- لا يكفي أن نتحدث عن الأهمية الاستراتيجية لموقع عمان وحسب فالكثير من دول العالم تعتمد على قطاع الموانئ
ضرورة الإسراع في تنفيذ خطط تطوير الموانئ العمانية من أجل الارتباط بشكل مباشر بالسوق العالمية
متابعة - خلود الفزارية قدم النادي الثقافي عبر تطبيق تويتر حلقة نقاشية عن أهمية الموانئ في التاريخ العماني استضاف فيها الدكتور سليمان المحذوري الباحث في التاريخ العماني، ولديه ومؤلف كتاب "زنجبار في عهد السيد سعيد بن سلطان". وأشار الدكتور سليمان المحذوري إلى أهمية الموقع الجغرافي للسلطنة بأنها تطل على سواحل طويلة كالخليج العربي وبحر عمان وبحر العرب، مع الاتصال بالمحيط الهندي، فضلًا عن تحكمها في مضيق هرمز كمعبر للتجارة قديمًا وحديثًا، مضيفًا إن السلطنة تقع على مفترق الطرق العالمية البحرية إلى القرن الإفريقي وسواحل شرق إفريقيا من جهة والخليج العربي والهند وجنوب شرق آسيا والصين من جهة أخرى، ناهيك عن تنوع الأقاليم الجغرافية وبالتالي تنوع المنتجات التي تعد موارد اقتصادية، كما أن الطبيعة الجغرافية لعمان ساعدت على نشوء موانئ ومرافئ طبيعية على طول السواحل العمانية التي قامت بدور تجاري وحضاري في مختلف العصور. العصر القديم وأوضح المحذوري أن للعمانيين نشاطا بحريا قبل ظهور الإسلام بفترة طويلة لذا أحرز البحارة العمانيون شهرة واسعة منذ القدم، وكانوا من أوائل من الشعوب القديمة التي استخدمت الصاري والشراع ومعرفة حركة الرياح الموسمية، كما ارتبط العمانيون بصلات تجارية مع الحضارات القديمة في بلاد فارس، وبلاد ما بين النهرين، والهند، والسند، والصين. ويذكر المحذوري أن من الإشارات التي ذكرت حول الموانئ العمانية قديمًا أسماء موجودة في الموسوعات التاريخية أهمها "عمانه، وعمانا، وأكيلا، وسمهرم، وأوفير، والبليد، إضافة إلى مسقط، ودبا، وصحار". العصر الإسلامي ويبين المحذوري أن العمانيين أسهموا في مختلف العصور الإسلامية بنشاط بحري واسع، ودون هذا النشاط كثير من الرحالة والجغرافيين المسلمين، كما ذاع صيت ميناء صحار منذ القرن الـ7م وحتى بداية القرن الـ19م، أما في القرن الـ9م فتحدث التاجر سليمان في سلسلة التواريخ عن حركة المراكب المنطلقة من صحار ومسقط باتجاه الهند والصين، كما ذكر الاصطخري في القرن الـ10م المسالك والممالك أن قصبة عمان صحار وتقصدها المراكب وهي أعمر مدينة بعمان وأكثرها مالا، وأشار المقدسي في القرن الـ10م إلى عدة مدن عمانية كصحار، ودبا، وجلفار، ومسقط التي قال عنها: إنها أول من يستقبل المراكب اليمنية، وبالنسبة لأبي عبيدة البكري القرن الـ11م فقد تحدث عن ظفار وسلعها إضافة إلى صحار ومسقط، وذكر الإدريسي في القرن الـ12م صور، وقلهات، والسيب مشيرًا إلى أن فيها مغاص اللؤلؤ، فضلًا عن جلفار وصناعة السفن في صحار ومرباط. ويضيف المحذوري: إن ياقوت الحموي في القرن الـ13م ذكر أهمية صحار التجارية وقلهات إليها ترفأ سفن الهند، وابن سعيد المغربي في القرن الثالث عشر الميلادي تحدث عن مرباط التي تأتيها السلع من الهند، في حين قال ابن المجاور في القرن الثالث عشر الميلادي عن مسقط: فيها ترسو المراكب القادمة من أطراف البلاد ثم تحمل إلى بلاد كرمان وخراسان وبلاد ما وراء النهر، وأشار ماركو بابولو في القرن الـ13م إلى أن صحار بدأت تفقد أهميتها التجارية وحلت محلها ظفار لأن فيها ميناء جيدًا وبينها وبين الهند حركة نقل بالمراكب وقلهات مدينة عظيمة تصدر منها خيول عربية إلى الهند ومسقط، وأخيرا ذكر ابن بطوطة في القرن الـ14م عن ظفار منها تحمل الخيل إلى الهند ووصف قلهات بأنها مدينة على الساحل حسنة الأسواق. العصر الحديث ويوضح المحذوري أن في العصر الحديث حدث تسابق بين القوى الغربية للسيطرة على الموانئ العمانية وتأمين طرق التجارة إلى الخليج العربي والهند، ففي بداية القرن السادس عشر الميلادي سيطرت البرتغال على الموانئ العمانية وهي موانئ صور، وقلهات، وقريات، ومسقط، وصحار، وخور فكان حتى مسندم ومضيق هرمز وبالتالي احتكار التجارة البحرية، وبعد طرد البرتغاليين في عهد اليعاربة فرضت عمان نفسها كقوة بحرية في المنطقة وبالتالي استعادت التجارة البحرية الأمر الذي أدى إلى الازدهار الاقتصادي لعمان، مبينا أن ميناء مسقط أصبح محور التجارة في الخليج العربي والمحيط الهندي، كما أصبح بمثابة منطقة حرة ترسو فيها السفن القادمة من اليمن والهند وشرق إفريقيا ثم تنقل البضائع إلى مناطق الخليج العربي حتى البصرة، وبعد تحرير ممباسا 1698م أضحت ولاية عمانية وبالتالي الاستفادة من الموانئ في شرق إفريقيا لمصلحة عمان مثل زنجبار وكلوة، كما تم إدخال تحسينات على صناعة السفن العمانية بالاستفادة من السفن الأوروبية الكبيرة الحجم. وكانت عمان القوة البحرية المسيطرة في غرب المحيط الهندي من منتصف القرن السابع عشر الميلادي حتى منتصف القرن التاسع عشر الميلادي. عهد دولة البوسعيد ويشير المحذوري إلى أن السيد حمد بن سعيد نقل العاصمة إلى مسقط نظرًا لأهميتها التجارية والتحصينية، وفي عام 1790م أصبح ميناء مسقط الموزع الوحيد للسكر في الخليج والمشرق العربي كما كان يوزع نصف إنتاج اليمن من القهوة، وفي عهد سلطان بن أحمد تبلور مركز مسقط كمدينة تجارية وكان يمر بها جانب كبير من التجارة الدولية وبدأت مطرح تكتسب أهميتها الدولية كميناء تجاري، كما حققت عمان نجاحات في مجال الملاحة والتجارة نظرًا للخبرة الملاحية الواسعة، والاستقرار السياسي للموانئ العماني، ووجود أسطول كبير ومتطور زمن السيد سعيد بن سلطان، بالإضافة إلى العلاقات الدولية الواسعة، ووصول السفن العمانية الوصول إلى موانئ بعيدة كنيويورك، ولندن، ومرسيليا، ووجود موانئ خارج عمان تابعة لها مثل جوادر، وبندر عباس في شمال الخليج، وممباسا، ولامو، وزنجبار في شرق إفريقيا، وازدهار صناعة السفن في بعض الموانئ العمانية مثل مسقط، وصور، ومطرح. الصادرات والواردات وتطرق الدكتور سليمان المحذوري إلى الحديث عن السلع التجارية الذي يعد العنصر الأساسي في تاريخ الصلات العمانية التجارية مع مختلف الموانئ، مشيرا إلى أن السلع التجارية تنوعت باختلاف الزمان والمكان، كالخليج العربي، والهند، والصين، وشرق إفريقيا، وأوروبا، وأمريكا، فالصادرات كانت عمانية المنشأ ومن دول أخرى تقوم إعادة تصدير تجارة الترانزيت، كالنحاس، والخيول، واللبان، والبسور، والتمور، والأسماك المجففة، والليمون، والبن، والسكر، واللؤلؤ، والنفط. أما الواردات فتنوعت بين الأرز، والعطور بأنواعها، والأخشاب، والعاج، والحرير، والأقمشة الصوفية والقطنية، والذهب، والجلود، والصناعات الخزفية، والبهارات، والبن، والسكر، والسجاد، والأسلحة. انحسار دور الملاحة ويوضح المحذوري أن انحسار دور الملاحة البحرية العمانية جاء في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي حيث انقسم الأسطول العماني عقب تحكيم كاننج بين مسقط وزنجبار، وبالتالي تدهور العلاقات التجارية بين شقي الإمبراطورية العمانية، واعتراض الإنجليز للسفن العمانية بدعوى الحد من تجارة الرقيق، واستخدام السفن البخارية في ستينيات القرن التاسع عشر الميلادي على نطاق واسع، إضافة إلى افتتاح قناة السويس عام 1870م الذي أدى إلى انخفاض الشحن البحري، والأوضاع السياسية في عمان خلال تلك الفترة أدت إلى تدهور التجارة، ومع ذلك ظلت مسقط المحطة الوحيدة للسفن البخارية، وظلت الموانئ الأخرى مثل صور ومطرح تمارس تجارتها معتمدة على السفن الشراعية. نظرة مستقبلية واختتم الدكتور سليمان المحذوري حديثه حول النظرة المستقبلية للموانئ العمانية حيث أشار إلى أن الكثير من دول العالم تعتمد على قطاع الموانئ في الدخل الوطني مثل سنغافورة، وهونج كونج، وهولندا، وبنما وغيرها، مبينا أنه لا يكفي أن نتحدث عن الأهمية الاستراتيجية لموقع عمان دون ترجمة هذه الأهمية عمليًا، مشددًا على ضرورة إعادة أهمية الموانئ العمانية في المنطقة والمنافسة عالميًا لا سيما في تجارة العبور والخدمات اللوجستية، وحث المحذوري على الإسراع في تنفيذ خطط تطوير الموانئ العمانية من أجل الارتباط بشكل مباشر بالسوق العالمية في آسيا، وإفريقيا، وأوروبا، وأمريكا بشكل مباشر استيرادًا وتصديرًا، والإسهام بقيمة مضافة عالية في الاقتصاد الوطني.