربما لم يتم التفكير فيها بالشكل الكبير من قبل، وقد آن الأوان لبناء جسور مع الكثير من الأفكار والإبداعات بما يحطم الروتين ويفتح الأفق لتشكيل مستقبل يقوم على الإبداعية والابتكار في ظل تأكيد قوي على القيم السمحة والأصيلة ومرتكزات النهضة العمانية.