عوض بن سعيد باقوير /صحفي ومحلل سياسي - الحروب بالوكالة تحتاج إلى أجندة إعلامية، وما يدور الآن في ليبيا أو اليمن هو صراع إرادات بين أجندات متصارعة، هنا يأتي دور الإعلام للدفع بتلك الأجندات الخفية، وتعد المواجهة الإعلامية الحالية هي الأكبر منذ عقود كما أن تكلفتها المالية كبيرة، عدد من الحروب والصراعات في المنطقة والعالم هي حروب بالوكالة من خلال صنع جماعات وجيوش مسلحة، بل ووصل الأمر إلى إيجاد شركات خاصة تقوم بعمل الانقلابات العسكرية في الدول النامية بشكل خاص مما يجعل تلك الصراعات العسكرية المحلية هي ترجمة لتلك الأجندات، ومن هنا وفي ظل تلك المفاهيم تكون الشعوب هي ضحية تلك الصراعات في ظل الأهداف الاستراتيجية التي تسعى لها الدول المتنفذة. ولعل الدول الاستعمارية مارست تلك الحروب بالوكالة في إفريقيا للحصول على ثروات تلك الدول خلال فترات الاستعمار التي امتدت لسنوات طويلة، مما جعل تلك الدول تعاني الأمرين ولا تزال خاصة القارة الإفريقية ذات الثروات الطبيعية الكبيرة. النفوذ الشامل لعبت شركات النفط دورا حيويا في إطار تلك الصراعات الاستحواذ على الثروة والنفوذ من خلال دعم الحروب والصراعات الداخلية أو من خلال استقطاب القيادات المحلية أو من خلال الانقلابات العسكرية وتوجيه التهم الجاهزة، ولعل دول الغرب الإفريقي نموذجا صارخا فيما يتعلق بالنفوذ حيث وجود منابع الماس والثروة النفطية، وعلى ضوء ذلك تواصلت تلك الحروب لتشهد إفريقيا أكبر عدد من الانقلابات العسكرية خلال نصف العقود الأخيرة. هناك الآن صراعات وحروب في المنطقة العربية تهدف إلى تحقيق أجندات لدول من خلال تحقيق رؤى متضادة بين المحافظة على أنظمة سياسية تقليدية أو الانتقال إلى الحكم الديمقراطي وهو الصراع الذي شهدته المنطقة عام ٢٠١١ في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا وهي الدول التي تواجه الآن حروبا أهلية بعضها بالوكالة كما في الحالة اليمنية والحالة الليبية من خلال التدخلات الخارجية. كما شهدت أمريكا الجنوبية صراعات كبيرة محلية من خلال دعم جيوش محلية، تم دعمها من الولايات المتحدة الأمريكية خاصة ضد الثورة الكوبية وفي دول مثل نيكارجوا وتشيلي والسلفادور وبنما، ومن هنا فإن الحروب بالوكالة كانت صنيعة المخابرات الأمريكية والغربية لسنوات ما بعد الاستعمار. النظام الدولي الحالي الذي استقر بعد الحرب العالمية الثانية اتخذ مسارات يعتمد فيها على التدخل العسكري المباشر أو من خلال الحرب بالوكالة التي تنفذها جماعات محلية أو شركات خاصة، ولعل شركة فاجنر الروسية التي تردد اسمها في الحرب الأهلية المشتعلة في ليبيا هي نموذج على دعم احد طرفي الحرب، كما أن نظيرتها الأمريكية بلاكووتر لا تقل خطورة عنها وقد بدأت بالظهور في العراق إبان الاحتلال الأمريكي وقامت بأعمال إجرامية بشعة خاصة في السجون من خلال تغطية الإعلام الأمريكي لمجريات الحرب في العراق، وكانت بلاكووتر تقوم بأعمال عسكريه بالوكالة، وعلى ضوء ذلك امتدت الخدمات المشبوهة لتلك الشركات إلى دول عديدة في الشرق الأوسط خاصة خلال الحروب والصراعات الإقليمية التي تدور حاليا في ليبيا وسوريا واليمن وحتى في إطار أهداف تلك الدول لغرض أجندات سياسية تهدف إلى إيجاد مناخ سياسي محدد يحقق لها النفوذ الشامل اقتصاديا وسياسيا واستراتيجيا. الحالة الليبية الحرب الأهلية التي تدور حاليا في ليبيا هي مثال صارخ على التدخلات الخارجية منذ سقوط نظام القذافي عام ٢٠١١ من خلال استقطاب أجندات لدول خارجية، تحاول فرض أجندة محلية من خلال الدعم العسكري والسياسي لطرف ضد آخر، حيث الصراع المشتعل الآن بين قوات حفتر من جانب وبين قوات حكومة الوفاق الليبية. وعلى ضوء محددات ذلك الصراع تظهر ظاهرة الحرب بالوكالة من خلال وجود شركة فاجنر الروسية وأيضا جماعات مسلحة ومن خلال الدعم العسكري التركي لحكومة الوفاق الوطني وهي الحكومة المعترف بها دوليا وتركيا لا تخفي هذا الدعم. وقد بدأت الأصوات تتحدث عن مبادرات سياسية تنهي الحرب في ليبيا سواء من دول أو من الأمم المتحدة على ضوء مخرجات حوار برلين وهناك اتفاق الصخيرات، وبالتالي فإن المسار السياسي قد يأخذ وقتا أطول إذا استمرت الأطراف الخارجية في التطلع لتنفيذ أجندتها السياسية في ليبيا. التدخل الفرنسي والإيطالي كان حاضرا في الصراع الليبي ولو كان من طرف خفي كما يقال خاصة أن العلاقات الليبية والإيطالية هي علاقات قديمة بدأت مع الاستعمار البغيض خلال سنوات طويلة، لينتهي ذلك الاستعمار بانتصار المقاومة للشعب الليبي ورمزهم المجاهد عمر المختار. على ضوء طبيعة الصراع فإن الأجندة لكل الأطراف الخارجية تتركز على ثروات ليبيا وأهمية اقتسام شيء من الكعكة الكبيرة، خاصة أن ليبيا تمتد على شريط واسع على البحر المتوسط وبها ثروات طبيعية كبيرة. ومن هنا فإن ظاهرة الحروب بالوكالة لتحقيق أجندات للدول أصبحت ظاهره تستخدم على نطاق واسع أما من خلال الجيوش المرتزقة أو الإمداد بالسلاح أو من خلال الدعم اللوجستي والسياسي، والنموذج الليبي ليس هو الوحيد فهناك نماذج صارخة في القارة الإفريقية وكان السودان إحدى ضحايا هذا التدخل العسكري والذي انتهى بفصل جنوب السودان وإقامة دولة مستقلة. هناك العديد من قضايا الحدود في المنطقة العربية كانت وما زالت تستهدف الأمن القومي العربي وإيجاد عداوات بين الدول العربية وحتى الإفريقية، وجاءت الاستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة الأمريكية بسحب قواتها من الدول لتقليل النفقات المالية والتركيز على الحرب بالوكالة من خلال جماعات محلية وهو الأمر الذي يحدث الآن في جنوب اليمن حيث الصراع المسلح بين المجلس الانتقالي الجنوبي وقوات الحكومة اليمنية الشرعية، حيث الأجندة واضحة لتحقيق انفصال جنوب اليمن وبسط السيطرة الاقتصادية والنفوذ الذي تسعي إليه أي أجندة استراتيجية. الحرب الإعلامية الحروب بالوكالة تحتاج إلى أجندة إعلامية، وما يدور الآن في ليبيا أو اليمن هو صراع إرادات بين أجندات متصارعة، هنا يأتي دور الإعلام للدفع بتلك الأجندات الخفية، وتعد المواجهة الإعلامية الحالية هي الأكبر منذ عقود كما أن تكلفتها المالية كبيرة، وهذا يذكرنا بوزير إعلام الزعيم النازي هتلر جوبلز الذي اخترع الدعاية الإعلامية المؤثرة خلال أحداث الحرب العالمية الثانية. إن الاستقطاب الإعلامي الحالي لدعم الصراعات الحالية يعد كبيرًا وغير مسبوق وسوف يتواصل مع تواصل الحروب والصراعات الأهلية بالوكالة من قبل الدعم الخارجي، وعلى ضوء ظاهرة الحروب بالوكالة تتراجع الدبلوماسية ودورها في حل تلك الصراعات لأن الأمم المتحدة وهي المرجعية لإقرار السلام والاستقرار في العالم تراجع دورها وأصبح مهمشا لصالح القوى الكبرى وللدول ذات الأجندات الخفية. إن النظام الدولي يحتاج إلى مراجعة شاملة وإلى إيجاد آليات لوقف تلك الحروب والصراعات والتدخلات بالوكالة واحترام سيادة الدول، لأن تلك الحروب والصراعات بالوكالة أدت إلى تدمير المجتمعات وادت إلى نشر الكراهية بين الشعوب من خلال الدور السلبي لشبكات التواصل الاجتماعي ومن خلال الميكنة الإعلامية التي فاقمت العداوات بين المجتمعات وأوجدت نوعًا من الفوضى في المنطقة العربية، وما يدور في ليبيا واليمن هو نموذج خرج عن السيطرة ليتعرض البلدان الشقيقان إلى تدمير ممنهج بسبب تلك الحروب بالوكالة والأجندات الخفية التي كانت وبالا على تلك الشعوب وضياع مقدراتها في الحياة الآمنة الكريمة.