هلال بن حسن اللواتي - إنَّ المتابعة الإيجابية والإرشاد والتوجيه للحركات الفكرية التي تحوم حول شبابنا وأجيالنا من أهم المهام في تحصين الأجيال، خشية تجنيدهم بالفكر الإرهابي والفكر الإقصائي، والفكر التكفيري، والفكر الطائفي، وجعلهم قنبلة موقوتة تنتظر الوقت الملائم لتغير معالم الإنسانية إلى الوحشية. ومن أهم الطرق لتحصين الأجيال هو طريق المراقبة الذاتية، ولعل أهم عامل في تعزيز هذه المراقبة هو: «حب الله تبارك وتعالى»، فإن العمل على التعرف على الله وعلى معرفه بالحب يكون مثمرًا ومنتجًا أكثر من عامل الترهيب والتخويف. لم يعد خافيًا على أحد من البشر اليوم أن الإرهاب قد دخل إلى مرحلة تنظيمية وعالية المستوى، وليس خافيًا أيضًا أن هناك من يدفع عجلة هذه التوجهات المتطرفة إلى الأكثر وحشية وبشكل منظم ودقيق ومستمر، ولا يريد منطقة الشرق الأوسط أن تستقر، ففقدت تلكم الجهات العالمية الداعمة للإرهاب إنسانيتها وكل ذلك لأجل بضع قطرات من النفط، فأصبحت الإنسانية أقل مستوى في الاهتمام من الذهب الأسود، ولأجل اكتمال دائرة التنظيم الإرهابي كان لابد من سلخ إنسانية كل من يعيش في الدول العربية والإسلامية حتى يصبح لدى تلكم الدول الداعمة للإرهاب حجة ومبررًا لإزالتها عن الوجود. ومن هنا نجد عند أولئك التجنيد المكثف للثقافة السلبية كعنصر من عناصر تفكيك الأمة الإسلامية والعربية من أصولها ومن إنسانيتها. وأما الحديث عن زمن التصاق التطرف والإرهاب بالأمة العربية والإسلامية فهو حديث ذو شجون، ولكننا سنتجاوز الحديث التاريخي لننظر وباختصار جداً إلى العلل والأسباب الكامنة وراء بروز التطرف والإرهاب في النفس البشرية، وإلى الحديث عن بقية العناوين إن شاء الله تعالى. فإن العلة الأساسية لظهور التطرف في الإنسان بناء على ما تقرر في «علم النفس الفلسفي» هي: ضعف قدرات القوة العقلية فيه، غلبة القوة الوهمية، ومد هذه الأخيرة القوة الغضبية بالنهوض السلبي، وبناء على هذه الحقيقة فإن كل إنسان يملك القابلية ليصبح متطرفاً إلا أن هناك عوامل عديدة تمنعه من أن يصبح إرهابيًا متطرفًا بالمفهوم العالمي العصري اليوم. إذ التطرف بمعناه اللغوي والاصطلاحي خروج عن الصراط المستقيم إلى حد الإفراط، أي الزيادة في الشيء، فإذا نظرنا إلى التعريف اللغوي فإننا من الصعب أن نجد شخصًا غير متصف بهذه الصفة، ولكن إذا ما لم تكن هناك ضوابط تحكم سلوكه وعقله ونفسه فإنه سيزداد تعمقًا في هذا الإفراط إلى أن يصل إلى مستوى الإنسان المجرم الذي لا يعرف سوى التطرف في التعامل، وإلى ذلك الإنسان الذي يوصف بــ«الإرهابي»، و«المتطرف»، و«الطائفي». ومع قليل من التأمل نجد أن العامل الأساس الذي يدفع الإنسان إلى أن يسلك مثل هذا المسلك المذموم هو «الجهل»، وبالخصوص «الجهل المركب». واليوم نجد منظمات تملك برامج لإبعاد الناس عن طريق العقل والتعقل، وذلك بترسيخ المغالطات والشكوك، وإبعاد الذهن عن التفكير بأسلوب منطقي برهاني، وبذل كل الجهد في عدم جعله ينهج المنهج العقلي، بل تتركه يدس عقله في عالم الحسيات، وبهذا تبعده عن عالم العقل الذي هو عالم التجرد والحر المطلق، وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه المنظمات قد تدخل إلى الدول وسياساتها لثنيها عن قيمها ومبادئها بعنوان «التحضر والتطور»، فترغمها بشتى الطرق والأساليب أن تلبس لباس الانفلات والتفسخ من المبادئ والقيم، فترسم لها استراتيجيات عناوينها خلابة ولكن مضامينها لا تفوح منها سوى رائحة نتنة، وليس بالضرورة أن يكون هذا الإرغام بالتهديد وغيره بل إن أساليب العدو الفكري والأخلاقي والقيمي كثيرة جدًا، فمنها الدخول إلى عالم الاقتصاد وإلى عالم التربية وإلى عالم النفس وإظهار ما لديه وكأنه البرنامج العالمي الوحيد الذي يملك الحلول للمشكلات التي تبحث عنه الدول. ولأجل معالجة الإنسان من هذا التطرف لابد أولاً وبالذات تزويد القوة العقلية العلوم التي من عالمها ومن سنخ وجودها، فإنه ليس كل علم وليس كل ثقافة تتلاءم وطبيعة القوة العقلية، بل إن هناك من الثقافات إذا ما غذيت القوة العقلية ماتت وهلكت وفسدت. إذن.. إن من أهم ما يحتاجه الإنسان في سبيل ردع التطرف، وفي سبيل تحصين الأجيال من التطرف هو: تزويد القوة العقلية بغذائها الخاص، وهذا الغذاء الخاص ليس إلا من عالمها العقلي الذي ينتمي العقل إليه، وهو العالم الذي قدم منه هذا العقل. وما دام «الجهل» هو عصب حياة التطرف والإرهاب فإننا نؤمن أن التطرف ليس موجودًا في الدول العربية والإسلامية بل إننا نرى ونلمس وبقوة وجود الإرهاب في تلكم البلدان التي تدعي التحضر وتدعي الخلو منه، فإن «التمييز» العنصري صورة من صور الإرهاب إذ هو اغتيال للبشرية ولكن بنحو بطئ، وإن «الزواج المثلي» إرهاب يهدد الوجود البشري على وجه الكرة الأرضية، وإن «التفسخ الخُلُقي» إرهاب يهدد سلامة البشرية، نعم إن توجيه الإرهاب إلى الصورة المعلنة عنه في الإعلام العالمي وفي الوسط السياسي والعسكري والأمني وحصره فيها ليس إلا إلهاء عن الصورة الحقيقية للإرهاب الذي يهدد الكيان البشري، ويهدد إنسانية الإنسان برمتها. إن اختراق المنظومة المعرفية الصحيحة والتي يريدها العقل هو التهديد الحقيقي الذي يمثل تعزيزًا للجهل، وتربية للتطرف، وإبرازاً للإرهاب في السلوك البشري. والتحصين مفهوم مركب من عدة عناصر: أولها: العنصر المرحلي، وثانيها: العنصر الاستراتيجي، وثالثها: العنصر النظري، ورابعها: العنصر العملي، وخامسها: العنصر الوجوبي، وسادسها: العنصر الأدبي، وهكذا مع تكامل هذه العناصر، لتشكل وحدة تنتظم دائرتها بدقة لتستهدف في مرحلتها التطبيقية النوع البشري بمختلف أطيافه ومستوياته. ومن هنا تقع مسؤولية جميع الأفراد والمؤسسات العامة والخاصة في خصوص حفظ أجيال المجتمع من ركوب موجات الجهل، والدخول إلى عالم الحسيات فقط، وترك عالم العقل ولوازمه، فمن الأمور التي ينبغي أن يسلك أولئك هو التركيز على القيم والمبادئ الإنسانية، ورسم خطط تربوية في ترسيخ القيم السامية، ولكن من الضروري جداً أن لا تنفصل هذه القيم عن «خالق الوجود»؛ لأنها به فقط تكتسب قيمتها، وبه فقط يتمكن الإنسان من القضاء على الجهل بقسميه البسيط والمركب، وبه فقط يستطيع أن يدفع عنه شر شياطين الإنس الذين لا يفترون عن التخطيط لتدمير الإنسان والإنسانية في الشرق الأوسط، وبالخصوص إنسان وإنسانية المسلم، والعلة في ضرورة اللجوء إلى «خالق الوجود» هي: لأنه الكمال المطلق، والمطلق لا يمكن أن يهزم من قبل الإنسان المحدود، فإن التمسك «بالله» تبارك وتعالى هو الضمان الوحيد للتغلب على الجهل، وعلى كل من يريد الفتك بالعقل وبمعارفه الحقيقية الحقة. إن المتابعة الإيجابية والإرشاد والتوجيه للحركات الفكرية التي تحوم حول شبابنا وأجيالنا من أهم المهام في تحصين الأجيال، وهذه المتابعة لا ينبغي أن تقتصر على وجودهم في البلد فقط، بل إنهم أحوج إلى ذلك حينما يكونون في البلدان الأخرى وبالخصوص التي صنعت الإرهاب وصدرته إلى الدول العربية والإسلامية، فهنا خشية تجنيدهم بالفكر الإرهابي والفكر الإقصائي، والفكر التكفيري، والفكر الطائفي، وجعلهم قنبلة موقوتة تنتظر الوقت الملائم لتغير معالم الإنسانية إلى الوحشية. ومن أهم الطرق لتحصين الأجيال هو طريق المراقبة الذاتية، أي إيصال الفرد إلى مستوى من المسؤولية ليراقب ذاته من أن تنجرف وراء التطرف، ووراء الخروج عن حد الصراط المستقيم، ولعل أهم عامل في تعزيز هذه المراقبة هو: (حب الله تبارك وتعالى)، فإن العمل على التعرف على الله وعلى معرفه بالحب يكون مثمراً ومنتجاً أكثر من عامل الترهيب والتخويف، وقد ورد في الأثر : «وهل الدين إلا الحب».