فتحي مصطفى -
منذ الإعلان عن تفشي فيروس «كورونا» في مدينة ووهان الصينية، واتخذت معظم دول العالم التدابير اللازمة للوقاية من وصول الفيروس إلى أراضيها، حتى قبل تحوله إلى جائحة، وحملت ميزانياتها ما لا يطاق بسبب وقف حركات الطيران والتجارة، وفرض حظر التجوال وما تلاه من إجراءات أحدثت نوعا من الشلل الاقتصادي، إلا أن اتساع أعداد المصابين والوفيات وضعت العالم في مأزق لأن الأزمة سيطول مداها، ولن يكون بمقدور دول كثيرة الاستمرار على هذا الوضع، لذا اضطر العالم للجوء إلى ما أسماه بالاعتماد على «الوعي المجتمعي» أو «الوعي الذاتي» لمواجهة أزمة «كورونا» وكذلك «اقتصادات الدول التي اقترب بعضها من حافة الانهيار».
وبعد تقديم كل ما يحتاج إليه الناس من نصائح وإرشادات وبيانات يومية عن خطورة الفيروس ومدى انتشاره أو انحساره، وطرق الوقاية والحماية منه، إلا أن عدد الإصابات والوفيات ارتفع بسبب عودة الحياة الطبيعية إلى ما كانت عليه بشكل تدريجي، برغم استمرار بعض القرارات التي اتخذت في السابق.
وفي الواقع فإن عدة ثقافات ظهرت على السطح من بين الناس، منها ما أسهم وكان له أثر كبير في نشر الإصابة وخروجها عن السيطرة في بعض الأحيان، ومنهم الإيجابي، فهناك «الجاهل المثقف» الذي لا يحمل شهادات علمية أو تعليمية، ولكنه استوعب حجم المشكلة ويحاول جاهدا في كل تصرفاته أن يقي نفسه أو من حوله شر الإصابة بالفيروس، وهناك «المتعلم الجاهل» الذي يحمل الشهادات العلمية ولكنه يتعامل مع المشكلة باستهانة وكأنها صداع في رأسه، إذا أصيب به فسيمر الأمر بسلام ولن يصاب بأي أذى، رغم ما يراه ويسمعه كل يوم من ارتفاع في عدد الإصابات والوفيات، ولكنه يظن نفسه بمنأى عن الإصابة.
وهناك «المتواكلون» الذين يحيلون الأمر برمته إلى القضاء والقدر، وأن فكرة الإصابة من عدمها أمر مكتوب ومقدر، وأنه إذا كُتب عليهم الإصابة بالفيروس، فلن يستطيع أحد إيقافه، وإذا حاول شخص مناقشتهم فيما يعتقدون فسيجد مشقة كبيرة في إقناعهم أولا بإيمانه بمسألة القضاء والقدر، كذلك أننا مأمورون بالأخذ بالأسباب، والقصد هنا هو أسباب الوقاية والابتعاد عن أي تصرف أو ممارسات تصل به إلى الإصابة، وأنه ليس من المنطقي أن يلقي بنفسه وسط مياه النهر أو داخل عمق كبير في البحر وينجو، أو أن يقف أمام القطار وسينجيه الله لأنه مكتوب له الحياة.
والأمر فعلا في غاية التعقيد والخطورة، فإذا ضربنا مثلا بأسرة مكونة من خمسة أفراد، أربعة منهم يتخذون جميع التدابير اللازمة للابتعاد عن الإصابة بفيروس «كورونا»، ولكن خامسهم يستهين بالأمر، فيعرض جميع أسرته لخطر الإصابة، الأمر ذاته نجده في إصرار بعض الناس على النزول إلى المتاجر أو محلات الملابس لشراء احتياجاتهم، ربما بكامل أفراد الأسرة بما فيهم الأطفال وكبار السن، ما أسهم بشكل كبير في ارتفاع عدد الإصابات في بداية شهر رمضان الماضي، على سبيل المثال، وقبل عيد الفطر في بعض البلدان العربية والإسلامية، فضلا عن المناسبات الدينية الأخرى على مستوى العالم.
وثمة سلوكيات خاطئة يقوم بها الكثير من الناس قد تضعهم صوب الإصابة بالفيروس، فمنها التعامل الخاطئ مع واقي الوجه «الكمامة»، إذ من المفروض تطهير اليدين جيدا إما بالمعقمات أو بغسلها بالماء والصابون لمدة لا تقل عن 20 ثانية، قبل ارتدائها، بحسب منظمة الصحة العالمية، إلا أن البعض يرتديها دون فعل ذلك، كما أن البعض يرتدونها في الشارع فقط ثم يضعونها في جيوبهم لحين الانتهاء من عملهم، ثم يرتدونها مرة أخرى، والكارثة إذا كان الوجه الأمامي لها قد تلوث بفعل مواجهة شخص مصاب، فإنه بذلك نقل التلوث إلى جميع أجزائها، ووضع الفيروس صوب أنفه وفمه. وهناك بعض النصائح المهمة والردود على أسئلة شائعة في هذا الشأن وضعتها «منظمة الصحة العالمية» على موقعها الإلكتروني، وأذكر بعضها باختصار شديد للفائدة، فقد أكدت أنه ينبغي عدم ارتداء الكمامة أثناء ممارسة الرياضة لأنها قد تحدّ من القدرة على التنفس بصورة مريحة، وقد تبتل بسبب العرق فيصعب التنفس وربما تكونت بعض الميكروبات، كما أن التعرض لحرارة الشمس الأعلى من 25 درجة مئوية لا تقي من الإصابة بالفيروس، ولا يعني حبس النفس لمدة 10 ثوان من دون سعال أو الشعور بالضيق أن الشخص غير مصاب، كما أن مجففات الأيدي التي توجد في المراحيض العامة غير فعالة في القضاء على فيروس كورونا إن وجد وتطهيرها منه.
وهناك من يعتقد أن غسل الأنف بانتظام بمحلول ملحي يقي من العدوى بفيروس كورونا، إلا أن ذلك غير صحيح ونفته المنظمة، ولا يساعد تناول الثوم في الوقاية من الفيروس، فالثوم يتميز ببعض الخصائص المضادة للميكروبات، ولا توجد أي بينة أن الثوم يقي من العدوى بالفيروس، كما لا توجد أي أدوية محددة أو موصى بها للوقاية من الفيروس أو علاجه، وقد تناقل البعض أن شبكات الجيل الخامس اللاسلكية تعمل على نشر العدوى بفيروس «كورونا»، وهذا غير صحيح لأن الفيروسات ليس بمقدورها التنقل عبر الموجات اللاسلكية أو شبكات الهاتف المحمول.
وأخيراً، فإن «الوعي المجتمعي» أو «الوعي الذاتي» ليست إلا مسميات أو عناوين لتصرفات وأفعال إيجابية تعني تحمل الشخص المسؤولية تجاه نفسه وتجاه الآخرين، فلو كان الأمر يتعلق بإصابة الشخص وحده دون نقل العدوى للآخرين، فليتحمل هو نتيجة إهماله واستهتاره، لذلك فإنه على كل إنسان تحمل مسؤوليته تجاه نفسه وتجاه من حوله، وأن يكون دعاية إيجابية ورمزًا للالتزام والرقي حتى نتمكن من الخروج من هذا النفق المظلم ذي النهاية المجهولة.